نظرة جانبية
"حين تنظرُ عبرَ الزجاجِ المواربِ نظرتَكَ الجانبيةَ
تبصر أن الغيومَ ارتدتْ ورقاً من غصونٍ زجاجيّــةٍ …
هل تمادى الرذاذُ على مَسكن النملِ؟
هل هجستْ سـلّـةُ الزهرِ سنجابَـها يترجّـحُ؟
هل كنتُ أهذي بأسماءِ مَن رحلتْ أمسِ
تاركةً مخدعي بارداً يتنفّسُ؟
كان القطارْ
مسرعاً بين قُصوى محطّــاتهِ والمطار …
انتبهتُ إلى أنني لم أكن في دمشقَ؛
ولا أنا في القاهرةْ ’
وانتبهتُ إلى أن أمطارَ آبٍ حقيقيّــةٌ
مثلَ ما أنني جالسٌ لِصقَ نافذةٍ …
أسمعُ الآنَ صوتَ الرذاذِ الذي صار في لحظةٍ مطراً
أسمعُ الطائراتِ …
الصواريخُ تنقضُّ
إني أُقِــيمُ الصّــلاة".
(مريم تأتي)
" وللحظةٍ غمرتْكَ بالقبلاتِ
ثم نأت متوجةً بخوصٍ أبيضٍ.
في أي نهرٍ سوف تنغمس الأناملُ؟
أي ماءٍ سوف يبتلّ القميصُ بهِ؟
وأيةُ نخلةٍ ستكون مُتّكأً؟
وهل يَسَّاقطُ الرُّطَبُ الجَنِيّ؟
أكان جذعُ النخلةِ المهتزُّ أقصى ما تحاول مريمُ؟
الأشجارُ موسيقى؟
وهذي الشقة البيضاءُ في بيروت ما زالت أمام البحرِ
تخفق في البعيد مدينة مائية أخرى
وألمحُ وجه جَدّي: زرقةَ العينين، والكوفية الحمراءَ
ألمحُ في الحواجز وجهَ مريمَ؟
في المحاور خطوةَ الملكِ المتوّجِ بالقذيفةِ
يدخل الرومانُ منتظمين كردوساً؟
وقوميون يقتتلون في الدكانِ.
مريمُ في مدينتها؟
وأنت تراقب الطرقَ البعيدة: هل تجيءُ اليومَ؟
كانت عند مزبلة الرصيفِ
وأوقدتْ نيرانَها؟
ومضتْ متوجةً بأدخنةٍ؟
تباركت المدينةْ.
لهفي عليكَ وأنتَ مشتعلُ
في الليلِ خلف الساترِ الرمل
هل كان ينبض دونك الأملُ
أم كان يخفق منتأى الخيلِ؟
كلما جئتُ بيتاً تذكرتُ بيتا
كلما كنتُ حيّاً تناسيتُ ميْتا"
“يا رب النخل، لك الحمد
امنحني، يا رب النخل رضاك، وعفوك
إني أبصر حولي قامات تتقاصر
أبصر حولي أمطاء تحدودب
أبصر من كانوا يمشون على قدمين
انقلبوا حياتٍ تسعى...
يا رب النخل رضاك وعفوك
لا تتركني في هذي المحنة
أرجوك!
امنحني، يا رب النخلة
قامة نخلة...”
حين جئنا هذه الأرضَ
وقلنا : "سوف نبني عالماً أجملَ".
كان الكونُ أجملْ ...
أوَلم يسمحْ لنا بالأسئلةْ
وبمنأى الحلمِ ؟
أمّا الآن
والطيرُ الذي ينُْبئنا طارَ
فقد حلَّ زمانُ القتلةْ”
“أعــود إليك يا حياً مــن الألواح و الـقصدير والـقمرِ
يـهزُّ نُـخيلةً حجريةَ الشيصِ
ويرقب كل ليلٍ نجمةَ السفر
وخطوةَ سيّد يأتي مع الريحِ
ليزرع أرضَ هذا الحيّ بالنعناع و الشيحِ
ويبني مسجداً و يطير بالبشر
“أحاولُ أن أنســى
أحاولُ غفلةً ، ولو ساعةً أو ساعتَينِ ...
كأن في عروقي يدورُ الدِينامِيتُ مُوَقّـتـاً
وأنّ دبيبَ الـنّـبْضِ قد بلَغَ الأقصى ...”
مثلَ ما يتفاءلُ طيرٌ
نظرتُ من النافذةْ ...
كان بيني وبين البُحيرةِ دَغْلٌ ،
ولكنه الآنَ
عُريان ...
ليس سوى هيكلٍ من جذوعٍ ،
ومِـمّـا تَقَصَّفَ ؛
حتى الطيورُ التي كنتُ أعهَدُها حُرّةً
همَدَتْ فوقَ أغصانِها
واختفتْ في الـمَـخابيءِ تحت السياجِ .
وآنَ التَفَتُّ إلى الساحةِ ، ارتحْتُ :
كانت هنالكَ سيّارةٌ
وثلاثٌ من الـمُـسْعِفاتِ اللواتي ارتدَينَ السوادَ ...
وفكّرْتُ :
لستُ وحيداً ، إذاً !
في يوم الأحدِ ، السادسِ من تشرينَ الثاني ، في الـــعام الـخامـسِ بعدَ الألفَــينِ ...
وكان المــطرُ الصـامتُ
يدخلُ في القرميدِ ، كما يدخلُ زيتٌ صَدِءٌ في خـشبِ المركبِ ،
في هذا اليومِ ، تكونُ السنواتُ السِـتُّ هنا استكملَت الــعَــدَّ ، لكي تستقبلَ عامِـي السابعَ . ليس لديَّ ، و لا عندَ رفاقي ، ما يوجِــبُ أن نحتفــلَ . الليلةَ لن أتلـقّى باقـةَ ورْدٍ أحمرَ حتى لو كانت ذاويةً ( أنتَ الأعرَفُ بالأمرِ ! ) . ولكني قد أتتــبَّـعُ أطـــولَ فِــيـلْــمٍ أمَــريكيٍّ يُـعْــرَضُ هذي الأيامَ ، بدارِ القريةِ للأفلامِ المســتورَدةِ .
المطرُ الصامـتُ
يشــتدُّ الآنَ ليغدوَ ذا صوتٍ ، يشــتدُّ لِـيُـنبِـتَ خَـمْـسَ أكُـفٍّ تَـطرقُ كلَّ نـــوافذِ بيتي الرطبةِ . أنظــرُ : كان العالَــمُ خارجَ بيتي ملتبِـساً ، لا يُقرأُ ؛كان ركاماً مِـمّـا انتعلَ الجُــنْــدُ الرومانيون ، ومـمّـا افتعَـلَ الأحباشُ وهُـــم ماضونَ إلى مـكّــةَ . كان صيارفةُ الهيكلِ والتجّــارُ الأوغادُ اعتمَـروا تيجاناً ذهباً وصفيحاً ذا لَــمَـعانٍ . كان الكتّــابُ مُـكِـبِّــينَ على ألواحِ الطِـينِ ( يُسَمّـى الواحدُ من تلكَ الألواحِ رقيماً ) ، كانوا ( أعني الكتّـابَ ) يُسَـمّونَ أخِـسّـةَ سـادَتِهِمْ ذهَــباً ؛ أَمّـا الأوباشُ السادةُ ( هل أذكُــرُهم ؟ ) فلقد كانوا مشدودينَ بحَـبْلٍ سُـرِّيٍّ يمتدُّ إلى روما وإلى إرَمٍ ذاتِ عِــمادٍ . يا عُــمـراً طالَ بلا معنىً أو مَــغْـنـىً :
هل تسمحُ لي لحَظاتٍ أن أُنصِــتَ للمطرِ ؟