في مثل هذا اليوم من عام 1973 نفذ جهاز المخابرات الإسرائيلي 'الموساد' مجزرة 'فردان' ببيروت بحق القادة الشهداء كمال عدوان وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار.
واشرف على عملية الاغتيال هذه أيهود بارك رئيس الوزراء والاسرائيلى السابق ومعه أمنون شاحاك وزير السياحة السابق وسميت بعملية 'ربيع فردان' ويعتبرها الإسرائيليون أشهر عملية اغتيال نفذت في عهد غولدا مئير رئيسة مجلس الوزراء الاسرائيلى في ذلك الوقت .
وكان المواطن اللبناني منعم عبد المنى، والذي كان يقيم في المبنى الذي حدث فيه الاغتيال في شارع فردان في بيروت روى ما حدث في ليلة التاسع من نيسان 1973وقال انه في تلك الليلة كان منعم وزوجته وولداه الصغيران نائمون في غرفة صغيرة في طابق أرضي في البناية التي استهدفها باراك ومن معه, واستيقظ منعم وذهب إلى النافذة ليرى امرأة شقراء تضع رشاشاً على خاصرتها وتطلق النار على الغرفة .
عاد منعم إلى ابنه الصغير وخبأه تحت السرير ورمت زوجته نفسها على ابنهما الثاني ، وفيما بعد وجدا أكثر من 40 من فوارغ الرصاص في الموقع .
بسبب الأزياء التي تنكّر فيها باراك ورفاقه أطلق على العملية اسم (عملية هيبي). و أعطت العملية باراك سمعة كبيرة ، وأدّت إلى استقالة رئيس الوزراء اللبناني صائب سلام احتجاجاً على عجز الجيش اللبناني عن تحقيق الأمن و إيقاف فرقة الكوماندوز التي قادها باراك متنكراً بثياب امرأة شقراء ، التي نزل أفرادها على أحد شواطئ بيروت و استقلوا سيارات أعدها عملاء لـ (إسرائيل).
وانطلقت الفرقة إلى أحد المباني في فردان وتم تصفية أبو يوسف النجار أحد قادة فتح البارزين وقتذاك وزوجته التي حاولت حمايته، وكمال عدوان المسؤول العسكري لفتح في الأراضي المحتلة وكمال ناصر المتحدث باسم منظمة التحرير الفلسطينية ، وقتل في العملية شرطيان لبنانيان وحارس وعجوز إيطالية تبلغ من العمر (70) عاماً.
وترك الكوماندوز الإسرائيلي السيارات التي استخدموها في عدوانهم في أماكن متفرقة على الشاطئ اللبناني وغادروا بالطريقة التي دخلوها، وأكد الفلسطينيون أن حواجز لقوى الأمن الداخلي اللبناني منعت مجموعات فلسطينية مسلحة من الوصول إلى شارع فردان للتصدي للإسرائيليين.
الشهيد ابو اياد يروي تفاصيل العملية:
من جهته قدم الشهيد صلاح خلف (أبو إياد) قدّم شهادته عن ما حدث في (ربيع فردان) في كتابه فلسطيني بلا هوية ، وربط ذلك بالأجواء التي أعقبت عملية ميونخ، حيث تواصلت حرب الأشباح بين المخابرات الاسرائيلية و الفلسطينيين ، وبدأت كما هو معلوم بالاغتيالات و إرسال الطرود الملغومة والتي طالت مسؤولين فلسطينيين في مختلف العواصم العربية و العالمية ، وبالرد الفلسطيني بتنفيذ عمليات ناجحة طالت رجال للموساد في عواصم مختلفة أيضاً ، ومن بين ما قام به الفلسطينيون محاولتان استهدفتا مقر سفير 'إسرائيل' في نيقوسيا و الأخرى ضد طائرة تابعة لشركة العال كانت في مطار قبرص ، كان ذلك في التاسع من نيسان ، و في اليوم التالي كانت وحدات الكومندوز الاسرائيلية تنزل إلى بيروت و تغتال القادة الثلاثة .
وروى أبو إياد عن علاقته الوثيقة بكمال ناصر ، وأنه كيف كان في مرات كثيرة يقضي الليل عنده في شقته.
وأشار إلى أنه قبل العملية بعشرة أيام كان هو والرئيس عرفات وآخرون في شقة كمال ناصر ، استرعى انتباهه عدم وجود حراسة و تحدّث بين الجد و الهزل ، عن احتمال أن تحطّ طائرة عمودية في الأرض الخلاء مقابل المبنى و تختطف القادة الثلاثة .
وفي التاسع من نيسان ، كان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية يعقد جلسة له في بيروت وطالت حتى ساعة متأخرة من الليل ، وقضى أبو إياد ليلته في شقة كمال ناصر ، وفي اليوم التالي عرض أبو إياد على كمال ناصر أن يقضي السهرة في شقته ولكن كمال ناصر أجابه مازحاً : (أفضّل أن أموت على أن أستقبلك عندي) ، و أوضح أنه يريد أن ينظّم مرثاة في الشاعر عيسى نخلة المتوفى حديثاً ، و أن وجود أبو إياد سيلهيه عن تلك المهمة .
وذهب أبو إياد ليلتقي الناجين الثلاثة من عملية ميونخ الذين أطلقت السلطات الألمانية سراحهم ، والموجودين في مبنى لا يبعد سوى عشرة أمتار عن مبنى الجبهة الديمقراطية القريب من البناية التي يسكنها القادة الثلاثة ، وبعد ساعات كانت وحدات الكوماندوز الاسرائيلية تنفّذ مهمتها ، انتقل أبو إياد إلى منزل عرفات ، الذي قصف في العملية و كان الحراس قاوموا المعتدين ، و تابع عرفات المعركة من سطح المبنى .
وذهب أبو إياد إلى المبنى الذي كان يقطنه القادة الثلاثة بعد ورود الأنباء عن اغتيالهم ، وفي شقة كمال ناصر ، وجده ممدّداً على شكل صليب على الأرض بعد إصابته في وجهه بخمس عشر رصاصة على الأقل ، ويعتقد أن المهاجمين لم يغفلوا عن حقيقة أن ناصر مسيحي الديانة، فمدّدوه على شكل صليب وأطلقوا النار على وجهه، ورش المهاجمون برصاصهم سريره و السرير الذي كان يأوي إليه أبو إياد في أحيان كثيرة .
لاحظ أبو إياد أن شباك النافذة كان مفتوحاً والستائر منتزعة ، الأمر الذي ربما يشير إلى أن ناصر كان حاول الفرار ، ولم يتمكن من ذلك، فردّ على المهاجمين بمسدس صغير وجد بجانب جثته .
بالنسبة لأبي يوسف النجار فاتضح بأن منفذي العملية نسفوا مدخل شقته بقنبلة بلاستيكية ، بينما كان هو نائماً مبكراً كما يحب ، والأولاد يذاكرون دروسهم في غرفهم ، وعندما تم نسف المدخل اندفع باتجاهه ابن الشهيد يوسف وكان عمره 16 عاماً ، ولكن الكوماندوز المهاجمين صرخوا به سائلين عن والده ، فرجع يوسف إلى غرفته ونزل من شباكها إلى الطابق الخامس ، وخلال ذلك أغلق أبو يوسف النجار باب الغرفة التي يوجد فيها وطلب من زوجته أن تناوله مسدسه ، ولكن الاسرائيليين اقتحموا الغرفة و أصابوه وحاولت زوجته حمايته ووضعت نفسها بينه وبين المعتدين فتم قتل الزوجين معاً .
وفي الطابق الثاني كانت مجموعة أخرى تقتحم شقة كمال عدوان الذي كان ما زال يعمل وعندما سمع بالجلبة أمام الباب أمسك برشاشه ، وقبل أن تتاح له فرصة استخدامه كانت مجموعة أخرى من الكوماندوز يدخلون من نافذة المطبخ ويصيبونه في ظهره .
واتهم أبو إياد شركاء محليين لاسرائيل بالتواطؤ و تسهيل عملية الاغتيال ، و أكد أن الجيش اللبناني و الدرك و الأمن العام لم يحاولوا التدخل ، و قبيل الهجوم على المبنى في فردان ببضع دقائق حدث انقطاع في التيار الكهربائي و كان المهاجمون يتنقلون في بيروت بحرية و يسر مذهلتين و كذلك في الجنوب حيث شنت هجمات أخرى .