صدر في دمشق أخيرا الجزء الثاني من كتاب «حياتي والإعدام» لمحمد
إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي في سورية، الذي شارك كضابط في
القوات المسلحة السورية وقائد للجيش الشعبي في الأحداث التي وقعت
في سورية منذ نصف قرن حتى الآن وخاصة في عهد الانفصال وعام 1963.
وإستهل المؤلف كتابه، الذي يقع مع ملاحقه في 528 صفحة، بما قاله
الجنرال جياب أحد أبرز القادة الفيتناميين، ووزير الدفاع الأسبق،
عن سبب كتابة مذكراته: «أريد أن أخرج رأسي من الأحداث لأراها».
وخصص المؤلف الفصل الأول من كتابه للحديث عن مرحلة طفولته
ويفاعته وما واجهه خلالها من عقبات، بينما تناول في الفصل الثالث
مرحلة الانقلابات العسكرية ودوامة الفوضى التي وقعت فيها سورية
بدءاً من عام 1949 ومروراً بقيام دولة الوحدة 1958 والانفصال
1961، ودخوله السجن، إذ صدر عليه بتاريخ 17/1/1963 حكم بالإعدام
صدقه رئيس الجمهورية آنذاك ناظم القدسي. وأفرد العلي الفصل
السابع لقصته مع المرشديين، وفيه يروي كيف تعرف إليهم، مستعرضاً
القهر الذي تعرضوا له ودورهم في الحياة السياسية في البلاد منذ
عام 1970. ويقول إن معرفته بالمرشديين بدأت مصادفة، ومعها بدأ
يكتشف، من خلال تقصيه للحقائق والتفاصيل عن حياتهم، أن ظلماً
واضحا لحق بهم، حيث سبق لهم أن تعرضوا للظلم والقهر والتعذيب منذ
عهد الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي ومن ثم في عهد أديب
الشيشكلي فمرحلة عبد الحميد السراج فمرحلة الانفصال حيث بعض
وجهاء المرشديين في سجن المزة ثم نقلوا إلى سجن القلعة، ولم يفرج
عنهم إلا حين أعلن المرشديون إضراباً عاماً عن الطعام، الأمر
الذي أخاف حكومة الانفصال وأفرجت عنهم. واستمر الاضطهاد والتعذيب
بكافة ألوانه وأشكاله إلى أن قامت ثورة الثأمن آذار عام 1963. في
حينها قام المؤلف بمحاولة التقريب بين المرشديين والقيادة
السورية مستهلاً ذلك بلقاء رتبه المؤلف بين ابني سلمان المرشد
ساجي وفاتح وبين أمين الحافظ حين كان وزيراً للداخلية، ثم رتب
لهما لقاء مع رئيس الوزراء صلاح البيطار. وعلى الرغم من ذلك،
يقول المؤلف، إن الحرية الكاملة لم تُعطَ للمرشديين، إلى أن حدث
تحول في موقف القيادة السورية منهم تمثل في إلغاء الرئيس الراحل
حافظ الأسد، حين كان وزيراً للدفاع، التعليمات التي صدرت في عهد
الانفصال وكانت تقضي باضطهاد المرشديين، واستمر الحال على هذا
التحسن النسبي في أحوالهم إلى أن قام الرئيس حافظ الأسد بحركته
التصحيحية ليطرأ على هذا التحسن تطور ملحوظ تمثل بالاستجابة
لمبادرة جديدة من المؤلف تدعو إلى تمثيل المرشديين في مجلس الشعب
السوري (البرلمان) ودخل إلى المجلس عام 1977 اثنان منهم هما:
خليل جعفر عن منطقة الغاب ونزيه وصفي عن مدينة حمص (وسط سورية)
ليرتفع العدد فيما بعد إلى ثلاثة أعضاء، وبات ذلك عرفاً معمولاً
به، نائب عن الغاب وثانٍ عن اللاذقية والثالث عن حمص.
وفي معرض حديثه عن التطور الإيجابي الذي أصاب حياة المرشديين في
السبعينات، أشار المؤلف إلى أن هذا التطور دفع بهم ليأخذوا دورهم
في جميع مجالات الحياة المدنية والعسكرية، وتدفقوا للتطوع بأعداد
كبيرة في صفوف الجيش السوري كضباط وصف ضباط وجنود، حيث تعرف
عليهم وبناء على طلبه رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري الراحل،
وهنا يقول المؤلف «وسع رفعت الأسد علاقاته معهم بعد أن برهن أن
هذه العلاقة بإشراف ومباركة الرئيس، وتوطدت العلاقة بينهم وبين
رفعت بشكل كبير، غير أن هذه العلاقة الوطيدة لم تترك أي أثر سلبي
على عرفانهم بموقف الرئيس الراحل المشرف منهم، حيث أكدوا أنهم لا
يمكن أن يبادلوا بالشر من بادرهم بالخير».
ويشير المؤلف في معرض إبراز مواقف المرشديين مطلع السبعينات إلى
ماقام به إمام المرشديين ساجي المرشد من تفهيم وبلورة المذهب
المرشدي للمرشديين وغيرهم من زائريه من حيث الإرادة الحرة
والدعوة إلى الخير والانفتاح على الجميع والطقوس والمناسبات
وتبادل الزيارات مع الآخرين ومناسبات العزاء والعلاقات
الاجتماعية من زواج وطلاق وغيرها، ثم المصاهرة مع الطوائف الأخرى
في حالة الوفاق والرضى من الطرفين.
وبعد أن استعرض المؤلف بعض التفاصيل في علاقة المرشديين برفعت
الأسد، أشار إلى ما أثارته من غضب في نفوس المرشديين مقالة لوزير
الدفاع السوري العماد أول مصطفى طلاس سبق أن نشرت في «الشرق
الأوسط» عام 2000، لافتاً إلى أنه أزال التوتر عبر مصالحة توسط
فيها (المؤلف) بين العماد أول طلاس والنور أبو حيدر وانتهت
المشكلة، ونقل المؤلف عن العماد أول طلاس قوله إلى النور أبو
حيدر «والله أنا لم أكتب شيئاً وإنما الطاقم الذي يعمل معي هو
الذي كتب المقال وأتى به إلي فوقعت عليه ومن ثم نشروه في جريدة
«الشرق الأوسط» ولا أعلم حقيقة ماذا يتضمن المقال «وبعد انتهاء
هذه المشكلة يقول المؤلف إن النور أبو حيدر الذي قابل الرئيس
بشار الأسد أخبرني: «إن الرئيس أكد على استمرار الخط الذي انتهجه
الرئيس الراحل حافظ الأسد من المرشديين ورغب إلي أن أخبر
المرشديين بذلك وأنه يود أن تبقى الروابط التي جمعتنا مع الرئيس
حافظ الأسد رحمه الله على ما كانت عليه بل تزداد ترسخاً وبذلك
قطع سيادته بهذا القول الطريق على الذين حاولوا التشكيك بموقف
العهد منهم».
وفي الفصل ذاته يستعرض المؤلف محاولات التشكيك في مواقفه من
الرئيس الراحل حافظ الأسد، وكيف استطاع مواجهة المشككين
ومحاورتهم ومن ثم مقابلة الرئيس الراحل ونجاحه في توضيح الأمور
وتبرئة ساحته بعد تبيان الحقيقة.