تبدأ غدا السبت عطلة عيد الفصح في إسرائيل الذي يعتبر أحد أهم الأعياد في اليهودية حيث يستمر لأسبوع كامل تمارس خلاله طقوس مختلفة وتقرأ فيه حكايات وأساطير. ويعتبر عيد الفصح وفق الرواية التوراتية عيداً للحرية حيث إن الله حرر اليهود من العبودية في مصر لدى الفراعنة وقادهم إلى أرض الميعاد في فلسطين بعد تيه طويل.
وتتضمن أسطورة الخروج الكثير من المفارقات، بينها أن الله غضب على «شعبه المختار» وجعل قلب فرعون بالغ الغلظة عليهم. كما أنه وفي فترة التيه التي كانت مرحلة انتقالية من العبودية إلى الحرية، جعل النبي موسى يرى ولا يحس. غير أن العنصر الأساس في الأسطورة هو توارثها ونقلها من الآباء للأبناء كقصة وكتقليد.
وتعتبر أسطورة التحرر من العبودية التي تقرأ في مأدبة مسائية عائلية تبدأ فيها الاحتفالات بالعيد «الرواية الأشد تكوينية في الثقافة اليهودية المعاصرة»، وفق رئيس دائرة الأدب العبري في جامعة النقب البروفسور يغئال شفارتس. ويقول إنه «ليست هناك أسطورة تأسيسية أو تربوية أقوى من القصة التي تستند إليها». ويؤكد أن «الأدب العبري طوال مئات السنين استند إليها. بل إن كتاب هرتسل «أرض قديمة جديدة» استند إلى فكرة الخروج من مصر».
وفضلا عن ذلك، فإن محاولة بلورة قومية إسرائيلية جديدة تبدأ بفعلين «أبونا إبراهيم بخروجه من بلاد ما بين النهرين إلى أرض إسرائيل، والخروج من مصر، وهما حدثان يمثلان الهجرة إلى البلاد».
وقد بات الاحتفال بعيد الفصح أمرا يتجاوز البعد الديني ويتحول إلى طقس قومي شبه تام يندر عدم تأديته حتى من جانب العلمانيين. وكادت أسطورة عبودية اليهود في مصر أن تفجر أزمة سياسية بعد إبرام اتفاقيات كامب ديفيد عندما تباهى رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها مناحيم بيغن بدور «أجداده» في بناء الأهرامات عندما كانوا عبيدا في مصر.
ورغم ذلك، فإن كتابا جديدا لمؤرخين إسرائيليين يفند هذه الأسطورة ويؤكد أنه لم يتم العثور حتى الآن على أي سند تاريخي أو أركيولوجي لأسطورة عبودية اليهود في مصر أو رحيلهم عنها.
ويرى المؤرخان إسرائيل فينكلشتاين ونيل آشير زيلبرمان أن قصة احتلال البلاد ليست عمليا سوى قصة تمرد شعبي للفقراء ضد الأغنياء وأنها كانت نوعا من الحرب الأهلية بين جماعتين يهوديتين. وحسب المؤرخين، فإن قصة التحرر من العبودية واحتلال البلاد ترمز إلى حرب أهلية دامية بين سكان الجبل من الرعاة الفقراء وأبناء السادة والأغنياء ممن كانوا يسكنون في السهل الساحلي.
ويقولان وفق استعراض للكتاب في صحيفة «إسرائيل اليوم»، ان التمرد الشعبي هذا قاد الفقراء إلى السيطرة على أملاك وأموال الأغنياء وإعادة توزيعها بين أسباط إسرائيل. غير أنه لاحقا ومن أجل «تطهير» الحرب الأهلية الدامية هذه من البعد اليهودي الداخلي المؤلم، تخيل رواة تلك الأيام الشعبيون أن الأغنياء المكروهين كانوا مصريين وأن الفترة التي سبقت الحرب الأهلية كانت عبودية في أرض مصر البعيدة.ويشدد المؤرخان على ان هذا هو سبب خلو كل الإرث الأركيولوجي المصري من أي ذكر لليهود. ومن المعلوم أن المصريين وثقوا تقريبا كل شأن وحدث وقع في بلادهم ولم يتم العثور على أي إشارة لوجود بني إسرائيل أو أي ذكر لعبوديتهم أو رحيلهم عن مصر. وهذا ما دفع المؤرخين للقول بأن قصة العبودية هي في الواقع تعبير عن تدهور حال معظم الناس نحو الفقر المدقع الذي لا يختلف عن العبودية. كما أن قصة الخروج من مصر هي قصة انتظام الفقراء لمحاربة الأغنياء وسادة البلاد مثلما أن قصة التيه في سيناء التي ليس عليها هي الأخرى أي برهان أركيولوجي هي قصة كي الوعي التي اجتازها الفقراء في هذه الحرب.
تجدر الإشارة إلى أن مؤرخا آخر هو البروفسور شلومو زند كان قد فند أسطورة السبي اليهودي تاريخيا وأكد أن «نفي الشعب من وطنه لم يحدث أبداً من ناحية عملية». ولكنه بيّن أن رواية النفي والتشريد ضرورية من أجل بناء ذاكرة للمدى البعيد وضع فيها شعب عرقي متخيل ومنفي كاستمرار مباشر للشعب التوراتي القديم.