انضبّوا جوّا
قبل أن تأخذنا الحمية لصب جام افكارنا في مقالات نكتبها هنا وهناك ,ونحاول فيها أن نؤثر و نشير لمكامن الخلل في أمل ان نغيّر ولو قليلا في مسار الأمور.
لا بد من السؤال :ولكن هل هم حقا يريدون الإستماع ,ولو استمعوا هل يملكون المقدرة لتغيير مسار الأمور .
فمئات المظاهرات والإحتجاجات التي عمت سوريا في 2011 لم تستطع أن تغير في سلوك الحكام قيد أنملة ,وكانوا يتفنون في اللف والدوران والضحك على الذقون وإلهاء الناس بمعيشتهم اليومية وبمشاكل يخترعونها كل حين ,لبث الفتنة وحرفهم عن المسار.
حتى أتى قرار من جهة خارجية أو جهات ,بأن هؤلاء الحكام قد انتهى دورهم.
والآن بعد أن أتت الفرصة المواتية لبناء شيء مختلف وتقديم رؤى جديدة ,تقدم للناس آمالا بأن بلدهم قد ودّع تلك السنوات المظلمة ,يتم ارتكاب نفس الأخطاء وانتهاج ذات السياسة .
ولكن ,نفس الأدوات الخارجية والدول الكبرى تعود الآن ليس من باب الحصار والضغط والمقاطعة,بل وهذا الأدهى من باب وشعار رفع الحصار والعقوبات وفتح البلد .
فأمام من يفتح البلد ؟
تتوالى الأخبارعن توقيع الصفقات والعقود ,وعن الوعود باستثمارات وعن مشاريع قادمة وكل ذلك بدون وجود اية جهات دارسة تقييمية لهذه المشاريع ودون وجود هيئات تشريعية ناظمة ومحددة لحقوق البلد ودون وجود هيئات رقابية لمتابعة تسلسل وتقدم هذه الصفقات.
دون وجود ميزانيات شفافة ,وحسابات …
تتعامل الحكومة مع الناس كما كان أهلنا يتعاملون معنا عندما يأتي ضيف عليه القيمة ,حيث يأمرونا بأن (ننضب جوّا) وكانهم يستعرّون منا , كي لا يرى هذا الضيف حالتنا المزرية وكي لا نتفوه أمامه بكلام غير محسوب يفضح المستور .
والآن تطبق نفس الممارسة , تأتي الشركات الضخمة ورجال الأعمال وتوقع العقود بالمليارات وتغدق الوعود بالإمكانيات المتاحة والفرص الاستثمارية الهائلة .
ويصرخ بنا أصحاب المعالي المتأنقون المتكرفتون المتدربون حديثا على البروتوكول والإتيكيت :خدوا نشحكن و(انضبّوا جوا)!
لا تبهدلونا بحكاياتكم المنفرة عن فقدان الأمن والسرقة والخطف ,عن التوقيفات والإنتهاكات وإهانة الناس ,عن فقركم وجوعكم ,عن التعدي على المحامين والقضاة ,عن اقتحام المحلات وصالات الحفلات , عن الدم الذي لم يتوقف سفكه يوميا, ,عن عدم قدرتكم على تسجيل مولود جديد أو تسجيل عقد جديد أو حتى توثيق وفاة ميت .
الآن وقت هذه الأشياء التافهة الصغيرة ,لا تشوشوا علينا ,وتعكروا مزاج ضيوفنا ,وتبهدلونا أمام الأجانب؟!