براسنا
أووم ...
عسى أن نسمع بآذاننا كل ما هو طيب
عسى أن نرى العدل بأعيننا
عسى نحن الذين نعبدك أن نجد الهدوء والسكينة
أووم ...
سكون .. هدوء .. صفاء
سوكيشا , كاباندي , بهارجافا , كوساليا , جارجيا , ساكياكاما ,
تلاميذ وباحثون عن حقيقة البراهمن الجليل ..
اقتربوا بخشوع وتواضع من الحكيم بيبيلادا
قال الحكيم :
تمرنوا على الانضباط الشخصي
كونوا متحفظين ومؤمنين لمدة سنة
ثم بعدها وجهوا إلي أي سؤال تريدونه ..
وإذا تمكنتُ من الإجابة عن أسئلتكم سأرد عليكم .
بعد سنة عاد كاباندي للحكيم وسأله :
سيدي كيف خلقت الكائنات ؟
رد الحكيم :
سيد الكائنات تعمق في تأمله وخلق برانا أصل الحياة
وخلق رايي ليعطي الطاقة شكلها ..
ثم أراد للمؤنث والمذكر أن يخلقوا له كائنات ..
برانا الطاقة الأصلية للحياة وهي الشمس
رايي أعطى شكلا للطاقة هو القمر
عسى أن يكون معروفا أن الكون المرئي والكون اللا مرئي كلاهما واحد مع رايي
كذلك الكون هو واحد مع برانا
عندما تصعد الشمس إلى مكانها العالي ..
تضيء الشرق وتملأ كل الكائنات بالطاقة
كذلك عندما تصل أشعتها الى الجنوب والشمال والغرب والأوج والنظير والأكوان التي بينهم ..
فإنها تهب الحياة لكل الكائنات التي تسكن هناك
برانا هو ذات كل الكون
هو النور الذي يعطي الحياة والوضوح لكل شيء كما هو مدون بالكتب المقدسة ..
اتحاد برانا وراي يقسّم السنة
طريق الشمس اثنان ..
والطريق الذي يسلكه الإنسان بعد موته اثنان :
طريق الشمال
وطريق الجنوب
الذين يتمنون أن تكون لهم سلالة ,
ويكرسون حياتهم لتقديم الصدقة للفقراء
ويعملون حسب الشعائر الدينية
ويرون أن هذين الركنين هما الهدف الأسمى في الحياة ..
يذهبون بعد موتهم إلى القمر
ثم يولدون بالأرض مرة أخرى من جديد
إنهم يسلكون طريق الجنوب ..
طريق الأجداد
طريق رايي خالق شكل الطاقة
لكن الذين يعبدون الذات
ويتبعون إنضباطا نفسيا صارما
ويؤمنون ويتعلمون ويكونون متحفظين ..
فإنهم يسلكون الطريق الآخر وهو عالم الشمس ..
النور ..
الذي هو في الحقيقة منبع طاقة الحياة
إنه أبدي
لا يفنى
ولا يعرف الخوف
إنه الهدف الأعلى والأسمى
الذين يذهبون للشمس بعد موتهم ..
لا يولدون ولا يموتون مرة اخرى
الشمس تمحق الموت والولادة .
معاً برانا ورايي يعطون للشهر قالبا
النصف المظلم لرايي
والنصف المنير لبرانا
الحكماء , لمعرفتهم , يقومون بالعبادة في النصف المنير
والحمقى , لجهلهم , يقومون بها في النصف المظلم
برانا ورايي هما الغذاء
منهما نشأت البذور
ومن البذور خلقت كل الكائنات .
الذين يعبدون عالم الخلق ينجبون أبناء
لكن الثابتين في تحفظهم وتأملهم ..
يصلون إلى عالم البراهمن ..
عالم البراهمن الطاهر لا يصل اليه الأشرار ..
ولا الكاذبون .
* * *
حوار بهارجافا
اقترب بهارجافا من المعلم وسأله :
أيها المقدس ..
كم عدد القوى التي تمسك سويا هذا الجسم ؟
أية قوة منهن تظهر نفسها به جليا ؟
وأية منهن نجدها في الصدارة ؟
رد الحكيم :
القوى هي :
الماء والهواء والأثير والنار والتراب
هذه العناصر الخمسة معا يشكلون الجسم ,
ومعهم نجد :
مقدرة النطق بالكلمة , الإدراك , العين , الأذن , والحواس الأخرى .
ذات مرة تفاخرت هذه العناصر مدعية :
إننا نحن من يمسك سويا بهذا الجسم ونحن من يمده بالغذاء .
إلا أن برانا الطاقة الأصلية للحياة والمميز بين الجميع قال لهم :
لا تخدعوا أنفسكم
أنا الذي قسمت نفسي خمسة أجزاء
أنا من يمسك سويا بهذا الجسم ..
وأنا من يغذيه .
لكن العناصر الخمسة رفضت أن تصدقه
ولكي يبرهن على صحة ما قاله ..
تظاهر برانا بأنه سيترك جسمه
وعندما وقف وأراد أن يسلك طريقه
فهمت العناصر أن برانا إنْ مشى ..
فسيجدون أنفسهم مرغمين على أن يصاحبوه ..
لكن عندما رجع برانا إلى جسمه ..
عثر كل عنصر على مكانه .
مثل النحل يطيرون عندما تطير ملكتهم ,
ويعودون إلى خليتهم عندما ترجع إلى خليتها ..
هكذا كان حال مقدرة النطق بالكلمة والإدراك والنظر والسمع وباقي الحواس .
اقتنعت العناصر الخمسة بالخطأ الذي ارتكبوه ..
فمجدوا برانا وقالوا له :
مثل النار تلتهب
مثل الشمس تُشع
مثل السحاب تمطر
مثل إندرا تسيطر على الآلهة
مثل الريح تنفخ
مثل القمر قريب أنت من كل شيء
أنت المختفي والذي يمكن مشاهدته
أنت الحياة التي لا تموت
مثل البرامق المثبتة في محور دولاب العجلة :
صاما , ياجور , كل القرابين , رجال الحرب , رجال الدين , الأثرياء ..
كل شيء مثبت في برانا .
برانا سيد الخلق ..
إنك تتحرك في رحم المرأة وتولد مرة أخرى .
أنت الذي تسكن في الجسم مثل التنفس ..
تقدم القرابين إلى كل الكائنات
مثل النار ..
تهب القرابين إلى الآلهة ..
عن طريقك يتسلم الأجداد القرابين .
لكل حاسة من الحواس أعطيت مهمة
برانا ..
أنت الخالق وأنت المخرب بشجاعتك
أنت الحماية والدفاع والوقاية
إنك تتحرك في السماء في شكل الشمس ..
وأنت سيد نور السماوات
برانا إنك عندما تترك الأمطار تهطل ..
تبتهج مخلوقاتك
ويتمنون أن يعثروا على الغذاء الذي يطلبون .
أنت النقاء
أنت حاكم كل شيء في الوجود
أنت النار التي تبتلع القرابين
نحن أعضاء الحواس نقدم لك القرابين لتتغذى بها
أبو الجميع أنت
قوتك التي تسكن في أعضاء الكلام والأذن والعين وتتوغل في القلب ..
تجعلك رحيما ولا تهجرنا
كل شيء بالكون عائد إليك
برانا ..
إحمنا مثلما تحمي الأم أبناءها
إهدنا النجاح والسعادة
وهبنا الحكمة .
وعندما أتى دور كونصالياس كان سؤاله :
أيها الحكيم من أين وكيف ولد برانا ؟
كيف دخل الجسم ؟
كيف يعيش هناك بعد أن يقسّم ويوزع نفسه ؟
كيف يترك الجسم ؟
كيف يعلم ما يجري خارج جسمه ؟
كيف يمسك سويا أجزاءَ الجسم والحواس والإدراك ؟
رد الحكيم :
كونصالياس إنك تسأل أسئلة صعبة
ولأنك تسعى بصدق لمعرفة حقيقة البراهمن ..
فأنا مرغم ان أرد عليك
برانا ولد من الذات
مثل الانسان وظله
فالذات وبرانا لا ينفصلان
برانا يدخل الجسم عند الولادة
كذلك أمنيات الحواس التي عاشت بعد الحياة السابقة ..
يمكن لها أن تتحقق .
مثل الملك له حاشية تخدمه وتسوق الرعية في أنحاء مملكته ..
يوحّد برانا ويربط مع نفسه أربع قوى أخرى هي أجزاء منه ..
كل واحدة منهن لها مهمتها الخاصة .
بالعين وبالاذن وبالفم وبالأنف ..
نجد برانا
آبانا الذي هو الطاقة الأخرى لبرانا ..
يقود الأعضاء ويوجهها كي تتكاثر .
سامانا الطاقة الثالثة لبرانا يسكن في السرة ,
يقوم بهضم الطعام ويأخذ ما يغذي الجسم
الذات نجدها بزهرة اللوتس التي في القلب ..
من هناك ينطلق مئة وأحد عصب مشع
من كل عصب منها ينطلق مئة عصب أصغر
من كل عصب من تلك ينطلق اثنان وسبعون ألف عصب أدق
وسط كل هذه الأعصاب ..
يتحرك فيانا الذي هو الطاقة الرابعة .
في لحظة الموت ..
يقود أودانا الذي هو الطاقة الخامسة لبرانا الإنسانَ العادل عن طريق عصب بالعمود الفقري
إلى الأعلى ..
لكي يولد ولادة سامية
والإنسان الذي ارتكب الخطيئة يقوده الى الأسفل ..
ليولد ولادة منحطة
أما الذي ارتكب الخطيئة وكان مع ذلك فاضلا ..
فإنه يأخذه ليولد مرة أخرى في عالم البشر .
الشمس هي كون برانا ..
تبزغ لتساعده في عين الإنسان لكي يرى
طاقة الأرض تحافظ في الإنسان على آبانا
الأثير بين الشمس والأرض هو سامانا
فايانا هو الهواء
أودانا هو النار
لذلك يموت كل جسم تزول حرارته .
بعد ذلك تدخل الحواس في الإدراك ..
ويولد الإنسان من جديد.
ما يفكر فيه الإنسان لحظة الموت ..
هو الذي يجمعه ببرانا
وبرانا بدوره يرتبط بأودانا وبالذات
ويقود الإنسان للولادة من جديد في العالم الذي يستحقه .
كل من له معرفة ببرانا مثلما كشفت لك ..
لا يموت قبل أن يترك سلالة ..
وهو بدوره لا يموت .
قالوا منذ القدم :
إن الذي يعرف برانا ..
ويعرف من أين أصله
وكيف يدخل في الجسم
وكيف يعيش بعدما يقسم نفسه الى أجزاء
وما هي مهامه..
هذا الشخص يدخل في الأبدية
نعم في الأبدية .
سأل جارجيا :
أيها الحكيم ..
عندما ينام جسم الإنسان ..
من الذي ينام بداخله ؟
من الذي يستيقظ ؟
من الذي يشعر بالسعادة ؟
من الذي يحلم ؟
ومع من تتحد كل الحواس ؟
رد عليه الحكيم :
مثل أشعة الشمس عندما تنزل ..
تجمع نفسها في شكل اسطوانة من النور
لكي تشع من جديد عندما تبزغ ..
تجتمع كل الحواس في الإدراك ..
الحاسة العليا بينهم جميعا .
لذلك ..
عندما لا يسمع الإنسان
ولا يرى
ولا يتكلم
ولا يتذوق
ولا يفهم
ولا يفرح ..
نقول إنه نائم
ماعدا طاقات برانا نجدها في حالة يقظة بالجسم ..
والإدراك يقود الذات
بالأحلام يعيش الإدراك مرة أخرى إنطباعاته السابقة ..
كل ما رآه يراه مرة أخرى
كل ما سمعه يسمعه مرة أخرى
كل ما استمتع به بكل البلدان وبكل جهات الأرض المختلفة ..
يستمتع به مرة أخرى
ما رآه ولم يره
ما سمعه ولم يسمعه
ما استمتع به ولم يستمتع
كل ما هو واقعي وغير واقعي يراه ..
نعم يرى كل شيء .
كل من يحس بالذي لا يتغير ..
النقي
الذي لا جسم له
ولا ظل
ولا لون ..
يصل إلى البراهمن
ذلك الإنسان سوف يدرك كل شيء .
والآن يا صديقي سنرى رد الحكيم بخصوص لفظة أووم ومغزاها ..
إقترب صاتياكاما من الحكيم وقال له :
أيها المبجل ..
أن يكرس الإنسان حياته كلها للتأمل في مقطع أووم
ماذا سيكون جزاؤه بعد الموت ؟
رد عليه الحكيم :
صاتياكاما , إن أووم هي البراهمن
هي السبب ..
وهي التي ليست سبب
ذاتية وغير ذاتية
عن طريق التأمل في أووم ..
يمكن للحكيم أن يصل إما إلى الأولى أو الثانية .
من يتأمل في لفظة أووم وله معرفة محدودة بمغزاها ..
فإنه بعد موته مباشرة
يولد مرة أخرى فوق هذه الأرض ..
ويكرس حياته الجديدة للانضباط الشخصي ..
للتحفظ وللإيمان
ويصل روحيا إلى درجة عظيمة .
وإن تأمل مرة أخرى في لفظة أووم بمعرفة أكبر بمغزاها ..
يصعد بعد موته إلى القمر
وبعدما يأخذ جزءا من سعادتها ..
يعود إلى الأرض مرة أخرى .
لكن إن تأمل في أووم بكل وعي بأنها واحد مع البراهمن ..
يجتمع بعد موته بالنور الشمسي
يتحرر من كل ألم ..
مثل الثعبان الذي يتحرر من جلده
بعدها يصعد إلى مقر البراهمن
هناك يحيا ويشعر بالبراهمن
الكائن أبدا في قلب كل الكائنات ..
براهمن الأكبر .
وقال الحكيم عن مقطع الكلمة المقدسة أووم :
كتبوا قديما :
إن أووم ليست طريقا للوصول إلى الأبدية ..
عندما لا يكون مغزاها الكامل مفهوما
وعندما يكون مغزاها مفهوما ..
والتأمل فيها مركزا بطريقة صحيحة ..
يتحرر الإنسان من الخوف سواء كان :
مستيقظا , حالما , أو نائما نوما خاليا من الأحلام
إنه يحيا ويشعر بالبراهمن .
الإنسان الذي لا يعرف عن أووم إلا قليلا ..
يعود مرة أخرى إلى الأرض بعد موته
ومن له معرفة أوسع وأعمق ..
فإنه يصل إلى الأجرام السماوية
ومن يفهم مغزاها كاملا ..
يعلم نفسه ما لا يعلمه إلا الأنبياء الذين يعلمون الغيب .
عن طريق أووم يصل الحكيم إلى البراهمن المتحرر من كل خوف
البراهمن الذي لا يموت .
أتى أخيرا دور سوكيشا
إقترب من الحكيم وقال له :
أيها المقدس أمير كوسالا ..
المقدسُ هيرانيانابا سألني ذات مرة إن كنتُ أعرف الذات وأجزاءها الستة عشر
فكان ردي عليه :
لا أعرف ..
حقا لو كنت أعرفهم لعلمتك إياهم ..
لا أريد ان أكذب
لأن الكذاب سيكون مكانه في الدرك الأسفل
وسيزول ولن يبقى منه شيئا
فصعد الأمير إلى عربته ومضى في حاله .
وقال سوكيشا :
الآن أسالك أيها الحكيم أين الذات ؟
رد عليه الحكيم :
بهذا الجسم يا بني ..
هناك الذات التي خرجت منها الأجزاء الستة عشر الذين كونوا الكون ..
وبهذه الطريقة صاروا إلى ما هم عليه الآن .
الذات فكرت :
إن أرجع الى ما خلقته ..
فما الذي يربطني به ؟
ماذا يخرج منه عندما أخرج
وماذا يبقى به إن بقيت ؟
تأملت فيما فكرت فيه
وكرد ٍ على الفكرة ..
خلقت برانا
ومن برانا خلقت الرغبة العارمة
ومن الرغبة العارمة خلقت :
الماء والأثير والهواء والنار والتراب والحواس والإدراك والتغذية
ومن التغذية خلقت :
الطاقة والعلاج وفيدا والطقوس المقدسة وكل الأكوان
بعدها خلقت أسماء العوالم والمواد الأولى ..
بهذه الطريقة خلقت الستة عشر جزءا .
مثل الأنهار التي تجري ..
تزول في البحر عندما تصل إليه ,
وتفقد أسماءها وأشكالها
والإنسان لا يتكلم إلا عن البحر ..
كذلك بالنسبة للستة عشر جزء الذين خلقوا منها .
عن طريق الذات الشاهدة الأبدية ..
يعودون إليها ويفقدون أسماءهم
ويتلاشون في مكانهم الأصلي
لأن ذلك هو هدفهم ..
والإنسان لا يتكلم إلا عن الذات .
ختم الحكيم كلامه قائلا :
لا يوجد أي شيء آخر يمكن إضافته لما رويته لكم عن الذات ..
البراهمن الأكبر
لا توجد أية كلمة أخرى يمكن إضافتها .
حيا التلاميذ الحكيم وقالوا :
أنت في الحقيقة أبونا ..
لقد هديتنا
وجعلتنا نترك البحر المظلم الذي يغمره الجهل ..
إننا ننحني أمام كل الذين يتنبأون بالمستقبل
أووم ...
سكون .. هدوء .. صفاء