
رد على نصائح متأخرة لثورة افتراضية
كتب الاستاذ أمجد ناصر في القدس العربي بتاريخ 29-2-2012
” كلُّ كلام المعارضين السوريين في الخارج عن التصحّر السياسي والتجريف الفكري اللذين مارسهما النظام على مدار أربعين عاماً، وعن اكتشاف السوريين للسياسة، واعتبار تعدد القوى والتنظيمات واحتدام خلافاتها أمراً صحّياً ودليلاً على الحيوية، لم يعد يقنع أحداً، بل لعله صار جريمة في حق الثورة والثائرين في سورية
فحتى لو سلمنا جدلاَ بكل ما سبق فإنَّ أحد عشر شهراً من الثورة تكفي كي تنهي المعارضة السورية دورتها التدريبية على السياسة، وتكفي كي تتعلم من أخطائها،…”
أنت ياصديقي تنفخ في قربة مثقوبة . ما تفترضه “ثورة من أجل الحرية وبناء الدولة الديمقراطية ” مجرد حلم ليلة صيف تحول الى كابوس سوري يمدد له من قبل التحالف الأمريكي -الاسرائيلي -الوهابي حتى تاريخه . تقول” أن هذا، بالحرف، ما خطَّه كاتب هذه السطور، وفي هذا المنبر بالذات، في 20 تموز (يوليو) من العام الماضي.. ولم يكن نبوءة، ولا ضرباً في الرمل. إنَّه مجرَّد مراقبة لواقع المعارضة السورية لا أكثر، مجرد قراءة في خارطة تنظيماتها وقواها التي تتناسل على شكل متاهة ” ياعزيزي كتبنا قبل ذلك .أي في 28-نيسان 2011مايلي ” فريقان في سورية يتبادلان البكاء على الشهداء والإتهامات .الأول يضع شهداءه تحت راية الإصلاح السياسي .والثاني يضعهم تحت راية التصدي للمؤامرة .الدموع في عيني الفريقين تشوش المشهد .وتدفع بأدرينالين الطرفين إلى مستويات تلجم العقل عن التحليل .الفريق الأول لايرى غير حقه في المطالبة بالإصلاحات .لايتحسس ولو لثانية ظهره ليكتشف من يركب موجة هذه المطالب .وإن فعل فالتهمة جاهزة “إنهم شبيحة النظام “يندسون في المظاهرات ليخلقوا المبررات لإستخدام العنف ضد المتظاهرين .الطرف الثاني لايرى المتظاهرين
إلا بقجة واحدة .وإن فعل فالمسافة بين الطرفين غير كافية لكي يستطيع العنف المستخدم أن يتملص من عشوائيته . لم تنفع حتى الآن الأصوات التي انطلقت من كل ذي ضمير لم يشوش على ضميره التخندق السياسي أو الطائفي . الأصوات التي تقول أن الفجوة من عدم الثقة بوعود الإصلاح -وهي فجوة مرأي عمقها لكل ذي عينين – يوظفها فريقان يتبادلان التنسيق عن بعد :التنظيمات التكفيرية الموصولة بأجندة خارجية وتجد لها تربة محلية صالحة بفعل الهجمة الوهابية المدعومة بالريع النفطي لإعادة أسلمة المسلمين في سورية والعالم الإسلامي .والطرف الثاني ما أنتجه الفساد من قوى ومصالح داخل النظام وحوله ,مذعورة من أن يفضي التحول الديمقراطي إلى نزعها – كما ينزع العلق -عن وريد الإقتصاد السوري ..لاينفعنا النحيب الدرامي على رأس مشهد تختلط فيه الأوراق على هذه الشاكلة .ينفعنا أكثر وضع النقاط على الحروف .هذه هي مهمة المثقف العلماني السوري في هذه الفترة العصيبة .ولن يستطيع ممارسة ذلك على نحو جيد بدون الإبتعاد ما أمكن عن فقه النكاية الذي تشهد مستويات استهلاكه في سوق المعارضة العلمانية السورية ارتفاعاً غير مسبوق ..” ماكتبته أعلاه كان ب
عيد غزوة صيدا . وصيدا لمن لايعرف هي واحدة من مساكن عائلات العسكريين في محافظة درعا تعرضت للغزومن قبل الثوار الديمقراطيين اللذين أرادوا أن يجربوا رجولتهم مع نساء العسكريين قبل الصعود الى حيث الحور العين بالانتظار . ومع ذلك لم يخرج من هذه الفضيحة الى اعلام الثورة وداعميها سوى صورة شهيد “الباه ” المراهق حمزة الخطيب وقد حّول الى صبي في السابعة ..
مذ الأيام الاولى في درعا وفي بانياس ارتدت الثورة الديمقراطية ثوب الطائفية المقيت .أول مظاهرة خرجت في بانياس توجهت من الجامع يحديها الشيخ أنس عيروط الى كراجات المدينة حيث جرى تحطيم السيارات وفقا لمذهب من يستخدمها .أما في درعا وبعد أن أمر رئيس الدولة باخلاء المدينة من رجال الأمن بناء على طلب وفد ترأسه الشيخ الديمقراطي ” الصياصنة ” فقد استولى الثوار “بصدورهم العارية ” مدعومة بالبنادق والرشاشات والسواطير على المدينة .وقتل وذبح على الرصيف أحد رجال الأمن الذي وقع بين الأيدي الرحيمة للثوار . لقد تكبد الجيش خسائر فادحة أثناء معركة تحرير درعا من الثوار . فقد كانت صدورهم العارية ينفجر ايمانها بالدبابة فيحيلها الى حديد مصهور . لقد انتج من الكذب في مجرى هذه الثورة ما يصبح عنده طوفان نوح “شخاخة صبي ”
عزيزي أمجد ناصر :
لم يكن المشهد في السابق أقل وضوحاً .كتبنا وكتب غيرنا .المؤلم أن من يتخذ وضعية الجنين في بطن أمه ليس وحده من لايملك غير ردة الفعل الغريزية .بل و أيضاً : من شاب فوداه وهو يجرب ترتيب عقله بما يتماشى مع ثقافة العصر وكشوفه المعرفية .هذا لايفسره سوى المركب العلماني -الديني الذي يملئ طاجن المثقف الحديث .عند كل خضة . يجري في عقله ما يجري داخل جرة اللبن : تنفصل المكونات عن بعضها . ويعود الى معلفه الطائفي “وكانك يا أبو زيد ماغزيت ”
وكل يوم يمر تتكشف الشواهد على حجم التدخل الخارجي في سيروة الإصلاح السياسي في سورية .لم يتعملق هذا التدخل لولا ضغط فريقين يعملان على نفس المحور : قوى من داخل النظام لاتتماشى مصالحها والميل لإصلاح يقوده رئيس الجمهورية من جهة .والخلايا التكفيرية التي نشطت مستفيدة من البيئة التي عمل على توسيع مساحتها الإسلام السياسي .مستفيداً من توفر شرطين :االغطاء المالي الخليجي .وانسحاب الإحتجاج إلى داخل الجامع .
لا مستقبل للديمقراطية ضمن هذه المعادلة .بل انهيار للدولة تحت ضغط الصراع الطائفي . قبل إخراج الفريقين أعلاه من المعادلة لن نتقدم خطوة باتجاه الإصلاح .دخول الجيش على الخط يترك لسورية فرصة للخروج من المخنق الراهن .هذا هو رأيي.أنا أتحمل مسؤوليته أمام ضميري وأمام المستقبل الذي نتوق إلى المشاركة في صناعته . فالجيش مؤسسة العنف الوطنية المنوط بها استخدام السلاح .لاريب أن زجها في الصراع ينبغي أن يكون آخر الدواء وينبغي أن يمتلك ما يكفي من المبررات .لكن ما آلت إليه مطالب الإصلاح: بتحولها مطية لأجندة خارجية تتراكم الشواهد عليها أمام كل ذي عينين لم يشوش عليهما فقه النكاية .يشكل مبرراً كافياً للجوء إلى هذا الدواء المر .سيما وأن هذا الحزم يترافق بخطوات عملية باتجاه الإصلاح السياسي الذي بدأ الحراك تحت رايته . هذا هو موقفي لاأخجل منه ولا أخاف تبعاته .
ما قدمه الجيش حتى الآن من شهداء هو هديته لسورية الأكثر عدلا وحرية .
o 1-3-2012