منذ خمسة وعشرون سنة وانا املك مخترتي بانتخاب ديقراطي ابدي
حافظت على مملكة المخترة بكل المعايير حتى انني كنت انسانيا احيانا.
لكن ماحصل معي في النصف الثاني من شهر نيسان جعلني اعيد حساباتي طولا وعرضا
السبب انني كنت مضطرا أن اجري عملية جراحية وبالطبع لها مخاطرها وصيادوا الليل كثر ممن يريدون الانقلاب على المخترة.
تقدم المستشارين للمخترة باقتراح ان نجري العملية بمكان بعيد عن الاضواء بمدينة صغيرة وسط بولندا بعيدا عن عيون طماع المخترة.
السبب بالاقتراح هو اخفاء الوضع الصحي للمخترة عن جماهيرها وفي حال تمت العملية بنجاح تكون الامور عادية ونعلن ذلك للرعية .
ايضا اخذ الاقتراح بعين الاعتبار الجانب الامني بمعنى كي لا تستغل القوى المعادية وضع المخترة وتطيح بها ونكون قد قضينا على على خمسة وعشرون عاما رسخت بها نظام المخترة ودون منازع .
الاقتراحات كانت كثيرة ومختلفة اخذنا برأي المقربين للمخترة شخصيا.
وافقت ولم افكر كثيرا لان شخص المختار ومنظره هامين للرأي العام خصوصا الانتشار الواسع لوسائل الاعلام فقليلا من الفضائح لن يضر .
في المشفى
دخلت المشفى قبل يومين من تاريخ اجراء العملية لاجراء الفحوصات الاولية .
لقد ُاخبرت ان العمليه بسيطة وستخرج بعد اربعة ايام اي عملية تجميل .
الحكي شيء والواقع شيء آخر.
اجريت العملية في موعدها .
الساعة التاسعة مساء وبعد الصحوة من المخدر بدأت الآلآم تدج بجسدي كقنابل عنقودية .
القائمون على ادارة شؤون المخترة بدأو يشكوا بمحاولة اغتيال للمخترة .
تدخل الاطباء بسرعة قصوى باحثين عن الاسباب فالضغط انخفض الى درجة غير معقولة ونزيف داخلي قد حصل.
الوضع اصبح خطير لابد من فعل شيء وبدأ الجسد بالانتفاخ.
بذل الفريق الطبي كل مابوسعه للانقاذ خلال اربعة ايام وانا اعيش ذلك الوضع .
في اليوم الاخير من تلك الايام الاربع وصلت الى درجة طلبت فيها من الاطباء ايقاف الاجهزة ورجوتهم ان ينهو وضعي .
على مايبدو كلامي كان غير مسموع وتابعوا عملهم دون كلل.
الان اعرف مايعيشه الناس المرضى الذين يطلبون انهاء حياتهم وما حجم الآلآم اليومية التي يعيشونها .
في تللك الايام فقدت الوعي كذا مرة.
شركة نقل الارواح
هنا اريد ان اشرح لكم عن سر لم تعيشونه.
عندما تفقد الوعي تأتي شركة نقل عملها فقط نقل الارواح الى السماء وعلى مايبدو ان هذه المهنة اصبحت لها اسواق كبرى .
لسوء حظي ان شركة نقل روحي كانت جديدة وقليلة الخبرة وهذا ما جعلني اتحمل عبئ جديد من المعاناة .
ولسوء حظي ايضا انني كنت بمشفى صغير وبمدينة صغيرة وهذا ماعرقل عملهم ,اذ لايوجد مصعد الهي لنقل الارواح في تلك المنطقة وهذا طبيعي فهي مناطق مهملة فقيرة , مما اضطررنا الى ان نذهب عبر عدد من المدن .
لسوء الحظ ام لحسن الحظ لا اعرف, لكن خلال مروري ببعض المدن رايت جمع من المنافقين يقومون بحملة لجمع التبرعات فيها شخصية من المفروض ان تكون اعتبارية قبل ان تتحول الى تسلطية نهبوية تبلع الاخضر واليابس وباساليب وضيعة .
عنوان التبرعات :
الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين للمخترة وخروج المختار متعافيا .
التبرع يعتمد على احراج الناس ومن ثم تقسم الغلة لكل وسلته .
بمعنى آخر خوات لا تبرعات ومتاجرة ياسم المخترة والشرف والوطن والارض وهم عمليا لصوص وضيعين .
في النهاية وصلنا الى المكان الفاصل بين الارض والسماء والتي يمكن ان نستخدم منها المصعد الالهي .
وفي نقطة الحدود تلك اضطررنا ان نقف ساعة من الوقت لكي يتأكدوا ان الروح المنقولة ليست ارهابية نظرا لاصولها الشرق اوسطية .
بعد ذلك العناء المجهد وصلنا الى السماء فالمنظر مشوق تخيلوا منطقة شاسعة بالفضاء فيها الاف الممرات وجماهير من الارواح وشركات نقل وسماسرة ومكاتب فرز دينية قومية مذهبية سياسية الخ .
يحافظ على الامن كل انواع الاجهزة الامنية المتخصصة .
الُملفت للنظر هو انتشار عدد هائل من الارواح تدور بين بقية الارواح وتنقل اخبارا على مايبدو ان ارواح المخبرين في الارض يمارسون نشاطهم في السماء ايضا .
الاسوء في الموضوع ان تسليم الارواح ليس بالشيء السهل وهناك ضوابط وقوانين كثيرة تنفيذية.
الشيء الوحيد الذي لم اكن اتصوره انه حتى هناك يوجد رشوة وزلم فلان وعلنتان .
انا صحيح انني كنت مختارا في الارض لكن اضبارتي الشخصية ليست مريحة للجميع وكان الموضوع بالنسبة لي ليس مهما .
ماذا سيفعلون بي بل على العكس كونت تصورا عن عالم السماء في تلك الفوضى تكفيني لكي اكتب روايات عن تجار الارواح وسوقهم .
انتظرنا طويلا نظرا لقلة خبرة ناقليي ,فهم جدد بالسوق ولايعرفوا لفات ودورات حراس السجلات.
وصل دورنا بعد انتظار طويل فطلبوا الوثائق الشخصية .
تسلموا الملف وبدأوا يتفقدوا الاوراق ببطء مقيت تذكرني برجال الجمارك على الحدود ( شو جايبلنا معك ) انتظرنا كثيرا وعلى مايبدو انهم ايضا انتظروا شيئا واخيرا أعادوا الاوراق لنا على انها ناقصة وطلبوا منا العودة .
سأل الناقل ماهو الناقص في الاوراق ؟
رفضت الاوراق نظرا لانه لايوجد اسماء المتبرعين بالدم ودينهم وتاريخهم .
حاول مسؤول النقل مترجيا شارحا عذاب الطريق وانه ليس من السهل العودة وعن الصعوبات كون صاحب الروح من الشرق الاوسط .
كل ذلك لم يفيد , تدخل احد السماسرة وقال ممكن تسلموا الروح بس بدها شوية مصاري .
فاجابه الناقل : لم يبقى لدي قرش واحد وهذه اول سفرة لنا الى السماء ونحن اتينا من مدينة صغيرة .
اقترب المفتش منا من جديد وطلب منا العودة الى الارض بسرعة.
وانا بفترة الانتظار تلك وفي هذه الفسحة السماوية الكبيرة رايت جبرائيل يتمشى امام بوابة جنته بكبرياء وثقة على طريق الماسية وفي كل لحظة ينحي امام ضيوفه الاكارم وسماسرتهم متقبلا الهدايا الفاخرة و بسياراتهم المعطرة المنورة محملة باكاليل زهور سعرها يكفي لاطعام الآف العائلات الجائعة .
اما على الجانب الاخر فكانت الامور مختلفة اذ ان ابليس يقف في العراء امام طريق ترابي تعج به الغبرة وطابور من الارواح عارية القدمين هزيلة ورغم ذلك ُيرسل اليه كل من وصل بدون رصيد مالي او من تعثرت به الدنيا.
وبطبيعة الفقراء انهم اقل تنظيما وبالتالي غالبية من ذهب الى بوابة ابليس لا يعرف حتى القراءة والكتابة ارادو ان ينهوا مأساتهم في العراء فمنهم من وقف عدة اشهر.
اما عن ابليس شخصيا فكان يدخن السيجارة تلوى الاخرى والعرق يسيل منه كالمزراب وينقل الارواح بسرعة مذهلة الى الداخل يساعده بذلك قسم من الفقراء الذين تطوعوا للمساعدة على مايبدو ان العدد الذي يأتيه تجاوز كل التوقعات فالجنة يجب ان تكون مريحة ولكل روح هناك حصتها بمكان كامل الترفيه اما عند ابليس فتحول اليه الكثيرن ممن وعدوا بالجنة بسبب تدخل السماسرة والوسطاء والوجهاء واصحاب المال .
وانا ارى ذلك المنظر الحزين لهؤلاء الفقراء ,قلت بنفسي على مايبدو ان الفقراء ستبقى مكتوبة عليهم جهنم في السماء كما في الارض .
اخيرا كان لابد من العودة الى الارض وهذا نادر لان الارواح تصعد الى الاعلى ولكن في تلك المرة يجب ان تعود الى الارض .
دخلنا المصعد الالهي فطلب خادم المصعد بخشيش كونه ينقل الى الاعلى وليس العكس فشرح له مسؤول النقل انه في المرة القادم سيجهز له المعلوم واخبره انهم شركة جديدة على الخط .
وافق بامتعاظ ولئم شديد لكن اخيرا عدنا الى الارض وعن طرق اقصر .
خلال تلك الفترة السماوية حصلت امور كثيرة على الارض هو ان جابي تبرعات عودة المخترة الى العافية بدأ ينهب ميزانية المخترة عن طرق وصول عن تكاليف علاج المختار علما انه مجاني وتبرعات لاحتفالات وهمية استقبالات وحفلات وغيرها الخ .
واشيع خبر المرض من شمال البلاد الى شرقها غربها جنوبها.
هذا ماعلمت به بعد العودة .
في المشفى من جديد وعلى نفس التخت ونفس الاطباء .
فور العودة الى المشفى ذهب مسؤول شركة النقل الى ادارة المشفى لاتمام الاوراق المطلوبة والمتعلقة بالدم ومصدره ,دين المتبرعين ,انتمائهم السياسي والاجتماعي وهل يشربوا الخمر وهل حصلوا على المال مقابل التبرع .
كل هذه المعالومات هامة لانها تسمح بفرز الروح الى اية جماعة تنتمي .
ولسوء حظي ان المتبرعين كانوا كثر مسلم مسيحي يهودي بوذي غير مؤمن ملحد والآخر كان مدمنا على الخمر وآخر تبرع مقابل سندويشة فلافل فكان تبرعه بالدم مرتبطا بمدى حاجته الى شراء السندويشة وبالتالي محرم قبول الدم .
قلت بنفسي بهذه الوثائق لن استقبل باي مكان لا في السماء ولا في الارض .
عاد مسؤول النقل الى غرفة الانعاش فرأى فرحة الاطباء بعودة الحياة الى الجسد فرمى الاضبارة بالارض غاضبا وسرعان مااختفى عن الانظار باسلوب وقح لقد خسر الزبون .
المخترة بدأت بالتنفس من جديد
اصوات فرحة وضحكات غير مفهومة طنت في اذني قالوا سيعيش
لم ارى تلك الوجوه لكنني احسست بصدقها وانسانيتها.
في اليوم التالي بدأ الجسد يستعيد جزء من قوته وبدأت استشعر من حولي رويدا رويدا .
اول من رأيتهم بغشاشية هم زوجتي وابنتي كانت دموعهم تغسل وجهي المنهك بحب لا متناهي .
اما انا فلم ارى شكلي فحسب ماقيل لي انني كنت ابيض الجسد شاحب, عينايا انسحبتا الى الخلف وشفتين زرقاوين.
لحسن الحظ ان هاتفي مغلق فتحول جزء من العبئ على هاتفي البيتي وكانت زوجتي تتكلم كل لغات العالم لتطمئن ان الوضع بدأ يتحسن .
فالمحبين والاصدقاء كثر رغم رجائي للجميع بعدم القدوم , اصر البعض على القدوم الى تلك المدينة الصغيرة الهادئة لزيارة المخترة.
واثناء وجود اكبر تجمع لرواد المخترة وبعد تلك التجربة المريرة مابين الحياة والموت .
وعدت نفسي ان اكون صادقا عادلا من شعب المخترة.
فشرحت للجميع الوضع كاملا والاهم مافي الموضوع هو ان المختار اثناء العملية الجراحية فقد بيضة من بيضاته.
رددت اصوات تعيش المخترة فاستفدت من الوضع الجماهيري المؤيد ,
وطلبت التصويت على تغيير الدستور بحيث يصبح ( ان المختار لايجوز ان يكون له اكثر من بيضة ) .
ودعم الدستور بوثائق تؤكد ان الديك ببيضة واحدة ينتج اكثر من الديك ببيضتن .
تم التصويت فورا واعتبر الدستور ساريا المفعول .
وبعد التصفيق والتهنة بتغيير الدستور طلب احد مساعدي والذي كان ظلي خلال مرضي السيد افو كاتو ان نبايع المختار الى الابد.
ايضا حصل ذلك دون منافس ونتيجة التصويت مئة بالمئة.
عندها انتعش جسمي وعادت الروح الي كمن لم يجري معه شيء .
وبالطبع بالصدفة كان خطابي مكتوبا جاهزا.
وفورا بدأت الكلام عن برنامجي المستقبلي :
وادنت الفترة السابقة .
وقررت ان تجري انتخابات ديمقراطية في كل جوانب الحياة عدا المخترة .
ارساء سيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء .
التعددية السياسية وحرية التعبير والرأي والرأي الآخر .
الغاء الاعتقال السياسي وقانون الطوارئ.
حزب المختار هو حزب مثل كل الاحزاب لن يكون له اي امتيازات .
اما على صعيد تمثيل المخترة :
فسالغي ثمانون بالمئة من ممثليي في الخارج وسافتح تحقيقات بكل المصاريف والسرقات التي تمت باسم المخترة
او غيرها من فواتير تم الحصول عليها بشكل غير قانوني .
سالغي كل الهتافات النفاقية ورجالاتها.
وساكون خادم للشعب والوطن
فانتم شعب المخترة تستحقون كل الحب والخير والاحترام
انتم من قرر وللمرة الاولى بالتاريخ ان يكون المختار ببيضة واحدة والى الابد
فهنيئا لكم وللمخترة .
إضافة تعليق جديد