
لقطاء: لا هوية .. ولا وطن!
..وحيث أننا لم نتمكن من الاتفاق على الهوية من جهة، ولا على شكل الدولة، من جهة أخرى..،فلا نزال بالمحصلة، ومنذ “الاستقلال” غير موجودين على الخارطة الفاعلة بالعالم!
إذا أردنا أن نضع تعريفاً جديداً لدول العالم الثالث..، فسوف نعني بها الدول التي تتشابه مع الدول العربية لجهة انعدام الهوية والانتماء!
فبعد تقاسم تركة الرجل المريض (العثماني)..، تم تشكيل خارطة المنطقة بناء على أساسين:
– أساس تاريخي، لدول كان لها دور حضاري ومركزي عبر التاريخ.
– ودول محدثة، وفق متطلبات المصالح السياسية والاقتصادية لدول الهيمنة، ولضمان استمرار “إسرائيل” كإحدى الدول المحدثة في المنطقة.
الدول المحدثة، تم ربطها عضوياً مع (مؤسسيها)، وأصبحت دولاً ( عميلة) حرفياً..، ثم تمّ الضغط بأشكال مختلفة على دول الأساس أو المركز ، وتمّ منع تقاربها، لا بل حصارها وخنقها..كما حدث مع سوريا والعراق.
إذاً..، لقد تمّ خلق دول الخليج، ولبنان والأردن و”إسرائيل”..، وحصار وتحطيم الدول التي كان من الممكن أن تكون رافعة نهضوية، الدول التي لديها الامكانيات البشرية والثقافية والاقتصادية، والتّطلع القومي لتكون “دولة” بالمفهوم الحديث للدول.
هذه الدول، هي دول المركز العربي، صاحبة الإرث والإشعاع الحضاري: مصر، سوريا، والعراق..،وكانت مصر هي المؤهّلة من بينها، بحكم أن تجربتها في بناء الدولة الحديثة أقدم، بالإضافة للثقل السكاني والجغرافي والثقافي السبّاق على شقيقتيها، مما جعلها مؤهلة لتكون رأس القطار في المشروع القومي العربي، أو مشروع الدولة النهضوية التي يمكن أن تثبّت أقدامها في المنطقة والعالم..، وكانت تجربة عبد الناصر بكل رومانسيتها..وخيباتها..، ثم تجربة البعثين السوري والعراقي، بكل تناحراتهما وخيباتهما أيضاً !
لقد انهار المشروع القومي تماماً، بعد أن تلقّى ضربتين قاصمتين:الأولى هزيمة حزيران 1967 والثانية اتفاقيات كامب ديفيد..، وفتحت أبواب الانهيار..، ليملأ الساحة الفكر الرجعي والفهم المتخلف للدين وربطه بالسياسة ممثلا بتيار الإخوان وما تفرع عنه، المدعوم هذه المرة من الدول (العميلة) سابقة الذكر..، بالإضافة لدول الهيمنة المشغِّلة للجميع، صاحبة المشروع من أساسه.
يبدو أن تحطيم دول المركز العربي (مصر- سوريا- العراق) كان هدفاً أولاً لدول الخليج النفطية، التي أغدقت الأموال لشراء الثقافة والمثقفين من مختلف انتماءاتهم ومشاربهم، ودعم التيارات الدينية الرجعية التي فرّخت إرهاباً عابراً للحدود..، ثم شراء أهم يافطتين في المنطقة هما:
يافطة العروبة، ويافطة الإسلام.
لاشيء يبرر التدخل الخليجي في هذه الدول، ومن ثم في اليمن، بعراقته وحضارته الموغلة في القدم.. لاشيء يبرر هذا الحقد والتآمر ، إلّا عقد النقص البنيوية لهذه الدول العميلة المحدثة، وتطلّعها المريض لقيادة المنطقة تحت تلك اليافطتين !
الخلاصة..، بعد هذا الإسهاب:
لم نستطع في المنطقة من الاقتراب من مفهوم الدولة بشكلها السياسي المستقل الفاعل، ولانزال تائهين ضمن مفاهيم الانتماء الوطني، لانعلم حتى الآن من نحن ! في كل مرحلة تبرز على السطح مفاهيم، وتسميات، قد تحمل مبرراتها التاريخية..، وكأنها( موضة) تدرج فترة، ثم تختفي! وبعضها مدعوم من مؤسسات خارجية تدفع عليها بسخاء..، وهذه المفاهيم قد تشدّ قسم من الجمهور..، بينما تشد مفاهيم أخرى قسم آخر. ولم يتمكن الجدل أو الصراع من الوصول إلى حقائق، أو إلى تحولات تجعل أحد المفاهيم طاغياً على آخر. لابل زاد في عمق الهوّة والتباعد.
ربما لو كان الصراع بين المفاهيم التي تحمل الطبيعية نفسها (القومية هنا) ..ربما لكانت أفرزت نتائج واضحة..، لكن الصراع حول الهوية والانتماء..امتزج بالديني والمذهبي والطائفي!
(لا أريد ان أدخل في التسميات والتصنيفات: لا قومية ولا دينية).
من المهول الآن أن نرى نتائج هذا الصراع!
ففي الوقت الذي يبدأ العالم في التّشكل، ورسم خرائطه من جديد، نكون نحن ضيعنا فرصة بناء الدولة، وهويتها الوطنية! إننا في كامل المنطقة لانزال لقطاء: لا هوية، ولا وطن، ولا انتماء!