تحت عنوان "من الظلمة الى النور" يقول أنطون سعاده في جريدة "الزوبعة"، العدد 54 الصادر في 15 تشرين الأول 1942: "في أواسط سنة 1935، انضم الى هذه الحركة شاعر كان اسمه قد ابتدأ يدور على الألسنة في أوساط سورية الأدبية وخصوصاً في لبنان، هو سعيد عقل ناظم ملحمة "بنت يفتاح". وقعت في يدي نسخة من هذه الرواية الشعرية، فأحسستُ فيها شاعرية ممتازة جديرة بتناول قضايا الحياة والنفس. ولكنني لم أطق قراءتها كلها لأني وجدتها تخدم موضوعاً غريباً عن المواضيع السورية، مختصاً باليهود أعداء سورية، فرأيت أن ألفت نظر الشاعر الى مطاليب النهضة السورية في الأدب. فانتهزتُ فرصة زيارة قمت بها لمنفذية الحزب في زحلة، لتنفيذ عزيمتي". وهكذا كان. وبعدما ألقى كلمة توجيهية لأعضاء المنفذية ومنهم فوزي البردويل الذي أصبح محافظاً لجبل لبنان، استدار نحو الرفيق عقل "ومدحتُ شاعريته الممتازة، وسألته هل لم يجد في تاريخ سورية من روائع المظاهر والمكنونات النفسية التاريخية ما يستهويه لاستخراج كنوزها واستئناف مجرى خططها السامية؟ فلم يحر جواباً. فأشرتُ عليه بقراءة كيفية بناء قرطاضة العظيمة وحوادث تاريخها الموقظة الشعور والمنبهة الفكر، أو قراءة شيء من أي دور من أدوار تاريخ سورية القديم، فيتمكن من ربط قضاياها القديمة بقضاياها الجديدة وإيجاد موصل الاستمرار الفلسفي بين القديم والجديد واستخراج المثل العليا الفرعية والتفصيلية الجوهرية في الأخلاق والمناقب، وإبراز أجمل المظاهر النفسية، وسنى المواقف المناقبية". أضاف: "في أواخر 1937 أوصل اليّ الأمين فخري معلوف – عمّ الأديب الفرنكوفوني أمين معلوف – نبأ جعلني أشعر بموجة حرارة تجري في جسمي كله. قال لي إن سعيد عقل يشتغل في قصيدة أو ملحمة عنوانها "قدموس" السوري التاريخي الذي علّم اليونان الأحرف الضوئية والكتابة". وختم مبدياً أسفه لأنه بعد قراءته للملحمة، لم يجد فيها ما كان يتوقعه. "فقد حاول المؤلف أن يصبغ الحقائق التاريخية والأساطير التقليدية بصبغة محلية ضيقة، فأساء الى الأساطير والى الواقع التاريخي". مما تقدم، يمكن التنويه بأمرين، أولهما أن سعيد عقل انتسب الى الحزب القومي في أواسط ثلاثينات القرن الماضي، وتحديداً قبيل انكشاف سرية الحزب في 16 تشرين الثاني 1935. وهذا يعني أن صلاح لبكي وصلاح الأسير وفؤاد سليمان قد سبقوه في الانتساب. الأمر الثاني، أن ملحمته الشعرية الثانية، أي "قدموس"، قد استوحى موضوعها وعنوانها من سعاده نفسه، وبدأ بكتابتها وهو لا يزال عضواً في الحزب. لكن لبننته لقدموس الفينيقي وحصر علاقته بصور وجبيل دون أوغاريت، يدعو الى الاستنتاج بأنه حين أصدر الملحمة كان أصبح خارج صفوف الحزب.