أسطورة آدم و حواء، أسطورة الطوفان، آدابا / أوانيس و أسطورة حُكماء الماء / أبكالو سومر السبعة ج٢
* د. سام مايكلز Dr. Sam Michaels
أسطورة آدم و حواء:
على الأغلب انحدرت كلمة (آدم) من اللغة العبرية ها-آدم أي (هادا-آدم أو هذا هو آدم) بالعربية و تعني (هالرجل أو هذا الرجل). قصص الخلق التي وصلتنا تقدّم لنا آدم و حواء عاريان تماماً من الملابس و القصة الأولى التي تعود في أصلها إلى أساطير السومريين و البابليين تشير بوضوح إلى أن الآلهة كانوا راضيين تماماً عن هذا العري و لم يضعوا له أية قواعد. الأسطورة الأولى تقدم لنا آدم عارياً في رفقة الحيوانات إلى أن ظهرت حواء العارية أيضاً لتصبح الرفيق عوضاً عن الحيوانات. آدم العاري مع حيواناته كان إنعكاساً لصورة (أنكيدو أو أن - كي - دو) بحسب صورته في ملحمة كلكامش، في حين كانت حواء على صورة (شامهات) و هي كاهنة من (أوروك) كانت تخدم في معابد الرّبة (إنانا)
الصفائح و الرُّقُم الطينية التي وصلتنا من فترة الحضارة السومرية و المُكتشفة في مدينة (أوروك) تخبرنا أن الرّبة (إنانا) و المتزوجة من الرب (دوموزي أو دو مو سين) و المُشار إليه في كتاب التوراة بإسم (تمّوز) (شهر تمّوز السّابع بين الأشهر لم يكن اختياره صدفة ليكون الرّقم 7 المُقدّس بين الأشهر لأنّه سُمّي على إسم هذا الإله)، تحمل الألقاب التالية: (نِن إيدين) و تعني (سيّدة الجنّة) أو (إنانا إيدين) بمعنى (ربّة الجنة). في النصوص السومرية نجد أن زوج (إنانا) يسمى (مولو إيدين) و يعني (صاحب الجنة أو رجل الجنة) الأمر الذي يتوافق مع كون إنانا (سيدة الجنة). و إذا علمنا أن أكبر المعابد و أهمها كان على شرف الربة (إنانا) و التي وصلت إلينا بأسمائها الأربعة: (أن، آنو، إنانا و عشتار) فيصبح من السهل فهم عطايا الرجل العاري إلى (سيدة الجنة أو سيدة عدن) التي جرى فيما بعد تحوير إسمها إلى (أنّا Anna / حنّة Hanna / حواء Eve). تقول الأسطورة السومرية أن الآلهة صنعت الرجل من طين و تركته بشكله الأول عارياً يتجوّل برفقة الحيوانات في الجنة (حديقة عدن) عندما انتزعته الآلهة من حديقته إلى حديقتها ليقوم بخدمة الحديقة الإلهية و الإشراف على المحاصيل و تقديمها إلى معابد الآلهة. آدم جرى خلقه من قبل اﻵلهة من أجل أن يعمل لذا تتطابق مهمته مع وظيفة الكاهن على أن يخدم الآلهة، و هو المفهوم الذي لا زال سائداً حتى اليوم، فوظيفة الكاهن كانت خدمة المعبد (بيت الله) و العناية بالحديقة و زراعة المحاصيل و الأشجار و المغروسات و سقيهم بيديه (كما في معابد البهائيين و بعض الكنائس المسيحية اليوم)، لينتهي بتقديم المحاصيل إلى الآلهة في احتفالات موسم الحصاد لذلك كان من الطبيعي أن تغضب و تثور عليه الآلهة عندما تجد أن هذا (الإنسان العبد) قد التف على مهماته عندما قام بشق القنوات لتقوم بالرّي نيابةً عنه، ليفقد خلقه معناه، مما أغضب الآلهة فقامت بطرده من الجنّة عِقاباً له على ذلك!!
أصل أسطورة آدم هي أسطورة أدابا - Adapa
(أدابا) هو إسم أول إنسان خلقه الإله (أن-كي)، و أن-كي هو الإسم السومري و إسمه البابلي هو الإله (آيا) و هو إله و ليس ملاك (أي هو نفس الإله لكن بإسمين) و هو خالق الكون طبقاً لقصة خلق الإنسان السومرية، الإنسان الذي عصى الإله و فقد الحياة الأبدية. و قد تمّت إعادة كتابة هذه الأسطورة مرة أخرى فى العصر البابلي لكن بشخصية الإله (أيا) و أيا تعني الحياة، فالرواية البابلية تضع الإله (أيا) كخالق لأدابا كأول إنسان و جعله صيّاد. و لما ارتكب خطيئته و هي لعن الريح التي هاجمته في قاربه باستخدام تعويذة إلهية (نجد أن يسوع المسيح يستخدم قوة الكلمة بنفس الطريقة في لعن الريح في بحيرة طبريا في الأسطورة المسيحية فيما بعد)، طلبه الإله أنو للعروج إلى السماء لمُحاكمته على خطيئته، فنصحه الإله (أيا) بتلبية الدعوة فى ثياب الحداد و الإعتراف بخطئه ليعفو عنه الإله آنو، لكنه حذّره من تناول أي طعام يُقدَّم إليه فقد يكون فيه موته (شجرة التفاح أو التفاحة التي قدمتها له حواء في القصة التوراتية)، و بالفعل قَبِلَ رب الأرباب الإله آنو كبير الآلهة (آنو هو إسمه البابلي و الإسم السومري له هو آن) اعتذاره و غفر له خطأه وقدّم له الطعام الذي كان سيمنحه الحياة الأبدية، و التي تعني دخوله إلى جنة دِلمون المقدسة حيث كان سيعيش فى شباب دائم في أرض مليئة بينابيع المياه العذبة و الفاكهة المُثمرة، فرفض (آدابا) النّصيحة كما أوصاه الإله (أن-كي / أيا) فطرده الإله (آنو) الشديد العِقاب إلى الأرض ليعيش هو و ذرّيته حياةً فانية!
أسطورة سيّدة الضلع و أسطورة ليليث:
في كتاب التوراة نجد تحوير و إضافة لتلك الأسطورة في أنّ الرّب أوصى آدم و حواء ألّا يأكلان من شجرة الحياة و لكن الأفعى (و هي رمز من رموز عشتار إلهة الحب و الجنس المقدّس و إبنها الإله بعل إله الجنس و الخصب (الخضر أو الشيطان / إبليس كما حوّلوه إليه اليهود ليبعدوا التهمة عن إلههم الدموي الشيطاني عِل-يهوه / ئل-يهوه إله كوكب زحل كما سنرى في الحلقات القادمة)، قادتهم إلى الشجرة المُباركة (و هي طبعاً نفس الشجرة المُباركة رمز عشتار / شجرة عيد الميلاد المسيحية / المينوراه أو الشمعدان اليهودي) التي اشتعلت نوراً و ناراً عندما نزل إليها و تلبّسها الرّب حين كلّم موسى و علّمه كيفية تحويل عصاه إلى أفعى حيّة. نرى هذه الخُرافة المسيحية / اليهوديّة / اﻹسلامية مُستمدّة من هذه القصّة أيضاً و الشجرة المباركة بالأصل هي شجرة الحياة، رمز الخصب و الخير و البركة و هي رمز آخر من رموز عشتار و إبنها بعل / الخضر / الإله عِل أو ئِل العلي العالي، آلهة الخصب و الأشجار و النباتات الخضراء - و تروي الحكاية التوراتية أن اﻷفعى أسرّت إلى حواء أن تقدم لآدم (التفاحة) من شجرة الحياة المحرمة عليهما و هو رمز يدل بالحقيقة على (الغواية الجنسية) و عندما أكل آدم التفاحة (أي مارس الجنس المحرّم عليه من قِبَل الرب مع حواء و اكتشف الفعل الجنسي)، شعرا بالخجل فغطّيا عورتيهما بورقتي توت، فلاحظ الرب ذلك و غضب الرب منهما لمُخالفتهما أمره و طردهما من حياة الخُلد في الجنة إلى حياة الأرض الفانية، فهنا نلاحظ أن فعل أكل التفاحة في هذه القصّة التّوراتيّة إذن كان في الحقيقة يرمز إلى (مُمارسة فعل الجنس) كأصل البلاء للجنس البشري (الخطيئة الأولى كما يشار إليها في المُعتقدات المسيحية) و أساس للتحريم أو الكف الجنسي في الديانة اليهودية و هذا بخلاف الحرية الجنسية و تقديس الجنس و طقوسه على أنّه أساس استمرار و تكاثر الجنس البشري في حضارات الخصب السورية العِشتارية / البعلية القديمة. سنرى أيضاً فيما بعد أن حواء الخجولة المطيعة و التي "خُلِقَت من ضلع آدم" لم تكن قصة توراتية أصيلة بل هي قصة مُقتبسة أو مُستمدة من أسطورة سومرية تحمل إسم "سيّدة الضلع" و تجري أحداثها بشكل مُختلف في هذه القصة الأسطورية الأصلية
اللّيل يا ليلى يُعاتبني .. و يقول لي سلِّم على ليلى ..
فالحُبُّ لا تحلو نسائمه .. إلّا إذا غنّى الهوى ليلى ..
إلّا إذا غنّى الهوى ليلى! .. الأوجه المُتعدّدة لليلى خانوم!!
أسطورة ليلى (ليليث أو ليليتو) سيّدة الليل / زوجة آدم الأولى في الكتب اليهودية (الزوهر) و (بن سيرا) و أصلها في ملحمة كلكامش (كِلك أمِش Gilg Amesh) البابلية:
لم تكن حواء الخجولة المطيعة زوجة آدم الأولى في القصة التوراتية بل ليليث أو ليليتو / ليلي / ليلى (و هي إلهة العالم السفلي الرّبة أريشغيغال أو أريشكيكال إحدى تجلّيات أو أوجه الرّبة إنانا) هي التي كانت زوجته و عشيقته الأولى إلا أنهما لم ينسجما مع بعضهما بسبب طبيعتها الجامحة الشهوانية المُتمرّدة لذلك هجرته فلعنها الحاخامات الذكور مؤلفي القصة التوراتية و حولها خيالهم المريض إلى شيطانة شريرة تخطف و تقتل الأطفال و تمتص دماءهم و هي ليست صفاتها في الأسطورة السومرية البابلية!!!
ليليث / ليلى / اللات / ملكة اللّيل / ملكة الجنّة و سيّدة العالم السفلي و الموت / شيطانة القفار / الإلهة عشتار أو إنانا / أفروديت / ديانا / رمزها مفتاح العنخ في مصر / زهرة الليلك / سيّدة البجع إلخ ... بداياتها إلهة المهد و الطفولة و آمان اللّيل للطفولة و زوجة آدم الأولى قبل حواء ... نهايتها أصبحت خاطفة الأطفال و غاوية للرجال بعد الإنقلاب الذكوري و صعود الآلهة الذكورية؛ و صارت أفعى الغواية الجنسيّة في قصّة آدم و حواء و التي بسببها طُردا من الجنّة و هي مؤخراً (الغولة) بعد انتصار الديانات الذكورية ...
كانت الآلهة في الحضارات القديمة أنثى و كان عهدها يمتاز بالرخاء و العدالة فلم تكن هناك حروب و لا نزاعات و أول ملكية جرى النزاع عليها هي ملكية الأولاد و بعد أن انتقلت هذه الملكية للذكر تحول المجتمع إلى مجتمع ذكوري و ظهر مفهوم التسلط و الملكية و تحولت الآلهة إلى آلهة ذكورية و جرى إخراج الأنثى من المعابد ككاهنة و بعدها جرى إستعداء الذكر للمرأة و أنتج المجتمع الذكوري كل الأساطير و القصص الشريرة حول المرأة و منها أسطورة ليلى (ليليث أو ليليتو اليهودية) سيّدة الليل / زوجة آدم الأولى. تحول المقدس إلى مدنس و تحولت المفاهيم الأنثوية كالسلم و الوداعة إلى جبن و تحولت المرأة إلى مجرد وعاء للإخصاب و الإنجاب. أسطورة (ليليت أو ليليث) هي تعميق للتحولات التي جرت للأنثى فحولتها من الأم التي تنجب الأطفال و تربيهم إلى إمرأة قاتلة للأطفال و شهوانية!!
إحدى الصور المُرفَقة الأولى للوحة منحوتة طينية من أور جنوب بلاد النهرين يعود قدمها إلى عصر أيسن و لارسا و بابل القديمة أي لحوالي 1,800 سنة قبل الميلاد، و تظهر هذه المنحوتة إلهة عارية واقفة على أسدين و على جانبيها طائري بوم، و قد تمّ اكتشاف هذه اللوحة في جنوب العراق و توجد اليوم في المتحف البريطاني بمدينة لندن
المصادر:
templeilluminatus.com/m/group/discussion?id=6363372%3ATopic%3A2054458
thkafehbelahdoud.blogspot.com/2016/10/blog-post_20.html
m.facebook.com/story.php?story_fbid=569757936707937&id=263584180658649
أسطورة الطوفان؛ الطوفان الذي قضى على الحضارة السومرية:
ما يعرف خطأ على أنه (طوفان نوح) نسبةً ل "النبي" نوح التوراتي هي تسمية أُطلِقَت على قصة طوفان عظيم حصل بسبب طغيان البشر على الأرض، و رغم اختلاف القصة في مُختلف الديانات و المُعتقدات إلا أن جميعها تتفق على حصوله و نجاة الناجين على سفينة أبحرت فوقه و هي بالأصل مذكورة لأول مرة في ملحمة غلغامش (أو كلكامش يلفظ إسمه بالجيم المصرية Gilgamesh) قبل تواجد مدوني القصة التوراتية بعدة مئات أو آلاف من السنين و قد نقلوا هذه الأسطورة كما نقلوا جُلّ أساطيرهم من أساطير و شخصيات ملوك السومريين و البابليين أثناء فترة سبيهم في بابل و دونوها في التوراة و غيروا أسماء أبطالها و نسبوها إليهم و قدموها على أنها قصص و شخصيات "أنبيائهم"!، أما من وجهة نظر بعض المؤرخين فقد حصل طوفان فعلاً قبل حوالي 3,000 قبل الميلاد في منطقة جنوب وادي الرافدين (البصرة قرب الخليج الفارسي) الذي يُعتقد أنها المنطقة التي حدث فيها ذلك الطوفان، و لقد أجرت عدة بعثات أثرية بعض التنقيبات في سهول بلاد الرافدين للبحث عن الآثار التي تزخر بها تلك المنطقة التي شهدت عدة حضارات و قد كشفت تلك التنقيبات إلى أن تلك المنطقة شهدت طوفاناً عظيماً قضى على الحضارة السومرية التي كان أهلها يقطنون في سهول الرافدين فقد ظهرت آثار الطوفان جليّة في أربعة مدن رئيسية في بلاد الرافدين هي مدن: أور و أريش و شوروباك و كيش
قصة الطوفان السومرية - طوفان الملك زيو سودرا:
كان الناس يعتقدون حتى أواخر القرن الماضي أن التوراة اليهودية هي أقدم مصدر لقصة الطوفان، لكن الإكتشافات الحديثة أثبتت أن كل ذلك كان مُجرد وهم، حيث عثر في عام 1,853 م على نسخة من رواية الطوفان البابلية، و في الفترة ما بين 1,889 م و 1,900 م، اكتشفت أول بعثة أثرية أمريكية قامت بالتنقيب في العراق اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان في مدينة (نيبور / نفر) ثم تبعها آخرون، و يبدو من طابع الكتابة التي كتبت بها القصة السومرية أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي الشهير (حمورابي) على أنه من المؤكد أنها حدثت قبل ذلك في حوالي سنة 2,000 قبل الميلاد في زمن المدن (أو الممالك) السومرية الرئيسية الخمسة: إيريدو Eridu و باد تيبيرا Bad-Tibira و لارسا Larsa و سيبّار Sippar و شوروباك Shuruppak. و مُلخّص القصة بحسب الرواية السومرية تتحدث عن ملك كان يُدعى (زيو سودرا zi - ud - sud - ra) -و قد حُرِّفَ الإسم إلى شخص يدعى (أوت - نو - بشتيم) في ملحمة كلكامش في الإسطورة البابلية و إلى (النّبي نوح) في القصّة التّوراتيّة- كان يوصف بالتّقوى و يخاف من الإله و ينكب على خدمته في تواضع و خشوع، و كان قد أُخبر بالقرار الذي أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان الذي ستصحبه العواصف و الأمطار التي كانت ستستمر لمدة سبعة 7 أيام و سبع 7 ليالي (الرقم الديني المقدس 7) و بأنه سيكتسح فيها هذا الفيضان الأرض، ثم يُوصف الملك (زيو سودرا) بأنه الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناءه للسفينة المُنقِذِة:
في ذلك النّص نجد كبير الآلهة (آنو / أن-ليل المُنتقم الجبّار) و قد قرّر إفناء البشر بواسطة الطوفان، فيلقى هذا القرار مُمانعة من بعض شخصيات مجمع الآلهة، فنجد الإله أيا / أن-كي إله المياه العذبة الباطنية يحمل على عاتقه مهمة إنقاذ بذرة الحياة على الأرض، و يقوم بتحذير الملك الكاهن زيوسودرا من خلف الجدار في حين راح زيوسودرا يستمع من الجانب الآخر، و يكشف له الإله أيا / أن - كي نوايا الآلهة المتمثلة بإرسال الطوفان، و يعهد إليه ببناء سفينة كبيرة تحمل معها البذرة الصالحة من البشر و بعض الحيوانات:
"و عندما وقف زيوسودرا قرب الجدار سمع صوتاً:
قف قرب الجدار على يساري و اسمع
سأقول كلاماً فاتبع كلامي
إعطي أذناً صاغية لوصاياي
إنّا مُرسِلون طوفاناً من المطر
فيقضي على بني الإنسان
ذلك حكم و قضاء من مجمع الآلهة"
بعد ذلك يأمر آنو / أن-ليل برياح عاتية و بأمطار فيضانية تغمر الأرض، و يكمل النص وصفه لأحداث الطوفان التي استمرت سبعة 7 أيام و سبع 7 ليالي، و ظهور أوتو إله الشمس الذي خرّ زيوسودرا ساجداً أمامه:
"هبّت العاصفة كلها دفعة واحدة
و لسبعة أيام و سبع ليالي
غمرت سيول الأمطار وجه الأرض
ثم ظهر أوتو ناشراً ضوءه في السماء على الأرض
فتح زيوسودرا كوّة في المركب الكبير
تاركاً أشعة البطل أوتو تدخل منه
زيوسودرا الملك خرّ ساجدأً أمام أوتو
و نحر ثوراً و قدّم ذبيحة من غنم" (نلاحظ هنا بدء طقوس تقديم الأضاحي من الثيران أو الخراف لشُكر و استرضاء الآلهة)
هنا يتعرّض الرّقم للتشوه، و يرجح أن الجزء المفقود يتحدث عن جفاف المياه و هبوط السفينة على الأرض الجافة، و ما أن يصبح النص قابلاً للقراءة مرّة أخرى نجد الملك الكاهن زيوسودرا يسجد أمام كبير الآلهة آنو / أن-ليل المُنتقم الجّبار (هذا الإله سيصبح الله الحالي فيما بعد). و لحمايته الحيوانات و بذرة الحياة الصالحة على الأرض، يكافيء الإله زيوسودرا بالخلود في أرض دِلمون، جنّة السومريين، حيث تشرق الشمس:
" زيوسودرا الملك،
سجد أمام آنو و أنليل
و مثل إله و هباه حياة أبدية
و مثل إله وهباه روحاً خالدة
عند ذلك زيوسودرا، الملك
دُعِيَ بإسم (حافظ بذرة الحياة)
و في أرض دِلمون
حيث تُشرق الشمس، أسكناه" .... إلى آخر الرُّقم
قصة الطوفان البابلية - طوفان أوت-نو-بشتيم:
١- ملحمة غلغامش (كلكامش / كِلك أمِش Gilg Amesh): في الثالث 3 من ديسمبر 1,872 م أعلن العالم سيدني سميث نجاحه في جمع القطع المُتناثرة من ملحمة كلكامش بعضها إلى بعض، مكتوبة في إثني عشر 12 نشيداً، أو بالأحرى لوحاً تعود لحوالي 1,700 قبل الميلاد، و محتوية على قصة الطوفان في لوحها الحادي عشر 11، و ملخص القصة أنه كان هناك رجل يسمى "أوتنوبشتيم" (لاحظوا من أين أتى إسم النبي نوح: أوت - نو - بشتيم / أوت - نوح - بشتيم) أمرته الآلهة بأن يبني سفينة، و أن يدع الأملاك و أنه حمل على ظهر السفينة بذور كل شيء حي، و أن يكون عرض السفينة التي بناها مثل طولها و أنه نزل مطر مدرار إلخ .. ثم استوت السفينة على جبل نيصير (نيزير) (هل هو جبل النّصارى / الّنزارى / الفُقراء المُتعبّدين / الرّهبان الأبيونيين الذين أسسوا دين النصرانية التي انتهت بدين الإسلام ؟) و هو جبل يقع بين نهر دجلة و الزّاب الأسفل. ترد أسطورة الطوفان البابلية في اللوح الحادي عشر 11 من ملحمة كلكامش، و هي عبارة عن مجموعة من النصوص السومرية، التي تتحدث عن (غلغامش) الملك الأسطوري لأوروك و رحلته في البحث عن الخلود و تُعد أطول المؤلفات باللغة الأكدية لغة بلاد بابل و آشور. و يُستهل اللوح 11 بوصف اللقاء الذي يجمع بين كلكامش و أوتنابشتيم، الإنسان الذي كان المُخلّص من الطوفان، فيسأله كلكامش عن سر الخلود، و كيف ناله؟:
"إنظر إليك يا أوتنابشتيم
أنا مثلك و أنت مثلي
قُل لي كيف نُلت الخلود؟
لقد صورتك كبطل، كإله على أهبة القتال"
فيقص أوتنابشتيم عليه روايته، فها هو الإله (أيا) يطل عليه من خلال كوخٍ من القصب، ليحذره من خطة الآلهة بإحلال طوفان عظيم:
إصغِ يا كوخ القصب، و تفكّر يا جدار
إهجر ممتلكاتك و انجُ بنفسك
إترك متاعك و أنقذ حياتك
إعمل على حمل بذرة كل ذي حياة"
تصوّر بعد ذلك الآلية التي بدأ بها الإله آنو / أن-ليل (إله الهواء و العواصف) تلك الأعاصير و العواصف العاتية. حتى أنّ الآلهة ذُعِرُوا من هول الطوفان، و هربوا صاعدين إلى السماء. و دام الفيضان ستة 6 أيام، و راح ضحيته جميع أفراد الجنس البشري، عدا (أوتنابشتيم) و من معه. تحط السفينة بعد ذلك على جبل (نصير / نزير)، من هناك يرسل (أتنوبشتيم) حمامة للبحث عن يابسة، لكنها لا تلبث أن تعود إليه، فيعيد الكرة مع طائر سنونو لكن السنونو أيضاً يعود دون أن يجد يابسة، و في المرة الثالثة يطلق طائر غُراب الذي يطير في السماء دون أن يعود. فيستدل (أوتنابشتيم) بذلك أن طائر الغُراب قد وجد يابسة و أن المياه قد انحسرت. و يكافئه الإله آنو بالخلود هو و زوجه:
"ما كنت يا أوتنابشتيم إلا بشراً فانياً
لكنك و زوجك منذ الآن ستغدوان مثلنا خالدين" ...
٢- النسخة اليونانية - قصة بيرثوس / بيروسوس: في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، على أيام الملك أنتيوخوس أو أنطيوخوس الأول 280 ل 260 ق.م. (هل يعود أصل تسمية أنطاكيا إلى هذا الملك السلوقي؟) كان هناك أحد كهنة كبير آلهة بابل، كان يُدعى (بيروسوس)، كتب تاريخ بلاده باللغة اليونانية في ثلاثة أجزاء و قد احتوى هذا الكتاب على قصة الطوفان. و تقول القصة أنه كان يعيش هناك ملك إسمه (أكسيسو ثووس) و قد رأى هذا الملك، فيما يراه النائم، أن الإله أتاه يُحذّره من طوفان يغمر الأرض و يهلك الحرث و النّسل و يأمره بأن يبني سفينة يأوي إليها عند الطوفان، فقام هذا الملك ببناء سفينة طولها مئة و ألف 1,100 ياردة و عرضها أربعمائة و أربعون 440 ياردة، جمع فيها كل أقربائه و أصحابه، و اختزن فيها زاداً من اللحم و الشراب فضلاً عن جميع الكائنات الحية من الطيور و ذوات الأربع. ثمّ يُغرِق الطوفان الأرض، و بعدها تستقر السفينة على قمة جبل عالي حيث ينزل الملك مع زوجته و ابنته و قائد الدّفة، و يسجد لرّبه و يقدّم له القرابين
قصة الطوفان اليهودية و الإسلامية طوفان النّبي نوح:
كما ترويها التوراة اليهودية الأصلية و التوراة المُعرَّبة (أي القرآن الإسلامي): وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع 6 ل 9 من سفر التكوين و تجري أحداثها على النحو التالي: رأى الرب أن شر الإنسان قد كَثُر في الأرض، فحزِن (أو ندِم) أنه عمل (أو خَلَق) الإنسان في الأرض و تأسّف في قلبه، و عزم على أن يمحو الإنسان و البهائم و الدواب و الطيور عن وجه الأرض، و أن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، و سار نوح مع الله و لكن ازداد شرور الناس و أخذت الأرض تمتليء ظُلماً و فجوراً، و فجأة يقرر الرّب نهاية البشرية! فيحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إيّاه بأن يصنع تابوتا ضخماً، و أن يكون طلاؤه بالقار (القطران) من الداخل و من الخارج، حتى لا يتسرب إليه الماء، و أن يدخل فيه إثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً و أنثى، فضلاً عن إمرأته و بنيّه و نساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي جميع من في التابوت و ما فيه (سفر التكوين 22: 1-6) و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل التابوت و من معه ذلك لأن الرّب قرّر أن يُغرِق الأرض و من عليها بعد سبعة 7 أيام ذلك عن طريق مطر غزير يسقط على الأرض لمدة أربعين 40 يوماً و أربعين 40 ليلة (سنرى لاحقاً أن الرقم 40 هو أيضاً رقم ديني مقدس في الديانات الإبراهيمية فاليهود ضاعوا أو تاهوا 40 سنة في صحراء سيناء و المسيح هام في البرية 40 يوماً و هي نفس مدة الصوم المسيحي و نفس مدّة عدّة المرأة في اليهودية و الإسلام). يُصغِر نوح لأمر ربّه فيأوي إلى السفينة و من معه و أهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم و انفتحت طاقات السماء، و استمر الطوفان أربعين 40 يوماً على الأرض و تكاثرت المياه و رفعت المياه التابوت عن الأرض و غطّت الأرض المياه، و مات كل من كان يدب على الأرض من الناس و الطيور و البهائم و الوحوش (لكن لم يأتي أحد على ذكر الديناصورات؛ لا السومريين و لا البابليين و لا المسيحيين و لا اليهود و لا المسلمين، طبعاً لأن الديناصورات كانت قد انقرضت قبلهم بأمد بعيد يُقدّره العلماء بحوالي 65 مليون سنة، فلم يدري أياً منهم بوجودها و نسي إلههم أن يذكرها لنا في كتبه "السماوية" المقدسة. و برأيي الشخصي فإن إكتشاف بقايا عظام و مُستحاثات الديناصورات لوحدها تنسف كل أساسات مُعتقدات و إيمانات الأديان الشرق أوسطية جميعها). و بقي نوح و الذين معه في التابوت حتى استقر على (جبل أرارات Ararat) الذي يقع في تركيا اليوم. هذه النّصوص على الرغم مما احتوت عليه من إختلافات إلا أنها بمجموعها تؤكد حدوث قصة الطوفان و هي في شكلها العام تتطابق مع القصّة التي أوردها رواة الفُرقان أو القرآن في كتابهم القريانو (كتاب الصلوات الكنسية) المنقول بالخط النبطي السرياني عن التوراة العبرية و عن اﻷناجيل السريانية، و تنتهي القصّة كما نعرف بهلاك قوم نوح و فقط نجاة نوح و من كان معه في تلك السفينة. الرجاء متابعة هذا الكليب على الرابط التالي:
youtube.com/watch?v=0UNz0VsHV2Q&feature=youtu.be
المصادر و المراجع:
أسباب الخلق و عُري آدم و حواء في الأسطورة
alzakera.eu/…/vetensk…/Historia/historia-0140.htm
ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=148345
آدابا و أسطورة حُكماء الماء / أبكالو سومر السبعة!
الحُكماء السبعة (أبكالو Apkalu) لسومر هي سبعة 7 تماثيل مصنوعة من الطّين المُجَفَّف بأشعة الشمس و قد تم إيجادها من ضمن اساسات منزل أحد الكهنة في آشور و يعود تاريخها للفترة 721 ل 705 قبل الميلاد. رئيس هؤلاء الحُكماء السبعة هو "أونيس أو أوانيس" أو "أدابا" و هو كائن برمائي بنصف جسد علوي لرجل و نصف جسم سفلي لسمكة قادر على العيش على اليابسة و في البحر في آنٍ واحد (أصل خرافة حورية البحر بنصف جسد إمرأة علوي و نصف سمكة سفلي)، و كان رئيس كائنات شبه إلهية هم الذين قد أرسلوا لنقل المعرفة للبشرية قديماً قبل حدوث الطوفان
آدابا (نور آنو) و أسطورة حُكماء سومر السبعة:
تمّ التّعرف على هذه الأسطورة لأول مرة من خلال نص سومري يتحدث عن كاهن التطهير لمدينة أدابا و هو رئيس الحكماء السبعة المعروفين في ملاحم بلاد الرافدين. و كلمة "أدابا" في اللغة البابلية القديمة تعني (الحكيم) و لها مُرادف آخر و هي "أون أو أونيس" و تعني بالبابلية القديمة (نور آنو) أو (نور سماء آنو) و يرد إسمه كأول الحكماء السبعة الذين بعثتهم الآلهة (أيا) و (أن-كي) من مياه العمق "الغَمر" في عصر ما قبل الطوفان ليعلِّموا الناس الفنون و العلوم و يساهموا في نشوء الحضارة الأولى على سطح كوكب الأرض ...
الإله "أونيس" أو "أدابا" الخارج من البحر هو النّموذج المثالي للإنسان العارف لأسرار السماء، المُتهيّب من الآلهة و المُتَّبع لوصاياهم و شرائعهم و الذي أخذ على عاتقه مهمة تعليم البشر في "أريدو" - مدينة الإله (أيا) و مقر زقّورة بيت الأبسو على شاطئ نهر الفرات- فنون الحياة و طرق الحكمة و الفن و الحضارة. أفضل من كتب بالتّفصيل بخصوص "حُكماء الماء السبعة" هو الكاهن البابلي "برعوشا" (بيرسيوس) بالمدونات اليونانية الذي عاش حوالي 250 ق.م. حيث نُسب إليه قوله: "ظهر على شاطئ كالديا كائنٌ ضخم من البحر يدعى (أونيس أو أوانيس) بجسم يشبه السمكة و تحت رأسه رأس آخر يُشبه النّسر نما أسفل رأس السمكة، له أقدام بشرية نمت من ذيل السمكة و ينطق بصوت بشري، و كان يقضي نهاره بين سكان "أريدو" و يُعلّمهم الكتابة و العلوم و الهندسة و تشييد المعابد، و كشف لهم عن زراعة الحبوب و قطف الثمار، و عند الغروب كان يغطس ثانية في البحر و يقضي ليله في الماء ". بعد ذلك ظهرت كائنات على هيئة أسماك بشرية مجموعها سبعة 7، واحد منها في كُلّ من مُدن سومر السبعة 7 الأولى قبل الطوفان و هي مدن: أريدو و نفر و أور و كيش و لكش و كولاب و شروباك، و كُلّ واحد منهم اقترن بملك من ملوكها كمُستشار، و كانت ألقابهم الأخرى هي الحِرَفيون أو الصُّنّاع و كذلك عُرِفُوا ب"حاملي ألواح الأقدار السبعة"
مقامات الخضر الياس هي مقامات الإله أن-كي!
في كثير من المشاهد الواردة في الأختام و المنحوتات و النُُصُب التذكارية يظهر الكاهن المعزم "أشيبو" طارد الشر و هو مرتدياً جلد سمكة على الرأس ليؤكد صِلته المقدسة بالآلهة "أيا" و "أن-كي" و يُشاهد و هو يحمل عصا "أيا" و دلو لحمل الماء المقدس: "ماء الحياة الأبدية ". لذا فالسمك -قبل عصر المسيحية الغنوصية الأولى بكثير- كان يعتبر رمزاً سومرياً مُقدساً ذو دلالات تُشير إلى الألوهية و القداسة و تجدُّد الحياة و الخصوبة و الخلود. و من الجدير بالذكر أنّ مقامات الإله أن-كي التي عُثر عليها في وسط و جنوب العراق و المُنتشرة على ضِفاف النهر (بعض منها يُعرف اليوم بمقامات خضر الياس) كانت سقوفها تُدَعّم بعظام الأسماك تبرُّكاً بالإله "أن-كي" (الذي يقابله الإله بعل / ب عِل / ئِل في الأسطورة الكنعانية)
في العصر الآشوري وُجِدَت بعض الأشكال المرسومة على جدران قصر الملك "شلمان-صر الثالث" / شلمان الشارد / شلمانو أوصر (الذي هو نفسه الملك سليمان التوراتي كما سنرى فيما بعد) في كالح، بهيئة نماذج من الأبكالو "أونيس أو أوانيس" بوجوه بشرية و رؤوس طيور و هم يلبسون جلود السمك ترميزاً للجن أو الجان و ربما ل "أدابا الذي عَرَجَ إلى السّماء" قبل معراج النبي اليهودي إيليا و النبي الفارسي زرادشت و النبي النصراني محمد (موسى) إليها بمئات السنين!!!
المصادر و المراجع:
1. مصنفة برعوشا عن تاريخ بلاد بابل المعروفة بإسم «البابليّات»
2. Ataç، Mehmet-Ali (2010). The mythology of kingship in Neo-Assyrian art (الطبعة 1. publ.). Cambridge: Cambridge University Press, p.p 150