حديث المساء:خالد الأمير وأغنية (وحشتني)
في حديث المساء ,محاولة لتلخيص مناقشة أو حوار أو توضيح فكرة وإلقاء الضوء على أشياء مهملة ومنسية في زمن لاهث من سرعة العدو نحو المجهول لا وقت لديه للإلتفات نحو كل هذي الرياحين والزهور التي تحف بجانبي الطريق .
وفي حديث اليوم :عن الملحن خالد الأمير وسبب عدم شهرته .
انسابت الأغنية من الراديو ,وحشتني ,عدد نجوم السما…من سعاد محمد للوهلة الأولى يخطر بالبال أسلوب بليغ ,وبالفعل اتفقت الآراء على أنها أقرب لأسلوبه ,ولكن بعد البحث تبين أنها لخالد الأمير ,والذي لم يكن على البال وشبه مجهول بالنسبة إلينا.
فما هو السبب ؟ولماذا اشتبه الأمر علينا .
من يتتبع قصة خالد الأمير يعرف سبب عدم شهرته الواسعة ,رغم موهبته الواضحة ,فهو ينتمي لعائلة عسكرية محافظة ,رفض والده سفره لإيطاليا رغم حصوله على منحة موسيقية، وأصر على أن يصبح ضابطًا مثل أفراد العائلة.
ثم إن شخصية الأمير كانت تفضل الإبتعاد عن الإعلام ولم يسع للظهور في برامج فنية ,
خالد الأمير لم يشتهر كثيرًا بسبب ابتعاده وتفضيله النهج الكلاسيكي في التلحين، وغلب تأثره بالمدرسة الأكاديمية: حيث التحق بمعهد الموسيقى العربية منذ سن مبكرة، مما جعله يميل إلى التلحين الأكاديمي أكثر من الشعبي. واختياره لأعمال غير تجارية ووجدانية .
نهجه في تلحين أغنية “وحشتني”
أغنية “وحشتني”، التي غنتها سعاد محمد، تُعد من أبرز أعماله، وقد اتبع فيها نهجًا لحنيًا مميزًا:فهي على مقام النهاوند وهو مقام شجي وعاطفي، يناسب موضوع الأغنية الذي يدور حول الحنين والشوق.
اللحن مقتصد مما يفسح المجال لصوت سعاد محمد كي يتألق، ويعتمد على التلوين الصوتي أكثر من الزخرفة الموسيقية.
و رغم أن الأغنية قد لاقت إعجابًا كبيرًا، إلا أنها لم تُروّج تجاريًا بشكل واسع، مما ساهم في بقاء اسم خالد الأمير في الظل.
وكمقارنة بين أغنية(وحشتني) وأغنية(باعشقك) مثلا لبليغ وهما من نفس المقام:
خالد الأمير في “وحشتني” يخلق حالة وجدانية داخلية، كأن المستمع يجلس وحيدًا يتأمل الغياب، بينما بليغ في “أنا بعشقك” يخلق حالة مسرحية درامية، كأن المستمع يشهد إعلان حب على خشبة المسرح. كلاهما يستخدم مقام النهاوند، لكن كلٌ بطريقته الخاصة: الأمير يهمس، وبليغ يصرخ.
الفروق الجوهرية
- خالد الأمير في “وحشتني”: يخلق حالة وجدانية داخلية، كأن المستمع يهمس لنفسه. الجمال هنا نابع من الهدوء، الحنين، والبوح الصادق.
- بليغ حمدي: يخلق حالة وجدانية خارجية، كأن المستمع يشهد مشهدًا مسرحيًا. الجمال نابع من الدراما، التصعيد، والتنوع اللحني.
- “وحشتني” تعتمد على جمل قصيرة، متدرجة، غير مزخرفة، مما يمنحها تأثيرًا عاطفيًا ناعمًا.
- بليغ يستخدم جمل طويلة، متصاعدة، مليئة بالزخارف، مما يمنحها تأثيرًا قويًا ومباشرًا.
- “وحشتني” أثرت في جمهور النخبة والمحبين للطرب الهادئ، لكنها لم تُروّج تجاريًا بشكل واسع.
- أعمال بليغ أثرت في جمهور واسع، وارتبطت بمناسبات وجدانية وشعبية.
- خالد الأمير يكتفي بتوزيع بسيط، يترك المجال للصوت والكلمة.
- بليغ يبتكر توزيعات غنية، تجمع بين الشرقي والغربي، مما يضخم التأثير.
“وحشتني” تُشبه لوحة وجدانية مرسومة بألوان خفيفة، بينما أعمال بليغ تُشبه مشهدًا سينمائيًا مليئًا بالحركة والضوء. كلاهما جميل، لكن جمال “وحشتني” تأملي، وجمال بليغ حمدي تعبيري.
أغنية “وحشتني” قد تُذكّر المستمع ببليغ حمدي من حيث الجو العاطفي، المقام، والبنية التعبيرية، لكنها تختلف في الاقتصاد اللحني، غياب الإيقاع الشعبي، والنهج الأكاديمي الذي اتبعه خالد الأمير. يمكن القول إنها تُحاكي بليغ في الروح، لا في البنية.