
أقف..، وأقول : لطالما كان الوطن !
في الوقت الذي يعتقد فيه رومانسي، مثلي، أن حدود الصراع واضحة للجميع، من حيث المقدمات، والمفاعيل، والنتائج..، تكتشف: أن الأمور مهلهلة أكثر مما يجب..، أكثر من أبي زيد الهلالي نفسه!
ما هي طبيعة الصراع الحقيقي في المنطقة ؟
لجهة السياسة أعني وليس الاجتماعي/ الطبقي أو حتى الاقتصادي..،( لو نحّينا العامل الخارجي قليلا )ربّما لو اتّخذ الجدل أو الصراع هذه الطبائع لكان قد أدّى إلى نتائج راقية في سلم التطور الجدلي..، لكنه انحصر بشكله “السياسي” المطعّم دينياً وطائفياً..، والذي تبين أنه كان قاصراً عن استيعاب مفاعيل الصراع الحقيقية، لا بل كان كارثة حقيقية على المجتمع والدولة .
باختصار: الصراع الداخلي في المنطقة كان دائماً بين تيارين وايديولوجيتين: قومي/ وطني (الدولة الوطنية)،وآخر إخواني بجميع تشعباته وتطوارته اللاحقة . لا أرض له ينتمي إليها ولا وطن يخاف عليه، ولا يعترف بشكل الدولة!
التيار القومي/الوطني بدءا من الشريف حسين وصولا للبعث والناصرية والسورية والتشظيات الأخرى (الفينيقية,الأمازيغية,الكردية …).
التيار الإخوانيي (والمقصود هو استخدام الدين في السياسة ,كما جاء في الفكر المؤسس شاملا كل ما نسلته لاحقا من البنا وصولا للعزام والظواهري والبغدادي).
وهذا الأخير متصالح مع نفسه ومع جمهوره ومع فكره، ولو قدّم من مفرزات هذا الفكر والانتماء نسفا لكل أسس ومقومات الدولة الوطنية وذلك في سبيل (الأمة)، لزحفت الملايين على بطونها افتداء لهذا الهدف المقدس !
أما التيار القومي : فحدّث ولا حرج !
فبعد الرومانسية القومية الجميلة أيام عبد الناصر: (أنا واقف فوق الأهرام ..وقدّامي بساتين الشام ! ).. وانكسارها المخجل إبان هزيمة ال 67 ..
إلى ضرب بعضها البعض :
ـ التناقض بين الناصرية والبعثية.
ـ التناقض بين الناصرية والقومية السورية.
ـ التناقض بين البعثية والقومية السورية.
ـ التناقض بين جناحي البعث السوري والعراقي، وظاهرة صدام حسين المريعة !
ـ منظمة التحرير الفلسطينية.. والقرار الفلسطيني المستقل.
ـ تناقص البعث من جهة والقومية السورية من جهة أخرى مع الطروحات القومية السريانية،الفينيقية،الارامية، الآشورية..، إلخ
بينما كانت القومية بخطوطها العريضة تستحضر الماضي ورسالته الخالدة وتنفخ في روح( الأمة ) ذاتها التي ستبعث من جديد ,كانت في نفس الوقت مثل القطة التي تأكل أبناءها..
كانت الإخونجية..تستحضر ذات الماضي لتأخذ منه ما يغذي نظرتها في تكريس الإختلاف والتمزق لتغدو بمفردها تترسخ ممسكة بالأرض والجمهور، والإرث العثماني، ووزارات الأوقاف، ثم أموال البترودولار، وبيت مال المسلمين!
حتى هذه اللحظة..، وبعد كلّ الصراعات الدموية التي اجتاحت المنطقة، وكان التيار الإخواني أحد ادواتها الفاعلة، لم يستطع بالمقابل التيار القومي بكافة أشكاله أن يتفق على شكل الوطن!
القومي /الوطني.. يتآكل..، والإخواني/الأمّة الطوباوية الموعودة.. يعزز صفوفه !
أي وطن تريدون؟
أي لغة ؟
بأي الآلاء الشوهاء تؤامنون ؟
هل يجرؤ تيار منكم أن يجلس مع الآخر ليقول:
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا قبل أن نضطر لأن نغسل المسواك لآل روتشيلد.. لكي تعبر بقرات “بني اسرائيل” على أضلاعنا !
تنظر إلى القوميين كما ينظّرون..، تقول ما أجملهم !!
تحاول أن تلمس واقعهم..، لاشيء ! هلام ! غزل البنات !!
أي ملهاة فكرية/تنظيمية/عقائدية.. ؟
مهزلة تستحق أن نعمل عنها، ومنها مسلسل بآلاف الحلقات يغطي شهر رمضان لمئة سنة قادمة!