في ربيع 2004 صدر في بيروت الجزء الرابع من مذكرات العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع المخضرم في سورية، الذي أثار اهتماماً كبيراً لكونه يتعرض لفترة الصراع على السلطة بين الشقيقين حافظ ورفعت الأسد في النصف الأول لعام 1984.
ويوضح العماد طلاس في هذا الكتاب خفايا هذا الصراع وتطوراته، الذي انتهى في نيسان 1984 بانسحاب رفعت الأسد من سورية وفق اتفاق خاص. وفي هذا السياق ركّز العماد طلاس على موقف الطائفة المرشدية التي كانت تمثل مع الطائفة العلوية العمود الفقري لسرايا الدفاع وعددها 40 ألف جندي، التي كان يعتمد عليها رفعت الأسد، وكيف أن الموقف تحول فجأة بعد أن التقى الرئيس حافظ الأسد بأولاد الإمام سلمان المرشد، مؤسس هذه الطائفة، وأعلنوا الولاء له. ويعترف طلاس في كتابه المذكور أن إعلان ولاء أفراد الطائفة لحافظ الأسد قد شكل ضربة قوية لرفعت الأسد، حتى أنه يقول أن انسحاب أفراد الطائفة المرشدية من سرايا الدفاع "زعزع كيانها وهزّ بنيانها" (ص349).
وقد تصادف أنه بعد عدة شهور صدر في مطلع 2005 كتاب جديد في بيروت يميط اللثام أكثر عن هذه الطائفة ألا وهو مذكرات أحمد السياف "شعاع قبل الفجر" التي حققها وقدم لها الباحث محمد جمال باروت. وعلى عكس الكتاب الأول، الذي لم يسمح له بالوصول إلى المكتبات السورية، فإن الكتاب الثاني حظي برواج كبير في الشهور السابقة مما أخرج هذه الطائفة لأول مرة من الظل والتعتيم إلى النور والتقييم.
ونظراً لأن الأمر يتعلق بطائفة كبيرة نسبياً، لا تقل عن الدروز في سورية، وتنتشر من الشمال (شمال اللاذقية) إلى الجنوب (حوارن)، كما تروج حولها الغوامض أكثر من الحقائق، يصبح من الضروري والمفيد التعرف عليها عن قرب.
تعود هذه الطائفة في بداياتها إلى سلمان المرشد (الذي يشتهر أكثر باسم سليمان المرشد) والذي يشاع عنه أنه ادعى الألوهية وأنه اعتقل لأجل ذلك وأعدم في نهاية 1946، وهو ما يأخذ به العماد طلاس نفسه ويكرره عدة مرات (ص347 وغيرها). ولكن جمال باروت في كتابه المذكور يكشف عن خلفيات سياسية لمحاكمة متسرعة للمرشد، الذي كان عضواً في المجلس النيابي عن محافظة اللاذقية، وأن قرار الاتهام والإعدام لم يتطرق أبداً إلى مسألة ادعاء الألوهية كما يشاع بل أنه أعدم بتهمة قتل زوجته والتحريض على قتل آخرين في المواجهة التي حصلت مع الدرك في قريته بنهاية 1946.
والملاحظة الأولى المهمة أن المرشدية كطائفة دينية قد انبثقت اثنياً وليس عقيدياً من الطائفة العلوية، أي أن المرشديين كانوا في بدايتهم من العلويين من ناحية الدم والعادات والتقاليد، ولا يزال هؤلاء يشكلون الأغلبية بعد أن انضم إلى المرشدية أفراد من مناطق وأديان أخرى. ولكن من الناحية العقدية فقد استقلت المرشدية تماماً عن العلوية وأصبحت طائفة دينية مختلفة عنها لها عقيدتها وطقوسها الخاصة.
والملاحظة الثانية هي أن سلمان المرشد (1907-1946) كان قد لفت الأنظار إليه في 1923 عندما بشّر بقرب ظهور المهدي لـ"يملأ الأرض عدلاً" ودعا إلى إلغاء الكثير من العادات التي تمس سيطرة مشايخ العلويين على أتباعهم. ومع أن المرشدية يجلونه كزعيم وإمام لهم، إلا أن المؤسس الحقيقي للدعوة المرشدية هو ابنه مجيب المرشد(1930-1952) الذي أطلق الدعوة باعتباره "القائم الموعود" في 22 آب 1951. ولذلك يعتبر يوم 25 آب هو العيد الوحيد عند المرشديين، الذي يستمر ثلاثة أيام (25-26 آب) ويحتفلون به في تجمعاتهم.
وقد أشار مجيب قبل قتله في 27 تشرين الثاني 1952 في عهد أديب الشيشكلي -وبإيعاز منه كما يعتقد- إلى أخيه الأصغر ساجي المرشد باعتباره "الإمام ومعلم الدين". وبسبب هذه الظروف يعتبر ساجي المرشد (1932-1998) هو المؤسس الفعلي للطائفة المرشدية باعتباره بقي حياً حتى 1998، وهو ما أتاح له تأسيس "مدرسة الإمام ساجي" التي تخرج منها الكثير من الشباب الذين أخذوا المعرفة الجديدة منه وساهموا بدورهم في انتشارها.
والملاحظة الثالثة أن الإمام ساجي لم يوص لأحد من بعده، ولذلك يقال عند المرشديين أن الإمام ساجي غاب ولم يمت انطلاقاً من المعتقد المرشدي بأن موت الإمام غيبه. ومع وجود الأخ الأصغر له النور المضيء، الذي لا يتمتع بأية مكانة أو سلطة دينية، لم يعد هناك مرجعية دينية أو "رجال دين" عند المرشدية بل هناك شخص يسمى "الملقن" الذي يتم اختياره من قبل الجماعة المرشدية في المحلة التي يعيشون فيها، والذي يقتصر عمله لمرة واحدة على تلقين طقس الصلاة لكل من يبلغ الرابعة عشرة من عمره ذكرا أو أنثى.
والملاحظة الأخيرة تعتمد على أول عملين علنيين عن الطائفة وضعهما النور المضيء نفسه ("محاورات حول الحركة المرشدية" و"لمحة خاطفة عن الحركة المرشدية") حيث يتم التركيز على أن المرشدية "دين وليست حزباً سياسياً ولا برنامجاً اقتصاديا ... فهي تعتني بطهارة السريرة وليس بقوانين الإدارة" وبالاستناد إلى ذلك ينفي النور المضيء أي ادعاء للألوهية عند سليمان المرشد بل انه "بشر بقيام المهدي، ونادى بقرب وفاء الله لوعده، وحضّر أتباعه لهذا الوعد"، وبذلك فهو "الإمام القائم الذي يقمه الله ليمثل رضوانه للناس حياة وعملاً ويتشخص في كل دور بشريا". ويبدو من هذين الكراسين أن المرشدية تنتمي للديانات الغيبية التي تعتبر الموت انتقالاً خلاصياً إلى حياة أخرى أسمى من الحياة على الأرض وخلاصاً من شرورها.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أبناء الإمام سلمان المرشد (ساجي ومحمد الفاتح والنور المضيء) بقوا في الإقامة الجبرية حتى 1970، حيث كانت المرشدية ملاحقة وكان كل مرشدي يقر بمرشديته يعتقل ويحاكم بتهمة الانتساب إلى جمعية سرية. ولكن بعد 1970، وبالتحديد بعد تسلم حافظ الأسد للسلطة في سورية، أطلق سراح الإمام ساجي وأخويه محمد الفاتح والنور المضيء من الإقامة الجبرية واكتسبت الطائفة حرية الدعوة والحركة كبقية الطوائف. وربما هذا يفسر موقف أفراد هذه الطائفة مرة أخرى في الصراع على السلطة في سورية خلال 1984، حين أعلنوا ولاءهم لحافظ الأسد.