
كرة قدم
قبل سنين قرأت قصة عن رجل حبس لمدة خمسة عشر عاماً لأنه ارتكب جريمة و كان حبسه انفرادياً كاملاً ، فبدأ لأجل قتل الوقت بعقد صداقة مع الصراصير الذين كانوا يشاركونه الانفرادي و قام بترقيمها و إجراء سباقات بينها و مكافأتها ببعض الخبز الذي كان يبقى من طعامه و بالفعل خلق الرجل منظومة متكاملة (مونديال صرصوري) و صار هذا المونديال متعته الرئيسية حتى قضى مدة محكوميته . تذكرت هذه الحكاية و أنا أشاهد العالم محكوماً بالانفرادي و لكن حتى لعبة الصراصير صارت غالية عليه .. أقول هذا معتذراً للاعبي كرة القدم فلا يفهمون بالخطأ .
بالنسبة لي منذ أن خرج الفريق الجزائري من المونديال لم يعد هذا العرس يعنيني كثيرا خصوصا و إن السحرة (البرازيل) كفوا عن السحر و قرروا اللعب ك (قراداتية) ! و القراداتي تعبير مصري يعني رقاص القرود .
الأرجنتين بكل حال تأخذ من عواطفي الكروية ما يكفي لأتمنى أن تحمل الكأس و أسبابي هي أن لا يحمله ظالم استعماري سابق أو (زنكيل) حالي متشبث بفلوسه حتى ثمالة الشماتة بجائعي العالم أو على الأقل أنه غير معني بهم و هؤلاء هم أهل الزبدة و المربى و (الكرافت) و (الشنيتزل) .
منذ يومين كنت أمارس المشي المسائي أثناء مباراة البرازيل مع تشيلي و مررت بمحل لبيع الشاورما المونديالية حيث يقع سيخ الشاورما على بعد نصف متر من التلفاز المعلق في سقف المحل ، و استطعت أثناء المشي أن ألاحظ الجمهرة التي كانت تقف أمام المحل و مراقبة الوجوه المشدودة إلى أقدام اللاعبين و التي كانت تتشنج كلما اقتربت (الكوتشوكة) من المرمى – و الكوتشوكة هي تعبير قديم مسجل باسم جدي في هيئة حقوق الملكية الفكرية و يعني الكرة – و كان أن عض أحدهم لفافة الشاورما قبل أن يرسل (روبينيو) كرة زاحفة إلى المرمى صاح معها لائك اللقمة : آه ه ه ه … فوقعت اللقمة من فمه و لم تدخل الكرة إلى المرمى ! … و المهم في الأمر أن الرجل بعمر جدي الذي اخترع لقب الكوتشوكة مع أن جدي رحل من زمن – رحمه الله – .
لا أسرد هذا لأقول أنني ضد كرة القدم بالعكس فأنا أحبها لكنني أشعر أن كأس العالم أصبح نوعاً من (البزنس) المقيت و أنه فقد بريقه الجميل لأنه فقد ميزة كونه متعة الفقير و الغني معاً و صار أن شاهد نصف العرب كأس العالم على قمر (عاموس) أو (عابوس الإسرائيلي) لأن مجمع الربح العالمي العربي أخذ منهم هذه المتعة لصالحه و صار على كل راغب بالمشاهدة أن يدفع ثمنها، فقرر الكثيرون المشاهدة ببلاش إما على القمر التركي أو على القمر الإسرائيلي – لا اعرف إن كان هذا تطبيعاً – و أمسكت قلبي بيدي حتى لا أرى الصهيونية و قد قررت إهداء المشاهد العربي عشرة معلقين رياضيين بالعربية و تحليل فني و تحكيمي بالعربي و لا أعلم إن كانت ستفعل مستقبلاً ! و تذكرت كلاماً قرأته عن (ليفي أشكول) متهكماً أنه أثناء مرض الرئيس جمال عبد الناصر صرح قائلاً نحن مستعدون لعلاجه عندنا ! أعرف أن عدونا لئيم و أنه من الصعب أن يمارس كرماً ما هذا مستحيل و لكنه يمارس الذكاء الإعلامي بالتأكيد و سيجد من يقول له ما يفعل في المرات القادمة .