
أندلس الحب
لي مع “أندلس الحب” سيرة بدأت من سنين.
كانت الساعة تشير إلى التاسعة ليلاً، وعلى الخط “الشاعر” في دارته بقلب “باريس” يدعوني لسماع ما تيسّر من قصيدته الجديدة “يطير الحمام”. ذهبت مسرعاً من “نانتير” القريبة من غابة “بولونيا”، الهادئة كهدوء بناتها في طلب رزقهن، وصولاً إلى ساحة “تروكاديرو” حيث تتشابه المباني وكأن الذي بناها واحد. من يأتي باريس في الليل ينسَ نهارها بعد يسير إلفة لا تطول. يسير في طرقاتها وفي دروب لا تغلق الأفق على أحد، ويتدرّب بين حدين حادين على ألفة المكان.
أصل بيت الشاعر بعد اجتياز درج طويل لنسمع الحكاية حتى آخر بيت مطرّز بالحب والعشق والجمال، يسقيه من غرامه حتى الثمالة. محمود درويش ينتظر كأنه يحمل سرّاً سماويّاً، وينسحب الهدوء في ليل الذَهَب بإلقاء يروّض الشعر على التحليق. ليلة حب تجيء بغتة، كبريق يكسر حلكتها.
حملتني موجة القصيدة الصادحة إلى البعيد البعيد، مستسلماً لتيّارها يُهدهِدُني أو يُسهدني أو يُشهِدُني على صِباً أحببته في ديوان الشعر العربي. وحين أتتني قصيدة “الشاعر”، لفتتني افتِجاءً على غير أُهبَةٍ مني. كانت جميلة الوطئة بحيث ما كنت لأقوى على ردّها، لكني على شدة لسعتها في القلب والرأس، صُقِلتُ بإزميلها فاتخذت هيئتي حين هذّبت شهوتي، ونفخت فيها روحاً أسعدتني من لهفتي على الأنثى إلى مملكة المرأة.
مرّت السنوات ولم أحسب للرحيل حساباً، وقد داهمني انتظاره الحائر لموسقة القصيدة. فبحتُ لأوراق ضمَّختها بالنوتات وأبطأت إيقاع الحب عمداً كي ينضج أكثر، ولكن … يكفيك يا محمود ما كتبت وما أصبت من الجسد، والبقية نتركها لوقت آخر قد لا يتأخّر في جداريّة الحياة .