آخر الأخبار

(خطر وفرصة: رحلة سفير أمريكي في الشرق الأوسط)1/6

تقديم: بعد أن انتهيت من قراءة كتاب السفير الأمريكي إدوارد دجرجيان «خطر وفرصة: رحلة سفير أمريكي في الشرق الأوسط» (سايمون آند شوستر للنشر، الطبعة الشعبية (بيبر باك)، 320 ص، 2008) Danger And Opportunity ، وجدت أنه من الواجب لا بل من الضروري ترجمة ونشر بعض النوادر من الأسرار والحوادث المثيرة التي وردت بين دفتي الكتاب والتي أظنها تهم القراء العرب. وهكذا قمت باختيار وتلخيص أهم 30 فقرة في الكتاب (المترجم حمد العيسى)،.

وقبل القراءة، أرجو ملاحظة التالي: معظم الهوامش والتعليقات التي بين الأقواس من وضع المترجم؛ الراوي في جميع الفقرات هو المؤلف دجرجيان باستثناء تدخل المترجم عند الضرورة؛ ويمكن اختصار اسم المؤلف «إدوارد» إلى «إد» في العامية الأمريكية. كما إن الفقرات ليست بالضرورة متسلسلة ومرتبة زمنياً. وقد تصرفنا في الترجمة قليلاً بسبب ضرورة التلخيص ولجعل الحكايات سلسة ومفهومة للقارئ العادي غير المتابع للسياسة. تعريف بـ السفير إدوارد دجرجيان: مواطن أمريكي من أصل أرمني ولد في نيويورك عام 1933. درس في كلية الخدمة العامة في جامعة جورج تاون العريقة وتخرج فيها عام 1960. خدم في التجنيد الإجباري في الجيش الأمريكي في كوريا. متزوج وله ولدين. عمل بعد تخرجه في الخارجية الأمريكية من عهد الرئيس جون كينيدي حتى عهد الرئيس بيل كلينتون. يعتبر عمله تحت 8 إدارات ديمقراطية وجمهورية متتابعة دليلاً واضحاً على مهنيته العالية وعدم حزبيته، حيث خدم لمدة ثلاثين سنة تقريباً كالتالي: سكرتير في السفارة الأمريكية في بيروت (1966-1969)؛ مستشار سياسي في السفارة الأمريكية في كازابلانكا (1969-1972)؛ مستشار عام في القنصلية الأمريكية في بوردو في فرنسا (1975-1977)؛ رئيس القسم السياسي في السفارة الأمريكية في موسكو (1979-1981)؛ رئيس البعثة الأمريكية في الأردن (1981-1984)؛ مساعد خاص للرئيس الأمريكي ونائب المتحدث باسم البيت الأبيض عام 1985؛ سفير في سوريا (1989-1991)، مساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى (1991-1993)؛ وأخيراً كسفير في إسرائيل (1993-1994).

يتحدث دجرجيان العربية بطلاقة كما يتحدث الأرمنية والفرنسية والروسية. وبعد تقاعده من العمل الرسمي، عمل مستشارا سياسياً أعلى للعديد من لجان الكونغرس المهتمة بالسياسة الخارجية. وضع في خطبة مهمة وصفاً دقيقاً ومبتكراً لهدف الإسلاميين الراديكاليين الذين ينادون بالديمقراطية على طريقتهم الخاصة كالتالي: «شخص واحد، صوت واحد، مرة واحدة»!! حصل السفير دجرجيان على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية والعديد من الأوسمة من الحكومة والمؤسسات الأكاديمية الأمريكية نظير خدماته وخبراته المهمة في الشأن الدبلوماسي والسياسي.

(1) تقريظ هنري كيسنجر لكتاب

«خطر وفرصة»

«كتاب «خطر وفرصة» يستحق انتباه صناع القرار لكونه يضع خارطة طريق متبصرة وعميقة وبراغماتية تقدم أفضل فرصة لتمكين المعتدلين وتهميش المتطرفين الذين يسعون إلى تدمير المؤسسات المدنية في منطقة الشرق الأوسط».

(2) خدعة بيروقراطية

من الداهية كيسنجر

عندما أصبحت مسؤولاً عن قسم شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية، تلقيت دعوة من «مركز مريديان الدولي» (Meridian International Centre) لإلقاء ما يسمي بـ «خطبة الميرديان هاوس» وهو مركز يهدف إلى تطوير وتقوية التفاهم الدولي وتبادل الخبرات وحوار الثقافات (طالع تعليق المترجم لاحقاً عن هدف الخطبة والمركز). شعرت أنه من واجبي بحسب خبرتي العميقة بالشرق الأوسط وعلاقاتي الواسعة هناك ولوجود أفكار شائعة ومتداولة خاطئة كثيرة عن أن الإسلام قد يكون العدو القادم للغرب بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، أن أكرس خطبة «مريديان هاوس» لتوضيح موقفنا الحقيقي من الإسلام والصراع في الشرق الأوسط، وهكذا قمت بإلقاء ما سمي بـ «خطبة الميرديان هاوس». حيث طلبت من ثلاثة من أفضل المحللين السياسيين في وزارة الخارجية كتابة نص الخطبة بعد أن شرحت لهم أفكاري الرئيسة. وعندما سلموني البروفة الأولى (1st Draft) للخطبة، قمت باستعمال خدعة Ploy بيروقراطية رائعة تعلمتها من البروفيسور هنري كيسنجر عندما عملت تحت رئاسته لسنوات عديدة في وزارة الخارجية حيث كتبت ببساطة على ورقة ستيكر صفراء عبارة من دون قراءة حرف واحد من البروفة:

ليست جيدة بما فيه الكفاية

It›s Not Good Enough

ثم ألصقت الستيكر على البروفة ليعيدوا مراجعتها وإتقانها حتى تكون كاملة ومثالية وخالية من الأخطاء، وهكذا فعلت في البروفات الثلاث الأولى من دون قراءة حرف واحد فيها. لكن عندما قرأت البروفة الرابعة كانت خالية من الأخطاء وأكثر من رائعة وتلبي مطلبي تماماً. وعندها أخذت البروفة النهائية لكي أسلمها بنفسي لرئيسي الوزير جيمس بيكر، في مكتبه في الدور السابع في وزارة الخارجية، وبعد أن شرحت له الفكرة الرئيسة للخطبة، طلبت موافقته النهائية لكي ألقيها رسمياً. نظر بيكر إلي بحدة وجدية ثم قال: «حسناً إد! ولكن كن على حذر!» كنت أعرف أن بيكر لا يجيد المزاح وكلماته البسيطة هذه تعني أن مستقبلي الوظيفي سينتهي إذا أخفقت لأن القضايا المطروحة حساسة وجدلية! وهكذا ألقيتها في مركز ميرديان في 4 حزيران/يونيو 1992، ولحسن الحظ لاقت قبولاً جيداً وواسعاً، بل وتم تبني معظم أفكارها الرئيسة من قبل الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت ومعظم الإدارات التالية.

(تعليق المترجم: ينظم مركز مريديان الدولي في العاصمة واشنطن (Meridian International Center) نشاطاً ثقافياً فكرياً عبارة عن خطبة أو محاضرة في الشؤون العامة (Public Affairs) تسمى بـ «ميريديان هاوس سبيش»، يلقيها علماء ومفكرون ودبلوماسيون ونواب وشيوخ ورجال أعمال ورؤساء شركات بصورة ربع سنوية. يهدف المركز إلى تطوير وتقوية التفاهم الدولي وتبادل الخبرات وحوار الثقافات، ويؤكد أهمية ما يسميه بـ «الدبلوماسية الثقافية» (Cultural Diplomacy) . وهو مركز «غير حزبي» و»غير ربحي» تأسس عام 1960، ويتم تمويل نشاطاته من وقف خيري. ويحاضر فيه نخبة النخبة من الجنسيات كافة. وللمركز نشاطات ثقافية وفنية وتعليمية بخلاف خطبة ميريديان هاوس الشهيرة. انتهى تعليق المترجم).

(3) فقرة من خطبة ميرديان هاوس

خطبة ميرديان هاوس التي ألقاها دجرجيان في عام 1992، تكونت من فقرات مكثفة عديدة Bullets. اختار المترجم فقرة واحدة منها تكشف نظرة وزارة الخارجية الأمريكية للإسلام والمسلمين في ذلك الوقت (عام 1992)، ليتمكن القراء الكرام المقارنة بما حدث - للأسف - بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، الإرهابية. بداية الفقرة: «الحكومة الأمريكية لا تنظر للإسلام كخطر قادم لمواجهة الغرب أو كتهديد للسلام العالمي. هذه النظرة مرفوضة لكونها تبسيطية وسطحية ولا تشرح الواقع المعقد، إضافة إلى أنها تخدم المتطرفين. الحرب الباردة لا تستبدل بصراع جديد بين الإسلام والغرب. الصليبيون اختفوا منذ قرون. أمريكا تعترف بالإسلام كواحد من أعظم الديانات في العالم ويمارسه أناس في جميع القارات ومنهم ملايين من مواطني الولايات المتحدة. كغربيين، نحن نحترم الإسلام كقوة حضارية كبيرة بل واحدة من أهم الحضارات التي أَثْرت وأغنت ثقافتنا». انتهت الفقرة المقتبسة من خطبة الميرديان هاوس!

(4) شفايف الشهيد عرفات ترعب البروتوكول الأمريكي

منظمة التحرير الفلسطينية التي يقودها عرفات تم تصنيفها في أمريكا كمنظمة إرهابية؛ في الحقيقة، لقد كان من ضمن مسؤولياتي في وزارة الخارجية أن أوقع على أوراق استثناء رسمية للسماح لمسؤولي المنظمة بدخول الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الأمم المتحدة. وعندما استلمت ذات يوم أمراً من رئيسي الوزير وارن كريستوفر، للذهاب إلى قاعدة أندروز الجوية في واشنطن دي سي، لأستقبل رئيس المنظمة ياسر عرفات الذي يزور أمريكا رسمياً لأول مرة، قررت فوراً ضرورة تجنب عناق عرفات بالطريقة العربية التقليدية ومنعه من وضع قبلاته الحارة الشهيرة على الخدين. ونظراً إلى الحساسية في أمريكا لهذا الأمر، قررت أن تكون الصورة الأولى لنا معاً مهنية لا تزيد عن مجرد سلام باليد من دون أحضان ولا قبلات. ولذلك، في اليوم الذي سبق الاستقبال، اتصلت بصديقي مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي دانيال كورتزر، وطلبت منه الحضور إلى مكتبي فوراً. وعندما دخل مكتبي قلت له: «دان: يجب عليَّ أن أستقبل ياسر عرفات غداً، ولذلك أرجوك حاول أن تعانقني الآن!!». نظر إلي دان بدهشة معتقداً أنني قد جننت. وعندما شرحت له المأزق تفهمني فوراً وبدأنا نتمرن فوراً على تفادي العناق والقبلات وساعدتني خبرتي في رقص الباليه أيام الدراسة الجامعية حيث كنت أقوم برشاقة برفع ذراعي الأيسر ووضعه على كتف دانيال (عرفات) الأيمن بمهارة لأحتفظ بمسافة فاصلة بيني وبينه تمنعه من العناق والقبلات، وفي اللحظة نفسها أقوم برشاقة بمد يدي اليمنى لأصافح يد دانيال (عرفات) اليمنى حتى نستطيع أخذ صورة مهنية رسمية لا تزيد عن مصافحة باليد فقط (Handshake).

وفي اليوم التالي كما علمت لاحقاً من أحد مرافقي عرفات، همس أحد مستشاري عرفات ـ عندما شاهدني من النافذة بعد وقوف الطائرة على رأس المستقبلين ـ في إذن رئيسه وهو يتنهد: «إنه دجرجيان، لقد أصبحنا شرعيين (Legitimate) أخيراً!! « (تعليق المترجم: لكون دجرجيان من الذين يطلق عليهم في الغرب (Arabist) أي «مستعرب» وهو شخص «غير عربي» ولكنه يتقن اللغة العربية والأهم متعاطف مع العرب ومستوعب للحضارة العربية والأدب العربي. انتهى تعليق المترجم) ولحسن حظي، نجح التمرين المكثف الذي جربته مع صديقي دانيال بطريقة مدهشة ورائعة عندما جاءت ساعة الحقيقة. قلت بعد نجاحي في صنع مصافحة رسمية مهنية باليد فقط لعرفات: «فخامة الرئيس: أرحب بك باسم الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المناسبة التاريخية التي نأمل أن تؤدي إلى سلام في جميع أنحاء الشرق الأوسط». أجاب عرفات «أنا أشكرك أيضاً وآمل مثلك أن هذا الأمر سيقود إلى سلام شامل».

(5) لا يوجد أسرار في واشنطن

ابتهجت جداً بنجاحي الباهر في استقبال عرفات من دون تصنع مكشوف، وسررت أكثر بعد قراءة خبر يشيد بطريقة الاستقبال المهنية في الـ نيويورك تايمز، من دون التورط في قبلات عرفات الشهيرة على الخدين وكذلك أحضانه الدافئة. وفرحت بصورة خاصة لأن الصحافة لم تلاحظ سلامي المصطنع مع ياسر عرفات بعد وصوله التاريخي إلى واشنطن. ولكن تبخرت فرحتي تماماً عندما نشرت الـ واشنطن بوست عموداً ينقل كاتبه عن مصدر موثوق يقول فيه: «دجرجيان تجنب العناق التاريخي مستخدماً مهارته في رقص الباليه»! في الواقع، لا يوجد أسرار في واشنطن! (تعليق المترجم: أي إنه يشك في تسريب صديقه دانيال كورتزر للصحافة سر التمرين معه على استقبال عرفات. انتهى تعليق المترجم).

إضافة تعليق جديد