حوار سوري وطني

«على شارع العابد لو سمحت»، قلت لسائق التكسي الذي ركبت معه في ساعة متأخرة من الليل.
التقطت عيناي العبارة المكتوبة على «تابلوه» السيارة أمام مقعدي: «لدينا عسل للبيع»، فبدأت حديثي معه سائلاً إياه عن سعر كيلو العسل في هذه الأيام. أجاب: «13 ألف ليرة». فعلاً لم يعد هناك شيء رخيص، إلا البني آدم. 
سألته عن المنشأ، فأجابني بحماس ذاكراً اسم منطقته. وبتلقائية انتقلت إلى سؤاله عن الأحوال في منطقته. 
بدأ الرجل بالإعراب عن ازدرائه للأحوال التي آلت إليها منطقته بسبب الحرب، وشرح كيف أنه كان يمتلك العديد من خلايا النحل التي تتغذى على العديد من أنواع الزهور، أما اليوم وبعد قطع الغابة لتحويلها إلى حطب، فما عاد هنالك غذاء يكفي النحل، وشحّ الموسم. 
سألته عن سبب قطع الشجر، فقال باستغراب: «شو خال شكلك مو من البلد؟! قطعناهن لنتدفا يا خيي». 
أيّدته، وأعربت عن سخطي قائلاً: «يا حرام، والله عنا كمان قطعوا الحرش كلو، ما ضل عنا شجر يا رجل». 
قال «نحن عنا برد كتير، يعني من الشهر العاشر منبلش نشعل حطب»، فقلت له: «مو أبرد من عنا. نحن جبل، يعني من الشهر التاسع منبلش نشعل حطب». 
ردّ مهاجماً إياي: «هلق عندكم أبرد من عنّا يا رجل!!! إي طول عمرا منطقتنا زناطير (أي شديدة البرد)». 
قلت «لا أكيد مو أبرد من عنا، سيدي مو هاد همنا، المشكلة إنو ما عاد في شجر يا حرام، وكلو من هالزعران». فقال لي بنبرةٍ غاضبة وساخطة «نحن صار عنا شي عشرين مجموعة، كل وحدة منن تابعة لحدا من الزعران اللي كنا نضحك عليهن». هززت رأسي مبتسماً وقلت «عشرين بس؟! نحن بأول شهرين من الحرب صار عنا خمسين جماعة، وكلهون تابعين للزعران اللي ما لن لا شغلة ولا عملة، ومقضينها سرقة وقتل وخطف». 
ما كان من السائق إلا أن أوقف السيارة جانباً، والتفت إلي وقال «عنا بالمنطقة، هلق ونحن عم نحكي بيكونوا الشباب شكلوا فيلق جديد، وشي خمسين حاجز، وعشرين مجموعة للدفاع عن أمن الوطن والمواطن». 
نظرت إليه متحدياً إياه، وثبّتّ عيني في عينيه وقلت «نحن بهاللحظات بيكونوا الشباب نظموا خمسين مجموعة تلف وتسرق السيارات، وأربعين فيلق جديد بالاتفاق مع باقي القرى، وشي ميتين شب يطلعوا يقطعوا باقي الحرش ويتاجروا بالحطب والمازوت. هاد غير التلاتين مجموعة المسؤولين عن الخطف والتجارة بالأعضاء». 
ازدادت وتيرة تنفسه سرعةً، تناول زجاجة الماء وشرب منها، ثم نظر إليّ بإصرار وقال «الشباب عنّا هلق بيكونوا استلموا شاحنتين سلاح ووزعوهن، مع أربع شاحنات مخدرات وحشيش». 
أمعنت النظر جيداً إليه وهو يمسح عرق جبينه، وقلت له «شاحنتين السلاح اللي وصلوكن هدول بيكونوا شبابنا بعتوهن، وبالنسبة للمخدرات والحشيش فالشباب بمنطقتنا هني اللي عم يصنعوا المخدرات، والحشيش مزروع بأراضينا، فيك تطلع وتشوف بعينك». 
شعر بارتباك شديد من جراء المواجهة، وقال «مو ناقص غير تقول إنو منطقتكن هي مركز الزعرنة بالبلد، وأنو شبابكن هني اللي مزعزعين أمن الوطن». 
أجبته والدم يصعد إلى رأسي «والله وأنت مو ناقص غير تعملي شبابكن موقفين البلد ع رجل وحدة! طول عمركن الحيط الحيط ويا ربي السترة، روح لك عمي روح اسأل التاريخ عن منطقتنا وشبابا وزعرانا». 
بدا لي أنه يبذل جهداً كبيراً ليضبط نفسه، ثم أدار المحرك وانطلق بالسيارة بسرعة جنونيّة، صرخت به: «هووو هووو.. شو مفكر رح تخوفني يعني إذا بتسوق بسرعة؟».
التفت صارخاً: «وأنت مفكر بدك تخوفني إذا بتصرخ بوجهي؟ ولك أنا…»

صوت فرامل وارتطام، صمت فإعتام

صوت في الظلام: قتلتنا يا زلمة
صوت في الظلام: ولك أنا متت وما خلصت منك؟!
صوت في الظلام: مفكر حالك وحدك الميت؟ ولك أنا ميت أكتر منك!