"خلال صيف العام 1966، ونتيجة لفشل عملية عناقيد الغضب التي اشرف عليها شمعون بيريز وحزب العمل الذي ينتمي إليه، هُزم بيريز وحزبه في الانتخابات العامة وفاز بنيامين نتنياهو وحزبه "ليكود" اليميني. وقبل أن يتولى رئيس الوزراء الجديد مهام منصبه، تعهد فريق من المحافظين الجدد الأميركيين، وبعضهم من أمثال ريتشارد بيرل، كانوا مسؤولين حكوميين سابقين ولاحقين، بينهم وبين أنفسهم بتوجيه النصح إليه حول ما يفعله في التوقيت الذي يناسبه. وفي ورقة معنونة "التحول النظيف :استراتيجية جديدة للسيطرة على المنطقة"، حددوا الوسائل التي من خلالها يتوجب على اسرائيل- "الفخورة، والغنية، والمتماسكة والقوية" - أن تجعل من نفسها حجر الزاوية في "شرق أوسط جديد ومسالم فعليا"، شرق أوسط لن تتمكن اسرائيل بعد ذلك فقط من "احتواء" أعدائها، بل أن "تسمو" فوقهم. يجب أولا أن تستبدل بـ"الارض مقابل السلام"، المبدأ الرئيس لعملية أوسلو للسلام المدعومة من الولايات المتحدة، "السلام من خلال القوة"، وتضمن "الموافقة العربية غير المشروطة" على حقوقها، وخصوصا "الاقليمية" (أي التوسعية). ثم عليها، بـ "الشراكة" مع الولايات المتحدة، أن تشرع في خطة كبرى لهندسة جيو-سياسية للمنطقة كلها. ويمكن أن تبدأ بـ "اطاحة صدام حسين من السلطة (...)
ونظرا لأن سهل البقاع الذي تسيطر عليه سوريا "قد أصبح بالنسبة الى الإرهاب ما أصبح عليه وادي السيليكون للكمبيوترات"، فان على اسرائيل أن "تمسك بالمبادرة الاستراتيجية على طول حدودها الشمالية بمشاغلة حزب الله وسوريا وايران، باعتبارهم وكلاء العدوان الرئيسيين في لبنان". عليها أولا ضرب الأهداف العسكرية السورية هناك، أو "اختيار" أهداف في سوريا نفسها. وربما تتعرض سوريا أيضا للهجوم من جانب "قوى تعمل بالوكالة عن اسرائيل" من داخل لبنان.
التحول النظيف كانت وثيقة مؤثرة، وتعبيراً سلطوياً مبكراً عن أفكار وحلول- متطرفة وعنيفة وتبسيطية وحزبية بالكامل- كانت موجهة في الأصل للقيادة الاسرائيلية لكنها تحولت في نهاية المطاف إلى "نوع من إعلان لتيار المحافظين الجدد الإسرائيليين- الأميركيين".
في ذلك الحين، كان المحافظون الجدد خارج الحكم. ولم يكن لهم، منذ عهد الرئيس ريغان، ودعمهم المتحمس للغزو الاسرائيلي للبنان، اي نفوذ جدي من داخل أروقة السلطة. وبسبب خيبة أملهم في النهاية من ريغان، الذي اعتبروه معتدلا اكثر من اللازم، مثل الرئيسين اللذين خلفاه، شكلوا مجموعة ضغط طموحة وقتالية وذات نفوذ قوي للغاية معظمهم من المنتمين إلى مراكز ابحاث مترابطة وفعالة وموالية لاسرائيل في واشنطن، كانت تنتظر بفارغ الصبر البطل الذي يضع مثل تلك الأفكار في حيز التنفيذ. ووجدوا ذلك البطل في شخص الرئيس جورج بوش، فدخلوا إدارته بشكل جماعي، وبعضهم تولى مناصب لها نفوذ كبير. لكنهم لم يظهروا على حقيقتهم إلا بعد أن قاد تسعة عشر من انتحاريي اسامة بن لادن طائراتهم المختطفة إلى داخل البرجين التوأمين والبنتاغون، حينئذ فقط أصبح بوش، الذي تعهد في حملته الانتخابية بانتهاج سياسة خارجية "متواضعة" تتصف "بتواضع القوة الحقيقية" مرتدا نحو رؤيتهم الألفية، وإلى النزعة القتالية الكامنة فيها.
وفي رد فعلهم السريع والمنسق جيدا على ما اعتبروه أنسب الأزمات القومية لحظهم، نجح المحافظون الجدد في "اختطاف" السياسة الخارجية للقوة العظمى الوحيدة في العالم، بـ"إقناع زعيمها بتبني خطة عمل مسبقة الوجود ليست لها أي علاقة بطبيعة الأزمة ذاتها، مع بن لادن و"القاعدة"، لكنها ترابط كليا بمشروعهم المتطرف لشرق أوسط مستقبلي. وهو مشروع اسرائيلي بقدر ما هو أميركي وصفت صحيفة "جيروزاليم بوست" الذين صاغوه بأنهم "واجهة أريك شارون الاميركية"، وأخبر مسؤول أميركي رفيع صحيفة "واشنطن بوست" أن "الليكوديين هم من يتولون القيادة الآن". وفي ما يتعلق بدرجة النفوذ، الذي يتصاعد باضطراد من إدارة إلى إدارة، والذي حصل عليه الطابور الاسرائيلي وصار يمارسه على سيده الأميركي، فهذه- وفقا لما كتبه الباحث اناتولي ليفين- "لم تعد حالة من حالات هز الذيل للكلب"، وإنما قيام الذيل بجر الكلب التعس في ارجاء الغرفة وصدم رأسه بالسقف". (...)
ووفقا لما نصت عليه خطة التحول النظيف، كان التشكيل الجديد للمنطقة سيبدأ بـ "تغيير النظام" في بغداد. وخلال ساعات، كان دونالد رامسفلد وزير الدفاع- وإن لم يكن هو من المحافظين الجدد- يأمر موظفيه بالبحث عن "أي أمور لها وليس لها علاقة" يمكن أن توفر اسبابا "مناسبة بالقدر الكافي" "لضرب صدام حسين في الوقت نفسه مثل اسامة بن لادن. وقد ذهب نائبه بول وولفوفتس- الذين كان من المحافظين الجدد- إلى ما هو أبعد اذ اقترح أن على أميركا مهاجمة العراق أولا، وليس أفغانستان، ملاذ بن لادن، لأن العراق "في حيز الممكن" بينما أفغانستان "غير مؤكدة".واحتج ريتشارد كلارك، المسؤول المكلف مكافحة الإرهاب، بأن "ذهابنا لقصف العراق كرد سيكون شبيها بغزو المكسيك بعد أن هاجمنا اليابانيون في بيرل هاربر". (...)
وبخصوص ما حدث، هاجمت الولايات المتحدة بالفعل افغانستان، وأطاحت بطالبان، لكنها فشلت في القبض على بن لادن. وعلى أي حال، تحول انتباهها على الفور إلى صدام حسين. ولم يُضع المحافظون الجدد وقتا في تطوير مبرر لمهاجمة شريرهم الأهم. وقد نتج ذلك عن المرونة التلقائية للحرب "العالمية على الإرهاب" التي قام بوش بشنها في حينه. كان الإرهاب شكلا جديدا من "الشر". وكان على أميركا "مسؤولية تخليص العالم من الشر". العراق كان عضوا في "محور الشر"، بالإضافة إلى ايران وكوريا الشمالية و"دول أخرى مشابهة لها وحلفائها الإرهابيين". و"الشر" هو الذي ربط صدام حسين مع "القاعددة" والمملكة الشبحية الكاملة "للإرهاب الإسلامي". وبصورة أكثر تحديدا، فقد حقن المحافظون الجدد في خطابات بوش التزاما بأن يستهدف ليس فقط الإرهابيين ولكن "اولئك الذين يؤونهم". صدام- الأكثر وحشية بين الطغاة العرب والممارس الأكبر للإرهاب رغم أنه - ليس له من الناحية الفعلية أي علاقة بالقاعدة و11|9. لكن المحافظين الجدد نجحوا بتفوق في إقناع الرأي العام الأميركي أنه فعل ذلك، وأن "الحرب على الإرهاب" والحرب على العراق، بالتالي، متصلتان عند عظام الحوض. أقاموا وكالات سرية خاصة بهم لهذا الغرض، داخل الإدارة، كانت مهمتها ان تثبت بأي وسيلة ممكنة هذا الارتباط بين العراق و"القاعدة"، وهو ما لم تستطع المخابرات الرسمية اثباته، بالإضافة إلى استحضار كل مبررات الحرب التي لا وجود لها، وهي أسلحة الدمار الشامل القادرة على إلحاق "رعب هائل ومفاجئ" داخل الولايات المتحدة، تلك الأسلحة التي كان من المفترض أن صدام حسين ما يزال يطورها. وأنشأ شارون في اسرائيل وحدة مشابهة قدمت معلومات استخبارية مزيفة للمعلومات الأميركية. وبالفعل، كما يقول البروفيسوران ميرشايمر وستيفن والت في دراستهما الرائدة عن "اللوبي": لو لم تكن اسرائيل "وأصدقاء اسرائيل" في الولايات المتحدة موجودين فلربما لم يحدث غزو العراق على الإطلاق. كان الأسلوب النشط الذي تحرك به هؤلاء المتحالفون الكونفيدراليون نحو هدفهم، على أي حال، موضوعا محظورا في الخطاب السياسي الأميركي، "فيل الأمثال في الغرفة" الذي "يراه الجميع"، ولكن- خوفاً من وصفهم بمعاداة السامية- "لا أحد يتحدث عنه".
يوم 17 آذار (مارس) 2003 غزت القوات الأميركية والبريطانية العراق. ولم يكن الأمر بعيدا عن "مسيرة الكعكة" التي تنبأ بها بشكل معروف الخبير المطلع على الشؤون الداخلية المحافظين الجدد وفي البنتاغون كينيث أدلمان. خلال ثلاثة أسابيع كان الأميركيون في بغداد، ويوم 9 نيسان (ابريل) وبمساعدة من المارينز أسقط حشد مبتهج تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس (...) وكتب نورمان بودهوروفيتش، الشخصية المثقفة اللامعة والمحترفة في الحركة، في عدد أيلول (سبتمبر) من مجلته "كومينتري، اي التعليق، قائلاً ان التغييرات في الانظمة كانت "أمورا لا بد منها في أنحاء المنطقة". وتلك التي كانت تستحق بقوة الإطاحة بها واستبدالها لم تكن محصورة بالعضوين المحددين رسميا في "محور الشر". "على الاقل يجب توسيع المحور إلى سوريا ولبنان وليبيا، بالإضافة إلى "أصدقاء" أميركا مثل العائلة المالكة السعودية ومصر حسني مبارك، فضلا عن السلطة الفلسطينية، سواء أكانت برئاسة ياسر عرفات أم أحد اعوانه.
وكان لدى اهم "الاصدقاء" الرسميين للولايات المتحدة بالفعل اسباب تدعو للقلق. اذ كانت المملكة العربية السعودية، بعد كل شيء، منبت بن لادن ومعظم انتحارييه، وهناك نمت النسخة المتشددة الوهابية للاسلام. وبعد شهورمن 11/9 كانت السعودية موضوعا "لإيجاز" قدمه لورانت مورافبيتش، وهو محلل في مؤسسة راند، الى مجلس السياسة في البنتاغون الذي كان، تحت رئاسة ريتشارد بيرل، موقع قوة مؤثرا للمحافظين الجدد. وطالب مورافيتش بعد أن وصف السعودية بأنها "أصل الشر" في الشرق الأوسط، الولايات المتحدة بإعطائها إنذارا: عليها وقف دعمها للإرهاب- و، من بين أمور أخرى، توجهها العدائي تجاه اسرائيل- وإلا فستواجه "استهداف حقولها النفطية، وارصدتها المالية في الولايات المتحدة. وعندما تسربت هذه النصيحة العاطفية، سارعت الإدارة الى النأي بنفسها عنها. لكن النصيحة عكست كتلة متنامية من الرأي الرسمي حول ما سماه المحافظون الجدد "أعداءنا" السعوديين. ومن بين بلدان عربية اخرى مؤيدة للغرب و"معتدلة" تعرضت مصر حسني مبارك لانتقاد شديد لسياستها "الباعثة على الإحباط مع نقص الحرية السياسية" من خلال "تشجيعها لرجال الدين الذين تسيطر عليهم الدولة في نشر دعاية مناهضة للغرب وللحداثة ولليهودية مصدرها المتطرفون الإسلاميون"....
ووُضع ياسر عرفات وسلطته الفلسطينية ضمن تصنيف خاص بهم. زعيم منظمة التحرير الفلسطينية- عمود "عملية السلام التي تقودها اميركا، والمهندس الرئيس لاتفاق اوسلو، الحائز على جائزة نوبل، الذي اعتاد ارتياد البيت الأبيض، والمنتقد بشدة لإيران والمعير لوكيلتها حماس- كان لفترة طويلة "صديقا" وان لم يكن أبدا موثوقا به للغاية. ولكن مع انهيار قمة كامب ديفيد، الذي قالت اميركا واسرائيل إن عرفات هو السبب الوحيد فيه، واندلاع الانتفاضة الثانية التي وُصفت بأنها من صنع يديه ايضا، تحول تيار 11/9 ضده بقوة. وكانت أحداث 11/9 فرصة إلهية معطاة لشارون لتصوير تهدئته الوحشية لشعب واقع تحت الاحتلال على أنها جزء لا يتجزأ من "الحرب العالمية" الأميركية على الإرهاب، وتصوير عرفات على أنه "بن لادن الخاص بنا". وكرر وزير الخاجية الأميركي كولن باول والجناح الأكثر توازنا وعقلانية، وضعفا، في الإدارة اعتراضهم على هذا التعريف المغرض لانتفاضة شعبية وعلى التبريرات التي استخدمت لارتكاب التجاوزات القمعية. وإذا وضعت الأخلاقيات جانبا، فان السخط العربي الذي ولدته الممارسات الاسرائيلية كان يعرقل جهود بوش الشاقة لبناء ائتلاف عربي لصالح الحرب على العراق. إلا أن "قضية كارين- أيه" ظهرت حينئذ، وهي شحنة الأسلحة التي يقال ان حزب الله ساعد في إرسالها إلى عرفات وسلطته الفلسطينية. واشتبه كثيرون، حتى في الإدارة الأميركية، بأن العملية كانت كلها حيلة اسرائيلية رتبت ترتيباً جيدا. ومع ذلك، ونتيجة لتاثيرها القوي، وجه بوش الإدانة حينها الى عرفات شخصيا وقال ان "طلبُ عرفات للأسلحة التي تم اعتراضها على سفينة لم يكن جزءا من محاربة الإرهاب، وإنما تعزيزا للإرهاب". وعقب ذلك، كانت محاولات باول و"المعتدلين" معه لكبح تجاوزات شارون تواجه بهجوم علني من جانب اسرائيل، والمحافظين الجدد، و"اللوبي" واصدقائه الذين انضموا إليه حديثا- أي اعضاء اليمين البروتستانتي المسيحي الذين كانوا يوصفون حتى عهد قريب بانهم معادون للسامية- كان عليهم دائماً، وفي احدى المناسبات على بوش نفسه- التراجع تراجعا مُهينا.
بعد العراق، ايران- ثم سوريا أيضا
لكن الولايات المتحدة ركزت أنظارها بانتظام على الأشقياء الرسميين (من وجهة ) من المترسخين في المعسكر المتطرف أو الاسلامي- القومي، سواء الدول أم اللاعبين من غير الدول، في تنسيق وثيق مع حليفتها اسرائيل. ورغم سرور اسرائيل بأن الولايات المتحدة تلاحق صدام، فقد اعتبرت لفترة طويلة عضوا آخر في "محور الشر"، ايران، على أنها الخطر الأكبر أيضا، لاسيما وأنها بسعيها الواضح للحصول على الأسلحة النووية، بدأت تحديها للاحتكار النووي الاسرائيلي المحروس بعناية. (...)
حول هذا الموضوع، وغيره كثير، فضّل كولن باول والخارجية الأميركية توجها أقل قتالية، وأعدوا خطة يعرضون فيها على ايران علاقة استراتيجية بناءة وطويلة الأمد مقابل انهاء دعمها لحزب الله و"حماس" وحركة الجهاد الاسلامي.(...)
بعد ذلك قام المحافظون الجدد بتخريب كل محاولة للتهدئة بين أميركا وايران. ورغم تعرض الاصلاحيين للصد مراراً فانهم كرروا محاولاتهم إلى أن تقدموا بعد سقوط العراق، بـ "عرض لا تستطيع أميركا أن ترفضه"، لكنها ، وهذا ما لم يصدقه معسكر باول، رفضته.(...)
وكانت القصة مشابهة مع سوريا. فعقب 11/9 مباشرة، ومثل ايران، قدمت سوريا معلومات استخبارية قيّمة للولايات المتحدة عن تنظيم "القاعدة". واعرب باول والخارجية الأميركية بل بوش نفسه عن تقديره لها. ولكن ليس المحافظون الجدد. فبالنسبة إليهم، كانت سوريا الاكثر تشددا وتطرفا بين جيران اسرائيل، ونظامها البعثي آخر قلعة من قلاع القومية العربية العلمانية الصلبة التي هي، بطريقتها الخاصة، معادية للصهيونية كما هي ايران والموجة الجديدة من الإسلاميين بطريقتهم ايضا.(...)
في تشرين الأول (اكتوبر) 2003، أمر شارون بأول غارة جوية على الاراضي السورية منذ ثلاثين عاما، وقصف معسكر تدريب فلسطينيا مهجورا، للانتقام في الظاهر من هجوم انتحاري وقع في اسرائيل وادعى أن لسوريا ضلعا في رعايته. ووصف بوش هذا الاستفزاز الصارخ بأنه "دفاع عن النفس". وبعد شهرين ورد - ظلال التحول النظيف- أن رامسفلد كان يدرس شن هجوم، بضربات جوية "وقوات اختطاف خاصة"، على اهداف لحزب الله في سهل البقاع، بهدف جرّ سوريا إلى حرب تؤدي إلى سقوط نظام الأسد.(...)
كل شيء مترابط في الشرق الاوسط. وهكذا ففي اللحظة التي بدأت الولايات المتحدة تتعثر في العراق، نقطة الارتكاز للمخطط الأكبر للمحافظين الجدد، بدأ المخطط في التهاوي في المنطقة ككل- وأخذت المنطقة نفسها في تسديد ضربة مضادة، داخل العراق ضد الامبرياليين الجدد الذين تسببوا لها بالمعاناة.
وبكل تأكيد، وخلال اشهر قليلة كانت أميركا في حالة من الإعياء، بحيث أن الذين نفذوا "الصدمة والرعب"- أو الحرب الخاطفة في شكلها الأكثر حداثة- لم يستطيعوا ببساطة إتقان المهمة الروتينية المتمثلة في احتلال وضبط وإدارة وبناء هذه الدولة العربية المهمة، آخر إضافة للامبراطورية الأميركية التي كان من المفترض أن تستخدم كنموذج "للقيم" الأميركية، في الحرية والديموقراطية، لشقيقاتها جميعا. ونتج هذا عن أسباب محلية كثيرة- منها المقاومة العراقية، وعنفها الشرس، والتصلب والحماقة لدى الأميركيين. إلا أن اللاعبين الخارجيين استطاعوا تكثيف الصعوبات. وكان من الطبيعي أن تكون سوريا وإيران، المهددتان بحد ذاتهما بمعاملة شبيهة على نطاق واسع بما حدث للعراق، الأكثر استعدادا للقيام بذلك.
وفي مراحل مختلفة، ساعدت سوريا علنا، وشجعت، وأغمضت عينيها عن، أو ببساطة لم تستطع ايقاف، المتطوعين الذين عبروا أراضيها طلبا للجهاد والاستشهاد ضد الغازي الكافر، ما جعل العراق الذي كان من المفروض أن يكون حاجزا ضد الإرهاب الإسلامي، جبهة مثالية جديدة لممارسته.