
أبو سعدى
أبو سعدى..،وشقيقه..
من ريف اللاذقية. كانا طبّالين معروفين بالمنطقة في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
مهنة موسيقية نادرة وقليلة..( وإن كان القرباط المتواجدين موسمياً مشهورين فيها)!
لكن أبا سعدى وأخيه..أعطيا لهذه المهنة جمالية خاصة:
الفرح..، الفرح في الأعراس..وفي أعياد الرابع، .. الرابع من نيسان شرقي، السابع عشر من نيسان غربي، الذي كان يقام في عدة مناطق من الساحل السوري: صنوبر جبلة، السخابة، الدالية.. وغيرها. ( لن أدلّل الآن على هذا العيد القديم، الذي تجسّد لاحقاً في موت المسيح وقيامته..ورموز الخصب منها تلوين البيض).
أصبح الشقيقان أشهر من نار على علم في كامل المنطقة..، لم يكونا يضربان الطبل..، بل كانا يعزفان على الطبل!
كانت العصا التي ترنّم باليد اليسرى على الوجه الثاني للطبل..ساحرة، مثيرة، محفّزة.. وعندما تأتي ضربة “الباص” الهادرة باليد اليمنى على الوجه الأول.. تهتزّ الأرجل.. وتقفز القلوب من مكانها وتشتعل الدبكة على وقع أقدام الصبايا والشباب.. بكل حبّ وعنفوان !
أصبح أبو سعدى رمزاً في المنطقة.
..وكما في كلّ مرّة..، تأتي سيرورة الحياة لتقول كلمتها الحزينة:
توفي شقيقه بشكل مفاجئ، توأمه، ومرافقه في العزف والترحال!
وقبل أن ينتشر الخبر في القرية، والقرى المجاورة..، أراد أبو سعدى أن ينعي شقيقه بطريقته الخاصة :
أخذ الطبل، وصعد على سطح البيت.
ضرب ثلاث ضربات فقط على الطبل، كل ضربة باتجاه.
ثلاث ضربات هادرة، قوية، أخذ صداها يتردد على اتّساع المدى.
إيقاع مذهل.. حزين يقطّع القلب وينتزع الروح!
إيقاع جعل الفلاح يترك أرضه، والأم تترك أطفالها، والناس تترك أشغالها، ويشخصون بأنظارهم نحو جهة واحدة..
حتى الكلاب استشعرت بأن شيئا ما غير عادي قد حدث ,وبدأت بالنباح وكأنها تضاعف تلك الأصداء في ذلك الصباح الحزين!
كانت ضربات الطبل تتواتر ,..في جميع الاتجاهات، لم تختلف معانيها للناس إن سمعوها هادرة، قوية، أم سمعوا صداها! لقد كان إيقاعها يبكّي الحجر!
ساعات..، وكانت القرية تغصّ بالناس من كل حدب وصوب.
أمّا أبو سعدى..فلم يمسك ذلك الطبل ثانية. كانت تلك آخر مرّة عندما ضرب ثلاث ضربات في وداع رفيقه..وتوأمه!