آخر الأخبار

فصل من لجنة تحقيق (أغرانات)

في هذه الحلقة من وثيقة تقرير لجنة أغرنات، التي حققت في الفشل
الاسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، ننشر نصا من بروتوكول التحقيق مع
كل من وزير الدفاع، موشيه ديان، ورئيس أركان الجيش، دافيد
العزار، ويظهر منها كيف كان ديان يحاول الالقاء بمسؤولية الفشل
في تأخير تجنيد قوات الاحتياط على العزار، فيما يحاول العزار رد
التهمة والقاء المسؤولية على ديان.
هذا التراشق بينهما سيتطور لاحقا ليتحول الى معركة بينهما،
ساحتها لجنة التحقيق وفيما بعد الصحافة الاسرائيلية، لينتهي في
آخر المطاف الى ادانة رئيس الأركان في اللجنة وتبرئة ديان وتوجيه
المدائح الى رئيسة الوزراء، غولدا مئير. ويدفع تقرير اللجنة
برئيس الأركان الى الاستقالة من منصبه ومن الجيش. ويتسبب هذا
الموقف في استئناف الهبة الشعبية ضد الحكومة، رغم انها كانت قد
انتخبت قبل بضعة اسابيع فحسب. وتكون بدايتها من داخل المؤسسة
العسكرية، حيث قادها ضابط في جيش الاحتياط يدعى موطي (مردخاي)
اشكنازي، وأخذت تتسع لتشمل عشرات ألوف المتظاهرين. وعندها فقط
استقالت غولدا مئير واستقال معها ديان واعتزلا الحياة السياسية.
وكما أشرنا آنفا، فإن كل أبحاث لجنة التحقيق انطلقت من منطلق
واحد هو: الاستخفاف بالمصريين والسوريين. فالقاضي الذي ترأس
اللجنة مثله مثل بقية الأعضاء، ورغم انهم تعاملوا بشجاعة مع كل
من مثل أمامهم ولم يترددوا في توجيه الأسئلة الصعبة والمحرجة
وحشر كبار المسؤولين في الزاوية في معظم ساعات التحقيق، إلا أنهم
عندما يتعلق الأمر بالعرب التزموا بنفس عقلية القيادة السياسية
والعسكرية الاسرائيلية التي تستخف بالمقاتل العربي وبالقائد
العربي. فبالنسبة اليهم، فشل اسرائيل في الحرب لم ينجم عن نجاح
عسكري عربي ولا من مبدأ أن الحرب فيها عادة كرّ وفرّ ، بل عن
القناعة بأن اسرائيل قادرة على هزم العرب كأمر مفروغ منه. وأن ما
منع ذلك هو ليس قدرات العرب، انما الخطأ الانساني لدى اليهود.
ويلاحظ بأن هذه النظرة أدت بأحد كبار قادة الحركة الصهيونية
الحديثة، ابرهام بورغ، لأن يكفر بالصهيونية تماما ويفكر في
«طلاق» أبدي مع اسرائيل. وبورغ هو الرئيس الأسبق للكنيست
(البرلمان الاسرائيلي) والرئيس الأسبق للوكالة اليهودية، وهو نجل
أحد مؤسسي الحركة الصهيونية وقائدها بين المتدينين اليهود، يوسف
بورغ. وبسبب سيطرة العسكريين والعقلية العسكرية على اسرائيل، بات
يعتقد بأن الصهيونية قد انتهت وان دولة اسرائيل لم تعد الدولة
التي طمح اليها اليهود ـ «هؤلاء يؤمنون بأن القوة هي الحل لكل
المشاكل. وما لا ينفع بالقوة يعالج بالمزيد والمزيد من القوة.
وفي حرب لبنان الأخيرة اتضح لنا بأن القوة وحدها لا تنفع، بل ان
القوة التي استخدمت لم تمكننا من تحقيق الانتصار. ولكن ما هي إلا
بضعة شهور تمر علينا، وإذا بنا نسمع أهل «سديروت» البلدة
اليهودية في النقب التي تتعرض الى أكبر قدر من الصواريخ
الفلسطينية، يتحدثون عن ضرورة تدمير تلك الحارة في بيت حانون أو
ابادة تلك المدينة، والجنرالات عندنا يقصفون ويهددون بالمسح
والتدمير. لم نتعلم شيئا. ولا شيء». ثم يعلن بأنه لم يعد يرى في
اسرائيل وطنا. بل هي كابوس مرعب ينبغي الهرب منها. فهي تشبه
ألمانيا عشية انتصار النازية فيها وهي أكثر من فاشية. ومع
استمرار النشر، سننشر العديد من الوثائق والمعلومات التي تظهر
مدى تمادي الجنرالات في التأثير على الحياة السياسية في اسرائيل
وتوريطها في الأزمة تلو الأزمة، من دون أن يدرك الجمهور ذلك،
وتؤكد أن هناك تيارا يمثل أقلية في اسرائيل لكنه واثق وواضح مثل
بورغ (وقبله ناحوم غولدمن، رئيس المؤتمر الصهيوني العالمي،
والبروفسور يشعياهو لايبوبتس، وهو فيلسوف يهودي متدين تنبأ بأن
يكون احتلال العام 1967 مقبرة للقيم اليهودية الانسانية ومرتعا
للفساد الذي سيدمر اسرائيل). واليكم في ما يلي حلقة جديدة من
تقرير لجنة أغرنات:
* لماذا لم يتم التجنيد الفوري لقوات الاحتياط التي اتفق عليها
وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان؟
في ضوء الفقرة المذكورة في وثيقة البينات رقم 265 حول موافقة
وزير الدفاع على تجنيد 50 ـ 60 ألفا من المطلوبين للدفاع الفوري،
احتاجت اللجنة (لجنة التحقيق) الى رد على السؤال ـ لماذا لم يبدأ
رئيس الأركان بتجنيد ألوية الجيش المذكورة وانتظر حتى المحادثة
مع رئيسة الحكومة في الساعة التاسعة (الجلسة نفسها بدأت في
الثامنة)، فبسبب هذا (التأجيل) تأخر التجنيد ساعتين، ثلاثا، كانت
ضرورية للغاية في الضائقة الزمنية في ذلك الصباح.
فيما يلي نقدم نص التسجيلات لاستجوابات اللجنة الى وزير الدفاع
ورئيس الأركان في الموضوع:
أ ـ استجواب وزير الدفاع
* سؤال: «أنا أريد أن أسألك هنا سؤالا وسطيا، وهو السؤال الذي
سألته لرئيس الأركان: أنا أفهم أنكما كنتما على اتفاق في امر
واحد هو «تجنيد» لواءين. لم يكن هناك نقاش حوله. والسؤال الذي
طرحت هو: إذا كان متفقا على لواءين، فلماذا لم يتصلوا برئيسة
الحكومة هاتفيا فورا إن كانت هناك حاجة الى مصادقتها على ذلك،
ويقولوا لها نحن متفقان على «تجنيد» لواءين ويوجد بيننا نقاش
وسنأتي لطرحه أمامك. وبهذا، وعلى أساس الجدول الزمني، كان
بالامكان ربح ساعتين، ثلاث، لإصدار الأمر الأول؟
جواب: أنا أيضا سألت نفسي (السؤال نفسه) الآن عندما أعددت المواد
(يقصد المواد التي يحتاجها في ظهوره أمام لجنة التحقيق). أنا
استطيع القول إنه لم يكن لدي انطباع بأن هناك أي مانع أمام رئيس
الأركان بأن يبدأ في تجنيد الاحتياط. ليس فقط لم أجد تسجيلا يظهر
فيه ان رئيس الأركان قال لي تعال نبدأ في التجنيد وأنا أجبته
انتظر لحظة، دعنا نسأل رئيسة الحكومة. فهذا هو الأمر الذي كنت
سأفعله من دون شك. لكن ما فهمته من رئيس الأركان، أيضا عندما قال
لي انه سيتوجه أولا الى مكتبه وأيضا خلال النقاش، أن هناك جهة ما
في رئاسة الأركان بدأت العمل على الاعداد للتجنيد. وأن قسما منهم
تم تجنيده. وسلاح الجو. وأول 10 آلاف. وأقول لكم فقط الآن، انه
إذا قال شخص ما شيئا آخر، وإذا قال رئيس الأركان شيئا آخر، فإنني
لا أستطيع الإدعاء بأنه يضلل. فقد كنت في انطباع بأنه لا مانع من
تجنيد 60 ألفا إذا أراد، وأن المشكلة عندنا هي في تجنيد 60 ألفا
آخرين. لم أكن اعرف أنه أعطى الأوامر للتجنيد.
* سؤال: كان من المفروض أن يجلب الأمر أمام رئيسة الحكومة. لم
يكن لكما أي تخويل، ولا حتى لو اتفقتما على التجنيد.. من دون
سؤالها.
جواب: في قضايا أخرى شبيهة، ليس في تجنيد الاحتياط، عندما يمر
وقت ما بين القرار وبين التنفيذ الفعلي، كنت أسمح لنفسي. فعندما
أفترض بأن رئيسة الحكومة ستصادق على الأمر المنوط بمصادقتها، بأن
أقول لرئيس الأركان «إبدأ، وأنا أتصل مع رئيسة الحكومة. فإذا
أرادت اعاقة الأمر يكون هناك متسع من الوقت لاعاقته قبل
التنفيذ.. في قضية تجنيد أولئك الـ 50 ألفا من جيش الاحتياط،
أقول لرئيسة الحكومة، بعد محادثتي معها في الصباح، في الساعة
الرابعة فجرا، وعلى أساس المعلومات المتوفرة حيث الكل يتراكض
للدخول الى الحرب الخ الخ.. ولا يوجد عندي شك في أنها ستعطي
مصادقتها. لقد كان بإمكاني في ذلك الوقت أن أفعل واحدا من أمرين،
أو أن أكلمها بالهاتف وأقول اننا نريد تجنيد احتياطي، ولم افعل
ذلك ليس لأنني أريد توفير محادثة هاتفية، أو أن أسأل رئيس
الأركان، مفترضا انه ما بين موقفي الايجابي أو موقفه أو موقفينا
كلينا، وبين الوقت الذي ينطلق فيه الرجل من بيته (يقصد الجندي او
الضابط الذي يستدعى للخدمة الاحتياطية)، يوجد لنا متسع من الوقت
لرؤية رئيسة الحكومة وابلاغها بأننا استدعينا 50 ألفا من قوات
الاحتياط. فإذا لم ترغب في ذلك نعرقله. ولكنني الآن فقط، وأنا
أراجع المواد، أصطدم بهذه القضية أيضا.
* سؤال: كل هذا كان على رئيس الأركان أن يخمنه، بكل وضوح. فأنت
لم تقله.
جواب: انه رئيس أركان الجيش.. فإذا أراد أن يجند، هو المسؤول عن
الحرب. إذا أراد البدء في التجنيد، كان بإمكانه أن يقول لي
باللغة العبرية: سيدي وزير الدفاع، نحن كلانا موافقان على تجنيد
50 ألف شخص. فإذا لم يرد اضاعة وقت، كان بإمكانه أن يقول بكلمة
واحدة: تعال نجند. تحتاج الى مصادقة رئيسة الحكومة، ارفع سماعة
الهاتف واتصل بها.
وعلى الأسئلة الأخرى المستمرة يجيب وزير الدفاع: «لا شك في أنه
كان بحاجة الى الحصول على مصادقة الحكومة، وأنا كنت ممثل
الحكومة، لا شك في ذلك. لا يوجد نقاش حول حقيقة أنه لا يستطيع أن
يدعو الاحتياط من دون مصادقتي. لكن السؤال هو .. إذا كان يريد
البدء في التجنيد، فلماذا لم يتوجه. فقد كان سيحصل على المصادقة
فورا. إذن، أقول انه لم يتوجه بالطلب وأنا لم أكن على معرفة إذا
كان بدأ بالتجنيد أم لم يبدأ. لو جاءني الى المكتب قبل ذلك وقال:
أصدرت أوامر بتجنيد هذه الطواقم أو تلك، لما كنت أرى في ذلك أي
خلل. وكنت سأسعى للحصول على مصادقة رئيسة الحكومة وكنت سأحصل
عليها. المسؤولية عن اعطاء المصادقة هي مسؤوليتي. من دون هذه
المصادقة ما كان يستطيع التجنيد. بل انني مستعد للقول ان مبادرة
البدء بتجنيد الاحتياط يمكن أن تكون بمسؤوليتي لا أقل مما هي
بمسؤوليته. الى هنا أقبل.
ب ـ استجواب رئيس الأركان في تحليله (أمام لجنة التحقيق) للأبحاث
التي جرت في الساعة 7:15، بعد اللقاء مع وزير الدفاع ـ حسب
البروتوكول ـ قال رئيس أركان الجيش (كما جاء في التسجيل المدون
في وثيقة البينات رقم 243): «رئيس الأركان اقترح تجنيدا شاملا
(لجيش الاحتياط)، بشكل انتقائي بأقل ما يمكن من العناصر
الهامشية، حوالي 200 ـ 250 ألف شخص. وأيضا لهذا لا توجد مصادقة.
وإذا لم نحصل على مصادقة نقوم بتجنيد حوالي 70 ألف شخص». أنا
أعطيهم معلومات عما دار لدى وزير الدفاع، حيث اقترحت تجنيدا
شاملا، بشكل انتقائي تستثنى منه العناصر الهامشية، من دون
«الهاجا» (قوات الدفاع المدني). أردت 200 ـ 250 ألف شخص. ولهذا
لا توجد مصادقة. أنا أقول: «إذا لم نحصل على تجنيد كامل، نلجأ
الى التجنيد الجزئي بمقدار 70 ألف شخص». لماذا قلت 70 ألفا؟
لأنني رأيت أن وزير الدفاع وصل الى الموافقة على 50 ـ 60 ألفا،
لذا فقد افترضت بانني لن أخرج بأقل من 70 ألفا. حتى لو قالوا لي
ستين (ألفا)، فساعطي الأوامر بسبعين ألف شخص. وأنا أقول: «كل
سلاح الجو، كل ألوية المدرعات وتشكيلات الحد الأدنى في الخدمات،
أي تشكيلات الصيانة اللازمة لهذه القوات. ندخل بذلك الى (حيز) 70
ـ 80 ألف شخص. أنا أعطي التعليمات لوضع خطة توصلنا الى 70 ـ 80
ألف شخص. وأنا اشرح: هذا هو أقصر انذار (بالحرب) نتلقاه في
تاريخنا. انذار لا يطول أكثر من 12 ساعة عمليا. لكن الجيش
النظامي في حالة استعداد منذ أمس. نجند ما يصادق عليه (من جيش
الاحتياط). والباقون نجندهم في النار (يقصد خلال الحرب).
* سؤال: خلال تلك الفترة ما بين الاجتماع لدى وزير الدفاع في
الصباح والاجتماع لدى رئيسة الحكومة، الم يخطر بالبال أنه طالما
انكما كليكما موافقان على «تجنيد» حد أدنى من 50 ألف شخص، أن
يبدأ التجنيد حتى قبل الحصول على مصادقة رئيسة الحكومة؟ فأنا أرى
هنا، حسب يوميات هيئة رئاسة الأركان، أن البلاغ الأول المكتوب
بوضوح (عن المصادقة على تجنيد في الاحتياط) تم في الساعة 9:05 ـ
رئيس مكتب رئيس الأركان يعلن (من الجلسة مع رئيسة الحكومة) عن
المصادقة على تجنيد لواءين.. ألم يخطر الأمر بالبال (أي التجنيد
فور موافقة وزير الدفاع) قبل ساعة أو حتى وأنتم لدى وزير الدفاع؟
جواب: لا. لأن ما هو غير واضح هنا هو كيف انتهى النقاش بيني وبين
وزير الدفاع. فقد انتهى من دون التوصل الى اتفاق، عندها (لو كان
هناك تفاهم)، كان السكرتير العسكري (لرئيسة الحكومة، الذي يعتبر
صلة الوصل بين الجيش ورئيس الحكومة عموما في اسرائيل) يبلغ رئيسة
الحكومة وأنا أذهب للتجنيد. لكن النقاش انتهى بغضب وبشكل متوتر.
* سؤال: ولكن، كان هناك تفاهم على لواءين؟
جواب: لا. ما أريد قوله هو أن النقاش انتهى متوترا، بهذه الروح:
إذا لم تكن تقبل بهذا التلخيص، نذهب الى غولدا (مئير، رئيسة
الحكومة). ولأن الأمر انتهى على هذا النحو، فقد ذهبنا الى غولدا.

* سؤال: ألم يكن ممكنا أن يكون وزير الدفاع مستعدا لتجنيد لواءين
على عاتقه، ألم يكن مستعدا للتوصية؟
جواب: نعم هذا صحيح. بل انه قال ذلك (في صباح اليوم نفسه). فقد
قال انه ليس مستعدا لتجنيد لواءين على عاتقه. في مرحلة لاحقة،
اعتقد (وزير الدفاع، موشيه ديان) بأنني اوافق على تلخيصه فيقول
الى رفيف (العميد يهوشع رفيف، السكرتير العسكري)، اطلب مصادقة
غولدا على كذا وكذا. ولكن، بما انني لم أقبل هذا وواصلت الإلحاح،
قال: إذا كان الأمر كذلك، نذهب الى غولدا. ما يعني انه حتى على
هذا التجنيد لم تكن مصادقة.
سؤال: أنا أفهم كل هذا. سوف أسأل وزير الدفاع عليه. ولكنني اسألك
أنت.. فمن الواضح انكما في الساعة السابعة صباحا كنتما متفقين
على تجنيد لواءين.
جواب: كان يجب الحصول على مصادقة رئيسة الحكومة على ذلك.
* سؤال: حسنا. لماذا لم يكن بامكان رفيف أو وزير الدفاع أن يتصل
في السابعة صباحا ويقول: اسمعي، سنأتي لاحقا للنقاش لديك، حيث
انه يوجد خلاف. أنا أطلب (تجنيد) لواءين ورئيس الأركان يريد
كذا.. ولكننا متفقان على تجنيد لواءين وأطلب مصادقتك على تجنيد
لواءين. فقد كان هذا سيوفر ساعتين على الأقل؟
جواب: لأن هذا انتهى بالقول: تعال نذهب الى غولدا. أنا واع
لمسألة الوقت.. ولكن هذا لا يعني خسارة ساعتين بالضبط، لأنه
بالنسبة لسلاح الجو كانت المسألة محلولة. عمليات الاستكمال في
مختلف القيادات وغيرها، كما أشرت آنفا، أي ألوف الرجال، كانت قد
انطلقت. وثانيا، الافتراض في الصباح كان بضرورة تجنيد الجميع.
ولذلك فقد كان جزء من الاستعدادات لاستدعاء الاحتياط قد تم عمله،
مثل جلب الناشرين والبدء بتركيز التاكسيات والبدء بإعداد أوامر
الاستدعاء.
* سؤال: أنا أقصد التجنيد الفعلي.
جواب: معك حق. هذا الأمر لم يعط.
31. في ضوء ما سبق ذكره، توصلت اللجنة الى الاستنتاج (البند 15
صفحة 11 في التقرير الجزئي) بأن «جرى تأخير لمدة ساعتين في تجنيد
القوات بالحجم الذي اتفق عليه وزير الدفاع مع رئيس الأركان في
ذلك الصباح، وذلك لأن رئيس الأركان انتظر حتى حسم رئيسة الحكومة
في مسألة تجنيد كامل تشكيلات جيش الاحتياط».
اننا نعتقد انه بعد أن حصل على موافقة وزير الدفاع كان يتوجب على
رئيس الأركان أن يأمر فورا بتجنيد ذلك الجزء المتفق عليه (او
يحصل على موافقة رئيسة الحكومة على ذلك، إذا اعتقد بأن هناك
ضرورة) ويواصل طلب التجنيد الكامل في لقائه مع رئيسة الحكومة.
32. البحث لدى رئيسة الحكومة (وثيقة البينات رقم 75 ـ تسجيل أ.
مزراحي وكذلك التسجيل المختصر للمقدم براون ـ وثيقة البينات رقم
57، إلا إذا تمت الاشارة الى شيء آخر). كما ورد في التقرير
الجزئي (بند 32 صفحة 32)، «يسجل لرئيسة الحكومة اطراء كبير على
استخدامها الصحيح لصلاحياتها في الحسم في الظروف الناشئة في
ساعات الطوارئ في صباح السبت. لقد حسمت الأمر بحكمة وبحساسية
سليمة وبسرعة لصالح تجنيد كامل تشكيلات جيش الاحتياط، على الرغم
من الاعتبارات السياسية ثقيلة الوزن، وبذلك قامت بعمل بالغ
الأهمية في الدفاع عن الدولة». لقد كان هذا بحثا مهما للغاية،
أكان ذلك لتوضيح مسألة الاعتبارات لتوجيه الضربة المانعة، أو
لتجنيد الاحتياط، ولهذا نعرض اقتباسات واسعة من البروتوكول
التفصيلي الذي كتبه أ. مزراحي خلال الجلسة (وكذلك من تسجيلات
المقدم براون).
في بداية الجلسة يبحثون في المشاكل الفورية المتعلقة بالساحة
الميدانية، سكان هضبة الجولان وأبو رودس وشرم الشيخ، ويبحثون في
الأنباء (القادمة) من الولايات المتحدة الأميركية وبالأنباء التي
ينبغي ابلاغها بها. وبعدئذ يقول وزير الدفاع:
«والآن شيئان أكثر جدية:
1) ضربة رادعة 2) تجنيد الاحتياط بالنسبة للضربة الرادعة، من
الناحية الجوهرية، لا نستطيع أن نسمح لأنفسنا القيام بها هذه
المرة. إذا هجمت مصر، نستطيع أن نوجه ضربة للسوريين. في ضوء
المعلومات المتوفرة الآن، لا نستطيع توجيه ضربة رادعة. لا نستطيع
حتى لو كان ذلك قبل خمس دقائق (من الهجوم العربي). وإذا كنا في
وضع بدأت فيه مصر (الهجوم) وهي وحدها بدأت فقط، نستطيع ان نضرب
السوريين، مبدئيا. وإذا لم يطلقوا النار لن نطلق النار». (وثيقة
البينات رقم 57 صفحة 3).
حسب تسجيل المقدم براون (وثيقة البينات 266):
«من ناحية الضربة الرادعة، من الناحية العملية، الأفضل هو أن
نهاجمهم قبل أن يهاجمونا. حسب رأيي، لن نستطيع أن نسمح لأنفسنا
بذلك. فماذا نستطيع؟ إذا بدأت مصر، يمكن مهاجمة السوريين
وتصفيتهم، ولكن لا يمكننا ذلك حتى لو قبل خمس دقائق. ليس ممكنا،
إلا إذا وصلت الينا أنباء تقول بأنهم ينوون تفجيرنا. في ضوء
المعلومات المتوفرة حاليا، لا يمكن. فمن الناحية المبدئية، لا
يمكن البدء باطلاق النار (عليهم) قبل أن يبدأوا هم في اطلاق
النار».
(حسب وثيقة البينات رقم 57 ـ وهي استمرار مباشر لأقوال وزير
الدفاع السابقة):
«في قضية تجنيد الاحتياط، رئيس الأركان سيبلغ فيما بعد تفاصيل
القوات .. دادو (هكذا كان يلقب رئيس أركان الجيش الاسرائيلي،
دافيد العزار) يريد تجنيد عدد أكبر من القوات، وأنا أتحفظ. أنا
أقترح تجنيد كل قوات الاحتياط في سلاح الجو ولواء مدرعات في
الشمال وآخر في سيناء، وهذا يعني تجنيد 50 ـ 60 ألف شخص. ربما
يزحف الى ما هو أكبر قليلا من ذلك. هذا التجنيد يجب أن يتم حتى
السادسة مساء اليوم. نحن بحاجة الى مزيد من الدبابات في الجولان
وكذلك في سيناء. علينا أن نستعد.. إذا تدهورت الأوضاع وبدأ اطلاق
النار، فإننا سنجند كامل قوات الاحتياط. إذا تصرفنا بشكل آخر
نكون نحن الذين قد أعلنا الحرب. حتى هكذا سيقولون ذلك. لو كنت
أعتقد بأنه لا مفر من ذلك لكنت أجند كامل جيش الاحتياط. قوات
الاحتياط المحدودة تستعد للعمل حتى صباح الغد. إذا أردنا تجنيد
المزيد في الليل، سنفعل ذلك. وربما يكون لرئيس الأركان رأي آخر
في هذه القضية».
حسب تسجيلات المقدم براون:
«في قضية تجنيد الاحتياط، سيعرض رئيس الأركان ما لدينا الآن من
القوات. يوجد اختلاف في الرأي بيني وبين «دادو» حول الموضوع. هو
يريد أكثر وأنا أريد أقل. أنا أؤيد تجنيد كل قوات سلاح الجو،
وتجنيد لواء مدرعات في الجولان ولواء مدرعات في سيناء، ما قد يصل
الى 50 ـ 60 ألف شخص وعدم السماح بالزحف نحو ما هو أكثر من ذلك.
لا مفر من ذلك لأن هذه قوة دفاعية. فإذا ازدادت خطورة الوضع
ويبدأ اطلاق النار في الليل، نجند البقية. إذا تصرفنا بشكل آخر
سيظهر الأمر كما لو أننا نحن الذين قد أعلنا الحرب. اننا نقف على
السويس وفي هضبة الجولان وليس في الوضع الذي كنا عليه في سنة
1967. أنا أؤيد الاعلان عن التجنيد وأن نجند قوات محدودة وفي
الصباح نكون مستعدين».
بعد المذكور أعلاه يعرض رئيس الأركان آراءه:
«قرأت (المعلومات) وهي باعتقادي (المعلومات) أصلية (تعبير يقصد
به ان المعلومات موثوقة). بالنسبة لنا، انه إنذار قصير المدى
للغاية. إذا هجموا بعد عشر ساعات، فإننا مستعدون بأقصى حد ممكن
مع الجيش النظامي، ولكننا ما جندنا جيش الاحتياط بتاتا. نتيجة
لذلك يجب ان نزيد فورا قوات الاحتياط التي نجندها الآن بحيث يتاح
تفعيلها غدا. في صبيحة يوم الأحد تستطيع أن تشارك في الحرب.
الاحتياط الذي لا نجنده اليوم سيكون خسارة يوم. لذا، فأنا أؤيد
تجنيدا كبيرا. أنا أعتقد أنه الزامي تجنيد 200000 شخص كتشكيلات
قتالية. أنا بحاجة اليهم اليوم. تجنيد كامل قوات الاحتياط في
سلاح الجو. استكمال الوحدات النظامية، ففي هذه الوحدات أيضا توجد
قوات احتياط. هذا هو الجيش المحارب. ألوية مدرعة اضافة الى
المدفعية والإمداد. مع قوة كهذه نستطيع أن نكون مستعدين حتى يوم
غد في الصباح أو الظهيرة بشكل أكثر جذريا. إذا جندنا ما هو أقل
من ذلك، فسنستطيع غدا أن نعزز القوات من الناحية الدفاعية ونصد
الهجوم. ولكننا سنكون محدودين بالعمليات الدفاعية. بينما إذا
توفرت لنا قوات اكبر نستطيع الهجوم والقيام بالهجوم المضاد. إذا
لم ننفذ التجنيد الكبير، فأنا لا أرى أقل من 70 ـ 80 ألفا. ومن
ناحية الآثار الدولية السياسية، فلن يكون هناك فرق ما بين تجنيد
70 ألفا أو 200 ألف شخص. بل ربما يؤثر، لأن العرب سيفهمون بأنهم
فقدوا امتياز المفاجأة.
من ناحية ثانية، التجنيد سيؤدي الى تجريمنا. سيقولون اننا جندنا
الاحتياط لكي نشن الحرب. من المفضل أن يقولوا اننا بدأنا الحرب
وانتصرنا فيها. ففي كل الأحوال سيقولون ذلك. أنا أؤيد تجنيدا
كبيرا. هذا من ناحية التجنيد.
بالنسبة للضربة الرادعة، الضربة الرادعة هي بالتأكيد امتياز تفوق
ضخم. انها توفر الكثير من الأرواح. إذا دخلنا الحرب بحيث تكون
المرحلة الأولى منها عملية صد هجوم (عربي)، وأنا واثق بأننا
سنصمد فيها، ومن ثم ننتقل الى الهجوم فستكون هذه حربا جدية. لسنا
ملزمين باتخاذ قرار بهذا الآن، فلدينا وقت من أربع ساعات حتى
نتحدث مع الاميركيين. فحتى ساعات الظهر، ربما يقول لنا
الأميركيون أيضا إن الهجوم مؤكد، وعندها ربما نستطيع أن نوجه
الضربة الرادعة».