آخر الأخبار

سوريا وحطام المراكب المتعثرة(2)

ميشيل عفلق كان في حياته الخاصة محافظاً وتقليدياً ولم يخلع الطربوش إلا عندما خلعه ثلاثة أرباع الشوام
أهل الشام مرفهون لا يرغبون في الحرب أو المنازعات.. والفتح العربي الإسلامي نجح بمساعدة سكان دمشق
صقر ابو فخر
في خضم الاضطراب العميم الذي شهدته سورية، ولا سيما بعد استقلالها في سنة 1943، كان نبيل الشويري شاهداً علي بعض جوانب هذا الاضطراب. فهو، منذ يفاعته الأولي، عرف ميشال عفلق كسـاحر وقديس معاً. وتدرج في مدارج السياسة وفي معارج الفكر السياسي علي يديه، وتفتح وعيه علي القومية العربية شبه العلمانية التي صاغها عفلق، ثم تمرد عليه وأسقط هالة القداسة عنه، وانحاز إلي أكرم الحوراني، ثم لم يلبث أن انخرط في التآمر السياسي والانقلابات العسكرية مع سليم حاطوم وبدر جمعة، وحُكم بالإعدام. وقادته مصائره اللاحقة في المنفي البيروتي، والباريسي، إلي إدارة الظهر للسياسة كلها، ثم راح، بهدوء، يعيد النظر في تجربته الشخصية، وأسلم عقله لحقبة من التفكير النقدي الهاديء. ولعل نبيل الشويري كان شبه مرآة عكست البعث نفسه وتجربته العاتية في الاضطراب السياسي والبلبلة الفكرية والتآمر وانقلاب الأحوال والأخطاء القاتلة، فضلاً عن النزوع الرومانسي إلي صوغ مشروع مستقبلي لدولة قوية موهومة.
لم يكن لنبيل الشويري أي شأن مباشر في سلطة البعث التي انبثقت في 8 آذار 1963، ولم يشارك في صنع الأحداث العاصفة التي شهدتها سورية منذ ذلك التاريخ فصاعداً، ولم يكن له أي دور في المصائر التي انتهي إليها البعث بشظاياه الكثيرة، إنما كان شاهداً راصداً لتجربة البعث في سورية، وكان، إلي ذلك، مناضلاً في ذلك الحزب إبان صعوده، ثم راقب بحسرة انحداره وتطايره في جميع الاتجاهات. وهذا الحوار هو خلاصة هذه التجربة. ومهما يكن الأمر، فإن أهمية هذا الحـوار لا تكمن في أنه يؤرخ لحقبة من التاريخ المعاصر لسورية، بل في محاولة إعادة قراءة الأحداث في ضوء التجربة الشخصية.

دمشق داخل السور كانت تضم أيضاً حارة اليهود وحارة النصاري وحارة المسلمين. وكان فيها بعض الأقليات الأخري كالأحمديين في منطقة الشاغور مثلاً؟
ليس لدي معلومات عن الأحمديين في تلك الأيام.
هل كانت حادثة الأب توما الكبوشي متداولة بين المسيحيين في تلك الأيام؟
لا، أبداً. لقد قرأت عنها بالطبع وعن الخرافات التي كانت تروج أن اليهود يشربون دم النصاري. هذه كلها خرافات، ولم يكن أحـد يتوقف عندها، ولم تؤثر في علاقة الناس باليهود في دمشق قط.
أود لو تروي المزيد عن العلاقة الخاصة التي ربطت عائلتكم بعائلة الأطرش. هنا في هذا السياق يحضرني زواج منصور الأطرش ابن سلطان الأطرش من شقيقتكم، كيف حدث ذلك، وما كانت آثاره الاجتماعية؟
حدث ذلك نتيجة للتمازج العائلي. كان سلطان الأطرش يقيم عندنا حينما يأتي إلي دمشـق، وعندما نذهب نحن إلي جبل الدروز ننزل في بيت سلطـان بالطبع. والشباب والبنـات من العائلتين يتصرفون كأصـدقاء وأبناء أصدقاء. وفي هـذا المناخ حدث نوع من الاستلطاف بين منصور الأطـرش وشقيقتي هند، وعندما قررا الزواج اعتقدا أنه لإرضاء أبي يجب أن يقيما إكليلاً في الكنيسة. لكـن أبي رفض ذلك، لا لأسباب دينية، بل لأسباب خاصة بالعلاقة مع سلطان الأطرش. وهو قال لي بنفسـه: يا ابني، لو كان هناك قانون مدني للزواج لما رفضت، لكن صداقة العُمر مع سلطان الأطرش أخشي أن تتأثر، ومنصور الأطـرش أنا ربيته كأولادي، فكيف يحدث ذلك قبل نيل إذني وإذن والده؟ مهما يكن الأمر، لقد تزوج منصور الأطرش وكان عضواً في البرلمان. وحاول والدي أن يمنع الزواج، وكلفني بهذه المحاولة، فسافرت إلي لبنان حيث كانا، شقيقتي وهو، يقيمان مؤقتاً فوجدتهما قد تزوجا.
إذن، زواجهما تم في لبنان. لكن لا وجود للزواج المدني في لبنان؟
تزوجا كنسياً.
في أية كنيسة؟
في مطرانية الجبل في برمانا. لنتذكر أن هذا الزواج وقع في أجـواء سنة 1956 حينما كان البعث كما عرفناه أول التحاقنا به، لا فرق فيه بين مسيحي ومسلم، وأن الزواج المدني مسألة ضرورية، وأن القومية العربية هي دين الجميع، ولكل فرد علاقته الخاصة بربه. أنا وأخي وأخوتي لم نقاوم هذا الزواج ولا أهل منصـور بالطبع. لكن الكبار في عائلة الأطرش وعائلتنا لم يتقبلوا الأمر.
هل كان للتعصّب الديني أثر في هذا الموقف؟
لا أبداً. ومع ذلك ظل أبي 14 سنة لم يرَ خلالها منصور أو هند أو حتي أبناءهما، إلي أن جاء سلطان الأطرش ومعه وفدٌ من وجهاء حيّنا وأقاربنا ودخل إلي منزلنا في غياب أبي وأرسل وراء ابنه منصور وتصالح الجميع بعد أن حضر أبي، وانتهت القصة بعد 14سنة.
تذكرني هذه الحادثة بأخري وقعت للأستاذ ميشال عفلق، عندما تزوجت أخت ميشال عفلق مسلماً هو نزيه الحكيم. كيف تقارن الحادثتين؟
ميشيل عفلق علي الرغم من الكـلام الكثير عليه كتقدمي ومؤسس لحزب البعث كان في حياته الخاصة محافظاً وتقليدياً بكل ما في الكلمة من معني. لم يخلع ميشال عفلق الطربوش علي سبيل المثال إلا عندما خلعه ثلاثة أرباع أهل الشام.
متي خلعه تقريباً؟
في أواخر الأربعينات.
أي بعد تأسيس حزب البعث؟
بعد ذلك بفترة. وظل عفلق يركب الترامواي في فئة البريمو .
هو ابن الميدان في أي حال. ابن حيّكم؟
كان نزيه الحكيم أحد المعجبين بميشال عفلق ويكن له محبة فائقة. وقد أحب نزيه الحكيم ماري أُخت الأستاذ ميشال وكانت فتاة جميلة وذكية، فتزوجا. لم يقبل ميشال عفلق هذا الأمر بصفة كونه رب الأسرة؛ فوالده كان توفي منذ زمن. وبعد هذه الحادثة تخاصم عفلق والحكيم طويلاً. وفي أي حال لـم يطل الأمر بهذا الزواج، فانفصلا ولم ينجبا أولاداً. ورجعت ماري إلي منزل ميشال عفلق، لكن العلاقة معه ومع بقية أخوتها ظلت سيئة. لقد كان لها مزاج متفرد. وجميع آل عفلق لهم مزاج خاص باستثناء أخته آغني، أم زهير، وشقيقه الأصغر وصفي.
هل رفض ميشال عفلق هذا الزواج لاختلاف الدينين؟
لا، بل بسبب محافظته وتقليديته.
هذه مسألة خطيرة تقال عن ميشال عفلق؟
نعم. ولم يتصالح ميشال عفلق مع نزيه الحكيم إلاّ في سنة 1956. في تلك الفترة كانت جريدة الرأي العام أصبحت أهم جريدة في سورية وفي لبنان أيضاً. وكانت هذه الجريدة يملكها أحمد عسّه ونزيه الحكيم، وكان كل واحد منهما يكتب الافتتاحية مداورة: يوم من هذا ويوم من ذاك. أحمد عسّة كان أبرز صحافي وقتذاك وقريباً من أكرم الحوراني، بينما قبل نزيه الحكيم أن يفك الشراكة مع أحمد عسّة لإرضاء ميشال عفلق، فكتب مقالاً يمجّد فيه ميشال عفلق الذي اعتبر هذا المقال في منزلة الصلح .
لنعد إلي الميـدان وإلي العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة فيه في تلك الفترة. هل كان هناك اختلاط للنساء بالرجال في الحياة اليومية؟
التقاليد الاجتماعية في الميدان كانت تقاليد شبه إسلامية إلي حد كبير. وعلي سبيل المثال بيتنا؛ فهذا البيت فيه برّاني و جوّاني . القاعة والبيت الكبير مثل بيوت المسلمين تماماً. وحتي الآن في عزاء العائلات الموجودة في القصاع تجد أن الرجال والنساء يكونون معاً متجاورين ويروون النكات أحياناً. بينما في بيوت الميادنة تجد الرجال إلي جانب والنسـاء إلي جانب آخـر، وبعد أن ينتهي المعزي من تعزية الرجال، يدخل علي النساء للتعزية أيضاً. النساء الميادنة الأصيلات يقفن في العزاء، أي أن الرجل حينما يتجه لتعزية المرأة تقف وتستقبله كما يفعل الرجل. أما عند المسيحيين فتبقي المرأة جالسة.
كيف تتذكر الحب الأول في القصّاع؟
طفولتي غريبة قليلاً. درست في مدرسة مختلطة، لكن عندما انتقلت إلي مدرسة الآسيّة فصلوا الفتيان عن الفتيات. وقد مرّت بحياتي قصص كثيرة من حيث العواطف والعلاقات الحميمة، لكنها لم تتحـول إلي علاقـة راسخة كالزواج لأسـباب شتي، إما لاختلاف الدين أو لأسباب اجتماعية، أو بسبب الظروف النضالية الصعبة التي أمضيت في أجوائها أيام الشباب كلها.
يبدو أنك كنت جدّياً جداً؟
نعـم. أذكر في سنة 1959 عندما بدأت أتردد علي النادي العائلي في دمشق كان أهل الحي يقولون: انظروا، ها هو نبيل يتكلم مع الناس ويجاملهم وصار يعرف كيف يتحدث، ويعرف الرقص أيضاً. أنا يا أخي سجنت أول مرة وأنا في السادسة عشرة، أي أن صورتي بين الناس هي صورة المناضل الحزبي. هذه الصورة كتبتها كوليت الخوري، وسردت فيها تفصيلات عني.
في أي مجموعة نشرت هذه القصة؟
في مجموعة أيام مع الأيام .
هل كانت العلاقة بين الجنسين في دمشـق الأربعينات، أو في أوائل الخمسينات، متاحة؟
في حدود ضئيلة جداً. فلم يكن مسموحاً أن تخرج البنت ومعها شاب لوحدهما إلاّ إذا كان هناك رابط عائلي ما. حتي أن المخطوبين لا يخرجان من غير مرافق. أما الاختلاط فبدأ ينتشر في الستينات أو في أواخر الخمسينات.
هل كان ثمة فارق في هذا الشأن بين المجتمع المسيحي والمجتمع الإسلامي؟
يختلف بالطبع، ولكن ليس كثيراً. الكنيسة مختلطة بينما الجـامع ليس كذلك. وفي أي حال ففي الكنيسة لا يدخل الرجل من جهة اليسار ولا المرأة من جهة اليمين. الرجل من جهة اليمين والمرأة من اليسار.
عند جميع الكنائس؟
عند كنيستنا.
عند الأرثوذكس؟
أنا قلما دخلت كنيسة شرقية، وتسألني عن جميع الكنائس؟ لا أدري عن هذا الأمر البتة. فأنا لا أدخل كنيسة إّلا في مأتم أو عرس أو في قداس احتفالي. المهم كان يوجد في الكنائس ما يسمي الشعائر ، حيث تصعد النسـوة إليها لحضور القدّاس. وهذه الشعائر محجوبة بقضبان من الخشب، وتجلس المـرأة خلفها فتشاهد القدّاس، وتشترك في الصلاة. لكن إذا نظر الرجل إليها فلا يري النسوة. وفي هذا المجال، حكي لنا شماس كان يعلمنا دروس الدين في المدرسة أنه ذهب مرة إلي الصلاة في إحدي كنائس حماة في الأربعينات، وكان صوته جميلاً. وعندما صعد لقراءة الإنجيل من القرّاية الموجودة فوق العمود تطلع إلي جهة النساء وقال: العمي، المصلّيات جميعهن مسلمات؟ هذا غير معقول!
إذن، كانت النساء المسيحيات يتحجبن؟
طبعاً. حتي في جبل لبنان في الأربعينات والخمسينات كانت النسوة المسيحيات يضعن علي رؤوسهن غطاء.
متي تعرفت إلي الراديو أول مرة؟ هل ترك في ذاكرتك أثراً مميزاً؟
كلا. في بيتنا لم نكن نملك راديو. ولكن كانت توجد في رأس الحارة خمّارة فيها راديو. فإذا أردنا سماع الأخبار نقف عند رأس الحارة ونستمع إلي صوت المذياع وأخبار الحرب العالمية الثانية. في صيف سنة 1940 صدر أمر من المندوب السامي الفرنسي بمصادرة أجهزة الراديو في الشام فجمعوها ووضعوها في معهد اللاييك الفرنسي الذي أصبح اسمه، اليوم، معهد الحرية، وذلك عقب سقوط باريس بيد الألمان، مما يدل علي أن عدد أجهزة الراديو كان محدودا جدا.
اللاييك في شارع بغداد؟
نعم، في شارع بغداد. كان عدد الأجهزة نحو عشرين جهازاً في دمشق. واستطراداً لم تكن في دمشق سيارات خصوصية كثيرة. وهي، في أي حال، لم تكن ضرورية للتنقل. أنا أعرف الشام كلها في ذلك الزمـن: من بوابة الله إلي آخر المهاجرين حيث يقع القصر الجمهوري وتنتهي السكّة، ومن الشيخ محي الدين بن العربي إلـي القصاع الذي ينتهي في باب توما. أما دوما فهي ضاحية الشام. دمشق كانت تعد نحو 350 ألف نسمة في تلك الأيام. وكان حي القصّاع محاصراً بنهرين من أنهار بردي: تورا في شماله ونهر قليط عند باب توما. كانوا يسمّونه قليط لأن الفضلات كلها ترمي فيه. شارع بغداد الآن في قلب دمشق كان عبارة عن جنائن وبساتين. حي القصّاع وحده كان فيه أربع جنائن تقام فيها سهرات الصيف. الآن الشام صارت تعد نحو أربعة ملايين نسمة أو أكثر.
ازدادت عشرة أضعاف علي الأقل؟
دمشق ضمن السور كان المرء يجتازها في ساعة ونصف الساعة ماشياً. والآن ليدور حولها بالسيارة يحتاج إلي ثلاث ساعات.
قصدت إلي القول إن الراديو لعب دوراً اجتماعياً في بيروت علي سبيل المثال؛ فالمقاهي كانت تقتني أجهزة الراديو التي يتجمع الرجال حولها. وفي هذا الجو تنشأ علاقات سياسية وثقافية وبشرية. وثمة رواية مشهورة عن أبو عفيف كريدية ومقهاه في بيروت في الحرب العالمية الثانية، حينما كان يونس بحري يهدده من إذاعة برلين في برنامج هنا برلين حي العرب . والمعروف أن المقاهي كان لها شأن كبير في التاريخ الاجتماعي لبيروت وللمدن العربية.

مقاهي الشام

هل تتذكر شيئاً عن مقاهي دمشق في تلك الفترة؟
الحياة الثقافية والسياسية في دمشق تختلف عن الحياة في بيروت. المقاهي كانت محصورة بمن يرغب في تناول القهوة أو لعب النرد أو تدخين النارجيلة.
مع أن المؤتمر الأول لحزب البعث العربي الاشتراكي عقد في مقهي؟
مقهي اللونا بارك الذي صار اسمه مقهي الرشيد في ما بعد.
المركز الثقافي السوفياتي لاحقاً.
نعم. كان هناك أيضاً مقهي الطاحونة الحمراء علي ضفة بردي وكان ميشال عفلق وصلاح البيطار يجلسان فيه.
كان بردي ينساب في تلك المنطقة؟
أكيد. وفي تلك الفترة ظهر مقهي البرازيل ومقهي الهافانا وهما مقهيان اشتهرا بالسياسة. لكن الحياة في دمشق ليست مثل الحياة في بيروت. الشوام بيتوتية أكثر وغير معتادين علي صرف نقودهم في المقاهي. الشامي حتي الآن عندما يغلط يجلس في المقهي. فإذا اضطر لمواعدة صاحبه في مقهي تراه حينما يأتي النادل قائلاً له: أؤمر ، يجيبه الشامي: ماشي . فهو لا يعرف، في كثير من الأحيان أنه إذا أراد الجلوس فـي المقهي عليه أن يطلب شيئاً. لماذا؟ لأن الشوام اعتادوا القيام بنزهات (السيران) إلي مقاهي دمـر والربوة، وهناك كانـوا يستأجرون الكراسي بنصف ليرة طيلة النهار، ويأخذون حاجاتهم معهم. بينما الميسورون منهم فقط يطلبون من أصحاب المقهي بعض الطلبات.
لم يكن للمقاهي، إذن، شأن مهم في الحياة الثقافية والاجتماعية لمدينة دمشق؟
ليس علي حد علمي، اللهم إلا مقهي البرازيل خلال فترة حكم عبد الناصر حين صار مصدراً لترويج نكات الهزء بالحكم. ومقهي الهافانا الذي صار ملتقي الضباط المسرحين، الذين هيأوا لانقلاب 8 آذار (مارس) 1963.
من هم أصدقاء الطفولة وأين صاروا؟
هذا السؤال يغمر قلبي بالحزن. إن أقرب صديق إلي من أصدقاء الطفولة مات منذ سنوات اسمه فريد دوماني. أصـدقاء الطفولة كلهم توزعوا هنا وهناك، ولا يوجد لدي أصدقاء حميمون في هذه الأيام. أصدقاء فترة المراهقة تناثروا أيضاً أو ماتوا. أنت تتحدث إلي رجل تجاوز السبعين، وهو صار يفقد الأصدقاء الواحد تلو الآخر.
هل لمع من بين أصدقاء الطفولة أحد في التاريخ المعاصر لسورية؟
من بين هؤلاء واحد من أعز أصدقائي اسمه نايف جربوع. هذا الرجل صار مديراً للتلفزيون، وكان قد انتخب نائباً في انتخابات حـرّة سنة 1961، وأصبح وزيراً ومات وزيراً. وهناك أيضاً سامي صوفان من يبرود. هؤلاء أصدقاء أعزاء جداً، وقد ماتوا مع الأسف مبكّراً. لكن لم يظهر عباقرة بين أصدقائي لا في الثقافة ولا في الأدب.
هل التعليم كان فاشياً في عائلتكم في ذلك الزمان؟
أنا درست في مدرسة الآسية، وهي مثل مدرسة التجهيز. وتعلمت الفرنسية في صغري ثم الانكليزية، لكنني بقيت ضعيفاً في اللغتين. وكنت أطالع كثيراً: قرأت طه حسين وجرجي زيدان وغيرهما من أعلام الأدباء والمؤرخين. وفي الجامعة قرأت الماركسية وغاندي ونهرو، وكنت أتصور أنني أصبحت من المثقفين. لكن، عندما أتيت إلي بيروت مطارداً، وبعد إقامتي فيها أقل من سنة وقعت هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) 1967. وهذه الهزيمة هزتني بقـوة، وأرغمتني علي مراجعة حياتي الخاصة كلها. ومنذ ذلك الزمان تغيّرت نظرتي إلي السياسة. ما عدت متآمراً، وصرت أؤمن أن الحكاية ليست قصة حكم ومعارضة، بل عـرب وإسرائيليين. كان مضي علي وجودي في بيروت أكثر من سنة، وخلال هذه الفترة نسجت صداقات شتي مع أساتذة جامعيين ومع صحافيين وتجار وأطباء ومحامين، واندمجت في الحياة الاجتماعية البيروتية بسـرعة لأن ثمة صداقات وعلائق قرابية هيّأت لي هذا الأمر. ومن أصدقائي، في تلك الفترة، منح دبغي صاحب مقهي الهورس شو ثم مقهي السيتي كافيه ، الذي يظن البعض أنه صاحب مقهي فقط، لكنه مثقّف وقارئ وحائز البكالوريوس من الجامعة الأميركية في بيروت، وله ذائقة فنية عالية ولا سيما في الفن التشكيلي. وأود أن أروي لك الحادثة التالية: فقد كنا في إحدي السهرات، والحديث يدور علي كتاب ملوك العرب . فالتفت إلي الدكتور يوسف إيبش وقـال: ألم تقرأ هذا الكتاب؟ فقلت له: لا. فقال: يا نبيل كيف يحدث أن شخصاً مثلك يعمـل في السياسـة ولم يقـرأ كتاب أمين الريحاني هذا! وكنت أحسب كتاب الأمير لمكيافيللي كتاباً غير أخلاقي، لأكتشف أنه كتاب تأسيسي في علم السياسة. هكذا كانت بيروت حينما جئتها في سـنة 1966. كان أدونيس نجماً مبدعاً في سماء بيروت، وفيها كانت مغامرته الشعرية الكبري. كان في بيروت وقتذاك سبع عشرة جامعة وأكاديمية وعشرات الصحف ومئات دور النشر فضلاً عن معارض الفن التشكيلي والمسـارح والمحاضرات والندوات والمجـلات الأدبية والفكرية والحركات السياسـية. واكتشفت أنني لسـت مثقفاً البتة، بل شـبه أمّي، لأن التعليم في الشام هو التعليم اللاتيني الذي جلبه لنا الفرنسيون، وكان متخلفاً عن التعليم الانكلوساكسوني والألماني. قصاري القول، إن الجميع متعلم في عائلتنا. وأقل قدر من التعليم كان شهادة البكالوريا. أختي هند التي تزوجت منصور الأطـرش حائزة الليسانس في الفلسفة باختصاص في التربية. وأخي درس الأدب العربي، وسافر إلي فرنسا لمتابعة دروسـه. جدي لأمي كان ميسوراً أكثر من جدي لأبي، لكنه كان محافظاً في علاقاته الاجتماعية. مثلاً كان من ضمن جهاز العرس لأمي ملاية . وكان ممنوعاً علي المرأة قص شعرها وممنوع عليها السفور. جدّي لأبي كان أقل تعصباً؛ مع أن جدي لأمي كان أكثر عصـرية فلبس البزة الإفرنجية. أما جدّي لأبي فكان يعتمر طربوشاً ويلبس قمبازاً عربياً والسترة العربية الشامية.
القمباز المقلّم.
بالضبط. وأعرف ذلك من الصور. جدّي لأمي كان طموحاً للعلم وميسوراً في الوقت نفسه، وقادراً علي إرسـال أولاده إلي خارج دمشق للدراسة؛ فقبل الحرب العالمية الأولي بعث ثلاثة من أولاده الكبار بينهم أمي وخالتي الأكبر منها إلي القسم الداخلي في مدرسة زهرة الإحسان في بيروت. وأرسل ابنه خليل، الذي أصبح مصـرياً في ما بعد، إلي الكلية الوطنية في عاليه التي كان مارون عبود مديرها آنذاك. وكان معه في الصف ذاته صبري حمادة.
هذه حكاية جديدة. فحسب الشائع أن صبري حمادة غير متعلم؟
ربما اقتصـر تعليمه علي المرحلة الابتدائيـة فحسب. لكن عندما وقعت الحرب العالمية الأولي عاد الجميع إلي دمشق. ولهذا فإن أمي التي ماتت في التسعينات من القرن العشرين وعمّرت حتي الرابعة والتسعين كانت تتكلم الفرنسية. وأنا نشأت في عائلة تعتني جيداً ليس بالعلم فقط، بل بالصحة والثقافة أيضاً. ووالدي كان مثقفاً بمعايير عصره، ويقرأ باستمرار. وأذكر أنه كانت لدينا دائماً في المنزل صحيفتان ( الأهرام و النصر ) عدا عن المجلات الأسبوعية.

الصحف المصرية

كانت الصحف تأتيكم من مصر؟
كان مشتركا في الهلال والمقتطف، وكانت أعدادها القديمة مجلدة وموضوعة في غرفة المهملات أسفل الدرج. وكنت في الصيف أنزل إلي تلك الغرفة وأمضي فيها ساعات القيلولة القائظة وأروح أطالع تلك المجلدات، وأستطيع أن أزعم أنني اكتسبت منذ الطفولة وقبل العاشرة، المعلومات وطريقة التفكير العصري من تلك المجلدات.
هل كان ماسونياً؟
لا، أبداً.
لأن الهلال والمقتطف مجلتان ماسونيتان؟
لا أعرف، لكنه لم يكن ماسونياً. حتي أن عمّي الأصغر منه عندما أراد الانتساب إلي الماسونية منعه. وتروي لي الأديبة كوليت الخوري، أن والدها سهيل الخـوري حينما حاول الالتحاق بالماسونية منعه والده فارس الخـوري، مع أن فارس الخوري كان رئيس أكبر محفل ماسوني في بلاد الشام.
غريب. المسألة تحتاج تفسيراً؟
المهم، كانت لدي عائلتنا عادات صحية جيدة كالمشي والاعتناء بالنظام الغذائي واستعمال فرشاة الأسنان حتي قبل أن تشيع هذه العادات في المجتمع.
هذه دمشق المتنعّمة في تلك الفترة؟
لم يمت طفل في العائلة وهو رضيع، ولم يمرض أي واحد منا مرضاً قوياً.
ما هي وسائل اللهو لديكم في تلك الفترة؟ أين موقع السينما والمسرح والحفلات الموسيقية في حياتكم اليومية؟
لم تكن ثمة مسارح.
ألم يكن المسرح موجوداً؟ أبو خليل القبّاني كان مشهوراً في دمشق.
ليس مشهوراً تماماً.
وفخري البارودي وصالونه الأدبي والغنائي الذي اشتهر فيه صباح فخري في ما بعد؟
لم يكن لنا صلة بهذه الأمور وبهذه الأجواء.
ما السبب؟ هل كانن طابع حي الميدان جافاً وجدياً معاً؟
نعم. طابع الميـدان وجدية أبي وصرامته، ثم الحال المادية التي بدأت تتدهور. وأذكر أن أبي طالما اضطر إلي رهن قطعة من أثاث المنزل أو قطعة من مصاغ أمي حتي يسـتطيع سداد دينه. وكثيراً ما كان يأتي من عمله إلي المنزل سيراً لأنه لا يملك أجرة الترامواي. وكان، في الوقت نفسه، مصراً علي الحفاظ علي مستواه المعهود وعلي تعليم أولاده الخمسة: ثمانية أفواه في البيت عليه أن يؤمن لها حاجاتها: أبي وأمي وخمسة أولاد وخادمة تعيش معنا. كانوا يسمّونها صانعة ، ويكرهون أن يطلقوا عليها صفة خادمة أو خدامة . وبعد ذلك صاروا يسمونها لفّاية ، أي التي تأتي إلي العمل في هذا المنزل في يوم وتعمل في منزل آخر في يوم آخر.
دمشق المدينة التي يحكمها التجار ورجال الدين ومالكو الأرض تبدو كأنها مدينة مرصودة للتجارة والسياسة فقط، فلم تنشأ فيها تيارات ثقافية جذرية، أو حركات فكرية عميقة. فهل كان نزار قباني، علي سبيل المثال، يهز ثقافتكم التقليدية؟
هزّ ثقافة الجيل الذي قبلي.
هل كان اسماً متداولاً كثيراً في دمشق؟
طبعاً، وكنا نحبه، وهو صديقنا.

تجار الشام والسياسة

كيف تفسّر إذن هذا العقم النسبي في الإبداع الفكري في دمشق الذي لا يتناسب مع أهميتها التجارية والسياسية؟
لدي تفسير أولي وبسيط. الشوام يعيشـون في جنّة. حياتهم مكتفية، وفيها رخاء كثير. وأنا هنا أتكلم علي القرن التاسع عشر. وهذه المدينة لا تعاني اضطرابات اجتماعية عاصفة. فالتسلسل الطبقي محفوظ بدقة، ولم يوجد أحد علي استعداد للثـورة عليه وتغييره. وأنا اكتشفت من مذكرات أكرم الحوراني لماذا اتخذت الحركـة الشعبية في حماة طابعاً مناوئاً وتغييرياً، بينما ظل البعث في دمشـق بعث أفندية. لأن أهل الشام تجار أذكياء جداً، فهم يديرون الزوايا الدينية لمصلحتهم. وتري المعلّم يقول للصانع الذي يعمل تحت إمرته: سيدي . فيجيبه الصانع: سيدي وسيدك الله سيدي . حتي بيوت أهل الشـام مختلفة. أنت حينما تقرع الباب ويفتح لك، تظن للوهلة الأولي أن هذا المنزل فقير جداً. لكن ما إن تدخل حتي تري الأمور علي غير ظاهرها. وما إن تجتاز الرواق حتي تجد جنة حقيقية. والشـامي مهما يكن دخله اليومي، فهو لا ينفك قائلاً: ساترها الله . أي أنهم لا يتظاهرون بالثروة ولا يتفاخرون بها ولا يستفزون فقراءهم بالسفه. ولذلك لم يتطور في دمشـق الحقد الطبقي. وفي الأساس لم تشهد دمشق ظاهرة الملكيات الكبيرة جداً مع أن حكّام دمشق في أيام العثمانيين هم من الملاّكين ورجال الدين.
والتجار؟
التجـار طبقة ثالثة. والتاجر مهما صار غنياً، إذا لم يصبح من المالكين العقاريين يبقي بلا وجاهة، أي بلا سلطة سياسية. الشوام رفضوا الملك فيصل. وبعضهم تعاون مع الفرنسيين مثل عائلات الألشي والحسني.
عبد الرحمن اليوسف مثلاً.
نعم. تعاونوا مع الفرنسيين ضد الفيصليين. لماذا؟ لأنهم يريدون أن يحكموا. كانوا حكاماً في أيام العثمانيين وعندما جاءت جمعية الاتحاد والترقي انقلبت الأمور. فجمعية الاتحاد والترقي أرادت أن تبني دولة حديثة. طار عقل الشوام وملاكي الأرض، وظهرت في تلك الفترة فكرة القومية العربية التي صاغها بعض المفكرين المسيحيين في لبنان.
أمثال بطرس البستاني.
لا، قبل ذلك. المهم أن قصة القومية العربية كانت غريبة علي أهل الشام، ولم تدخل عقولهم حتي الآن. الدعوة القومية العربية غريبة علي بلادنا وغريبة علي الإسلام، وهي تحتاج إلي إعادة نظر والي مراجعة نقدية شاملة. إن أهل الشام الذين كانوا حكاماً في أيام العثمانيين انضموا إلي مناوئي العثمانيين. لكن جمعية الاتحـاد والترقي لم تلبث أن أطلقت الدعوة الطورانية. وهذه الدعوة خلقت ردة فعل اسمها العروبة . أي أن لسان حال أهل الشام كان يقول: إننا نقبل حكمكم بالإسلام فنكون سوية. أما مَن سيحكم بلاد العرب فالعرب أولي. لم يصدق أهل الشام كيف تخلّصوا من العثمانيين ظناً منهم أنهم يستطيعون التفاهم مع الإنكليز والفرنسيين علي استقلال سـورية. لكن عندما جاء الجنرال غورو واحتل دمشـق في سنة 1920 تضعضع الوضع. هناك فارق بين سياسة عبد الرحمن الشهبندر في دمشق وسياسة إبراهيم هنانو في الشمال واتجاه سلطان الأطـرش في السويداء وبين الاتجاه الدمشقي الذي كان يمثله شكري القوّتلي وجميل مردم وفارس الخوري الذي هو في الأصل ليس دمشقياً ولكنه صار دمشقياً. فشلت ثورة 1925 لأنها كانت ريفية. وتحول النضـال إلي النضال المـديني، وتزعم هذا النضال أهل المدن. في دمشـق جميل مردم وفارس الخوري وشكري القوّتلي، وفي حلب سعد الله الجابري، وفي حمص هاشم الأتاسي. فترة النضال هذه استمرت عشر سنوات فقط من 1928حتي 1938. وعندما تسلم أهل المدن في سنة 1936 السلطة السياسية بعد المعاهدة الفرنسية ـ السورية ظهر أنهم فالصو ، وبدأ حكم المزرعة منذ ذلك الوقت. وحده شكري القوّتلي تميز عنهم في حادثة جرت عندما كان وزيراً للمالية في حكومة جميل مردم. فعندما سـافر القوّتلي إلي الحج وقّع عنه جميل مـردم إحدي القضايا فاستقال القوّتلي وأُعلن أن السـبب يتعلق بالنزاهة. والحقيقة ان الأمر يتعلق بتنازع الصلاحيات لا أكثر ولا أقل. لكن الجميع راح يتآمر علي عبد الرحمن الشهبندر لأن الشهبندر لم يكن من العائلات المالكة للأرض.
إنه من التجار كما يشير اسمه؟
نعم، وكان مثقفاً وتقدمياً وعلمانياً وزعيماً شعبياً معاً. أي أن الناس هي التي سارت خلفه لا العائلات. فقتلوه ولم يحاكموا القَتَلَة محاكمة سياسية بل جنائية فقط، مثل حادثة اغتيال اسحق رابين. لأن المحاكمة السياسية كانت ستُسقط الطبقة السياسية كلها وقتذاك. أهل الشام رفضوا زعامتين توالت عليهم. طبعاً أنا أتكلم علي الصفوة، أي عن أهل الحلّ والعقد. فنحن إلي الآن لم نصل إلي تنظيمات وأحزاب شعبية ومجتمع مدني منظم، وثقافة ديمقراطية تصنع رأياً عاماً يفرض نفسه...!
تقصد بالزعامتين الشهبندر والملك فيصل؟
لا، فيصل ليس زعامة. الشهبندر وأكرم الحوراني. أكـرم الحوراني زعيم شعبي حقيقي كان بدأ يحفر مكانة له في دمشق حتي جاء عبد الناصر فمشي أهل الشام معه ليتخلصوا من الحوراني. وعندما حققوا ذلك تآمروا علي عبد الناصـر وانقلبوا عليه، إلي أن جاءتهم زعامة حافظ الأسد مدعومة بالجيش وفُرضت عليهم.
فُرضت عليهم أم قبلوا بها؟ لقـد علقوا علي جـدران سـوق الحميدية يافطة تقول: طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد ؟
قبلوا بحافظ الأسد ومشوا معه. وهو عزّز لهم مصالحهم التي لم تكن علي ما يرام في العهد السابق. أهل الشام مرفهون لا يرغبون في الحرب أو المنازعات. الفتح العربي الإسلامي جري بيسر وبمساعدة بعض سكان دمشق داخل السور، وربما من بعض المسيحيين أيضاً الذين ساعدوا الجيش العربي علي فتح دمشق.
دخل قادة الجند إما بالحبال أو بالتفاهم؟
خالد بن الوليد تدلي من الباب الشـرقي ودخل الشام فاتحاً بلا شروط. آخرون فتحـوا الباب الغربي لأبي عبيدة بن الجـراح فدخل سلماً. هذه هي حربقة الشوام في مدينة تجارية زعماؤها مالكو الأرض. أما حي الميدان، فكما قلت، حي مال قبان، وكانت هناك جمعية للتجار تنظر في الخلافات والجميع يمتثل لقراراتها. وإذا خالف واحد من التجار يقاطعه الجميع فيفلس. لذلك لم تكن تقام الدعاوي القضائية قط.
حسناً. هل كانت علاقات التجار، ضمن دمشق القديمة، تختلف كثيراً؟
طبعاً، طبعاً.
كيف؟ نحن نسمع أن التاجر في الشام كان إذا لاحظ أن جاره صاحب الدكان لا يبيع في هذا اليوم، ثم يأتي زبون يطلب غرضاً ما فيقول له الأول: لا يوجد عندي من هذا الصنف، إذهب إلي جاري. هل هذه من المبالغات؟
ربما هي مبالغات التجار الصغار وبعض الصادقين جداً. وغالباً ما يكون مثل هذا التاجر شيخاً.
كيف تتذكر دمشق في الأربعينات وكيف تقارنها بدمشق اليوم؟
كانت أجمـل وألطف وأكثر رخاء. المناخ اختلف كثيراً. في الشتاء كانت أبرد وفي الصيف كانت ألطف والربيع كان أجمل. وأفضـل ما سمعت في وصف الشام أن دمشق انتقلت من مدينة يتراوح سكانها بين 300 و400 ألف شامي إلي مدينة هي، بالفعل، عاصمة سورية، لأن فيها اليوم أربعة ملايين مواطن من جميع مناطق سورية. فمن مدينة حماة وحدها مئة ألف ومن دير الزور خمسون ألفاً، وهكذا من بقية المدن والأرياف خصوصاً