
الخلطة السرية
ويحسنه كل الناس،ويُسهبون في ذم الفساد وأهله ، حتى ملـَّت الحكومة ومن خلفها مجلس النواب من تكرار هذا الحديث البغيض،عن الفساد، لما لهذا الحديث بكثرة من تأثيرات سلبية على الحالة النفسية للوزراء والنواب،وعلى الإضرار بسهولة عملهم الدؤوب لاجتثاثه، ، فالكلام عن الكازينو يؤثر على السياحة .
أما الحديث عن تزوير الانتخابات ،وشراء الأصوات ،فيؤدي إلى الإساءة إلى النواب حيث سيعتقد كثير من دول العالم المتحضر،بأنهم ليسوا نوابا بحق ،وبالعامية فإنهم سيسقطون من أعينهم عندئذ…. وهذا أيضا مرفوض.
وأما الكلام عن مشروع الباص،السريع،فهو من الدواهي أيضا،إذ سيظنون أننا عجزنا عن مشروع باص رصدنا له الملايين ولم نجد له طريقا يسلكه بعدما فوجئنا بجسور وأنفاق في طريقه،و كان الحل بسيطا لو أتينا بحمار أو أتان،ثم أطلقناه لنكتشف أنه لن يجد له طريقا إلى منتهى طريق الباص المزمع تدشينه.
والأدهى أيضا تكرار تسمية مجلس النواب بمجلس (111) وهذه تسمية تسيء إليه فهي في عـُرْف العسكر من أقبح التسميات حيث كان الجندي يمتلئ غما عندما يكون نصيبه في غداءه قطعة (111) وهي قطعة من القفص الصدري،هزيلة، ،واللحم الذي يكسوها،قليل بالاضافةالى كونه مطاطي،ولين للغاية، فكان أكثر العسكر يلقونها في القمامة،ولا يأكلونها، فهذا المسمى عندهم بغيض ويهيج ذكريات مؤلمة،ولا يمكن صرفه إلى أي معنى حسن مهما تراكمت القرائن التي تضاف إليه، والمصيبة أن يبث العسكر هذا المعنى إلى ذويهم،فيتشكل عندهم نفس المفهوم عن هذا الرقم فيسقطونه على المجلس.
بالإضافة إلى إلياذة شاهين وما رافقها من أحداث،كهروبه، وهو سجين،ثم الاكتشاف المذهل بان الحكومة لا تعلم أين هو،ثم تسريب معلومات من أناس يقولون بأنهم شاهدوه في لندن مع عائلته في جو حميمي،ثم ظهور صحة هذا الخبر،ثم اكتشاف علم الحكومة بمكانه،ثم ارساله مقالا لكل مأجور اتهمه بالفساد أو الهروب وقد ملأه تهديدا ووعيدا بأنه سيقاضي،كل هؤلاء المندسين عندما يعود ثم رأيناه عاد مخفورا،في مشهد محزن طرق سمع الدنيا وبصرها،معلنا نهاية إلياذة شاهين ،بإيداعه سجن الجويده، ثم إلقاء وزر أثقال الفساد على نهاية ملحمته .
ومع التَوَرُّمْ المستمر في الحديث عن الفساد ،واستغلال الشعب المندس،لهذه الكلمة باستمرار،فقد خشيت الدولة على الشعب من الانتحار جراء،كثرة تكرار ،هذه الكلمة الآثمة،فقررت أن تكون،أسرع دول العالم في القضاء على الفساد،وأن تميت الفساد بعدم ذكره ،فاجتمع مجلس النواب ،وأعد المكسرات،وقام النواب،بتبادل المناوبات،قسم ينام ويَشخـَر،وقسم يناقش الأمر وَيَهْجـُر…………..حتى تمخض نقاشهم ،زرافات ووحدانا، إلى ما أسموه بالمادة<23>وهي المادة التي تغرم من يتهم احدابالفساد مبلغا ضخما من المال،أقله ثلاثون ألف دينار،وأكثره ستون ألفا.
فصمت الشعب عندئذ عن الكلام المباح،وقام كل إلى ذ َنـَبهِ (فـَمَعَطـَهُ) ،حتى اشتهر الشعب (بممعوطي الذنب) وتلاشى ذكر الفساد،وقضي عليه تماما،وعادت المياه إلى مجاريها،وصرنا الدولة الأولى في العالم الأسرع في مكافحة الفساد،فلا يذكره عندنا احد بسوء أبدا،
تلك كانت خلطة مجلس النواب السرية لمكافحة الفساد، لذلك فقد خطر لي أن احضـِّرَ خلطة سرية مضادة لخلطتهم، ولأنني ابرع في هذا المجال أحيانا واعني فن الخلطات (بوصفي صاحب مطعم)…..فإنني سأهبكم خلطتي وهي ،قاعدة في أصول الوصف، حتى نلتف على قانون مكافحة الذاكرين للفساد، والقاعدة تقول (أن نفي الصفة السيئة من غير إثبات الضد،وهي الصفة الحسنة المرادفة ،فإن ذلك لا يكون مدحا ً،فلو قلت لرجل لست سيئا…ولست فاسقا.ً..ولست قذرا.ً.. ولست لصا.ً..فهذا لا يعني أنك تمدحه بل هو ذمٌ وانتقاص إن لم تثبت الصفة المرادفة الحسنة،للصفة المذمومة المنفية، وحيث أن القانون يأخذ بالألفاظ حرفيا ً، فما عليك منذ اليوم أيها الصحفي إلا أن تقول ،ليس فلان لصا ولا فاسداً، ولا قذراً، ولا مرتشياً،ولا كاذباً، وبهذا تنجو من المادة الثالثة والعشرين،ولكن مع الحذر،بان يكونوا قد اعدوا،خلطة،أخرى في تفعيل المادة،قد لا تنفع فيها خلطتي…………..لأن الخلط هناك لم ينته ِبعد إلى الآن.