
تحت ظلال الغبار
باعتبار أن لا وجود للسلطتين الثانية والثالثة .
وباعتبار أن السلطة الرابعة نفسها ,غير موجودة عمليا ,وكل ما تدعيه من سلطة هو هراء أو على الأقل غير مؤثر ,والسلطة الرابعة الحقيقية هي ما اتفق على توصيفه ب(الذباب ) وغير مصادر تصفه ب(الزواحف) وغيرهم ب (الوطاويط) ..وسوى ذلك من ظلم لهذه الكائنات التي لم تستشر باستجلاب اسم نوعها للإستدلال على ممارسات (إنسانية) .
فعمليا ,إن الموجود فعليا فقط هو السلطة الأولى .التي ارتضت أن (تتحمل) لوحدها كل تبعات ومهام وأعباء السلطات الأخرى ,ومن هنا فإن أي ملاحظة على اية مخالفات وأي انتقاد لأي انتهاك ,بدءا من إهانة مواطن على حاجز أو استيلاء على ملكية ما وصولا إلي أي قطرة دم تسفك ,إلى توقيع العقود بمليارات الدولارات ,كل ذلك محمولا ومحملا على عاتق ومسؤولية السلطة الأولى حصريا.
إن قضية صغيرة يحلها موظف بسيط ,تتحول لقضية رأي عام وترند على وسائل التواصل .وموضوع شخصي ,يتعلق بصورة أو تعبير عن رأي أو حتى الصمت وعدم التعبير ,يتحول كل ذلك إلى قضايا للتعيير وكيل الإتهامات والسخرية.
كل شيء قابل للشك ,لا شيء يقيني في هذا الفضاء الخاوي من الأشياء الحقيقية ومن المنجزات على الأرض ,وحدها الإشاعة والدعاية الفارغة والاتهامات الجاهزة ,سيدة الموقف .
بدءا من قضية فصل فنان في نقابة ميتة غير منتخبة ومعينة من قبل السلطة ,وهذه تستطيع أن تستهلك منا أسابيعا من المهاوشة والتنظير والتقليب والتبريم ,وصولا للباس البحر ,حتى بات الناس يقيسون الأخلاق بطول الثياب وقصرها ومقاس اللحية وحف الشارب ,ولون الشعر والسروال ,ويقضي الناس أوقاتهم في المهاوشة على هذه الأمور الفارغة ,دون أن يعلموا ما يجري لبلدهم ,وما هي الخطوات التي تتخذها الحكومة لتنفيذ وعودها المؤجلة إلى أمد ,لا يعلم إلا الله حينه .
خلف تلك المهاوشات وتحت ظلال الغبار التي تثيره هذه المناوشات الوهمية ,يتم إقرار مصير البلد في دوائر محدودة ومقتصرة على رجال تم تلقينهم ما يجب فعلة بالضبط لكي تتم الأمور بيسر ودون أن تنتبه لهم تلك الجموع الغافلة والمنشغلة بمعاركها الصغيرة.
فكم من الصفقات والعقود تم توقيعها في اشتدادا وطيس تلك المعارك ,وكم من الوعود قطعت ,وكم من التعهدات أخذت.
سيستفيق التاس يوما ما ليجدوا أن بلدهم قد بيع بالقطعة ,وأنهم يرزحون تحت دين عالمي بمليارات الدولارات ,وأن أجزاء عزيزة من بلدهم قد سلخت وسلمت بهوادة للمحتل والأنكى من كل ذلك أن هذا قد تم بدون ثمن أو بثمن بخس,وأنهم لم ينالوا من تلك الوعود المتكاثرة ,ومن الأحلام الوردية والزهرية إلا فتاتا لا يشبع جوعانا ولا يروي بستانا عطشان.
وتحت ظلال الغبار الداخلي الناجم عن مهاوشات في أمور شكلية وغير نافعة ,تسارع الحكومة وتتخذ قرارات مصيرية تتجاوز صلاحياتها بوضعها الراهن . سوف نستعرض مثالين عن حجم المسؤوليات والأعباء التي( تنازلت) فخامة السلطة وتحملتها لوحدها متلطية تحت ظلال غبار المهاوشات الداخلية وغبار الصراعات الإقليمية :
فقد تم الإعلان عن توقيع عقد ضخم بقيمة 7 مليار دولار ,لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء في سوريا .وهلل الناس وصفقوا للأمر وسوّق وكأنه إنجاز ,دون أن يقول لهم أحد ولكن : من هي الجهة التي درست هذه الكلفة ,وإذا سلّمنا بأنها حقيقية فمن أين سنأتي بال7 مليار دولار الآن في بلد يحتاج إلى (مكرمة) من دولة ما لتقبيض رواتب لثلاثة أشهر وحسب .سيقول قائل :بسيطة نستدين ,وبفوائد ميسرة ,وشروط مخففة ,فلنسلم بذلك ونقفز فورا إلى بقية القطاعات فإذا كان قطاع واحد يحتاج لهذا الرقم فكم نحتاج لترميم وإعادة تأهيل البنية التحتية لبقية القطاعات والبدء بإعادة البناء ؟
قبل أن نصل لمستوى إعادة الإعمار دعونا نطرح التساؤلات فقط في مثالنا الحالي:
ونبدأ بالسؤاال عن الجهة الدارسة للمشروع من الناحية الفنية ,ومن ثم الحقوقية والمالية,وتاليا الجهة التي أعلنت عن المناقصة ,ومن ثم العروض المقدمة ,لنصل إلى الجهة المشرفة على التنفيذ .من الناحية الفنية :نعلم أن سوريا تحوي عدة محطات للتوليد منها الحديث ومنها القديم ,فهل تم تجهيز أضابير فنية خاصة بكل محطة لمعرفة احتياجات إعادة صيانتها أو تطويرها ؟
آخر ما تم تمريره في غمرة انشغال العالم بالحرب الإيرانية –الإسرائيلية وتداعياتها هو قرار تشكيل اللجنة التي ستعين ثلثي أعضاء البرلمان المكون من 150 عضو والثلث المتبقي يعينه رئيس الجمهورية .
باختصار الرئيس( يعيّن) اللجنة التي (ستعيّن)أعضاء المجلس ,وسينتج لدينا مجلس معين من جهة واحدة .
فلماذا هذا اللف والدوران ,قولوا للناس هذا الأمر ببساطة ,سأنه شأن جميع القرارات الأخرى ,وليس لأحد اعتراض .
لن نناقش قضية إبعاد الناس عن أي شيء يتعلق بالشأن العام ,فهذا نهج مستمر ,وأصبح الإعتراض عليه مضيعة للوقت .اعتراضنا وحسب هو على طريقة إخراج هذه القرارات ,بطريقة مسرحية مبالغ في سوء كتابتها وتمثيلها وإخراجها .
فالأمر لا يستدعي كل هذا ,والناس في غبار مهاوشاتهم الفارغة ,صامتون وراضون .
فامضوا على ما ييسر الله ,وحدهم المتهاوشون سيصحون ذات يوم من حلم طويل ,كان اسمه بناء بلد,وفرصة كبيرة وضائعة لتحقيقه..