نختتم اليوم هذه المختارات من مذكرات السفير الأمريكي السابق إدوارد دجرجيان (خطر وفرصة: رحلة سفير أمريكي في الشرق الأوسط):
(30) حضور افتتاح فيلم (شيندلرز ليست) في إسرائيل
د. حمد العيسى
بدعوة خاصة من رابين، حضرت مع زوجتي فرنسواز الافتتاح الكبير في تل أبيب لفيلم (شيندلرز ليست) Schindler›s List (أي قائمة شيندلر) (طالع هامش المترجم الرقم 1 عن فيلم شيندلرز ليست) للمخرج الأمريكي (اليهودي) ستيفن سبيلبيرغ والذي يروي قصة أوسكار شيندلر وهو رجل أعمال ألماني كبير قدم رشى لبعض المسؤولين النازيين ليسمحوا له بتسخير عمال بولنديين يهود في مصانعه في بولندا ومورافيا لينقذهم من الموت في معسكرات الاعتقال النازية، ما أدى إلى انقاد حياة أكثر من 1,000 يهودي كانوا سيرسلون للموت في معسكرات الاعتقال النازية وبخاصة معسكر أوشفيتس. الفيلم قدم تصويراً مرعباً عن (غيتو وراسو) ومعسكر أوشفيتس، وما حدث فيهما من أعمال وحشية. وكان الحضور الكثيف صامتاً تماماً بسبب تأثير تلك المشاهد المرعبة الرهيبة، وكنت مع زوجتي فرنسواز نجلس إلى جانب سبيلبرغ تماماً، ولذلك همست له: أن استقبال الفيلم في تل أبيب وحضور الزعماء الإسرائيليين كان شيئاً أكثر من رائع وأنه يستحق ذلك بجدارة. رئيس الوزراء رابين، رئيس الجمهورية وايزمن والرئيس الأسبق حاييم هيرتزوك وإيهودا باراك وغيرهم كثير من زعماء إسرائيل حضروا الفيلم مع زوجاتهم وأطفالهم .
شكر سبيلبرغ مجاملتي وقال إن كل شخص يشاهد الفيلم سيمتص الحزن والألم بطريقته الخاصة. وأضاف أن تأثير الفيلم على جمهور ألمانيا كان قوياً جداً. وبعد نهاية الفيلم صافحت سبيلبرغ وهنأته على قوة وتأثير الفيلم. وكذلك حاول رابين تهنئته ولكن الكلمات خانته لأنه كان على وشك البكاء ولم يجد الكلمات المناسبة لإبداء إعجابه. في الحقيقة الكلمات خانت معظم زعماء وقادة إسرائيل الذين كانوا متأثرين جداً عندما هنأوا سبيلبرغ بعد نهاية الفيلم. لقد كانوا مبهورين تماماً بقوة الفيلم وتأثيره الطاغي.
وقلت لسبيلبرغ: بصفتي أمريكي من أصل أرمني، تأثرت بعمق شديد بتجربة الإبادة التي صورها لنا الفيلم. وأضفت أنني لا أزال أذكر برعب خطبة هتلر في 22 أب/أغسطس 1939، الذي وجهها لقادة الجيش الألماني بخصوص ما أسماه (المسألة اليهودية) (The Jewish Question)، وبشكل خاص تهكمه غير الأخلاقي عن الأرمن عندما صرخ: (من، على أية حال، يتكلم «الآن» عن إبادة الأرمن؟) (طالع هامش المترجم الرقم 2 عن إبادة الأرمن). أجابني سبيلبرغ: أن الهولوكست ليس إلا (جدارية رعب) (Mural of Horror)؛ وأن الفيلم لا يقدم سوى لمحة بسيطة عما حدث. وتذكر بتأثر شديد أنه واجه (صعوبة نفسية عنيفة) في التعامل مع/و توجيه الممثلين الألمان عندما ارتدوا ملابس الجيش النازي لتأدية أدوارهم في الفيلم. ثم صعقنا سبيلبرغ جميعاً عندما قال لمن حوله من المهنئين إنه أصيب بصدمة نفسية عنيفة (Trauma) بعد مشاهدة أول عرض للفيلم لوحده واضطر إلى أخذ إجازة مفاجأة غير محدودة ليتعافى من التوتر والضغط النفسي الذي أصابه بعد إخراجه للفيلم! وبعد أيام، قال لي الرئيس وايزمان في منزله الخاص أنه بالرغم من أهمية الفيلم إلا أنه شعر أن سبيلبرغ سطّح مفهوم الهولوكوست، لأنه صور أعراضه وليس أسبابه عندما ركز على بطولة شخص واحد.
هوامش المترجم:
تحذير مهم من المترجم: يحتوي الهامش الرقم 1 على بروباغاندا يهودية قوية ومباشرة. وقد تعمد المترجم اختيارها وترجمتها ووضعها في هذا الهامش لضرب المثل والقدوة بعزيمة وحرص ومثابرة وحماس اليهود لنشر وترويج دعايتهم ممثلة في المستر بولديك بفيفيربيرغ (كما سيرد لاحقاً) وليت العرب يقتدون بفعلهم بدل عشقهم الشبقي لـ (الكسل اللذيذ) المتمثل في اللعن والشتم والإيمان بـ (نظرية المؤامرة) الساذجة التي يعتبرها المترجم مجرد (إشاعة) فحسب، وليست (نظرية) مطلقاً! وبهذه المناسبة نتذكر قول الشاعر (وبضدها تتميز الأشياء) مستحضرين ضياع أهم نصر إعلامي للعرب في التاريخ المعاصر متمثلاً بقضية الشهيد الفلسطيني المغدور (محمد الدرّة) التي لم يستغلها العرب مطلقاَ لا روائياَ ولا سينمائياَ ولا حتى وثائقياَ، على الرغم من الإدانة العالمية الواسعة والموثقة جيداً لتلك الجريمة الرهيبة بالصورة والصوت والكلمات المكتوبة. بل فضّل أثرياء العرب، الاستثمار الاستراتيجي الخطير في إنتاج أغاني فيديو كليب ماجنة واجتهد الإرهابيون العرب الأشاوس (غير مشكورين) باغتيال أفضل مخرج سينمائي عربي-عالمي وهو المرحوم مصطفى العقاد، فيا للعجب!
(1) فيلم (قائمة شيندلر) ((شيندلرز ليست) Schindler›s list) فيلم أمريكي أنتج عام 1993، من إخراج وإنتاج ستيفن سبيلبرغ. وهو مقتبس من رواية (ملجأ شيندلرز) (Schindler›s Ark)، ل لروائي الأسترالي توماس كينلي الذي فاز عنها بجائزة بوكر للرواية عام 1982، والتي أعيدت تسميتها بـ(ق)
إضافة تعليق جديد