
مساميرجحا
و أصبح الأمر بعد ردح قصير من الزمن , هاجسا متعبا مقلقا …..
فكل الهم أصبح بكيفية تفادي هذه المسامير كي لا تتخبط السيارة
و تهتز هياكل و عظام و أدمغة كل من بداخلها …..
و لكي يتحقق لك ذلك , عليك أن تمتلك موهبة القيادة الفنية و حساب
طول محور العجلات و الانحراف الافقي لهذه المسامير و ايجاد علاقة
رياضية هندسية فراغية لتفادي المرور فوق هذه المسامير. و غالبا
فانك لن توفق . بالرغم من أن الأمر ينجح في أحيان قليلة ……
فالافتراض النظري عندك لتفادي المرور فوق هذه المسامير , أنك
تسير لوحدك في الشارع . و لكن حقيقة وجود كم هائل من السيارات
عند كل تواجد لهذه المسامير , يحول دون التهرب من تلقي الصفعات
المتكررة من تلك المسامير الحديدية …..
كما أن هذه المسامير لا ينفع معها التمهل و لا الاسراع . لا عجلات
البيريللي و لا عجلات هانكون و لا حتى عجلات فايرستون أو حتى
بريدج ستون التي أتت تسميتها من صلابتها و قدرة تحملها …..
و لا ينفع معها لا السيارات اليابانية , ولا الالمانية أو الامريكية ..
و لا حتى الروسية منها ….
و كل أنظمة الدفع و التعليق و أنظمة المجمدات , وقفت عاجزة عن
تخفيف التأثير المزعج لهذه المسامير ….
و مع هذا , حمدت ربي دائما على أن أمرا لم يحدث لسيارتي الى أن
استطاعت هذه المسامير أخيرا و ليس آخرا غرز أنيابها في كاوتش
احدى العجلات الأمامية لسيارتي……
توقفت على جانب الطريق تفاديا للاصطدام و فتحت باب سيارتي
و خرجت أتفقد ما الذي جرى للعجلة ….
كانت العجلة قد استنفذت كامل كمية الهواء بداخلها . فنظرت
اليها مرة و عدت أنظر خلفي الى تلك المسامير الحديدية … و كأن
عقلي الباطن استطاع أن يجد علاقة فورية و سريعة بين تلك المسامير
و هذه العجلة التي ظهر عليها التعب الكبير بعدما تحملت كثير العناء.
توقفت لبرهة أفكر ما العمل بالرغم من علمي و معرفتي التقنية
بالتدابير الواجب اتخاذها في مثل هذه الأحوال .
و قررت أخيرا و بعد قولة لا حول و لا قوة الا بالله , استغفر الله , أن
ابدأ بعملية تبديل العجلة ……
استمرت عملية التبديل حوالي ربع الساعة . في ظروف حرارية شديدة
و ازدحام كبير و انبعاثات العوادم السامة من تلك السرافيس التي ملأت
أبخرة فيولها هواء استنشاقاتنا ……
و بالرغم من اللا حول و لا قوة الا بالله , فقد نال مني مسبب هذا
الموقف سيلا عارما من ……………… التي ظهرت عندي على شكل
منظومات نثرية برعت فيها مخيلتي بتصوير الموقف …..
انتهيت أخيرا من عملية تبديل العجلة . ووضبت أغراضي و صعدت
السيارة و انطلقت متابعا تأليف ملحمتي النثرية عن هؤلاء …..
لم تمض لحظة حتى عاد الي وعيي مجازا ….فبدأت أضع ميزان
لوم النفس على انفعالاتي التي ظهرت علي قوية شديدة …
عساهم على حق في وضع تلك المسامير ……
هل يعقل أن عجلات السيارة سيئة الصنع و السمعة ؟
هل يمكن لهذه المسامير أن تخفف من حوادث السير ؟
هل يمكن لهذه المسامير أن تخفف من السرعة الزائدة ؟
للحظة , لمت النفس على حماقة و عصبية الكلمة و غلاظة الوصف
و لكني استجمعت أنفاسي و أفكاري و ذاكرتي التي قفزت كلها
لتذكرني بشواهد من كل شيئ حتى من جحا نفسه ……
سافرت في ذاكرتي الى كل بقاع الدنيا . غربها و شرقها . شمالها و
جنوبها على أن أتذكر أني رأيت مساميرا مشابهة موضوعة بنفس
الترتيب و لنفس الاستطباب , فما رأيت ……
لم أتذكر أني و لو لمرة واحدة خلال قيادتي لسيارتي في تلك البلدان
أن أمرا مشابها حصل لي . فلا مسامير و لا مطبات و لا أكل هوى ….
أي نعم أنهم يستعملون بعضها القليل جدا في بعض المنعطفات و بعض
المفارق فقط للتنبيه و التيقظ و أخذ الحيطة و الحذر من منعطف أو من
مفترق …أو من منزلق …
و لكنها تبدو هناك جميلة خفيفة رقيقة … ليست كما تبدو عندنا ….
لم أرها بالجملة كما أراها في شوارعنا … و اعتقد جازما بأن كميات
مسامير جحا الحديدية الموضوعة في اللاذقية تكفي لأن يكون لجحا
مسامير في كل طرقات القارة . أو أن يكون هنالك في كل بلد من بلدان
العالم جحا الخاص بهم …..
كنت منذ وقت قصير في الصين التي تملك اليوم أكبر شبكة طرق في
العالم . قطعت خلالها آلاف الأميال دون أن أرى مسمارا واحدا
موضوعا بنفس الطريقة ..و كأن جحا لم يزرهم حتى الآن…..
لا توجد اليوم حالات مشابهة في كل أنحاء العالم , الا اللهم في
بعض البلدان التي ما زالت تعتمد اسلوب التخريب بعد التجريب …..
ذكرتني هذه المسامير بمعامل البلدان المنفرطة في أوروبا الشرقية .
حيث أن هذه المعامل قد اشتريت بالقطع النادر و بمبالغ طائلة
وازت أحيانا قيمتها التقنية أو الانتاجية و أحيانا فاقت ذلك….
وبسبب التغيرات التي حدثت هناك , انهارت تلك المصانع و المعامل
و أحيلت للتقاعد لا بل و بيعت … هل تعرفون بكم ؟
فقط بثمن وزنها ….. كحديد ….
و هكذا مع مساميرنا التي تم شراؤها أو الحصول عليها بسعر القطعة
تقنيا . هذا السعر الذي اعتقد جازما بأنه يصل الى بضعة آلاف
لأحد أنواعها ….
فبعد التجريب … الفاشل , تأتي عملية التخريب الذي ينطوي على
عملية ازالة هذه المسامير و و ضعها في مستودعات الجهات
المعنية , ليصار لبيعها بعد فترة بالمزادات العلنية أو باستدراج
عروض الأسعار … و ذلك كحديد خردة ………؟؟؟؟؟؟؟
و لنا في تاريخنا أمثلة كثيرة و كثيرة عن قضايا مشابهة …..
فلماذا المكابرة على المغامرة و لماذا المثابرة على ………..؟
أمور البلد لم تعد تقوى على المغامرة و القرارات المقذوفة هنا
و هناك …..و لم يعد التجريب و من ثم التخريب و من بعده
العودة للتجريب هو العنوان المطلوب و الغاية المرجوة …..
فهذه المسامير الكل يعرف أنها ليست الحل للمشاكل المطروحة
مروريا في محافظتنا . فهي تسبب الحوادث المرورية أكثر مما
تساعد على تجنبها . كما و أنها تساهم في الاختناقات المرورية
عند كل تواجد لها . فعند رؤيتك من بعيد لاختناق مروري يحصل
أمامك , تذكر دائما أن هنالك مسامير …..
كما و أن هذه المسامير تستهلك العمر الافتراضي للعجلات
و تزيد من مشاكل الاستهلاك السريع لها و لكثير من القطع
التبديلية الخاصة بالسيارة … من مخمدات و قطع لنظام التعليق
و التوازن في السيارات ….
فهل كل هذا يخدم الغايات النهائية من شراء و استجرارهذه المسامير؟
أم أن الأمر مختلف عن ذلك ؟
لماذا علينا أن نبدأ من النقطة الخطأ التي تراجع عنها الآخرون ؟
لماذا علينا أن نتبنى تجارب الآخرين بعد نفاذ مدة الصلاحية ؟
هنالك في العالم كثير من التجارب الناجحة منها و الفاشلة …
وهي كلها معروضة للبيع في الاسواق من خلال شركات تسويق
كبرى .. فعند ذهابك لشراء تجربة ما , كما لو أنك تقف أمام بائع
للعصائر المعلبة , حيث ترى عنده الردئ و الوسط و الجيد و
الجيد جدا . و كله معروض للبيع … هنا يأتي الدورالهام في
الاختيار . و على أساس الاختيار تكون النتائج و الاستحقاقات …
لماذا لا نشتري التجارب الناجحة و التي ما زال العمل قائما بها
في البلدان الأخرى ؟
سألني صديقي عن عنوان مسامير جحا
قلت له ان الغايات التي لا تدرك تمر فوق ….. مسامير جحا.. ……
عافانا الله و اياكم من شر هذه المسامير ……