الفيدرالية تعقّد المشكلة ولا تحلها
الفيدرالية هي نظام حكم يقوم على توزيع السلطات بين حكومة مركزية اتحادية وحكومات محلية (ولايات، أقاليم) تتمتع بقدرٍ من الاستقلال التشريعي والتنفيذي والقضائي. وتستمد الأقاليم سلطاتها من الدستور الاتحادي، مما يجعلها جزءاً عضوياً من الدولة، لا كيانات منفصلة.
أما اللامركزية فهي أسلوب إداري وسياسي يتم فيه نقل بعض الصلاحيات من الحكومة المركزية إلى إدارات محلية (محافظات أو بلديات)، دون أن تمتلك هذه الإدارات صفة “كيانات سياسية” كما في الفيدرالية. اللامركزية لا تغيّر شكل الدولة الموحدة، بينما الفيدرالية تُعيد تنظيمها دستورياً.
الفروق الأساسية:
- مصدر الصلاحيات:
– في الفيدرالية: الدستور يحدد صلاحيات الحكومة الاتحادية وما يبقى للإقليم.
– في اللامركزية: الدولة المركزية تمنح صلاحيات للإدارات المحلية ويمكنها سحبها. - الكيانات المحلية:
– في الفيدرالية: تمتلك حكومات وبرلمانات وقوانين.
– في اللامركزية: تمتلك إدارات محلية خاضعة للقانون المركزي.
كثير من الدول الحديثة اعتمدت الفيدرالية كصيغة تنظيمية، ومنها:الولايات المتحدة، ألمانيا، سويسرا، كندا، الهند، نيجيريا، البرازيل، أستراليا.وقد لجأت هذه الدول للفيدرالية لأسباب شتى منها:اتساع الجغرافيا ,والتنوع القومي والديني,والرغبة في تنمية محلية أفضل,وتوزيع أكثر توازنا للثروات.وقد نجحت الفيدرالية في دول تمتلك مؤسسات قوية وقواعد واضحة لتوزيع الصلاحيات والثروات، إضافة إلى وجود عقد اجتماعي متوافق عليه.
ولكن الفيدرالية ليست وصفة جاهزة تنجح في كل مكان. تطبيقها في دول ضعيفة من حيث:غياب المؤسسات وضعف الإقتصاد ,إضافة لهشاشة الهوية الوطنية ووجود انقسامات وعدم توافق وطني ,يؤدي لتفاقم المشكلات بدل حلها.وتتحول الأقاليم لمراكز نفوذ متصارعة ,مع صعوبة توزيع الثروات بشكل عادلوقد تصل في أسوأ الأحوال إلى الإنقسام والإنفصال.
في الوضع السوري شديد التعقيد من حيث تعدد القوى ومركزية شديدة حكمت لعقود وبنية تحتية متدهورة مع وجود تداخل للنفوذ الإقليمي والدولي فإن تطبيق أي صيغة اتحادية له مخاطر كبيرة ,منها ترسيخ الواقع القائم حاليا ,ونشوء كيانات ضعيفة تعتمد على الخارج ,إضافة لاحتمالات نشوء نزاعات حول الموارد والثروة والحدود.
قد يتفهم المرء أن تجنح المكونات لطرح هذه الصيغة نتيجة لضغوط أمنية واقتصادية واجتماعية ,وقد يراها البعض حلا سحريا لجميع المشاكل ولكن بغياب توافق وطني جامع ودستور متوازن ووجود مؤسسات مستقلة وبيئة أمنية مستقرة يجعل الفيدرالية خطرة على وحدة الدولة بدلاً من أن تكون حلاً بنيوياً.
قد يكون من المناسب للوضع السوري أكثر تطبيق اللامركزية الموسعة,بحيث تعطى صلاحيات الأمن وإدارة الأمور البلدية والمعيشية والإقتصادية والإجتماعية لكوادر محلية ,يتم انتخابها مباشرة ,تحت ظل دستور وطني جامع متفق عليه .
بعض الدول اتجهت إلى الفيدرالية في بيئات مضطربة أو منقسمة، وكانت النتائج صعبة مثلا:
- العراق :
– تطبيق فيدرالية مع ضعف مؤسسات الدولة أدى إلى صراع على الصلاحيات، توترات طائفية، وتنافس بين المركز والإقليم. - نيجيريا:
– رغم أنها دولة اتحادية، إلا أن الاضطرابات الأمنية والانقسامات العرقية والاقتصادية بين الأقاليم جعلت الفيدرالية أحياناً ساحة لمزيد من الصراع. - إثيوبيا (الفيدرالية الإثنية):
– اعتمدت على تقسيمات قومية، مما جعل بعض الأقاليم تطالب بالاستقلال، وأدى ذلك إلى نزاعات مسلحة وانقسامات حادة.
الفيدرالية ليست خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً، بل أداة دستورية قد تكون مناسبة في دول لديها مؤسسات قوية وثقافة سياسية توافقية، لكنها قد تزيد الانقسام في دول تعاني من هشاشة سياسية واقتصادية.
وبغير ذلك، قد تتحول الفيدرالية إلى خطوة غير محسوبة تزيد من تعقيد المشهد بدلاً من حلّه.