آخر الأخبار

عرفتهم: "محمود موعد": هل آثر قلبه الرحيل؟

لم يتجاوز "محمود موعد" السادسة من العمر عندما لجأتعائلته إلى سورية، إثر نكبة "فلسطين" عام 1948. أقام بعدها في "مخيم اليرموك"، وعاش حياة قاسية ذاق خلالها مرارة اللجوء ولوعة الشوق والحنين إلى وطنه وقريته "صفورية"، لم يمنعه ذلك من مواصلة الدراسة، والعمل في أماكن عديدة حتى يعيل أسرته، حصل بعدها على الإجازة الجامعية من جامعة "دمشق"، وعلى دبلوم الدراسات العليا من "القاهرة"، ومن ثم الدكتوراه في الأدب الحديث من جامعة "السوربون" في فرنسا، بعد أن أتم أطروحته عن دور الدين في أدب "نجيب محفوظ".

ما لبث أن عمل محاضراً في جامعة "دمشق"، والمعهد العالي للفنون المسرحية، ثم عين مديراً عاماً لدائرة التربية والتعليم العالي في منظمة التحرير الفلسطينية.

        عاش "محمود" معظم حياته في سورية التي أحبها وأحبته، ونسج صداقات لاتنتهي على امتداد "دمشق" وباقي المدن السورية والبلاد العربية.

        من إنتاجه الأدبي:

- "رباعية الموت والجنون" ـ "دمشق"، عام 1978م.

- "قصص من فلسطين" ـ "باريس"، وهي باللغة الفرنسية، عام 1979م.

- "برقوق من فلسطين" ـ شعر بالفرنسية ـ "جنيف"، عام 1985م.

- "أنديرا الطيبة" ـ ترجمة عن الفرنسية.

- "فحيح المرايا" ـ مجموعة قصصية، 1990م.

- "حديث الصباح"- زاوية اسبوعية في الصحافة السورية.

- سلسلة "كان ما كان" التي أشرف عليها، وهي كتيبات أنيقة للأطفال، تسرد حكايات من بلاد الشام.

- "سخريات الظلال" - قصص وحكايات - من منشورات اتحاد الكتاب العرب، صدرت بعد وفاته.

إضافة إلى إنتاجه هذا، عمل مقرراً لجمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب بدمشق.

عرفني إليه أخوه الأكبر "سعيد موعد"،المحبوب اجتماعياً، والمعروف باسم "أبو عبد الله موعد"، وهو صديق والدي منذ سنوات طويلة. إلتقيت "محمود" في الكثير من المناسبات الاجتماعية والثقافية، وفي بعض الندوات والمؤتمرات، وتبادلنا الزيارات،وكثيراً ما اختلفنا في وجهات النظر حول مواضيع مختلفة، دون أن يعكر ذلك ما يجمعنا من ود، فقد تحلى بأدب الاختلاف، وهو أدب يفتقده بل ويجهله الكثيرون.

اهتم وزوجته "أم عماد" بأبنائه وبناته، وأحسنا تعليمهم، ومن أهم ما تركه "محمود" أسرة صالحة تتبادل الحب والاحترام مع الناس جميعاً.

عرفه الكثيرون بشخصيته الهادئة المرهفة، كثيرة القلق، وتميز إنتاجه القصصي خاصة بأجواء "كافكا" و"إدغار آلن بو"، وعالم مثخن بالقلق والتناقض والإثارة والغموض يمتزج فيه الواقع بالخيال، لايتوقف فيه عن التذكير بقسوة الاغتراب وأزمات الفرد العربي التي لاتنتهي.

     في حوار أجراه "تيسير خلف" تحدث عن مجموعته القصصية الأولى "رباعية الموت والجنون"، التي كتبها في السبعينات من القرن العشرين، وتنبأ فيها بمستقبل مظلم، لايبعث على الأمل ينتظر مجتمعنا العربي، قال مدافعاً عن رؤيته السوداوية تلك: "الكاتب الصادق يستطيع أن يتنبأ دون أن يكون متنبئاً . حين كتبت المجموعة، لم أكن أتذكر المستقبل. كنت أفكر باللحظة التي أعيشها وبالإرهاصات التي أصابت القضية العربية"، ويتابع: " كان إحساسي في تلك الفترة أشبه بإحساس بعض المخلوقات التي تشعر بكوارث الطبيعة قبل وقوعها. أنا كنت أشعر بأن الانهيار بدأ يغزو الداخل بنا، والعلاقات الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية"، نعم، هكذا كان يتحدث عن المستقبل وكأن المصائب في طريقها إلينا، يعاني ويتألم منها، حتى قبل أن تحدث.

وفي حواربعد 3 سنوات من حرب الخليج،التي كان يتوقعها، وكيف أثرت عليه، يقول:

"وقعت في حالة اكتئاب، ولا سيما بعد حرب الخليج لمدة عام ونصف العام، تعطلت فيها كل وظائف جسمي،لا أكل ولا نوم، ولا شرب، ولا كلام، ولا أي شيء آخر. وكنت أنتظر الموت". يتابع قائلاً:

"عندما يحصل ما كنت تتوقعه يبدو ذلك أرهب من الشيء الذي لا تتوقعه. في الحقيقة، حرب الخليج لم تكن مفاجئة بالنسبة لي. وكما قلت، كان عندي إحساس بالانهيارات من قبل"

        في يوم 27 آب/أغسطس1997، توقف قلب "محمود" عن الخفقان فاجعاً أسرته الصغيرة، والكبيرة من أصدقائه في سورية وفلسطين والبلاد العربية.

        والآن، عندما أتذكر "محمود"، وأرى ما يحدث في بلادنا العربية، وسورية التي أحب، وما أصاب أهلها، وحل بحاضرها ومستقبلها، أقول في نفسي: إذا كان هذا ما استشعره، فلا ألوم قلبه إن آثر الرحيل.

 

إضافة تعليق جديد