
الديالكتيك الصاعد و الهابط
يصدر طيف واسع من المعارضة السورية التي أبدت استعداداً لفتح حوار مع السلطة عن موقف تحليلي لما يجري .خلاصته الرئيسية أن الصراع قد جرى إختزاله إلى طرفين :السلطة من جهة ومعارضتها الإسلامية من جهة أخرى . هذا يعني في علم الإجتماع الماركسي ديالكتيك هابط . الوجوه العلمانية التي يجري تعويمها على السطح ليست أكثر من دبابيس زينة تضعها القوى الإسلامية على ياقاتها لتعطي بعض المصداقية لإدعائها هدفاً هو الدولة المدنية .
عندما تتنافس القوى السياسية وفقاً لصدورها عن شرائح إجتماعية تمايزت مصالحها تبعاً لتموضعها في هرم الإنتاج, يمكن لهذا الصراع أن يفتح على تسويات تشكل ربحاً إضافياً لعملية التقدم التاريخي بمحوريها الرئيسيين :العد ل والحرية . أما إذا صدرت القوى السياسية المتنافسة عن التشققات العمودية للبنية الإجتماعية , فإن منطق الإخضاع لا منطق التسوية هو الذي سيقود الصراع إلى خواتيمه . تاريخنا المدون والمعروف يحكمه منطق الإخضاع .ولذلك لم نتعرف كعرب ومسلمين على غير دولة الغلبة الخلدونية .والتي انخرط الفقهاء المسلمين في عملية شرعنتها دينياً ..
الدعوة للحوار التي أطلقتها السلطة , تستبطن الدعوة للتسوية .والتسوية على علاقة وشيجة بتوازنات القوى .وهي لذلك تفتح على تعديل صيغة النظام السياسي القائم حالياً . ما يقوم به علمانيون متحالفون مع الإسلام السياسي هو التعمية وتقديم شهادة زور عن منطق الإخضاع الذي يحكم حراك المعارضة الإسلامية . وهم يتوزعون على شطري هذا البيت من الشعر :
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
إذا كان هدف الحراك التحول إلى نظام سياسي برلماني يجري فيه انتاج السلطة والمعارضة في صندوق الإقتراع فأين الإسلام السياسي من هذه الآلية التي تكرس الشعب كمصدر لإنتاج السلطتين التشريعية والتنفيذية ؟ هل يقبل الإسلاميون بقلب الهرم الذي يختزل تصورهم للدولة الموصوفة بالإسلامية ,فتصبح قاعدة الهرم هي المصدر ؟..
نحن نعلم أن شعار الإسلام هو الحل الذي يخفونه الآن تكتيكياً تحت ثيابهم ,يجسد تصورهم للدولة . التجديد الوحيد الذي أجروه على دولة الغلبة هو”مفهوم الحاكمية ” لكي يزيحوا عن رأس الهرم “ذي الشوكة ” ويحلوا محله ..”مفهوم ولاية الفقيه هو التوأم الشيعي لهذا التجديد” .. هكذا تقف دولة الغلبة الخلدونية على هذا المفترق :
– دولة برلمانية يصبح الشعب فيها مصدر السلطة .
– دولة دينية مصدر السلطة فيها هرم من رجال الدين يقف على رأسه الولي الفقية في الدولة الدينية الشيعية أو أمير المؤمنين في الدولة الدينية السنية .
بين هذين الخيارين يجب أن يختار العلمانيون .وهم حتى لا تختلط عليهم الأمور , فيجدون أنفسهم في الخندق النقيض عليهم أن يتحسسوا حلفاءهم كما يفعل أعمى العينين مفتح البصيرة ..
آن الأوان لنخرج من كذبة الربيع العربي .ما جرى ويجري : ربيع للإسلاميين يجري تسويقه أمريكياً ..