آخر الأخبار

أحمد الجلبي: قصة مطاردة طويلة غيّرت وجه العراق وهزت توازنات المنطقة (4)

ماذا عن قانون تحرير العراق؟

- ذهبنا الى كردستان، بعد عودة الاتحاد من طريق إيران. الإيرانيون سمحوا لفريق إعلامي أميركي من محطة «أي بي سي» مؤلف من مراسل ومصورين أن يعبروا من إيران الى السليمانية بطلب مني لطرح موضوع العراق. اتصلنا بأحد مراسليهم وهو بيتر جينينغز الذي كان يعرفني من بيروت، جاء الي عام 1974 وساعدته ليذهب الى كردستان، لكنه لم يذهب.

صوّر بيتر قصة تلفزيونية مهمة وفيها صور للدبابات العراقية تهجم علينا. وقاموا ببث البرنامج بعد ستة اشهر أي في الشهر السادس من عام 1997، بالاشتراك مع الـ «واشنطن بوست» التي نشرت مقالا حوله وصار للبرنامج اثر كبير، وكان اسم الحلقة: «مهمة لم تكتمل»، وشكلت بداية عملنا نحو قانون تحرير العراق.

تلك الأيام كانت صعبة علينا، وكان هناك اتجاه في إدارة كلينتون يدعو إلى إغلاق ملف العراق والتفاهم مع صدام. بدأنا نبني علاقات واتصالات في الكونغرس مع الجمهوريين والديموقراطيين.

> كنت أنت رئيس المؤتمر الوطني العراقي؟

- نعم. وجاء اتصال من الـ «سي آي إي» الى مكتبي نهاية عام 1996، يطلبون مني أن لا أذهب الى كردستان، ويحذرونني من أنني إذا ذهبت فإن ذلك سيكون على مسؤوليتي وليس على مسؤولية الأميركيين. لكني لم أجبهم وذهبت. وعندما عدت الى لندن طلبوا الاجتماع بي وقالوا: «خلص، علينا أن ننهي علاقتنا»، فقلت: مع السلامة وأشكركم. انتهت العلاقة معهم في بداية عام 1997. وبدأنا نعمل وحدنا في أميركا.

> هل كان هذا من دون مساعدة منهم، مالية أو غيرها؟

- أبدا.

> قبل ذلك تلقيتم المساعدات؟

- طبعا، أخذنا مساعدات من الـ «سي آي إي».

> في أية سنة بدأت مساعدات الـ «سي آي إي»؟

- منذ عام 1992 حتى 1996.

> هل كانت المبالغ كبيرة؟

- أقصاها وصل الى 320 ألف دولار شهريا للمؤتمر. كان عندنا نشاطات ومكاتب في لندن. هذا الرقم كان الأكبر، وعادة كانت المبالغ اقل. وأعلنّا هذا الأمر من دون خجل في الإعلام.

عام 1997 انقطعت العلاقة، فبدأنا نعمل وحدنا. وكانت علاقاتي في الكونغرس سبقت علاقاتي بالـ «سي أي إي»، وأكملنا وحدنا بعد الذي حصل عام 1996 وتخلي كلينتون عن المعارضة على رغم الرسالة من آل غور.

> تخلى كلينتون عنكم؟

- طبعا تركنا. ودخل صدام وضربنا وهم صاروا يؤذون جماعتنا هناك. حبسوهم وصاروا يبثون الإشاعات، ويقلبون كل الأطراف ضدنا. أنا قلت إن لا حماية لنا، وأعدت الى ذهني ما أنا مقتنع به وهو أن الأميركيين لا يفون بوعودهم. وإذا أردت أن تلزمهم بشيء اجعلهم يلتزمون بقضية تخصك أمام بعضهم بعضا.

> أمام الأميركيين؟

- نعم، احضر مجموعة من الأميركيين المهمين واجعلهم يلتزمون أمام بعضهم، فالعمل السري في السياسة الخارجية مع أميركا غير مفيد. ونحن قمنا بعمل علني، لكنه في النتيجة كان عملا سريا، على اعتبار أن الـ «سي أي إي» جهاز سري. في تلك كان حاضراً في ذهني كلام كيسنجر سنة 1975، بعدما خانوا الملا مصطفى البارزاني والقضية الكردية، وكان يدلي بشهادة أمام إحدى اللجان في مجلس النواب الأميركي. سألوه كيف تركتم الأكراد؟ فأجابهم أن العمل السري ليس مساعدات إنسانية. ما معناه أن ليس هناك أي التزام أخلاقي.

كانوا يساعدون بعض الأطراف العراقية مثل الوفاق الوطني والأكراد وبعض الأشخاص، لكنهم رأوا أن منظمة سياسية على مستوى المؤتمر الوطني مشكلة بالنسبة اليهم. فاعتبروا أن القضية انتهت. وهكذا صرنا نعمل وحدنا في الكونغرس. وفي عام 1998 تفاقمت قضية أسلحة الدمار الشامل والمفتشين وسائر المشاكل.

> هل زودتم الاميركيين بمعلومات خاطئة؟

- لا، هم أصلاً كان عندهم مفتشون، ولم يكونوا بحاجة الينا. كانوا يأتون ويسألوننا عن معلومات، فنعطيهم معلومات عن قضية ما، مثلا: تجسس صدام على المفتشين. كانت عندنا معلومات عن ضباط يجندون مفتشين ليعملوا مع فرق التفتيش عن طريق بنات أو أموال فيبلغون الحكومة عن امكنة التفتيش ليذهبوا اليها. كنا نبلغ الاميركيين أن هناك عمليات تجسس عليهم.

> ألم تكونوا أنتم أصحاب نظرية أسلحة الدمار الشامل؟

- أبدا، هم أصلا عندهم مفتشون كانوا يزورون المواقع. وانا لم أرد أن يكون اتصالي برولف ايكيوس عن طريق الأميركيين. ذهبت إليه مباشرة، وفي احدى المرات أبلغناه عن مؤامرة لتسميمه في بغداد في شباط 1996.

> وهل كانت المعلومة صحيحة؟

- نعم، واعتقد انه لم يذهب في تلك الفترة الى بغداد. وصار عندهم مشاكل مع فرق التفتيش. تفاقم الوضع في الشهر 12 من عام 1997، ثم كانت مبادرة من كوفي انان بالتنسيق مع مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية في ذلك الحين والأخضر الإبراهيمي. ذهب الأخضر الإبراهيمي الى بغداد وكذلك كوفي انان ونحن كنا في نيويورك في شهر شباط 98. كانت أياما صعبة علي، أخي الكبير رشدي كان مريضا جدا وتوفي في المستشفى في لندن وأنا كنت بعيدا عنه في أميركا أتابع وضعه. صارت حالتي سيئة جدا. ذهبنا الى نيويورك، فقالوا لنا إن انان ذهب الى بغداد. وأعلن من بغداد أنه دخن 6 سيكارات مع صدام وأن صدام شخص يستطيعون العمل معه. وتوصل معه الى اتفاق. وبينما كان في الطائرة وقبل أن يصل (أنان) الى أميركا، أعلن كلينتون انه يؤيد أي اتفاق يحصل بين انان وصدام.

إذاً صدام اتفق مع الأميركيين. صديقي بوب دويتش في وزارة الخارجية كان دعاني الى الفطور في واشنطن، رحت واجتمعت به وقال لي: «الموضوع انتهى، اهتم بعائلتك». قلت له: شكرا. هو كان يقول لي ذلك من منطلق الصداقة.

توفي أخي في اليوم الذي وصلت فيه الى لندن، دفناه ورجعت في اليوم نفسه. عندما عدت كنا في حيرة من امرنا، ماذا نفعل. رحت الى أصدقائنا في واشنطن، واتصلت بمعهد المقاربات الأميركية الذي كان think tank للمحافظين الجدد.

> مع من التقيت هناك؟

- أنا اعرفهم هناك. وأخبرتهم بما حصل، فعقدوا لنا اجتماعا واحضروا الـ «سي أن أن» وقلت في الاجتماع إن صدام سيرفض برنامج التفتيش inspection regime ويعود لتهديد الشعب العراقي. مباشرة بعد الاجتماع دعوني الى الكونغرس. اجتمعت بقادة الحزب الجمهوري الذي كان يمثل الأكثرية في الكونغرس ومع رؤساء اللجان في مجلس النواب. كان رئيس مجلس النواب نيوت غينغرتش. ولم يحضر الاجتماع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الذي صار لاحقا مدير الـ «سي أي إي» بورتر غوس. لم يحضر وكذلك غينغرتش الذي كان يريد أن يراقب الموضوع من خارج الغرفة، وكان مدير مكتبه شخصاً على علاقة بالـ «سي أي إي». لم يكونوا مرتاحين. حكيت القصة امام اللجنة، وسألني رئيسها ليفينغستون: «ما الذي يمكننا القيام به». كان كل هدفي في تلك الفترة هو إدخال الشك إلى ذهن صدام حول نيات الأميركيين تجاهه. الأميركيون كانت نيتهم أن يتفاهموا معه، لكنه كان يشك في ذلك، وأردت أن أتصرف بطريقة تُظهر أن الأميركيين غير صادقين معه. طبعا هذا الكلام كان فيه جزء صحيح، لأن بعض إدارة كلينتون كان يريد ان يتفاهم معه، لكن الكونغرس كان ضد ذلك. وأنا كنت أريد أن ابرز هذه النقطة. صدام ليست عنده قابلية للتحليل. فأميركا عنده يعني أميركا. كان عنده شخص يفهم بأمور أميركا هو نزار حمدون الذي توفي لاحقا. لكن نزار حمدون لم يكن يلتقي صدام الا قليلا ولم يكن يحترمه، كان يعرف أميركا. وصار وزيرا للخارجية ومندوبا للعراق في الامم المتحدة.

كلام نزار الذي كانت أيضا تجمعه علاقة طيبة بطارق عزيز لم يكن له الأثر الكافي عند صدام. كنا نريد أن نبث في ذهن صدام أن حمدون طرف أميركي مهم ضده. فاستعملنا هذه الاستراتيجية. سألني ليفينغستون: ماذا تريدون؟ قلت أريد إذاعة تمولها الإدارة الأميركية علنا على نمط إذاعة أوروبا الحرة. قال: يصير. اتخذوا القرار في لجنة السياسة بأنهم يؤيدون تخصيص 5 ملايين دولار لتأسيس إذاعة العراق الحرة.

> من براغ؟

- هم وقتها أخذوا القرار (وتأسست لاحقا في براغ)، وأعلنا القرار. خرجنا من الاجتماع، وحصل اجتماع آخر في مجلس الشيوخ. الجمهوريون كانوا بأكثريتهم معنا والديموقراطيون ضدنا. نشرنا إعلانا عن تأسيس إذاعة «صوت العراق الحر» بتمويل من الكونغرس. من جهة كان الأميركيون يريدون أن يتفاهموا مع صدام ومن جهة يؤسسون هذه الاذاعة. زاروني وطلبوا مني أن التقي رئيس مكتب السيناتور ترنت لوت زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ، وأهم شخص في الحزب الجمهوري في عهد كلينتون. مدير مكتب لوت كان صديقنا اسمه راندي شونمن، وكان أيضا مستشار الأمن القومي لديه وصار لاحقا مستشار ماكين، وتعرفنا على سيدة اسمها داني (دانييل) بليتكا التي كانت مسؤولة الشرق الأوسط في مكتب السيناتور جيسي هلمز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. زوجها اسمه ستيف رادامايكر وهو محام، وكان المستشار القانوني للجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب.

ذهبت الى راندي شونمن، وصار يسألني أسئلة، وأجيبه. قال لي: مسؤوليتي أن احمي السيناتور لوت، لا أريد أن أسمح له بلقائك إذا كان هذا الأمر سيسبب له الإحراج في المستقبل. قلت حسنا. قال أنا سأسأل عنك. قلت: اسأل تفضل.

اتصل بي بعد يومين، فذهبت للقائه. قال لي: «انا أنصفتك»، قلت: «لماذا»؟ قال: طلبت تقريرا عنك من الـ «سي آي إي، أحضروا لي واحدا يصف شخصا آخر غيرك. سألته: كيف؟ قال: في التقرير انك تتحرك في واشنطن ومعك 20 مرافقاً. وأنا اعرف انك تتحرك وحدك إما سيرا أو بالتاكسي. وهناك كلام غير قابل للتصديق، وأنا استدعيتهم وطلبت منهم أن يبرروا كل نقطة من النقاط السلبية التي كتبوها عنك. وأضاف: لذلك قررت أن أنصح السيناتور بأن يراك.

هكذا التقيت السيناتور لوت الذي رحب بي، وقال: عندك مانع أن تتحدث في مجلس الشيوخ في شكل رسمي. قلت: لا. داني رتبت مع السيناتور هلمز أن أحضر أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط المتفرعة من لجنة الشؤون الخارجية والتي يرأسها السيناتور سام براونباغ والعضو الديموقراطي فيها هو السيناتور تشارلز روب (زوج ابنة الرئيس ليندون جونسون) من فيرجينيا. الجمهوريون رتبوها، وقلت حسنا. كان ذلك في 2 آذار 1998، ذهبت الى الكونغرس وطلبت مساعدة أميركا علناً لإسقاط نظام صدام وقلت إن الشعب العراقي ضد صدام ونحن نطالب بإسقاطه، لكن أميركا ساعدته.

كان الخطاب طويلا، وقلت فيه إن على أميركا مسؤولية أخلاقية لإسقاط صدام، وأنها وعدتنا بحماية المعارضة ثم أخلّت بوعدها. وقال روب: انت قلت إن أميركا وعدتكم بالدفاع عنكم وأخلت بالوعد، هل لديكم وعد من رئيس الجمهورية لأنه هو الوحيد الذي يستطيع إلزامنا، أم عندكم كلام من أحد موظفي وزارة الخارجية؟. فقلت له: عندي رسالة من نائب الرئيس آل غور يقول فيها: إننا سنقوم بما نستطيع لحمايتكم ومساعدتكم على إسقاط صدام أو إقامة الديموقراطية في العراق. سألني إذا كانت معي نسخة من الرسالة. قلت: لا أنا لم أحضرها معي. راندي شونمن سلم النسخة الى براونباغ، فقال براونباغ عندها: أنا عندي نسخة. قرأها، وقال: فهمت لماذا يشعر هؤلاء أن أميركا خذلتهم. وسكت.

ثم سألني: ما هي علاقتك بالاردن؟ قلت له إن الاردنيين عندهم مشاكل معي، وهناك قضية قضائية مالية. في نهاية الحديث كانت قراءة الرسالة وعلقت الجلسة بعدها.

في ذلك اليوم بثت أربع محطات تلفزيونية أميركية شهادتي امام مجلس الشيوخ في مقدمة نشراتها. هذا الأمر دفع صدام الى الجنون. اعتبر أن اميركا تلعب عليه، يعني يسمحون بظهور احمد الجلبي في مجلس الشيوخ وعلى التلفزيونات الاميركية ليطالب بمساعدة اميركية لاسقاطه وهو يسمح لهم بالتفتيش.

كان طارق عزيز في نيويورك اثناء انعقاد جلسة الكونغرس. بعدها حاولت الإدارة أن تقلل من أهمية ما حصل، لكنهم كانوا غير قادرين على أن يقللوا في شكل رسمي من أهمية الكونغرس. بعد الجلسة عدنا الى العمل. وجعلنا صدام يشك أكثر ويشعر أنه أخطأ بالاتفاق مع كوفي أنان.

المفتش سكوت ريتر (الذي صار لاحقا يكتب كتبا ويشتمنا. وكنا تعرفنا عليه في نيويورك، وهو ليس ودياً جداً) جاء إلينا في واشنطن، وقال: «الإدارة ستقوم بأمر وصدام عنده قضايا كبيرة لازم يعرفها، أريد أن ترسلوني الى الكونغرس كي اشرح ذلك». زارنا وأمضى ليلته في بيتي في واشنطن. قلنا له: طيب. أعطاني نسخة من تقرير أعده مختبر الأسلحة في الجيش الأميركي في ميريلاند.

بعدما اتفق صدام مع انان والإبراهيمي، سلم رؤوس صواريخ الى الأمم المتحدة التي لم تجد مكانا تفحصها فيه، فأحضرتها الى اميركا، وطلبوا من هذا المختبر أن يفحصها. بعد الفحص قدم تقريرا الى الأمم المتحدة فيه ما يلي: إن هذه الرؤوس فيها آثار من غاز الـ vx الذي هو غاز كيماوي خطر، كما وجدوا آثار مسحوق لتنظيف آثار الـ «في اكس». يعني صدام ليس فقط عنده «في اكس»، بل حاول أن يخفي آثاره أيضا.

تقرير المختبر كان مهما، لكنه لم يكن سريا، لأنه كان سيقدم الى الأمم المتحدة، وليس الى الجهات الأميركية. أعطانا المفتش التقرير، ثم التقى السيناتور وغادر. أخذت التقرير وذهبت الى أصدقائنا في الكونغرس. قرأوه، وقالوا: هل تستطيعون نشره في الصحافة الأميركية؟ قلت نعم، فأخذوا التقرير ووجهوا رسالة الى كلينتون، وقّعها السيناتور لوت رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ والسيناتور جيسي هيلمز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ونيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب وعضو الكونغرس بنيامين غيلمان رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب. وكانوا يوجهون اسئلة الى كلينتون، إجاباتها موجودة في التقرير، مثل: هل عندكم أدلة على أن صدام يملك الـ «في اكس»؟ اخذنا نسخة من الرسالة وأعطيناها الـ «واشنطن بوست» التي نشرتها ونشرت تقرير الأمم المتحدة، وقالوا أن المؤتمر الوطني العراقي هو الذي زودهم بهذه المعلومات. أحدث الأمر ضجة كبيرة. وكي تتأكد الصحيفة من صحة التقرير، اتصلوا بالشخص الذي وقعه، وسألوه: هل وجدتم شيئا بهذا المعنى؟ فأجابهم: المفروض أنه ليس عليكم أن تعرفوا بهذا الأمر. اتصلوا بالسفارة الفرنسية، فغضب السفير الفرنسي غضبا شديدا، وسألهم: كيف حصلتهم عليه؟ فقالوا من المؤتمر الوطني.

> لماذا اتصلوا بالسفير الفرنسي؟

- حتى يتأكدوا من أن هذا الموضوع وصل الى الأمم المتحدة. بعد تأكدها من الوقائع قامت «الواشنطن بوست» بنشرها. واتصل لاحقا مارتن انديك (الذي صار فيما بعد سفير أميركا في إسرائيل ثم مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى) بي، فذهبت للقائه. سألني: كيف تنشر هذا التقرير من دون أن تنسق معنا؟ سألته عن السبب. فقال: «نحن متهمون من فرنسا وروسيا بأننا سلمناك التقرير». فأجبته: «وهل أنت أو أي شخص آخر في الحكومة الأميركية سلمني التقرير؟». قال: لا. قلت: «إذاً أنت بريء من هذه التهمة، اخبرهم بذلك».

سألني: «وكيف حصلت على التقرير»؟ فرفضت أن أخبره. عندها سألني: «لماذا لم تخبرنا قبل نشر التقرير؟» فأجبته: «لو كنت أخبرتك بذلك، هل كنت ستمنعني من نشره؟». قال نعم. قلت: «عندها لو كنت نشرته لكنت اعتبرت ذلك تحديا لكلامك ومخالفة لنصيحتك، وكنت ستغضب. الآن أنا نشرته من دون أن أخبرك، على أساس انك ستغضب لاحقا، لكنني على رغم ذلك لم أخالف كلامك». قال: وماذا سنفعل؟ قلت: الشعب العراقي لن تقوم له قائمة ما لم يسقط صدام، علينا أن نعجل في سقوطه. قال: ما خططكم؟ قلت: أن نجعل الكونغرس يدعمنا في إسقاط صدام. قال: لكن السياسة تقررها. قلت له: أنا اعمل مع الكونغرس، انتم في الإدارة لا تريدون شيئا.

صاروا يرسلون الي أخباراً من جماعة تعمل في الحقل الخارجي ويقولون: كيف ستتغلب على إدارة كلينتون. وكلينتون محبوب وقضية العراق ثانوية بالنسبة إلى أميركا. فقلت لهم: أنا أريد أن اعمل ولا مصلحة لي في أن أقيم علاقات، الاساس عندي مصلحة العراق. هذا الكلام كان في الشهر السادس من عام 1998.

بعدها حصل ما يسمى «رأي الكونغرس» الذي هو قرار غير ملزم للإدارة، القرار يبدأ: بما أن صدام قام بغزو الكويت وبما أنه قمع انتفاضة الشعب العراقي وسبق أن استعمل الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في حلبجة سنة 1988، وبما أنه استعمل الأسلحة الكيماوية ضد إيران وخالف قرارات مجلس الأمن، لذلك نعتبر أن صدام يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وقام بخرق فاضح لقرار وقف النار 687.

كلينتون حارَ قبل التوقيع على القرار، لكنه كان قبل ذلك أجاب عن الأسئلة التي وجهت إليه عن غاز «في اكس» بالايجاب، فوقّع على القرار. وجن صدام وطرد المفتشين.

عندها عدنا الى الكونغرس وعملت على قانون تحرير العراق مع راندي شونمن وستيف رادامايكر الذي كتب نصه.

> متى صدر القانون؟

- في شهر تشرين الاول 1998. في البداية، وافق مجلس الشيوخ عليه بالإجماع، لذلك لم تكن هناك حاجة للتصويت عليه. وجو بايدن نائب الرئيس اوباما وافق عليه. وفي مجلس النواب حصل القانون على 360 صوتا مقابل 38، وتزامن ذلك مع قضية مونيكا لوينسكي.

> ومن أمن له التغطية؟

- الجميع صوتوا لمصلحة القانون: الجمهوريون والديموقراطيون صوتوا عليه. كلينتون وصله القانون في 6 أكتوبر ولم يوقع عليه إلا في 31 أكتوبر 98، صار قانونا ملزما لأميركا. وصار تنفيذه من مسؤولية الإدارة. القانون تضمن الأموال للإعلام بقيمة 3 ملايين دولار لتأسيس «صوت العراق الحر» و97 مليون دولار لا تقدم نقدا، لكنها قيمة لمعدات فائضة من وزارة الدفاع الأميركية تقدمها الى قوى المعارضة العراقية. والإدارة مكلفة أن تقدم جدولا بأسماء المنظمات المؤهلة لاستلام مساعدات من هذا النوع.

انا ألححت على أن تشمل المساعدات الأطراف الكردية والمجلس الاعلى بقيادة السيد الحكيم وحركة الوفاق بقيادة اياد علاوي، وكل الاطراف الموجودة. هذا صار قانونا وكلينتون بعد توقيعه ارسل في 13 نوفمبر طائرات لقصف العراق، لكنها عادت في اليوم نفسه ولم تقصف. وليبرر هذا الامر، دعا أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذين وقعوا على قانون تحرير العراق الى البيت الابيض وابلغهم ان سياسة الادارة تقتضي تنفيذ القانون، واستعملوا تعبير: PIVOT AND STRIKE" الذي لم اعرف ما كانوا يقصدون به.

> لماذا أرسل الطائرات الى العراق ثم أعادها؟

- ربما وجد أن الأمر غير مناسب. لم يدل بتصريحات في حينه لنفهم الأمر. ربما اعتبروا أن هذا الأمر سيجلب لهم دعاية سيئة ولن يحققوا من ورائه شيئا. في الوقت نفسه، بينما كان الكونغرس يعد الميزانية لسنة 1999 ضمّنوا فيها مساعدات للعراق بقيمة 25 مليون دولار للمعارضة العراقية.

عينت الإدارة الأميركية منسقا خاصا للمعارضة العراقية اسمه فرانك ريتشاردوني (الذي صار فيما بعد سفيرا في الفيليبين ثم القاهرة) وهو رجل قدير وذكي.

> هل قمت وحدك بكل هذه التحركات؟

- كعراقي نعم، كان عندي مساعدان، احدهما أميركي اسمه فرنسيس بروك وآخر باكستاني - أميركي اسمه بهزاد سفنا، كانا يساعدانني ولم أتعامل مع أحد من العراقيين. منذ صدور قانون العراق، تقريبا معظم قادة المعارضة العراقية اجمعوا على انتقادي.

> لماذا؟

- لا اعرف، ولم افهم السبب. أنا استغربت موقفهم، أصدروا بيانات وكتبوا مقالات لكنها لحسن الحظ لم تحدث صدى في أميركا. بعد ذلك عينت الادارة ريتشاردوني للتنسيق مع المعارضة. أرسلوا إليه مستشار الأمن القومي في ذلك الحين ساندي بيرغر الذي قال له: أنت مهمتك أن تزيح اسم احمد الجلبي من الواجهة الإعلامية.

جاء ريتشاردوني وكان يريد أن يزيحني من الطريق، هذا كان عام 1999. أعلنت عندها أننا نريد أن نعقد اجتماعا للمعارضة العراقية في واشنطن. ريتشاردوني غضب، ودعاني الى اجتماع في واشنطن، وقال: من سيمول هذا الاجتماع، ومن سيقبل به ومن سيعطيكم تأشيرات الدخول؟ قلت: انتم. قال كيف، وأنت لم تنسق معنا؟ قلت له: ارفض إذن، وقل إنك لا تريد أن تدعو الى اجتماع للمعارضة.

> وهل كان بمقدوره الرفض؟

- كلا، هناك قرار الكونغرس. ثم صاروا يسألوننا. السيناتور من ولاية نبراسكا بوب كيري والذي كان مؤيدا قويا لنا تبنى موضوع متابعة وزارة الخارجية. طلب اجتماعاً مع ريتشاردوني ومعي. أعطانا موعدا الساعة الرابعة. ثم قبل نصف ساعة من الموعد، اتصلوا بنا من مكتب كيري وقالوا إن الاجتماع تأجل. انتقدناهم، وقلنا كيف لا يرد موظف في وزارة الخارجية على سيناتور. تكلم موظفو كيري مع ريتشاردوني بشدة فجاء. بوب كيري كان يريد أن يمزح، فسألنا: «هل تشاجرتم أم لم تفعلوا حتى الآن؟»، قال ريتشاردوني: ليس بيننا أي خلاف. ثم قلت: أنا مستعد أن اعمل مع كل أطراف المعارضة لنوحد صفوفنا. ريتشاردوني قال: أنت نظم مؤتمرا للمعارضة في لندن لاحياء المؤتمر الوطني حتى نعيد الدعم. قلت: عليك أيضا أن تبلغ الأطراف المهمة في المعارضة وتخبرهم بأن عليهم أن ينشطوا المؤتمر، ثم نعقد اجتماعا يحضره الجميع في حضوركم، خصوصا الأطراف الكردية، إذ كانت علاقتنا متوترة بالحزب الديموقراطي.

وافق. وخرجنا من الاجتماع مع كيري وتمشيت مع ريتشاردوني. قال: لا تعلن أنك انتصرت علينا وتؤذي الآخرين. قلت لا، نحن نسيّر العمل. قال: غدا اجتماع في المكتب عندي سأدعو هوشيار زيباري وبرهم صالح وابلغهما بالقرار. ذهبنا الى المكتب، وجاء هوشيار وبرهم. سلمنا على بعض وجلسنا. أخبرهم كيري عن اجتماع المؤتمر الوطني في لندن، فحصل تململ بسيط ثم أيدا الموضوع. عدت الى لندن وطلب مني ريتشاردوني أن لا أوجه الدعوة كرئيس المؤتمر الوطني، فوافقت على أن أترك لنائب رئيس المؤتمر لطيف رشيد توجيه الدعوة. وجه لطيف الدعوة وحصل اجتماع المؤتمر في ويندسور خارج لندن. حضر بوب كيري ودانييل بليتكا لمراقبة حسن تصرف وزارة الخارجية.

> ما قصة المختبرات النقالة للأسلحة البيولوجية؟

- في العام 2002، جاء شخص ادعى أن عنده معلومات عن مختبرات متنقلة للأسلحة البيولوجية. رتب أراس حبيب لهم مقابلة معه في عمان. أخضعوا هذا الشخص لجهاز كشف الكذب، فتبين انه يكذب. مع ذلك أخذوا معلوماته وادعوا لاحقاً بأنهم لم يبلغوا بأنه لم ينجح في اختبار كشف الكذب.

الآخر كان شاباً ادعى أنه يعرف عن برنامج نووي للتخصيب في العراق. وقابلته الاستخبارات الأميركية في كردستان في شباط (فبراير) 2003 مرة واحدة، ثم قالوا لا نريده، وذهب. هذا هو كل ما لدينا. هذا الموضوع صارت حوله مسألة كبيرة جداً. وخرج تقرير رسمي أميركي هو تقرير روب سيلفرمان الذي قال إن علاقة «المؤتمر الوطني العراقي» بقرار أميركا دخول الحرب «ضعيف وغير موجود». ثم خرج تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي التي كلفت التحقيق في الموضوع. وقالت في تحقيقها الأول إن لا علاقة لنا، ثم تساءلت: هل دخلت معلومات استخباراتية إلى الإدارة مباشرة من دون المرور عبر أجهزة الاستخبارات؟ وما هو دور المؤتمر الوطني فيها؟

أرسلت إليّ لجنة الاستخبارات في الكونغرس اثنين من موظفي الحزب الجمهوري، صاحب الغالبية آنذاك، في نهاية العام 2005. كانا رجلاً وامرأة التقيتهما في زوريخ لمدة ست ساعات، وطلبا مني معلومات كاملة عن هذا الموضوع، ثم كتبا تقريراً قدمه رئيس لجنة الاستخبارات السيناتور بات روبرتس. في اللجنة تحرك الديموقراطيون، باعتبارهم خصوم بوش، مع الجمهوري الذي كان يكره المؤتمر الوطني كثيراً السيناتور تشاك هيغل، والسيناتور أوليمبيا سنو، وهي ليبرالية تنتمي إلى الحزب الجمهوري أيضاً. قال هيغل: مستحيل أن نبرئ المؤتمر الوطني وأحمد الجلبي، فكتبوا في التقرير مسائل ضدنا. وأصدر روبرتس بعدها تقريراً خاصاً، استخدم عبارات قوية جداً، وقال: لم أر تصميماً سياسياً على تغيير الحقيقة مثلما حدث في هذه القضية.

نحن لا علاقة لنا بقرار أميركا دخول الحرب. الشيء المهم جداً هو أن الاستخبارات الأميركية فشلت. تينيت قال لبوش إن معلومات أسلحة الدمار الشامل مؤكدة. كيف تستطيع فئة معارضة تعمل في الخارج وهدفها الرئيسي إسقاط صدام أن تقنع الإدارة الأميركية بدخول حرب ضد صدام بهذه الطريقة؟ هذا خيال.

> ماذا عن قصة المختبرات المتنقلة؟

- ظهر شخص أطلق عليه الأميركيون لقب «كرفبول» Curveball، وكان اسمه الحقيقي رافد أحمد علوان. جاء إلى ألمانيا التي أبلغت استخباراتها الاستخبارات الأميركية أن لديه معلومات. وأعطاهم معلومات عن المختبرات البيولوجية. وكان الشخص الذي التقاهم في عمّان وفشل في جهاز كشف الكذب أعطاهم المعلومة نفسها، فاعتقدوا أن هذا تأكيد للمعلومة.

قال روبرتس إن 97 في المئة من معلومات الولايات المتحدة عن الأسلحة البيولوجية في العراق من هذا الشخص (علوان). أبلغت الاستخبارات الأميركية الإعلام أن شقيق علوان يعمل في المؤتمر الوطني، وخرج هذا في الصحف، على رغم نفينا. وكتبنا رسالة إلى «نيويورك تايمز» التي قالت إن مصادر الاستخبارات التي كانت تؤكد علاقة علوان بالمؤتمر الوطني تنفي ذلك الآن. لم نكن نعرف هذا الشخص.

> هل يمكن أن تكون إيران ضللت الأميركيين؟

- لا. علاقتنا بالأميركيين وبالإيرانيين كانت واضحة للطرفين. في العقد بين المؤتمر الوطني ووزارة الخارجية الأميركية العام 2000، كان هناك اتفاق على فتح مكتب في طهران وفي دمشق. جاءنا محام من وزارة الخارجية اسمه توم ووريك، وقال: كيف تريدون فتح مكتب في طهران؟ هناك قرار رئاسي يمنع على الحكومة الأميركية إنفاق أي أموال في إيران. وهذا سيتطلب استثناء من دائرة التحكم بالأصول الأجنبية في وزارة الخزانة. وبالفعل، حصل لنا على موافقة أخذناها وذهبنا إلى طهران.

> هل تعتقد أن الأميركيين أساؤوا التصرف؟

- قطعاً.

> من منهم؟

- المسؤول الأول عن هذا الموضوع هو الرئيس بوش الذي استمع في نهاية المطاف إلى من قالوا له إن العراقيين غير قادرين على حكم أنفسهم، واستمع إلى نصائح بعض حلفائه كبريطانيا وبعض الدول العربية التي كانت متخوفة من نوع التغيير الذي يحدث في العراق، فأعلن الاحتلال بدلاً من أن يسير في الخط الذي كنا اتفقنا عليه، وهو إعلان حكومة عراقية موقتة تلتزم بموعد للانتخابات بقرار من مجلس الأمن، وتتصرف كحكومة ذات سيادة في العراق. لو حدث هذا، لتفادينا الكثير الكثير من الأخطاء.

> هل قرأت مذكرات جورج تينيت؟

- قرأت جزءاً منها.

> وما رأيك فيها؟

- أول صفحة فيها كذب. في أول مقاطع الكتاب يقول إن ريتشارد بيرل التقاه وهو خارج من البيت الأبيض في 12 أيلول 2001. في ذلك الحين، كان بيرل في جنوب فرنسا. القضايا والوقائع التي ذكرها كانت خطأ.

> تقصد أنه كاذب؟

- نعم.

> تحدث عنك في مذكراته؟

- نعم. ذكر مسائل سلبية كثيرة. كل واحدة منها عليها رد. لكنها في شكل عام، قضايا ليست لها أهمية. جورج تينيت لم تكن له علاقة بالاستخبارات. بدأ حياته السياسية مساعداً في لجنة الاستخبارات في الكونغرس، ثم صار رئيساً للاستخبارات في عهد كلينتون، لأن الأخير لم يكن مهتماً بالوكالة. ومرشح كلينتون توني ليك فشل في الحصول على تأييد الكونغرس. وكان ترشيح تينيت الخيار الأسهل.

> هل تعتقد أنه كان غير كفوء؟

- نعم. تينيت شخص غير كفوء. كان مسؤولاً عن تدبير عملية الانقلاب التي كشفت في العراق العام 1996. ولم يكترث بالتحذيرات التي وصلته مباشرة مني عن طريق بعض الساسة الأميركيين الذين أعرفهم. وحدثت مصيبة، إذ شهدت أكبر خسائر لـ «سي آي اي». والفشل الكبير كان في المعلومات الخطأ المختلقة التي جاء بها تينيت لبوش لتبرير الحرب عن طريق أسلحة الدمار الشامل.

> إذن أنت تقول إن تينيت هو من أتى بالمعلومات الخطأ. هل كان يعرف أنها خطأ؟

- إذا لم يكن يعرف، فهذه مصيبة أكبر. هناك أدلة كثيرة جداً على خطأ هذه المعلومات. الأميركيون التقوا «كرفبول» (رافد علوان) مرة واحدة فقط واعتمدوا على الألمان، رغم أن السيناتور روبرتس قال إن «كرفبول» كان مصدر 97 في المئة من المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل.

> هل قرأت ما كتبه عنك بول بريمر؟

- نعم.

> ما رأيك فيه؟

- سأذكر لك شيئاً واحداً عن بريمر. يقول بريمر إنني الشخص الوحيد الذي يفهم في الاقتصاد بين من قابلهم في العراق.

> لكنه قال أشياء أخرى.

- نعم. اختلفت معه على 4 قضايا، الأولى إنفاقه للمال العراقي. والثانية محاولة اعتقال مقتدى الصدر وسقوط قتلى، وقلت له: كفى قتلاً لأبنائنا. الأمر الثالث هو موضوع اجتثاث البعث وحل الجيش. أما الشيء الرابع، فهو موضوع السيادة، وهذا هو الأهم.

> ألم تشارك في تضليل وسائل الإعلام الأميركية؟

- أبداً. هدفنا كان إسقاط صدام وكنا نعبئ الرأي العام العالمي ضده، ولم نعط أي معلومات كاذبة عن الوضع في العراق. لم نقل شيئاً عن مختبرات متنقلة أو غيره. إذا كان من السهل تضليل أميركا بهذا المستوى، فلماذا لم يضللها آخرون؟ هل براعتنا بالتضليل وصلت إلى هذا الحد من الدقة، لنقنعهم بالهجوم على صدام اعتماداً فقط على معلوماتنا؟

> لماذا إذن أسقطت إدارة بوش نظام صدام؟

- خافت بعد 11 أيلول أن يفعل شيئاً. اتضح أن من السهل فعل هذا. لا تنسّ رسائل الأنثراكس التي استهدفت مجلس الشيوخ، ولم يعرف حتى الآن من أين جاءت. أغلقت بناية كبيرة سبعة شهور. ما فعلناه نحن أننا أسسنا شرعية العمل الأميركي ضد صدام في قانون تحرير العراق. وهذه مسألة مهمة.

> هل قابلت الرئيس بوش؟

- ثلاث مرات. الأولى في حفلة استقبال في نيويورك لمناسبة اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. سلمت عليه، وكنت أنا وابنتي. القيت وقتها كلمة العراق أمام الجمعية العامة العام 2003 بعد إسقاط صدام، حين كنت رئيس مجلس الحكم.

وفي الرحلة نفسها، رأيته في واشنطن خلال إلقائه خطاب حال الاتحاد. كنت أقف خلف زوجته. وحين أنهى خطابه، صافحته وتحدثنا لثلاث دقائق. أما المرة الثالثة، فكانت في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ضمن وفد عراقي ضم الدكتور عدنان الباجه جي رئيس مجلس الحكم آنذاك ورئيس الوفد، والسيد عبدالعزيز الحكيم وأنا. كان ذلك في كانون الثاني (يناير) 2004.

> وغضب منك بعد ذلك؟

- نعم. غضب من هذا الاجتماع. لأنني كنت أطالب بإجراء انتخابات، لذلك ذهبت إلى المسؤولين عن البطاقة التموينية وطلبت منهم معلومات عن المواطنين للخروج بقائمة ناخبين. وهذا ما حصل لاحقاً، ويحدث إلى اليوم. واعتقدت وقتها أنني قادر على إجراء انتخابات خلال ثلاثة شهور. وذهبت إلى واشنطن وأعلنت ذلك. وكان الأميركيون يريدون تأخير الانتخابات. ويوم إعلاني ذلك في واشنطن، خرجت تظاهرة كبيرة جداً في بغداد تطالب بالانتخابات، فاعتبر الرئيس بوش هذا ليّاً لذراعه.

الأمر الثاني، هو تحريض بريمر بوش عليّ، وهو ذكر هذا في مذكراته. قال له إنني أصبحت شوكة في خاصرة الأميركيين. وفي نيسان (أبريل) 2004، أصدر بوش مذكرة لم أطلع عليها، بصفته رئيساً لمجلس الأمن القومي، تدعو إلى تهميشي. وهذا كان الأساس الذي اعتمد عليه بريمر للهجوم علي في بغداد بعد ذلك بشهر عقب زيارة بلاكويل.

> ما قصة الهجوم الأميركي على منزلك في بغداد؟

- تم هذا بسبب ثلاث قضايا. الأولى هي العمليات التي قاموا بها ضد التيار الصدري في بغداد والنجف. أنا وقفت في مجلس الحكم في نيسان (أبريل) 2004.

الأمر الثاني هو قضية الأخضر الإبراهيمي الذي أرسلته الأمم المتحدة مبعوثاً لها إلى بغداد. وفي أول زيارة له كتب تقريراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان الذي أرسله بدوره إلى مجلس الحكم. وتضمن هذا التقرير هجوماً شديداً على الأكراد والشيعة. وتُلي هذا التقرير في المجلس، وأثار ضجة. واقترحنا تشكيل لجنة للرد على أنان. كانت اللجنة تضم الدكتور محمود عثمان وحميد مجيد موسى والدكتور إبراهيم الجعفري وأنا. اجتمعنا وأعددنا رداً لأنان، لم نذكر فيه الإبراهيمي، لكن اتضح من ردنا أننا لا نرحب بعودته. وقع الرد رئيس مجلس الحكم السيد محمد بحر العلوم لإرساله إلى أنان. وحين رآه بريمر، منع إرساله. بعد ذلك بـ48 ساعة، وصل إلى بغداد المستشار الخاص لبوش حول العراق السفير روبرت بلاكويل. اتصل بي بريمر وطلب عقد اجتماع. وعندما ذهبت إلى القصر، وجدت معه بلاكويل الذي سألني: لماذا تقف ضد الإبراهيمي؟، فأجبت بأنني أعتقد أن الإبراهيمي يريد إعادة شيء مشابه لوضع العراق في زمن صدام من ناحية علاقاته بالدول العربية ومن يسيطر على الحكم في بغداد. وأوضحت أن كل ما عملنا عليه كان هدفه تغيير ذلك، واعتقد بأن الإبراهيمي سيسبب لنا مشاكل. رد بلاكويل قائلاً إن الإبراهيمي يحظى بثقة أنان، وبتأييد الرئيس بوش الذي التقاه مرتين. قلت له: مع كامل الاحترام لهذا الشخص المهم وتاريخه، أريد أن أذكرك بأنه دبر زيارة لعنان للقاء صدام في شباط (فبراير) 1998، بهدف إنقاذه من قضية المفتشين.

بعد نصف ساعة من الحديث. طلب بلاكويل من بريمر أن يغادر غرفة الاجتماع. وباغتني بلاكويل بالقول: هل تعرف من أنا؟ أنا الممثل الشخصي للرئيس بوش. ووضعك مرتبك في البيت الأبيض. فقلت له: وماذا بعد؟ قال: إذا كنت ستقف في وجه سياسة الرئيس بوش، سنلقي بكامل ثقل الولايات المتحدة للضغط عليك. فرددت بأن هذه الحجة لا تقنعني وتركت الاجتماع.

النقطة الثالثة التي أزعجت بريمر كثيراً، هي أنني كنت أقول له في مجلس الحكم إنك صاحب التوقيع الوحيد على أموال العراق، فانتبه كيف تنفقها. هناك مشاكل في المحاسبة. وهذا كان يضايقه. حذرني أحد أصدقائي في مجلس الحكم من أن بريمر سيؤذيني إذا استمر طرحي للمسائل المالية. بعدها خرجت الاستخبارات المركزية الأميركية بقضية إرسال معلومات إلى إيران.

> وهل أرسلت معلومات إلى إيران؟

- لا طبعاً. هذا اتهام سخيف جداً. قالوا إنني أبلغت الإيرانيين بأن الولايات المتحدة تمكنت من فك شفرة اتصالاتهم. فقام ضابط استخبارات إيراني بإرسال هذه المعلومة بنفس الشفرة إلى طهران. أي شخص لديه معرفة بسيطة بعمل الاستخبارات، يدرك أن هذا مستحيل.

جرت تحقيقات كبيرة. ولم يعرف الأميركيون كيف حصلت على هذه المعلومة. اتهموا كثيرين، لكن لم يحصلوا على شيء. ودعيت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 للقاء مسؤولين بينهم نائب الرئيس ووزيرة الخارجية ووزير الدفاع ووزير التجارة ووزير الخزانة ومستشار الأمن القومي.

> متى كان أول اتصال بينك وبين «سي آي أي»؟

- في العام 1991 في لندن.

> هل بادروا هم الى هذا الاتصال؟

- كانت لي علاقات مع وزارة الخارجية الأميركية بدأت في بيروت عام 1971. تم أول اتصال بين الأكراد والأميركيين في منزلي في بيروت.

> مع الـ «سي آي أي»؟

- جاء مندوب من قبل الملا مصطفى بارزاني هو سكرتير المكتب السياسي لـ «الحزب الديموقراطي الكردستاني» حبيب محمد كريم. اتصلت وقتها بعادل عسيران، فاتصل بلبناني يعمل في السفارة الأميركية طلب منه أن يبعث شخصاً لمقابلة مهمة. وأرسل ديبلوماسياً أميركياً في القسم السياسي في السفارة إلى منزلنا في بيروت.

وفي عمّان تعرفت إلى السفير الأميركي في الأردن ريتشارد فيتس في مطلع الحرب العراقية - الإيرانية، وشرحت له ما أتوقع أن يحدث. وأحضر فيتس لاحقاً إلى عمّان مسؤول قسم رعاية المصالح الأميركية في بغداد آنذاك توماس ايغلتون الذي صار سفيراً في دمشق لاحقاً، وعقدنا اجتماعاً استمر ثلاث ساعات للبحث في الوضع.

بعد ذلك، اجتمعت بنواب أميركيين في عمّان في الثمانينات. كانوا كلهم يؤيدون صدام، وخضنا نقاشات حادة حول ذلك. استمرت العلاقات معهم. وفي نهاية الثمانينات قبل أن أغادر عمّان، تعرفت إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي كليبورن بيل عن طريق صديقي بيتر غالبريث الذي أصبح بعد ذلك سفيراً للولايات المتحدة في كرواتيا، وعمل مع كليبورن على مشروع قانون بعدما أبلغته أن صدام يحصل على بليون دولار سنوياً في صورة تسهيلات مالية عن طريق وزارة الزراعة الأميركية. وصدر بعدها قرار بمنع صدام، ما أثار حفيظة إدارة رونالد ريغان التي ردت بمشروع قانون يمنح الرئيس صلاحية منح هذه المساعدات.

> متى بدأت علاقتك مع إيران؟

- من زمن بعيد. كانت لوالدي علاقات معها، وبعده أنا في العام 1969. وحين قامت الثورة الإسلامية، ساهمت في تنظيم العلاقات بين الإيرانيين والحركة الكردية في العراق. وسهلت عملية نقل جثمان المرحوم الملا مصطفى بارزاني من أميركا إلى إيران لدفنه عام 1979، قبل نقل رفاته إلى العراق عام 1993.

> إذن، كانت علاقتك بإيران تسير بالتوازي مع علاقتك بالأميركيين؟

- نعم، طبعاً. كنت مقتنعاً أن عمليتنا لن تنجح إلا إذا حدث نوع من التفاهم الضمني على إنجاحها بين أميركا وإيران.

> وهذا ما حصل؟

- هذا ما حصل طبعاً.

> وما قصة جمعك الأكراد مع المجلس الأعلى في العام 1979؟

- كان الأكراد ممتنين للمرجع السيد محسن الحكيم لإصداره فتوى في العام 1966 تحرم قتال الأكراد. وفي العام 1969، عقد اجتماع بين الملا مصطفى بارزاني والسيد مهدي الحكيم الذي شارك معنا في طهران في الحركة ضد نظام «البعث».

بعد ذلك توقفت العلاقات، حتى حدثت تحركات كردية في إيران العام 1979 ضد الثورة الإسلامية. كان ولدا الملا مصطفى، وهما المرحوم إدريس ومسعود، موجودين في طهران. وكان وضعهما قلقاً بسبب اتصالاتهما السابقة بالشاه. فبادرت الى الاتصال بمسعود هاتفياً. وقلت له إن عليهم اتخاذ موقف من الوضع الكردستاني في إيران، فرد قائلاً: لن نسمح لأعداء الجمهورية الإسلامية بالوصول إلى الحدود العراقية - الإيرانية، طالما بيدنا شيء. سألته إن كان يمانع في إجراء اتصال بالثورة، فرحب. واتصلت بالسيد محمد باقر الحكيم الذي كان في طهران، وقلت له: قابل مسعود وإدريس بارزاني لإنشاء علاقة معهما، فقال: على الرحب والسعة. اعطيتهما هاتفه وحصلت الاجتماعات من جديد. وبعد ذلك، خطط الطرفان في طهران للانتفاضة الشعبانية بعد حرب الخليج.

> أليس «المؤتمر الوطني العراقي» هو مصدر معلومات ادارة بوش عن أسلحة الدمار الشامل؟

- هذا غير صحيح. فقد بادر البيت الأبيض الى الاتصال بنا في تشرين الأول (أكتوبر) 2001، وسُئلنا إذا كنا نعرف أشخاصاً لهم علاقة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل. فقلنا إن لا علاقة لنا بهذا الامر. وفي هذه الفترة، جاءنا بالصدفة شخص اسمه عدنان الحيدري قال إنه متجه إلى دمشق، وإنه كان يبني غرفاً ضد الإشعاع في العراق ولديه معلومات وخائف. سهلنا سفره إلى تايلاند. ورتب هذا الأمر من لندن مسؤول الاستخبارات في «المؤتمر الوطني العراقي» اراس حبيب. اتصلنا بمراسلة «نيويورك تايمز» جوديث ميلر، وقلنا لها إن هذا الشخص لديه معلومات، إذا رغبت في مقابلته. وبالفعل، سافرت إلى تايلاند والتقته ونشرت المقال. أبلغنا واشنطن بمكانه، فأرسلت ضباطاً من استخبارات وزارة الدفاع للقائه. قالوا إن لديه معلومات كاملة واصطحبوه إلى أميركا، لكنهم أعربوا عن انزعاجهم من نشر المعلومات في «نيويورك تايمز».

> هل كان «البيت الشيعي» ردك على الأميركيين؟

- لا. نظمنا البيت الشيعي لأن الأميركيين شكلوا مجلس الحكم على أساس طائفي. ورأيت أنه إذا ترك الوضع على الغارب للأطراف العراقية الموجودة في مجلس الحكم، فمن الممكن أن تصير شرذمة في الوضع السياسي، ويسهل على الأميركيين التحكم في الوضع في ظل عجرفة بريمر. لذلك، أسسنا البيت الشيعي لجمع كلمة الأعضاء الشيعة وتكوين كتلة داخل مجلس الحكم تلتزم بقرارات لمصلحة العراق والحصول على السيادة ومجابهة بريمر.

> بقراءتك المتأخرة، من دفع باتجاه المغامرة الأميركية في العراق، نائب الرئيس أم مدير الاستخبارات؟

- أعتقد أنه صار هناك وضع سياسي في واشنطن. واقتنع الرئيس بضرورة التحرك ضد العراق، وأيد نائب الرئيس هذه القضية، كما أيدتها بشدة وزارة الدفاع وأعضاء في الكونغرس.

> هل كانت علاقتك جيدة برامسفيلد؟

- لم تكن عميقة. لكن كان هناك احترام متبادل.

> مع من من مساعدي رامسفيلد كانت علاقتك جيدة؟

- كانت علاقتي جيدة مع بول وولفويتز. ساعدناه كي يصبح شخصية بارزة حين كان خارج السلطة في عهد كلينتون. أصبح وكيل وزارة الدفاع في عهد بوش، ثم عميداً لكلية الشؤون الدولية في جامعة جون هوبكنز في واشنطن. وهناك ساعدناه كثيراً.

> كيف؟

- كنا نعطيه معلومات تمكنه من كتابة مقالات عن مسائل حقيقية تجري في العراق ولم تطلع عليها الإدارة، فاكتسب صدقية وصار يدعى للشهادة أمام الكونغرس الأميركي، وكنا نزوده معلومات حقيقية لاستخدامها في هذا المجال. وأصبح شخصية معروفة في واشنطن في شأن العراق.

> هل ما زالت علاقتك به مستمرة؟

- لم أتحدث إليه بعدما هاجمني الأميركيون في العراق، ولم يتصل هو بي.

> وعلاقتك بريتشارد بيرل؟

- قوية.

> حتى اليوم؟

- نعم.

> يعني علاقتك كانت بالمحافظين الجدد؟

- الأفكار التي طرحها المحافظون الجدد لم يكن لها مجال للتنفيذ. نحن أعطيناهم قضية هي العراق. هم استفادوا كثيراً من وجودنا وتكويننا السياسي في طرح موضوع قابل للتنفيذ. باقي المواضيع التي طرحوها لم تنفذ. كانت فاشلة، مثل قضايا سورية وإيران و «حزب الله» و «حماس» والشرق الأوسط الجديد. كان هذا كله فاشلاً. ونحن استفدنا منهم كثيراً.

> هل صحيح أنك أقنعت الأميركيين بأن ديموقراطية حديثة ستقوم في العراق إذا أسقطوا صدام؟

- نعم. وصارت هناك ديموقراطية. العراق الآن دولة ديموقراطية.

> من كان يحرض عليك في الاستخبارات الأميركية غير جورج تينيت؟

- كثيرون. المسؤولون عن دائرة الشرق الأدنى في «سي آي اي» منذ العام 1995 كانوا ضدي. كلهم.

> هل كانت علاقاتك غير طيبة مع وزراء الخارجية؟

- علاقتنا معهم كانت هامشية. لكن كولن باول كان ضدنا وكذلك نائب وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج.

> لماذا لك أعداء كثيرون؟

- لأنني جئت لتغيير واقع حقيقي في الشرق الأوسط وفي السياسة الأميركية إزاء المنطقة. هناك مصالح هائلة كانت تدعم الحال السياسي الموجود. وجئت أنا وعملت على تغيير هذا الواقع في أميركا. أنظمة عربية كثيرة تعتمد على جماعات في أميركا لدعمها وإبقائها في السلطة. جئت أنا وغيرت هذا الواقع من خارج الإطار المعتمد. وأدخلت في واقع السياسة الأميركية أشخاصاً جدداً غير الأشخاص المعهودين، وأصبحت لهم أصوات مسموعة في الشأن العراقي.

> هل لك علاقات مع الإدارة الأميركية الحالية؟

- لا.

> ألست بحاجة إلى هذه العلاقات؟

- أميركا دولة عظمى لها وجود في المنطقة. لكن لا أعتقد أن لنا مصلحة في علاقة وثيقة أو قوية معهم.

> ألا تخشى عودة الحرب الأهلية في العراق بعد خروج الأميركيين؟

- لا. أنا واثق أن العراقيين يستطيعون السيطرة على الوضع. أنا تقريباً الوحيد بين قلة من السياسيين خارج المنطقة الخضراء في مناطق تعتبر ساخنة. ولم تكن لي حماية أميركية أبداً.

> هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟

- مرات عدة.

> من كان وراءها؟

- كثيرون. «القاعدة»، ثم بعض البعثيين. آخر عملية استهدفت موكباً لي لم أكن فيه في أيلول الماضي. البعثيون أرسلوا لنا سيارة مفخخة قبل ذلك، فككناها قبل أن تنفجر.

> أين عزت الدوري باعتقادك؟

- لا أعرف.

> غير معقول. أنت شخص في موقع ولديك معلومات؟

- صحيح لا أعرف. نسمع مرات أنه في العراق.

> وهل يمكن أن يكون خارج العراق؟

- محتمل. لكن ليس عندي أساس لأي معلومات.

> ماذا تحمل غير الجنسية العراقية؟

- أحمل الجنسيتين اللبنانية والبريطانية.

> كيف حصلت على اللبنانية؟

- والد زوجتي المرحوم عادل بك عسيران في العام 1982. اتصل بي قائلاً إنه حصل لي على الجنسية من الرئيس إلياس سركيس.

استعملت جواز سفري العراقي حتى رفضوا تجديده، فاستعملت جواز السفر اللبناني. وحين حاولت السفر إلى أوروبا حدثت مشاكل، فحصلت على جواز السفر البريطاني.

> بأي صفة شاركت في مؤتمر جنيف للحوار اللبناني؟

- كان هناك تسعة قادة مدعوين، بينهم المرحوم عادل عسيران. كنت في الأردن، فاتصل بي وقال لا بد أن تأتي معي إلى جنيف. فسألته: بأي صفة؟ فرد: ولماذا حصلنا لك على الجنسية اللبنانية؟

كان لكل شخص مرافقان يدخلان معه في القاعة. أخذ ابنه علي بك النائب الحالي وأنا، في مؤتمر جنيف وبعده مؤتمر لوزان.

سأروي لك قصة من مؤتمر جنيف. حين عقدت المعاهدة اللبنانية - الإسرائيلية (اتفاق 17 أيار) التي سعى من أجلها الأميركيون، انزعجت كثيراً. فذهبت إلى مؤتمر جنيف، وقلت لعمي إن هذا الاتفاق أسوأ من الاحتلال لأنه يشرعن دخول الجيش الإسرائيلي إلى لبنان متى يشاء، فتصبح له صفات المحتل من دون أن يتحمل تكاليف الاحتلال. وقلت له إن هذا الاتفاق اتفاق سلام، والدولة اللبنانية ليست معنية بالحرب، رغم أنه يتم على أرضها. واتفاق السلام لا بد أن يكون بين المتحاربين. عندما تعقد اتفاق سلام من دون أن تسيطر على الأطراف المتحاربة على أرضك، يتم هذا على حسابك. فاقتنع بهذا الرأي.

> على من تعرفت في جنيف؟

- كثيرون. الرئيس كميل شمعون كنت أعرفه من صغري وتحدثت معه، وكان يعرف والدي وشقيقي طلال.

> هل تعرفت على رفيق الحريري هناك؟

- رأيته هناك. كان عادل بك يزور الرئيس رشيد كرامي، فذهبنا إلى جناحه. وكان نبيه برّي وعبدالحليم خدّام هناك، ودخل الحريري وأشار إلى الرئيس برّي وتحدثا على انفراد، فصرخ خدّام: انتبه يا نبيه.

بدأت العلاقة مع الحريري في عمّان. أسست مدرسة بالتعاون مع الأمير حسن وأنفقنا عليها من البنك. وكان الأمير قلقاً على مستقبل المدرسة.