سوف نستعين برسائل القديس كيرلس الكبير بطريرك الإسكندرية في دراستنا للنسطورية.
القديس كيرلس الكبير في رسالته إلى أكاكيوس أسقف ميليتين Melitene وهى الرسالة رقم (40 ) من الرسائل التي أرسلت منه وإليه (أي القديس كيرلس) يقول في الفقرة (10 ) من الرسالة:
]لقد وجدنا أن نسطور قد ألغى تماماً ميلاد ابن الله الوحيد بحسب الجسد لأنه ينكر أنه وُلد من امرأة بحسب الأسفار المقدسة إذ يقول: لا تقول الأسفار الإلهية في أي موضع أن الله وُلد من العذراء، أم المسيح (خريستوطوكوس Christotokos) بل تقول أن يسوع المسيح، الابن والرب، قد وُلد .
وطالما أنه يعلن هذا بوضوح كيف يمكن أن يشك أحد أنه، بقوله هذه الأمور. يقسِّم الابن الواحد إلى ابنين. واحد منهما - ناظراً إليه في انفصال عن الآخر - يقول عنه إنه ابن ومسيح ورب، إنه الكلمة المولود من الله الآب. أما الآخر، وهو أيضا في انفصال عن الآخر، يقول عنه إنه ابن، ومسيح، ورب. وإنه وُلد من العذراء القديسة؟[
فقرة (12) في نفس الرسالة يقول القديس كيرلس : ]عندما كان نسطور يعظ في الكنيسة كان يقول : لهذا السبب أيضا يُسمى المسيح (الله الكلمة) لأن له اتصال لا ينقطع Uninterrupted conjoining مع المسيح وأيضا يقول إذن فلنحفظ اتصال الطبيعتين الغير مختلِط unconfused conjoining of natures، ولنعترف بالله في الإنسان وبسبب هذا الاتصال الإلهي، نوقِّر ونكرم الإنسان المعبود مع الله الكلى القدرة [.
فقرة (13) ]وهكذا أنت ترى كيف أن تفكيره متناقض لأنه مملوء بكليته بعدم الوقار، إذ يقول : أن كلمة الله يُدعى وحده المسيح، وله اتصال دائم مع المسيح . لذلك ألا يقول بوضوح تام أن هنـاك مسيحين Two Christs ؟ ألا يعترف أنه يكرّم ويوقّر إنساناً - لا أعرف كيف - يُعبَد مع الله؟ [.
فقرة ( 16 ) ]نسطور يتظاهر بأنه يعترف أن الكلمة، بينما هو الله، تجسد وتأنس، ولكن إذ لم يعرف معنى التجسد، يتحدث عن طبيعتين لكي يفصلهما عن بعضهما البعض، فاصلاً الله وحده على حدة، وأيضا الإنسان بدوره (على حده)، وهو متصل بالله بعلاقة خارجية فقط بحسب مساواة الكرامة أو على الأقل القدرة الحاكمة. لأنه يقول ما يلي: الله (الله الكلمة) لا ينفصل عن الواحد (يسوع الناصري الإنسان) المرئي، وبسبب هذا، أنا لا أفصل كرامة الواحد الغير منفصل. أنا أفصل الطبيعتين لكنى أوحّد العبادة [.
من الواضح أن نسطور علَّم بشخصين اتحدا في شخص واحد في يسوع المسيح ولذلك رفض لفظ ثيئوتوكوس لوصف ميلاد الله المتجسد من العذراء القديسة مريم، واعتبر أن الوحيد المولود منها وهو إنسان لا غير، متصلاً بالكلمة ابن الله. وفيما يلي بعض مقتطفات من أقواله:
1- هما شخصان Two prosopa : شخص ذاك الذي ألبَس وشخص (الآخر) الذي لَبِس.1
(هو لا يقصد هنا prosopon بمعنى وجه فقط لأنه يقول ذاك والآخر فهي تعنى شخص وشخص آخر.)
2- لذلك فإن صورة الله هي التعبير التام عن الله للإنسان. فصورة الله المفهومة من هذا المنطلق يمكن أن نظنها الشخص الإلهي. الله سكن في المسيح وكشف ذاته للبشر من خلاله. مع أن الشخصان Two prosopa هما في الحقيقة صورة واحدة لله.2
3- يجب ألا ننسى أن الطبيعتين تستلزمان أقنومين وشخصين Two persons (prosopons) متحدين فيه بقرض بسيط (simple loan) وتبادل.3 (عبارة قرض بسيط تعنى الاتحاد الخارجي وليس الطبيعي، فهو يرفض فكرة الاتحاد الأقنومي)
الفائدة من دراسة النسطورية :
احتمالات حدوث حوار مع الأشوريين (النساطرة) في بعض المحافل المسكونية، وذلك لسبب رغبة الكنيسة الأشورية الملّحة في الانضمام إلى مجلس كنائس الشرق الأوسط (MECC)، بالرغم من أن طلبهم قد رُفض في جلسة 10 أكتوبر 1998م.
فهْم رسائل القديس كيرلس.
التفاهم مع الكنائس البيزنطية.
معرفة الفرق بين النسطورية وبين الذين أعلنوا رفضهم للنسطورية.
التأكيد على خطورة النسطورية، وخصوصاً لأنها تهدد العالم إلى الآن. ويساندها أصحاب المدارس اللاهوتية الحديثة المتحررة.
النسطورية أو تعاليم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية التي حرمها المجمع المسكوني في أفسس 431 م :
1- رفض عقيدة الاتحاد حسب الطبيعة كاتا فيزين kata fusin أي رفض الاتحاد بين اللاهوت والناسوت.
2- اعتبار أن العلاقة بين اللاهوت والناسوت هي اتصال Conjoining ( sunafeia ) وليس اتحاد Union (enwsiV).
3- اعتبار أن الكلمة هو ابن الله، وأن يسوع هو ابن العذراء مريم. والتعليم بابنين وبأقنومين (ابن الله - ابن الإنسان).
4- اعتبار أن الإنسان يسوع مختار من الكلمة وقد أنعم عليه الله الكلمة بكرامته وألقابه ولذلك نعبده معه بعبادة واحدة.
5- يرفض تسمية السيدة العذراء والدة الإله ويسميها أم المسيح .. يرفض ثيئوتوكوس وينادى بـ خريستوطوكوس (والدة المسيح الإنسان).
ويقصد بالمسيح، الثاني، وليس المسيح الأول لأنه يُعلِّم بمسيحين.
6- إن الله ليس هو الفادي: وبالتالي يفقد الفداء قيمته وفاعليته ولا محدوديته !!
وعن هذا نقول أنه إذا لم يكن يسوع المسيح هو هو نفسه الله الكلمة فما قيمة صلب يسوع المسيح؟ لقد قال القديس بولس الرسول: يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عب13: 8) وقال الرب في سفر إشعياء أنا أنا الرب وليس غيري مخلص (أش43 :11).
7- رفض الاتحاد الأقنومي (Hypostatic union):
ذلك لأن نسطور قد جعل في المسيح أقنومين منفصلين ومتمايزين فكما أنه رفض الوحدة بحسب الطبيعة (enwsiV fusikh) هكذا رفض الوحدة بحسب الأقنوم kaq upostasin. واعتبر أن الكلمة قد اتخذ شخصاً من البشر واتصل به في وحدة خارجية بحسب الشخص الخارجي أو الهيئة، التي هي في نظره صورة الله التي اتحدت بصورة الإنسان يسوع المسيح الذي سكن فيه الكلمة ووحّده بكرامته وأسبغ عليه بألقابه.
وتعليم القديس كيرلس يقول أنه لا يوجد شخص بشرى اتحد به أقنوم الكلمة، وأن كلمة الله بحسب ألوهيته هو غير متألم ولكن ابن الله تألم بالجسد أو حسب الجسد.
جاء بشخصه أي أن آلام الجسد هي آلامه هو. وهكذا نسب إلى شخصه الآلام والموت.
دخوله إلى المجد معناه أن يتمجد جسده بمجد اللاهوت.
السيد المسيح أخفى مجده إلى القيامة ومن بعدها الصعود.
وهكذا يدخل السيد المسيح من مجدٍ إلى مجد.
قال القديس أثناسيوس في رسالته إلى إبكتيتوس : يا للعجب أن كلمة الله المتجسد هو في آنٍ واحد متألم وغير قابل للألم . وقال أيضاً في نفس الرسالة لقد جاء الكلمة في شخصه الخاص
وقال في الفصل التاسع من كتاب تجسد الكلمة:
إن كلمة الله إذ لم يكن قادراً أن يموت أخذ جسداً قابلاً للموت، لكي باتحاده بالكلمة الذي هو فوق الكل يصير جديراً أن يموت نيابةً عن الكل .
بالاتحاد بكلمة الله غير المحدود صار الجسد المحدود يموت نيابة عن الكل.. نقل كلمة الله إليه (أي إلى الجسد) الجدارة أو الاستحقاق. وما يخص الجسد ننسبه إلى كلمة الله مثل الميلاد والآلام. إننا ننسب غير المحدودية إلى الذبيحة على الصليب، لأن الاستحقاقات الأدبية للكلمة تخص هذه الذبيحة. الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة تجمع خصائص الطبيعتين بغير امتزاج. ولم تنهدم خصائص الطبيعتين بسبب الاتحاد ولكن كل هذه الخصائص تنسب إلى كلمة الله المتجسد الواحد لسبب اتحاد الطبيعتين.
إنه اتحاد يفوق الوصف والإدراك ولكنه اتحاد حقيقي لا يمكن أن ينفصل.
في القسمة السريانية نقول: }لاهوته لم ينفصل قط لا عن جسده ولا عن نفسه هكذا نؤمن وهكذا نعترف وهكذا نصدق.. واحد هو عمانوئيل إلهنا وغير منقسم من بعد الاتحاد، وغير منفصل إلى طبيعتين{.
حول التعاليم النسطورية :
(بعض من تعاليم نسطور) رسم توضيحي للتعاليم النسطورية
رفض الاتحاد بين الطبائع. قبل الصلب بعد الصلب
الله منزه عن التجسد. اللاهوت اللاهوت
الله منزه عن الاتصال والاتحاد بالمادة.
اللاهوت يتصل بالروح الإنسانية كوسيط الروح البشرية الروح
وليس بالجسد الإنساني للمسيح. (وسيط الاتصال)
اللاهوت تصل بروح المسيح لذلك الجسد
فالاتصال بالجسد هو اتصال بوسيط. الجسد
الفصل بين الطبيعتين وتوحيد الكرامة.
الإنسان والله يُعبدا معاً لأن الله الكلمة أعطى للمسيح الإنسان ألقابه.
كلمة الله إذ علم بسابق علمه أن يسوع سوف يكون قديساً، فقد اختاره وأنعم عليه بألقابه الإلهية موحداً إياه معه في الكرامة. وأنه قد رافقه في البطن، وفى الميلاد، والصلب، وقوَّاه ثم أقامه من الأموات أي أن المسيح الكلمة يرافق المسيح الإنسان.
ومن الواضح من الأقوال التي ذكرها القديس كيرلس عن نسطور أن نسطور قد علّم بابنين ومسيحين الواحد منهما الله الكلمة والآخر إنسان، وقد نتج عن الهرطقة النسطورية أمران خطيران:
أولاً: إنزال يسوع الناصري إلى مرتبة نبي أو إنسان قديس حل عليه أقنوم الكلمة بعد أن اختاره بسابق علمه وقوّاه. وقد رفض القديس كيرلس هذا التعليم الذي ظهر أثره بعد ذلك في القرن السابع الميلادي.
ثانياً: الشِرك بالله في العبادة بأن يُعبَد إنسان مع الله بعبادة واحدة نتيجة أن الله قد أعطى هذا الإنسان كرامة مساوية لكرامة الله وهذا قد فتح الطريق لرفض المسيحية بعد ذلك.
عند جماعات كبيرة من الناس قُبِل الأمر الأول باعتباره شيء ممكن ورُفِض الأمر الثاني باعتباره شِرك بالله وكُفر، وبهذا قدم نسطور أسوأ صورة للمسيحية تؤدى إلى رفض ما فيها من حق وقبول ما هو ليس فيها في آنٍ واحد.
لذلك فإن نسطور قدّم المسيحية بصورة يسهُل مهاجمتها ورفضُها.
وبناءً على التعليم النسطوري يترتب أنه لما فارق الروح الجسد على الصليب، أي فارق اللاهوت المتصل بالروح الجسد، أصبح جسداً غير متصل باللاهوت نهائياً.
ففصَل اللاهوت عن الجسد فصلاً تاماً في حال موت السيد المسيح.
لم يكتف بفصل الطبائع من جهة الاتحاد بل فصل الاتصال أيضاً.
1 Bazar of Heraclides (LH 193), quoted by Bernard Dupuy, OP, The Christology of Nestorius published in Syriac Dialogue First non-official Consultation, by Pro Oriente Hofburg Marschallstiege II A-1010 Vienna, 1994, p.113
2 Rowan Greer: The Image of God and the Prosopic Union in Nestorius Bazar of Heraclides in Lux in Lumine, Essays to Honor W. Norman Pittenger, edited by R. A. Morris jr., New York 1996, p. 50; quoted by Metropolitan Mar Aprem G. Mooken entitled Was Nestorius a Nestorian published in Syriac Dialogue First non-official Consultation, by Pro Oriente Hofburg Marschallstiege II A-1010 Vienna, 1994 p. 223.
3 R. Nau, Paris 1910, ed. Letouzey et Ane, Le Livre d Heraclide de Damas (=L.H.); p. 28.
نسطورية
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
النسطورية ، مذهب مسيحي يقول بأن يسوع المسيح مكون من شخصين ، إلهي وهو الكلمة وإنساني أو بشري هو يسوع ، فبحسب النسطورية لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية و الإلهية في شخص يسوع المسيح ، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهة ، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على السيدة مريم العذراء كما تفعل الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية ( الكنائس البروتستانتية لا تطلق اسم والدة الإله على العذراء أيضاً) لأن مريم وهي من البشر، بحسب النسطورية، لم تلد إلها بل إنساناً فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب ، فيكون هذا المذهب بذلك مخالفاً للمسيحية التقليدية القائلة بوجود أقنوم الكلمة المتجسد الواحد ذو الطبيعتين الإلهية والبشرية [1].
رًبِطَ تأسيس هذا المذهب بالكاهن نسطور ( 386 م- 451 م) بطريرك القسطنطينية ، تم إقصاء هذه الفلسفة الخاصة بطبيعة المسيح ومنعها من قبل آباء الكنيسة في مجمع أفسس في عام 431 م [2]، وأدى الصراع حول هذه النظرية إلى الصدع النسطوري ، الذي فصل قسماً من الكنيسة السريانية الشرقية (شرق نهر الفرات) عن باقي الكنائس المسيحية في ذلك الوقت.
برأي المطران مار سرهد يوسب جمو من الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فإن هذا المذهب انتشر بشكل رئيسي بين مسيحيي العراق وبلاد الفرس بتشجيع من الساسانيين وذلك لاعتقاد الساسانين بأن ابتعاد المسيحيين القاطنيين في مملكتهم عن إخوانهم من مسيحيي الإمبراطورية الرومانية سيسهل لهم السيطرة عليهم [3].
اعتنقت النسطورية جماعات من مسيحي الهند و في القرن السابع امتدت إلى الصين وحتى منغوليا ويوجد في مدينة شيآن الصينية نصب حجري أقامه أحد المبشرين النساطرة سنة 781 م [4]، وكان هذا المذهب هو السائد بين مسيحي شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام وكانت البحرين هي مركزهم الرئيسي هناك [5]، وهو المذهب الذي تتبناه كل من كنيستي المشرق القديم و الآشورية الشرقية حتى يومنا هذا . كما اشتهر النساطرة في العلوم والفلك والطب وقد برزوا في النهضة العباسية حيث شاركوا بعلومهم في بناء هذه الحضارة فبرز أفراد هذه الطائفة بالطب والعلوم والرياضيات والفيزياء فاعتمد عليهم الخلفاء.