
يا لعارنا
يا لعارنا …
بعدما استعدنا حريتنا وكرامتنا التي سلبتها منا عقود من الاستبداد ,استعدنا معها الفخر بأننا استطعنا أخيرا الانتصار لثورة امتدت ل13 سنة ,تشظى خلالها الكثير من المجتمعات المحلية وهاجر بعضها وقتل الآخر .
ونحن في الطريق ,ابتدات تظهر بوادر مقلقة على أن المسار يتجه نحو قرارات وخيارات لا تعكس الأهداف التي ناضلنا طويلا من أجلها.
وشيئا فشيئا رسمت ملامح سلطة أمر واقع لا تختلف كثيرا عن سابقتها بخلاف أنها أتت تجر معها تهمة الإرهاب ,وتجر معها سلسلة ممارسات قمعية في المنطقة التي كانت تحكمها في إدلب وتجر معها حماية وتنسيق كامل مع تركيا .
قلنا فليكن الأمر ودعونا نصدق الخطاب الرسمي لرئيس الجمهورية ,فالأمر يحتاج لوقت وطالما النوايا سليمة فليس مهما أن تتأخر الخطوات والبوادر الإيجابية نتيجة عدم رفع العقوبات وعدم رغبة الدول الإقليمية والخارجية بتسهيل المهمة.
ولكن …ومع التدهور الخطير الذي جرى في الساحل ,والذي بدت معه طريقة حل المشاكل السياسية والأمنية لدى السلطة الجديدة أعطى أول انذار بأن هذه العقلية بإدارة البلد لن تقوده أبدا نحو الأمان والاستقرار .
ومن ثم تتالت الإشارات والرسائل المقلقة ,نحو الأكراد في الشمال وحاليا نحو الدروز في الجنوب وما يجري حاليا من (اقتحامات)لمدن آهلة بالسكان المدنيين في جرمانا وصحنايا ,في تكرار لنفس العقلية في مواجهة المشاكل ,والفارق هنا هو أن محرك هذه الهجمة هو شريط فيديو وتعليق أو بوست كتبه أحد الرعاع ,أو فبركة من جهاز استخباراتي أجنبي .
من نافل القول أن هذا ولو كان صحيحا فما هو ذنب آلاف السكان الآمنين حتى يروّعوا بهذه الطرق ,وهل أصبح مبدأ العقاب الجماعي هو الطريقة الأمثل لمعالجة التجاوزات الفردية !!
وهل نجعل من بلدنا مطية لتمرير ما ينصبه الآخرون لنا من مطبات وأفخاخ ,بل ونقع بها بكل سهولة
هل هذه الأمور البديهية تحتاج لنقاش ,مابالكم بتبنيها كسياسة دولة ,بل والذهاب الفوري لتطبيقها .
هل الدولة هي الضامنة للسلم الأهلي والمحلي أم أنها ,أداة انتقامية منه حين يخطىء أحد أفراد هذا المجتمع .
هل هي بيت الأمان أم هي مصدرة القلق والفتن والإنقسام ؟!
هل أصبحت الدول الخارجية هي الضامنة لهذا المجتمع من (توحش الدولة) …
وإذا انتصرت فعلى من ؟
على أولادها وبنيها !
يا لعارنا …حين تتبجح اسرائيل علينا وهي الخارجة من مجازر لم يشهد العالم لها مثيلا في هذا القرن لتعطينا دروسا في (الإنسانية)والحفاظ على المكونات المجتمعية .
يا لعارنا …حين ننتظر العدالة من محاكم دولية ومن لجان تحقيق دولية ,ولا نجد في هذه البلاد في طولها وعرضها محكمة أو حتى رجل قانون يجرؤ على النطق بالحقائق .
يا لعارنا حين نفشل في بناء إعلام رسمي أو وطني ونلجأ لوسائل التواصل كي نخبر الناس بخططنا وقراراتنا .
يا لعارنا حين نفشل حتى في إدارة أبسط الأشياء من مثل :قبض الرواتب ,تشغيل السجل المدني ,استئناف المحاكم وادارة الشكاوي وتنظيم السير ….
يا لعارنا ونحن أصبحنا بالوعة تمتص كل منبوذ في بلده ,يأتي إلينا ليجاهد فينا وفي مجتمعنا ويردنا ..لجادة الصواب!
يا لعارنا حين لا نجرؤ على مس اسرائيل بكلمة وهي تنتهك البلد يوميا وتحتل وتقضم كما تشاء ,وحين تهددنا نرتدع.
بعيدا عن إسقاط الأسد وطرد إيران والذي يبدو أنه تم بإرادة خارجية كما بتنا نفهم الآن,ابحث عن إيجابية واحدة لأتمسك بها وأعلن تفاؤلي على الملأ طوال هذه الشهور …ولا أجد .
كبيرة كانت الأماني والتوقعات ,وصغيرة جدا ومخجلة النتائج والوقائع .
هل فات الأوان للنصح وتغليب لغة العقل والقانون ,قبل أن نتشظى قبائل وعشائر يحكمنا الخارج …أخشى ذلك.