
ضرورة القبول بنفوذ حزب الله وسوريا
ليس امام ادارة بوش, في ظل تضاؤل تأثيرها, وتقلص عدد حلفائها الاقليميين الماضين في تنفيذ اجنداتهم الخاصة, الا خيار بسيط هو ابتلاع المباحثات اللبنانية والاسرائيلية مع خصمي الولايات المتحدة: حزب الله وسورية. فقد بدت واشنطن انها اذعنت, لاثنين من التطورات يعتبران نكسة لاهداف سياسة الرئيس بوش في الشرق الاوسط, وخلافا معها. وليس واضحا ما سيتمخض عن اي من هذين التطورين, ما يعني ان الرئيس الامريكي القادم سيرث هذا التشوش الذهني.
جاء الاتفاق على انهاء المأزق السياسي المميث في لبنان, والاعلان عن استئناف اتصالات السلام بين اسرائيل وسورية, ليعطينا الشرعية السياسية لمنظمات وحكومات تمجها الولايات المتحدة, ولا تثق بها. فلا حزب الله ومليشياته, ولا الحكم العائلي في سورية مغادران الى اي مكان, والتطورات التي وقعت عبارة عن اعتراف ضمني من الجميع, بمن فيهم الولايات المتحدة, بأنه لا يمكن تجاهل هذه الاطراف.
في هذا الخصوص, قالت مارينا اوتاواي, مديرة »برنامج الشرق الاوسط« بمؤسسة كارينجي الخيرية للسلام العالمي, »ان ما حدث يتمثل في ان الولايات المتحدة اتخذت موقفا متشددا حيال هذه الاوضاع جميعها, ولكنها لم تكن قادرة على تقديم شيء.
تنظر الولايات المتحدة الى حزب الله وتعتبره منظمة ارهابية, وترفض اي تعامل مباشر معه. ونبذت ادارة بوش سورية لمزاعم انها تساعد الارهابيين وتغمض العين عن تدفق المقاتلين المعادين للولايات المتحدة الى داخل العراق. وعلى نحو اعم, ترى ادارة بوش ان حزب الله ومسانديه, بمن فيهم سورية, »متطرفين« و»رافضين« يحولون دون التغيير الديمقراطي في المنطقة, ويغرسون بذور الراديكالية الاسلامية فيها.
لم تكن الولايات المتحدة لتختار ايا من بنود اتفاق التفاهم اللبناني, الذي يزيد من قوة مليشيات حزب الله, ولا توقيت الامتداد الاسرائيلي الى سورية. وتخشى ادارة بوش ان تستمد المباحثات الجديدة طاقة اخرى من المباحثات المنفصلة, المدعومة من الولايات المتحدة, بين اسرائيل والفلسطينيين. وكلا التطورين مدفوعان بحقائق وضرورات سياسية خاصة بالاخرين, بمن فيهم اسرائيل, مخلفين وراءهما الولايات المتحدة وهي تعلن اصرارها وتمسكها بانه لا اهدافها ولا مشاركتها في حالة تراجع.
بذلت دول عربية, بما فيها الداخلة حديثا على صناعة السلام, جهودا كبيرة للتوصل الى الاختراق اللبناني. وكانت الولايات المتحدة الى جانب الهاتف تتابع الاتصالات, في محاولة للتأكد من ان الصفقة لم تتجاوز ما تعتبره واشنطن خطوطا حمرا من حيث تقديم تنازلات لحزب الله, لكنها لم تكن موجودة في الاجتماعات.
وتمضي تركيا مثل وسيط متنقل بين اسرائيل وسورية. وكانت تركيا واسرائيل, وليست سورية المقصاة امريكيا, تواظبان على ابلاغ الولايات المتحدة عن مجريات مباحثات القنوات الخلفية. وقد اعترف المتحدثون باسم الولايات المتحدة بأن واشنطن لم تكن صاحبة المبادرة في ذلك. وفي هذا الصدد, قال مساعد وزير الخارجية, دييد ويلش, عن الاتفاق الذي ابرمه العرب لانهاء قتال الشوارع, وفكّ الازمة القائمة منذ 18 شهراً, بين المعارضة بقيادة حزب الله, وبين حكومة بيروت المدعومة من الولايات المتحدة, قال ويلش »لسنا نحن الذين يقرّرون الكيفية التي يحقق بها لبنان ما جرى, ولا كيف تعالجه القيادة السياسية في لبنان«.
وفيما يتعلق بإسرائيل وسورية, قال الناطق بإسم وزارة الخارجية, سين ماككورماك, ان الولايات المتحدة لن تقف في طريق المباحثات, لكنه لم يَعِد الا بالقليل من التأييد الامريكي لها.
لقد اعطى الاتفاق اللبناني حقّ الفيتو السياسي لحزب الله وحلفائه, المدعومين من ايران وسورية, اللتين اشادتا بهذه الترتيبات, واضعتين وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في وضع استثنائي مع الجماعة, عندما اصدرت بيانها الملطف, الذي تؤيد فيه الخطوط العامة للاتفاق.
وقال ويلش, ان الاتفاق ليس كاملا, غير ان البديل اسوأ. فالمعارضة قد تكون »اقلية معطّلة«, لكن الحكومة الديمقراطية باقية, والقتال توقف.
قلّلت ادارة بوش من اهمية ترسيخ حزب الله, وبدلا من ذلك ركزّت على الضعف الكامن في المليشيات, نتيجة ردّ الغضب اللبناني عليها بسبب معارك الشوارع, التي أثارها حزب الله وحلفاؤه في غضون شهر ايار الجاري. وبدا على سعد الحريري الموالي للحكومة الاعتراف بأن جماعته قد اذعنوا الى حدّ كبير, في أعقاب اعمال العنف التي اودت بحياة اكثر من 60 شخصا. وقال: »اعرف ان الجروح عميقة, وجرحي انا عميق. لكننا التقينا مع بعضنا كي نبني اسرائيل وسورية عدوّان لدودان, وسجلّ فاشل من مباحثات السلام. فقد دخلتا في ثلاثة حروب, وقواتهما اشتبكت مع بعضها في لبنان. وفي الفترة القريبة الماضية, قدّمت سورية دعما لقوات حزب الله في لبنان, وللتنظيمات الفلسطينية المقاتلة في قطاع غزة. ويُذكر هنا ان حماس والجهاد الاسلامي لها مقرات في دمشق.
تطالب سورية بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان, التي احتلتها اسرائيل في حرب عام ,1967 ثم ضمّتها اليها في وقت لاحق. وكان آخر جولة من المفاوضات قد انهارت عام 2000 بسبب الجزء الاخير من الانسحاب الاسرائيلي. ولكل من هذين الخصمين منذ زمن بعيد شيء يكسبه الآن. فإسرائيل تريد تقليص الدعم السوري للمقاتلين المعادين لإسرائيل في غزة ولبنان, بينما ترغب سورية بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.