ولا التبختر قبالة الشمس، ولا يشتهون في الحسن أجمل من برقع وخلخالٍ ولا في العظمة أكثر من زهد النساك و صمت الحكماء.
لا يطيقون في الكف سلام الرشاوى ولا يطيقون في المخدّة غفوة المال الحرام ولا يطيقون في الخزائن أيضاً ذهباً لم يسقط من قمقم علاء الدين ولا في المصارف أمانة خضراء يسقونها من عرق الجبين، ولا يطيقون جاراً لا يؤم المعابد صبحَ مساء ولا رفيقاً لا يعاقر النخوة صبحَ مساء ولا حليفاً لا يجيد الوفاء صبحَ مساء ولا عميلاً لا يحترف الطاعة صبحَ مساء، ولا يشتهون في الجمال أكثر من نظرة وقصيدة ولا في الكمال أكثر من طهر الأبرار ورؤى الأنبياء.
هم في الحساب زانية تُسائل زانية وفي المحاكم سارق يقايض سارقاً وفي الشارع أزعرٌ يكرم أزعرَ ، وفي المجالس غنيمة تحمي غنيمة وفي المفارق مكيدة تستر مكيدة، وفي المعارك رمحٌ يصافح رمحاً، وفي المنابر لسانٌ يقلد لساناً، وفي الصناديق أوراقٌ تعانق أوراقاً، وفي الحرائق نارٌ تخمد ناراً، وفي الفضائل سرابٌ يفتقد سراباً، وفي الرذائل شرٌ ينعش شراً، فلا يعنيهم مجد من ساحات الوغى ولا غار من حدائق النصر، ولا يشتهون في الحب أجمل من وصال ورعشة ولا في النبل أشد من شد الفساد على الفساد وفي الصدق أشد من شد الرياء على الرياء.
لا يطيقون الفاسدين وأولاد الشوارع، ولا يعاشرون أهل العمالة او يمرون بأرباب الخيانة... هم حفنة من معشر العدل لا غبار فيهم يثقل جنح ملاك ولا صدأ يفرش سريره في بطن ميزان، ولا خدش يحفر أثلامه في سفح مطرقة ولا ضوء يرى خيوطه على ظهر قوس ولا كفٌ تمرر أناملها على ثوب ديّان، ولا همس يزرع أحكامه على بلاط محكمة، ولا هاتف يلقي رنينه على مسامع جوَّال يلتقي فاسداً هنا فلا يراه ويلتقي فاسداً هناك فيرديه، ويلتقي مذنباً هنا فلا يلتقيه ولا يلتقي مذنباً هناك فيلتقيه.
هم في دنيا العيون عميانٌ ساعة يشاؤون وثاقبون ساعة يشاؤون وهم في دنيا الآذان فراغٌ ساعة يشاؤون وضجيجٌ ساعة يشاؤون وهم في دنيا الأفواه مُطبقون ساعة يشاؤون ومُتَّسرعون ساعة يشاؤون وهم في دنيا النضال عبيدٌ متى يشاؤون وأحرارٌ متى يشاؤون وفي دنيا الكرامة ذليلون متى يشاؤون وأعزاء متى يشاؤون وفي دنيا القوة قتلى متى يشاؤون وقاتلون متى يشاؤون وفي دنيا السلطة مرؤوسون متى يشاؤون ورؤساء متى يشاؤون لكنهم في دنيا الغنائم مكرهون متى يكونون عملاء ومتفردون متى يصيرون حكاماً وفي دنيا الحساب مقتدرون متى يكونون متزلِّمين ومتحكمون متى يصيرون حكاماً، وفي عالم الشهوة متلهفون متى يكونون قاصرين ومغتصبون متى يصيرون حكاماً او متى يبلغون شرود... الرجال.
هم لا يطيقون الفساد وأولاد الشوارع، ولا يعاشرون السكارى وأهل الرذائل، ولا يعرجون على أوكار الغواني والبغايا، ولا يجالسون معشر الربى والقمار... هم لا يشتهون في دنيا الكمال أغلى من عبرة لمن يقتدي وحكمة لمن يهتدي، ولا في مجالس السلطة أكثر من مقعدٍ لمن يوالي وموقعٍ لمن يطيع، وفي مصانع القرار أكثر من منصبٍ لمن يذعن وسطوةٍ لمن يمتثل، وفي أقواس العدالة أضيق من سجن لمن يعترض وأروع من غفران لمن يتوب، وفي ساحات القلوب أوسع من عناقٍ لمن يبايع وأقسى من حصارٍ لمن يمانع... هم لا ينشدون بعد صوت الشعب إلا صوتاً من شخير الشعب نام وفي جيوبه أكف السارقين وعيون الفاسدين، وقام على رنين الفلوس في جيوب السارقين وطبول النصر في مجالس الفاسدين، وعلى دعاءٍ لهم بالعمر الطويل والكثير الكثير من رضى الله ومال... المحسنين.