ـ خفايا قناة لاودر السرية للتوسط بين باراك وحافظ الأسد
التزم لاودر في وساطته أنّ يطلع كلينتون فقط عليها وطلب مني أن أغادر المكتب البيضاويّ وبعد مغادرته استدعاني الرئيس وسلّمني ورقته بمقترحاتها
كان ساندي ومادلين حذرين،(المؤلف يكتفي بالاسم الاول لساندي بيرغر ومادلين اولبرايت، الايضاح من «الشرق الاوسط») وغير مستعدّين لقبول مقترحات باراك بأن يقابل الرئيس لاودر منفرداً «بالنظر إلى حساسيّة الأمر». فقد كانا يريدان أن أجلس في الاجتماع إلى جانب الرئيس «لأخبرهما إن كان الأمر حقيقيّاً أم لا». جاء لاودر بمفرده وأمضى عشرين دقيقة يشرح فيها كيفيّة نشوء قناته مع الأسد. وفي صيف 1998، التقى بوليد المعلّم في واشنطن وأبلغه أنّ بيبي جادّ بشأن محاولة التوصّل إلى اتفاق وأنّه يريد أن يفتح قناة سريّة خاصّة مع الأسد. وقد رتّب وليد لاجتماع ابتدائيّ مع الأسد، وخلال خمسة أسابيع تمكّن لاودر من التوجّه جيئة وذهاباً بين الزعيمين بشكل متكرّر. وقد أمضى خلال هذه الفترة ساعات كثيرة مع الأسد.
أبلغه الأسد بأنّه يعتقد بأنّ الاتفاق غير ممكن إلا بمثل هذه الآليّة، وأنّه يعتقد بأنّ المفاوضات الماضية كانت معقّدة جدّاً وكثيرة الأوراق، وبدلاً من ذلك فإنّ ورقة بسيطة من صفحة أو اثنتين يجب أن توضح الاتفاق على القضايا الأساسيّة. وقال لاودر إنّهما توصّلا في الأساس إلى اتفاق بشأن كافّة القضايا ـ الحدود والترتيبات الأمنيّة والسلام ولبنان ـ وأنّهما أوجزاها في عشر نقاط كان يمكن أن يصيغاها بصورة نهائيّة لولا إصرار الأسد على مراجعة الخرائط بشأن الحدود والترتيبات الأمنيّة، ورفض بيبي لئلا يفقد قابليّة التراجع عنها. ثم جاءت واي والاتفاق مع الفلسطينيّين، كما أوضح لاودر، ولم تكن لدى بيبي التغطيّة السياسيّة لمتابعة المسعى. وقال لاودر إنّه يحمل ورقة بعشر نقاط معه وأنّه أكّد لباراك أنّه سيطلع الرئيس فقط عليها، وقدّم الاعتذار عن طلبه بأن أغادر المكتب البيضاويّ. وقبل الخروج، طرحت عدداً من الأسئلة. أولاً، أين أبدى الأسد مرونة؟ أجاب لاودر بشأن الحدود والترتيبات الأمنيّة وبشأن محطّة إنذار مبكّر. أخرجت خريطة وطلبت منه أن يحدّد لي المرونة بشأن الحدود، فأشار إلى أنّ الأسد كان مستعدّاً لرسم الحدود بعيداً عن بحيرة طبريّة وعن نهر الأردن. ثانياً، ماذا يعني «توصّلا في الأساس إلى اتفاق»؟ فكان جوابه أنّ ما سيريه للرئيس هو اتفاق بنسبة 99 بالمائة. هل يشكّل الواحد بالمائة اختلافاً على أي من القضايا الأساسيّة ـ أي تعيين الحدود ومبدأ الترتيبات الأمنيّة (بما في ذلك الإنذار المبكّر) ومضمون السلام وتوقيت تنفيذ كل شيء؟ لم يكن لاودر يعتقد بوجود أي اختلاف هنا. فقد كانت المسائل المفتوحة بالنسبة إليه تتعلّق في التوضيح والتطبيق على الخرائط أكثر مما تتعلّق بالمفاوضات.
بعد أن غادر لاودر استدعاني الرئيس إلى المكتب البيضاويّ، وسرعان ما انضمّ إلينا ساندي ومادلين. سلّمني الرئيس الورقة التي تحتوي على النقاط العشر. كان عنوانها «معاهدة سلام بين إسرائيل وسورية». كانت هناك ديباجة قصيرة تفيد بأنّ إسرائيل وسورية اتفقتا على إقامة سلام بينهما وأنّ السلام يستند إلى مبادئ الأمن والمساواة واحترام سيادة الجانبين وسلامة أراضيهما واستقلالهما السياسيّ.
وقد اتفق «الجانبان» على عشرة أحكام : (1) إنهاء حالة الحرب بينهما عند توقيع الاتفاقيّة، (3) تسحب إسرائيل قوّاتها من «الأراضي السوريّة التي أخذت في سنة 1967» إلى «حدود متّفق عليها على أساس الخطّ الدوليّ لسنة 1923»، (3) يتمّ الانسحاب على ثلاث مراحل لكن تُركت الفترة الزمنيّة فارغة (وكتب الرئيس في الهامش أنّ الموقف السوريّ هو ثمانية عشر شهراً، فيما الموقف الإسرائيليّ ثلاثون شهراً)، (4) يوقّع لبنان اتفاقيّة مع إسرائيل، بشكل متزامن مع سورية وإسرائيل، ويبذل السوريّون أقصى الجهود لضمان عدم القيام بمزيد من الأنشطة شبه العسكريّة أو العدائيّة ضدّ إسرائيل انطلاقاً من لبنان، (5) وردت هذه النقطة بين قوسين، وكانت نصّاً عن الترتيبات الأمنيّة مستعاراً من ورقة «الأهداف والمبادئ»، وعليها تعليق للرئيس مفاده «يجب صياغة النصّ»، (6) ستكون هناك ثلاث مناطق تحدّ من انتشار القوّات ـ منطقة منزوعة السلاح ومنطقة محدودة السلاح ومنطقة خالية من الأسلحة الهجوميّة (وقد حدّدت ملاحظة الرئيس موقع كل منطقة في الجانب السوريّ من الحدود : سيكون الجولان منزوعاً من السلاح، وستمتد المنطقة الخالية من الأسلحة الهجوميّة إلى الطريق السريع قبل دمشق)، (7) يمكن أن تبقى محطّات الإنذار المبكّر والمراقبة القائمة حاليّاً في مرتفعات الجولان ولكن بإدارة متعدّدة الجنسيّات من أفراد أميركيّين وفرنسيّين وسوريّين (وبين قوسين، هناك إشارة إلى وجود إسرائيليّ في مركز المراقبة المتعدّد الجنسيّات)، (8) إقامة تطبيع كامل للعلاقات ينسجم مع القوانين السارية في كل من البلدين، (9) سيتمّ التعامل مع الاحتياجات والحقوق المائيّة وفقاً للمعايير الدوليّة، (10) ستسعى سورية إلى جعل السلام مع إسرائيل شاملاً في المنطقة.
ما أن فرغت من تفحّص الورقة حتى بادرني الرئيس بالسؤال عن رأيي. قلت له إنّها «شديدة الحسن بحيث يتعذّر تصديقها». لكنّني فهمت الآن لماذا كان يعتقد باراك ورفاقه بأنّهم ليسوا بحاجة إلى الالتزام بوديعة رابين وخطوط 4 حزيران/ يونيو.
انضمّ إلينا الآن ساندي ومادلين، وأخبرهما الرئيس بأنّني متشكّك بشأن مضمون الورقة. لكن هل أعتقد بأنّ لاودر كان كاذباً ؟ قلت لا، إنّه صادق وإنّني أعتقد أنّه يؤمن بالكثير مما يقول. لكنّي أخشى أنّه ليس دقيقاً وأنّ ما يعتقده اختلافات ثانويّة ليس ثانويّاً. كما أنّني أعتقد أنّ هناك بعض التعلّل بالآمال هنا. وأين تكمن شكوكي الكبرى؟ كنت أعرف أنّ خطّ 1923 ليس فكرة صالحة البتّة بالنسبة للأسد، فتلك حدود استعماريّة في نظر الأسد ولن يقبل بها قطّ في أي وثيقة. كما كانت لديّ شكوك كبيرة بأنّ يقرّ الأسد بوجود إسرائيليّ في محطّات الإنذار المبكّر في الجولان بعد الانسحاب الإسرائيليّ، فما بالك بالقبول به. لكنّ وصف لاودر بأنّ الأسد لا يريد وثيقة معقّدة كان صحيحاً، وكذا حال عدد من النقاط العشر.
قال الرئيس، «علينا التدقيق فيها مع الأسد بطريقة ما». وكان يعتقد بوضوح بأنّ هناك شيئاً ما في ورقة لاودر، وكان متلهّفاً لمتابعته. لكن كيف ؟ هل نطلب من لاودر مقابلة الأسد ؟ لم يكن ساندي ومادلين مرتاحين إلى ذلك، في حين قرّر الرئيس الاتصال بالأسد. لكنّنا أبلِغنا، بصورة غير مألوفة، بأنّ الأسد لن يتمكّن من تلقّي المكالمة قبل عدّة ساعات ـ ما دفعني إلى الاعتقاد بأنّه مريض. (كنّا نتلقّى عدداً متزايداً من التقارير عن تدهور صحّة الأسد وحدّة ذهنه.) اقترحت أن أقابل لاودر أنا ومادلين لسبر أعماقه في المجالات التي تثير شكوكي الخطيرة، وإبلاغه بأنّنا ننوي إرسال الوثيقة إلى الأسد مع رسالة مفادها أنّه إذا كان يجدها مقبولة من حيث الأساس ، فإنّ الرئيس يعتقد بوجود إمكانيّة للتقدّم بسرعة كبيرة نحو اتفاقيّة نهائيّة بين سورية وإسرائيل. أعجب الرئيس كلينتون بهذا النهج وطلب منّا السير فيه.
جاء لاودر إلى مكتب مادلين ليقابلنا. فشرحت ما نعتزم القيام به، فوافق على أنّ ذلك أمر معقول. ثم سألته ما هي الأسئلة التي يعتقد أنّ الأسد يمكن أن يطرحها بشأن الورقة. فقال إنّ الأسد سيواجه مشكلة في النصّ المكتوب بين أقواس بشأن الوجود الإسرائيليّ في محطّة الإنذار المبكّر ـ وأنّ هذا كل شيء. وماذا عن خطوط سنة 1923 وليس خطوط 4 حزيران/ يونيو 1967؟ ولشدّ ما أدهشني إصراره على أنّ الأسد وافق على ذلك ـ وأنّنا سنرى أنّها ليست مشكلة عندما يتلقّى الأسد الورقة.
* روس: الأسد أقر لكلينتون بلقاءاته مع رونالد لاودر ولكنه أنكر علمه بقصة النقاط العشر
* عندما عدنا إلى البيت الأبيض، اتصل الرئيس بالأسد ثانية. وقد تلقّى الأسد المكالمة هذه المرّة. أبلغه كلينتون عن هذا الاجتماع مع لاودر، (إشارات المؤلف المستمرة للاودر مقصود بها رونالد لاودر، فيما يكتفي بالإشارة لبيل كلنتون بكلمة الرئيس ولنتنياهو ببيبي..الإيضاح من «الشرق الأوسط») وورقة النقاط العشر. فهل يوافق الرئيس الأسد على هذه النقاط بالفعل؟ كان ردّ الأسد يميل إلى تعزيز شكوكي. قال إنّ «ذلك غريب نوعاً ما». أقرّ بأنّه التقى عدّة مرّات بلاودر، لكنّه أبدى عدم علمه بشأن النقاط العشر. وقال إنّ المسعى معه انتهى إلى الفشل. وانّه لا يريد إحراج أحد ويفضّل عدم مجيء لاودر إلى دمشق ـ وهو ما اقترحه كلينتون الآن. وبدلاً من ذلك طلب من الرئيس أن يرسل إليه الورقة التي قدّمها لاودر وسيردّ عليها.
بعد المكالمة طلب مني الرئيس إعداد الورقة مع ملاحظة تفسيريّة تبيّن المجالات التي قال لاودر إنّها بحاجة إلى توضيح. واستناداً إلى حواره مع لاودر ومعنا، اقترح أن نلطّف النص المتعلّق بمركز المراقبة لاستبعاد الإشارة إلى الوجود الإسرائيليّ. اعترض ساندي بحقّ قائلاً لا يمكن أن يكون لدينا نسخة اطلع عليها باراك ونسخة ثانية للأسد. واقترح ألا نجري هذا التغيير إلا إذا قبله باراك ـ وعندما راجعنا باراك في الأمر، قال إنّه لا يريد إدخال تغييرات على الورقة: «فهذه هي الورقة التي يفترض أنّ الأسد قبلها، وأنّ علينا اختبار ردّه». فقد كان باراك متلهّفاً إلى معرفة كيفيّة ردّ الأسد عليها.
سأل كلينتون «كيف سترسل الورقة إلى الأسد؟»، أجبته بأنّني سأرسلها بفاكس آمن إلى سفيرنا في دمشق مع تعليمات مشدّدة بأنّه هو وحده من يستطيع تسلمها من ماكنة الفاكس، وأنّ عليه أن يضعها في مغلّف وأن يأخذها إلى القصر الرئاسيّ على الفور دون أن يعرض أيّ تعليقات عليها. أجاب الرئيس، «حسناً». وبعد يومين، أجاب الأسد داعياً الرئيس إلى القول إنّ سورية لم تقبل هذه الورقة من قبل ولن تقبل بها الآن. انتهى المسعى مع لاودر، الأسد يفضّل العمل انطلاقاً من التزام رابين ـ «الوديعة» ـ ودعانا إلى تقديم مقترحات إلى الجانبين.
اتّضح الآن ما كنت أشكّ فيه طوال الوقت: لقد كانت مقاربة باراك الابتدائيّة للسوريّين تستند إلى مقدّمة خاطئة: أن ليس عليه إعادة التأكيد على التزام رابين «المشروط» بالانسحاب إلى خطوط 4 حزيران(يونيو).
تشجّع الرئيس بحماسة باراك، بعد أن ارتفعت آماله مع لاودر، ووافق على محاولة إقناع الأسد بقبول القناة السريّة. لكن قبل أن يتصل بدمشق، أخبرته بأنّ الأسد يقاوم من حيث المبدأ فكرة الدبلوماسيّة السريّة مع إسرائيل لأنّها كانت الطريقة التي أنجز بها الجميع الأمور ـ السادات والملك حسين، بل وحتى الفلسطينيّين. وأنّ على الأسد أن يظهر الآن أنّه يؤدّي العمل على طريقته (كانت قناة لاودر سريّة لكنّها لم تكن مباشرة). ولإقناع الأسد بالعمل في قناة سريّة، لا بدّ من أن تكون قناة ثلاثية الأطراف لا قناة ثنائيّة. فذلك سيسمح للأسد بأن يظهر أنّه مختلف، لا يسعى وراء الدبلوماسيّة السريّة مع الإسرائيليّين ولكن العمل مع الراعي الأميركيّ المشترك وفقاً لشروطه.
أبدى الأسد اهتماماً، لكنّه أراد أن يعلم من سيرسل باراك إلى الاجتماع. فكان الجواب أوري ساغي، وكنت أعرف أنّ ذلك سيسرّ الأسد. فساغي، وهو جنرال متقاعد ورئيس سابق للاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة، أقرّ علناً بأنّ الأسد مستعدّ لعقد سلام مع إسرائيل إذا انسحبت إسرائيل من مرتفعات الجولان، كما أنّه من المؤيّدين المعروفين للتوصّل إلى مثل هذا الاتفاق. وكان أيضاً صلة الوصل بين باراك وباتريك سيل، كاتب السيرة الذاتية للأسد.
لا شكّ في أنّ الأسد كان متحمّساً بشأن ساغي، وقال عنه إنّه يحظى بسمعة طيّبة لدى الجانب السوريّ. وقال إنّه سيرسل رياض الداووديّ ـ وهو محام سوريّ شارك في المحادثات الإسرائيليّة السوريّة في واي سنة 1996.
سأل الأسد من سنرسل نحن؟ فأجابه الرئيس أنّه سيرسلني. فقال الأسد، «لم يكن السيّد روس إيجابيّاً معنا دائماً». فكان ردّ الرئيس: بإمكان دنيس الانتقال بشكل سريّ، ولا يمكنني أن أرسل وزيرة الخارجيّة، كما أنّه يعرف التفاصيل والتاريخ بطريقة لا يجاريه فيها أحد. وردّ الأسد على ذلك قائلاً، «ذلك صحيح، لكنّنا نأمل أن يكون إيجابيّاً أكثر».
وفي وقت لاحق سألني الرئيس، «ما الذي كان يعنيه؟». أبلغت الرئيس أنّه ربما يكون هناك العديد من الأسباب وراء ذلك التعليق. أولاً، أنّني جئت لتمثيل عمليّة السلام في المنطقة في عهد بيبي فقط، وفي أثنائه ركّزنا على المسار الفلسطينيّ بشكل حصريّ تقريباً. وأنا لم أذهب إلى دمشق منذ سنة 1996، وأنّ الأسد شعر من دون شكّ بأنّه تمّ تجاهله. ثانياً، كنت شديداً معه بشأن الإرهاب في اجتماعنا الأخير، وكان قد عُقد بعد وقت قليل من انفجار رحلة طائرة «تي دبليو أ 800»، حيث أبلغته أنّه إذا تبيّن أنّ الانفجار عمل إرهابيّ وثبت أنّ لأي من المجموعات الرافضة التي تتخذ من سورية مقرّاً لها، فإنّنا سنحمّله المسؤوليّة عن ذلك. ثالثاً، أنّ الأسد كان يحاول وضع الرئيس ووضعي في موقف دفاعيّ بحيث نكون أكثر استجابة له.
* سيناريوهات جولة سويسرا السرية بين دمشق وتل أبيب
* اقترحت أن أمدّ يد المساعدة «بصيغة أميركيّة». وقلت إنّها ستمكّن رياض من الإشارة إلى شيء من قبلنا، ويستطيع أوري القول، إنّ هذه صيغة أميركيّة، ولا تلزم إسرائيل بالطبع. )المؤلف يشير هنا الى رياض الداوودي المفاوض السوري وأوري سارغر المفاوض الإسرائيلي وهما المبعوثان من قبل حافظ الأسد وإيهود باراك .. الإيضاح من «الشرق الأوسط»)، أعجب الاثنان بالمقاربة، وأخذنا استراحة وذهبت لأكتب الصيغة.
أردت أن أبتكر شيئاً يكون جديداً بشكل واضح من وجهة النظر السوريّة ولا يكون صريحاً من وجهة النظر الإسرائيليّة. وبهذه الخلفيّة في ذهني، صغت مسوّدة نصّ تفيد بأنّ وديعة رابين التي قدّمت إلى الرئيس كلينتون بشأن المواقف من الانسحاب الكامل يجب ألا تُسحب ويجب أن ترشد نتيجة المفاوضات إذا أريد التوصّل إلى اتفاق. وفي حين أنّني لم أفصح عن وديعة رابين من حيث خطّ 4 يونيو(حزيران) بالتحديد، كنت أشير إليها ضمناً وأضيف شرطي، أنّها «يجب أن ترشد» و«يجب ألا تسحب». راجعت الصيغة مع ساندي ومادلين، وحثّني ساندي على تأكيد الأمر مع باراك، وبخاصّة لأنّ الولايات المتحدة لن تكون الآن حافظة لوديعة رابين فحسب، وإنّما تقول إنّها يجب أن ترشد النتيجة.
راجعت الأمر مع أوري فأراد أن يتأكّد من أنّ باراك سيكون مرتاحاً للصيغة قبل تقديمها إلى الداووديّ. نبّهت أوري إلى أنّني لا أستطيع الانتظار طويلاً لئلا يعتقد الداوويّ بأنّني أقوم بإعداد الأمر مع الإسرائيليّين ـ ما يميت الصيغة عند ولادتها. تفهّم أوري ذلك ونجح على الفور تقريباً في الحصول على موافقة باراك، شريطة «ألا أتقدّم أكثر». وذلك يتجاهل الواقع بوجوب حدوث بعض الأخذ والردّ بشأن الصيغة. بيّنت لأوري أنّني تعمّدت استخدام «يجب» بدلاً من «سوف» أو «س». وقلت قد يكون عليّ يا أوري أن أعطيه «سوف» أو «س» ـ لا سيما لأنّه سيضغط بالتأكيد لذكر 4 يونيو صراحة ولأنّني لن أعطيه ذلك.
فهم أوري ذلك، ومن المثير للاهتمام أنّه أرادني أن أكون متعاوناً قدر الإمكان، مع أنّه يعتقد أنّ الصيغة تقف عند الحدود الخارجيّة لما يمكن أن يتقبّله باراك. فقد رأى أنّ الداووديّ رجل يمكنه التفاوض معه ويريد أن يدعمه لدى الأسد.
عندما أطلعت رياض على الصيغة، أراد بالطبع تغيير «يجب» وإحلال «سوف» أو «س» مكانها، كما أراد ذكر خطوط 4 يونيو صراحة. فقلت له إنّني ذهبت بعيداً في وضع مسوّدة هذه الصيغة، فالولايات المتحدة ستنتقل من حافظ غير فاعل لوديعة مقدّمة من رابين إلى تبنّي موقف فاعل بأن ترشد الاتفاق. وذلك يمنح السوريّين ضمانة بشأن الوديعة لم تكن لديهم البتة. وثمة تساؤلات أثيرت بالفعل في واشنطن بشأن تولّينا مسؤوليّة جديدة، وأبلغت رياضاً بأنّني أشكّ في قدرتي على الذهاب إلى أبعد من ذلك: «لديك يا رياض شيء مهمّ منّا، فخذه».
أقرّ بأنّ الصيغة تشكّل خطوة مهمّة إلى الأمام، لكنّه كان قلقاً من ألا تكون كافية في دمشق. فقرّرت أن أجرّب مسلكاً آخر. سحبت ورقة لاودر وأطلعته عليها مع تعليقات الرئيس (تبدو الإشارة هنا للرئيس كلينتون ..الإيضاح من «الشرق الأوسط»). وأبلغته أنّ الحماسة دبّت في الرئيس عندما شاهد النقاط العشر، وذكّرته بقيمة أن يكون لديك مشاركة رئاسيّة متحمّسة. ومفتاح الحلّ بالنسبة إلينا أن نأخذ بعض هذه النقاط وننشئ عليها بنية تتمحور حول العناوين التقليديّة للانسحاب والسلام والأمن والجدول الزمنيّ. علينا أن نستخدم الصيغة التي استنبطتها كطريقة لتجاوز عتبة قضيّة استئناف المفاوضات. وأضفت أنّنا في النهاية «نتفاوض الآن وأنّك سمعت بالفعل أشياء من أوري لم تُقل من قبل مباشرة أمامكم».
راجع الداووديّ نقاط لاودر وأبدى إعجابه بملاحظات الرئيس في الحاشية. لكنّه قال، «لقد اطلعت على هذه النقاط يا دنيس، وقد صرفنا ثلاث عشرة ساعة في دراستها وهي لا تعكس أياً من تعليقاتنا. هذه هي المسوّدة الأولى التي أعطيت لنا، لا النسخة الأخيرة» ـ والتي كان يعرف أنّهم أصرّوا فيها على إحلال خطوط 4 يونيو محل خطوط 1923.
أجبت بأنّ معرفتنا بذلك مثيرة جدّاً للاهتمام. ومع ذلك، ثمة نقاط مشروعة في ورقة لاودر، وأنّ لدينا قناة الآن ويجب الاستفادة منها. أبلغني أنّه سيحاول أن يفعل شيئاً. كان المساء قد تقدّم الآن، فتناولنا عشاء اجتماعيّاً استفسر فيه كل منّا عن أسرة الآخر. وبدا من الواضح أنّ أوري ورياض مشغولان فغادرا فور انتهاء الطعام للاتصال بعاصمتيهما.
وبعد قليل على مغادرة أوري، اتصل بي رئيس الوزراء باراك. لقد تحدّث إلى أوري، لكنّه يريد أن يعرف انطباعاتي عن المحادثات. أخبرته بأنّ الداووديّ منفتح بشكل ملحوظ وأنّه يحاول أن يجد طرقاً لكي يكون متجاوباً، لكنّ الأسد مصرّ على الصيغة، وأخشى أنّنا بدلاً من الدخول في دبلوماسيّة الأخذ والعطاء الحقيقيّة، فإنّنا سنغرق في الخلاف بشأن كيفيّة معاودة المفاوضات الرسميّة. وقد حاولت القفز على ذلك الاحتمال بالصيغة التي وضعتها وبمراجعة نقاط لاودر مع الداووديّ. وأبلغته بأنّ ذلك لم يجدِ نفعاً لأنّ مسوّدة نقاط لاودر كان ينقصها التعليقات السوريّة ـ وهو اكتشاف مثير جدّاً للإزعاج.
انزعج باراك بشكل مماثل من كشف الداووديّ لهذا الأمر، لكنّه لاحظ بعدئذ بأنّ الأسد قبل التفاوض حول نقاط لاودر معهم، حتى وإن كانت غير دقيقة. لقد اعترف الداووديّ بهذا القدر. ويريد باراك أن يكون قادراً على إجراء مثل هذا التفاوض مع السوريّين دون أن يكون عليه دفع الثمن بقبول أي شيء يتجاوز الصيغة التي وضعتها الآن. هذا هو الحدّ وقال باراك دون مواربة: «سأبلغ الرئيس (كلينتون) بأنّني أعارض أي صيغة أميركيّة تتجاوز تلك التي وضعتها».
في الصباح التالي طلب الداوودي أن يجتمع بي على انفراد. لقد تحدّث إلى وزير الخارجيّة الشرع، ونقاط لاودر خارج نطاق البحث. إن سورية تطالب بصيغة صريحة بشأن خطوط 4 يونيو ولورقة «الأهداف والمبادئ» أيضاً. وهذه هي نقطة انطلاق معاودة المفاوضات الرسميّة، وأي شيء دون ذلك غير مقبول.
تملّكني شكّ في أنّنا وصلنا إلى غاية ما يمكننا هنا في بيرن. فقد أبلغت رياضاً بأنّني لا أستطيع أن أحسّن الصيغة التي قدّمتها له وهو الآن غير قادر على قبولها.
لكنّني اقترحت ألا نيأس. لقد سمع رياض مبدأ خطوط 4 يونيو من أوري وبإمكانه الإفادة عن ذلك إلى الرئيس الأسد. وبإمكانه الإفادة عن موقفنا المتقدّم أيضاً. فوزيرة الخارجيّة ستزور المنطقة خلال بضعة أيام ووعدت بأن أفكّر في أفضل السبل للاستفادة من اجتماعاتها المنتظرة مع الأسد وباراك. ومن المثير للاهتمام أنّ أوري كان يشعر بأنّ الاجتماعات حقّقت نجاحاً مدهشاً، لقد بات أكثر اقتناعاً من ذي قبل بأنّ الأسد يريد التوصّل إلى اتفاق. وما علينا إلا إيجاد الطريقة الصحيحة لإدارة «المفتاح في الباب وفتح قفل التقدّم المتوفّر». قلّبت فكرة أوري في ذهني. وكانت تلازمني أيضاً ملاحظة باراك بأنّ مسعى لاودر أنتج أخذاً وردّاً جدّيين بشأن الورقة. وفيما كنت عائداً إلى زوريخ لأستقل طائرة إلى القاهرة، راودتني فكرة جديدة. لم لا نعيد فتح مفاوضات غير مباشرة على ورقة شبيهة بنقاط لاودر. يمكننا أن نحضر الجانبين إلى موقع سريّ، ويمكننا التحدّث بشكل مكثّف إلى الجانبين كل على حدة، وفي ضوء هذه المباحثات يمكننا عندئذ أن نستنبط وثيقة، ويستطيع الجانبان بعد ذلك التفاوض حول الوثيقة. وبهذه الطريقة لن يكون الأخذ والردّ حول صيغة عامّة لاستئناف المفاوضات، ولكن على فحوى كل من القضايا التي يجب حلّها.