آخر الأخبار

طلاس يروي أحداث انقلاب رفعت الأسد-1-

الحلقة الاولى

استشعر الرئيس الأسد أن رفعت جاد في عملية السيطرة على دمشق فطلب مني إحباطها واشعاره أن المواجهة ستكون عملية انتحارية

في أوائل شهر شباط (فبراير) من العام 1984 كنت متوجهاً الى مكتبي في القيادة العامة ولدى مروري قرب حديقة الجاحظ لاحظت عدّة صور ملصقة على الحيطان لشقيق الرئيس «العميد رفعت الأسد» وكانت الصورة تمثله وهو رافع قبضة يده كدليل على القوة والتحدّي,, ولم أكن مرتاحاً نفسيّاً لهذه المناظر المؤذية والغبية وقلت بنفسي طالما أنّني انزعجت منها فلابدّ أنّ الرئيس حافظ الأسد سيكون أشدّ انزعاجاً لأنّ هذا الموضوع يخصّه بالدرجة الأولى قولاً واحداً.

كان الرئيس الأسد الشخص الوحيد الذي يتابع المواضيع الأمنية داخل الوحدة /569/ (سرايا الدفاع) ذلك أنّ العميد رفعت عندما كان يستشعر أنّ أحد ضبّاط الأمن في وحدته يتعامل مع شعبة المخابرات كان يزجّ به في السجن الخاص بالوحدة ولا يعود أحد يعرف عنه شيئاً لذلك أصبحت الوحدة تشكل (غيتو) خاصاً يصعب انتهاكه ومع هذا فقد كان للقائد الرئيس حافظ الأسد بعض الضباط داخل الوحدة يزوّدونه بأخبارها الخاصة عبر قنوات سريّة للغاية لم يستطع حتى رفعت نفسه أنْ يحيط بها, وبدأت تتشكّل القناعة لدى القائد الأسد أنّ رفعت يبيّت شيئاً ما وأنّ الوحدة في حالة استنفار دائم مع أنّ الظروف المحلية لم تكن تستوجب ذلك.

اقصاء قائد الكتيبة «170»

في منتصف شهر شباط فبراير عام 1984 وجّه القائد حافظ الأسد بنقل قائد الكتيبة «170» (كان القائد الاسد يهدف من وراء عملية حماية القيادة العامة من سيطرة العميد رفعت المباشرة عليها كما ان تغيير القائد المحسوب شخصيا على رفعت وبخاصة في هذا المركز وفي هذا الظرف يعني ان صاحب القرار في تعيين الضباط ونقلهم هو الرئيس الاسد قولا واحدا, كما ان نقل هذا الضابط يعتبر اول ثقب في قلعة رفعت الاسد) وهي الوحدة المكلّفة بحراسة مبنى القيادة العامة ووزارة الدفاع وكان قائد الكتيبة العقيد سليم بركات من أتباع العميد رفعت الأسد ومن المحسوبين عليه شخصيّاً وقد تمكّن رفعت من اقناع الرئيس الأسد بتعيين هذا الضابط (رغم قلة كفاءته المسلكية) في فترة نشاط الاخوان المسلمين في أواخر السبعينيات ورغم معرفتي بتفاهة هذا الضابط ويشاركني في الرأي رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي ورئيس شعبة المخابرات اللواء علي دوبا فانّنا لم نُبدِ رأينا بصراحة وتركنا الأمر يصدر دونما لفت نظر للسيد الرئيس لأننا كنّا نعلم أنّ رفعت كان هو وراء هذا التعيين وكان الهاجس الأمني هو المسيطر على ذهن السيد الرئيس ولذلك كانت الكفاءة العسكرية تتراجع الى المرتبة الثانية.

ولمّا كان أول الغيث قطرة فقد صدر الأمر بنقل الضابط المذكور بتاريخ 19/2/1984وتعيين المقدّم علي يونس عوضاً عنه وتمّ ابلاغ أمر النقل لقائد الكتيبة «170» من قِبل العماد حكمت الشّهابي لأنه يتبع اليه مباشرة وكان ذلك في 18/2/1984 الساعة الحادية عشرة صباحاًَ كما تمّ ابلاغ اللواء علي دوبا من قِبل العماد حكمت أيضاً بأنّ قائد الكتيبة المنقول محظر عليه دخول مبنى القيادة العامة بتاتاً.

غادر قائد الكتيبة «170» مبنى القيادة العامة وهو بحالة غضب شديد وتوجّه مباشرة الى مقر قيادة العميد رفعت الأسد في القابون وشكا له الأمر وكان توجيه رفعت للضابط بأنّ يعود مساءً الى قيادة الكتيبة ويتسلّم قيادتها من جديد وكان العميد رفعت يعتقد بداخل نفسه بأن القائد الأسد أصدر أمراً بنقل أربعة عشر ضابطاً من المحسوبين على رفعت الأسد بتاريخ سابق ولم ينفذ منهم أحداً الأمر وسكت الرئيس الأسد على مضض ولو لم يكن هؤلاء محسوبين على شقيقه رفعت لكان مصيرهم السجن أو العزل من الجيش في أضعف الاحتمالات.

في الساعة الخامسة بعد الظهر عاد قائد الكتيبة المنقول العقيد سليم بركات الى مقر القيادة العامة ولم يمانع الحرس لأنّهم أساساً من عناصره وطلب الى قادة السرايا أنْ يجمعوا له عناصر الكتيبة بلباس الميدان الكامل وبعد دقائق كان الاجتماع جاهزاً في ساحة الأركان الخلفية فخطب بهم قائلاً: «لقد عيّنت قائداً للكتيبة بتوجيهات من العميد رفعت الأسد ولن أغادر هذه الكتيبة الاّ بأوامر شخصية من القائد رفعت الأسد (كان هذا التعبير يروق كثيرا للعميد رفعت ولذلك كان عناصر سرايا الدفاع كافة يردّدون هذه العبارات وكذلك المنافقون من عسكريين ومدنيين)».

وعَلِمَ اللواء علي دوبا بالأمر من قائد الكتيبة الجديد فتوجّه مباشرةً بسيارته الى مقر قائد الكتيبة وطلب الى العقيد أسعد صباغ والمرافقة أنْ تلحق به وصعد مباشرة الى حيث يتواجد العقيد بركات وتوجّه نحوه قائلاً: لقد انتهى كل شيء ولم يعد لك مكان في هذه الكتيبة وعليك أنْ تغادر فوراً, وصرخ العقيد بركات وهو شاهر مسدسه: سيدي اللواء لا تقترب منّي رجاءً,, فقال له اللواء دوبا: بل سأقترب منك يا ابن الكلب.

وفي هذه اللحظة وصل العقيد صباغ وعناصر المرافقة (أربعة مساعدين مسلّحين بالبنادق الروسية) وقاموا بتجريد العقيد بركات من سلاحه وهتف اللواء دوبا الى العماد حكمت بأنّ المسألة قد حُلّت,, والتفت الى العقيد سليم قائلاً: أتشهر مسدّسك عليَّ يا سليم فقال له: معقول يا أبا محمد أنْ أشهر مسدّسي عليك,, وهنا قام اللواء دوبا بصفع العقيد بركات على خدّه: أنا اللواء علي دوبا ولست أبا محمد سأحاكمك يا سليم بركات, ثم أمر اللواء دوبا باطفاء الأنوار في الكتيبة وأمر العقيد أسعد صباغ بانزال العقيد بركات في سيارته وزجّه في سجن الشرطة العسكرية بموقع القابون وانتهت الحادثة دون ضجيج وبقي الذين يعلمون بها محصورين في أشخاص معدودين.

بداية المواجهة الحامية بين الطرفين

لم يهضم العميد رفعت الأسد هذا الاجراء، ولذلك قرّر المواجهة بعد نصائح أصدقائه، في الداخل والخارج، التي أخفقت معها الأساليب كافة للسيطرة على قرار الرئيس حافظ الأسد المستقل والذي يخدم المصلحة السورية ويتناغم مع مصلحة الأمة العربية، ولهذا وجدت واشنطن الفرصة مناسبة لكي توجّه عملاءها نحو تصعيد الأمور في وجه الرئيس الأسد، لأنّ شقيقه رفعت سيكون حتماً مطواعاً لسياسة البيت الأبيض وعلى النقيض من شقيقه وفقاً لحساباتهم ومعلوماتهم ومعلومات أصدقائهم, وكما ذكرت فانّ الرئيس الأسد كان الشخص الوحيد في القوات المسلحة الذي يمسك ببعض الخيوط الأمنية في سرايا الدفاع وعندما تأكّد أنّ المواجهة قادمة لا محالة وأنّ رفعت الأسد قد رفع الجاهزية القتالية في سرايا الدفاع منذ أسبوع أي أنّ العملية جديّة وليست عملية اختبارية لتفقّد الجاهزية القتالية للتشكيل,

وفي الساعة الثانية الاّ ربعاً من صباح 25/2/1984 هتف لي الرئيس الأسد الى المنـزل وأعطاني التوجيه التالي: «ارتد لباسك العسكري وتوجّه مباشرة الى مكتبك في القيادة العامة واستنفر التشكيلات الضاربة القريبة من دمشق وارفع درجة استعدادها القتالي الى الكامل لأنّ العميد رفعت الأسد استنفر سرايا الدفاع بالكامل وهو يعدّ العدّة للسيطرة على دمشق لذلك يجب أنْ تتّخذ الاجراءات كافة لاحباط خططه وليكن في علمك أنّ رفعت الآن جادٌّ هذه المرة في موقفه وأنا أعرف أنّك لا تخاف من أحد ولكن يجب أنْ تضع في اعتبارك أنّ المواجهة قائمة لا محالة ولذلك ليس أمامك من طريق سوى اشعاره بأنّ المواجهة مع الجيش ستكون عملية انتحارية له ولأتباعه كافة».

وفي دقائق معدودة كنت مرتدياً لباس الميدان ووصلت الى مبنى القيادة العامة الساعة الثانية وخمس دقائق واستنفرت فوراً لواء الصواريخ المحمول على دبابات والذي تبلغ دقّته بضعة أمتار كما استنفرت اللواء «65» المضاد للدبابات والذي يقوده العميد علي هرمز والوحدة «549» (سرايا الصراع ضد الدبابات) والتي يقودها العميد عدنان الأسد (ابن شقيق السيد الرئيس) كما استنفرت قائد الفرقة الأولى اللواء ابراهيم صافي وقائد الفرقة الثالثة اللواء شفيق فياض وقائد الفرقة السابعة العميد علي حبيب و قائد الفرقة التاسعة اللواء عدنان بدر الحسن وتمّ هذا الاجراء في أقل من خمس دقائق وبعد ذلك وصل الى مكتبي تباعاً اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي وقال لي كلّ منهما: انّ الرئيس الأسد وضعنا تحت تصرّفك لكي ننجز المهمّة التي كلفت بها، قلت لهما: لقد استنفرت الوحدات والتشكيلات التي سبق ذكرها ودونكما الهواتف على مكتبي فقوما باستنفار الوحدات القريبة من دمشق وبدا مكتبي كأنّه غرفة عمليات وكل واحد منّا يتكلّم مع قائد تشكيل ويطلب اليه رفع الاستعداد القتالي الى الكامل,,, وهكذا تمّ استنفار بقيّة ألوية الصواريخ و القوى الجوية والدفاع الجوي وألوية مدفعية احتياط القيادة العامة وسرايا المهام الخاصة في شعبة المخابرات وسرايا الشرطة العسكرية ومفارز مخابرات القوى الجوية,,, يعني لم نترك قائداً قريباً من دمشق وبأمرته وحدة مقاتلة الاّ وتمّ رفع جاهزيّته القتالية الى الكاملة، مع تأكيدنا للضباط كافة أنّ الرئيس الأسد يضع ثقته المطلقة بهم.

وأعلمت الرئيس الأسد بالوضع في الجيش وأنّ الوحدات والتشكيلات القريبة من دمشق أصبحت جاهزة لتلقّي أيّة مهمّة وشكرني على هذا الانجاز وأوصاني بالمتابعة,,, وهنا لابدّ من أنْ أقول كلمة حول ذاكرة الرئيس الأسد بأسماء التشكيلات وأرقامها,,, فلم يترك سريّة أو كتيبة أو لواء أو فرقة في القوات المسلحة الاّ وذكرها وطلب استنفارها وعندما كنت أقول له: لقد تمّ الأمر سيدّي، وبعد خمس دقائق يرنّ جرس الهاتف والمتكلم كان بالطبع الرئيس الأسد الذي كان يذكّرني بوحدة جديدة وكنت أقول له لقد تمّ استنفارها ولم تهدأ المكالمات والاتصالات الاّ قرابة السابعة صباحاً حيث طلبت من الرئيس راجياً أن يخلد الى الراحة ويأخذ قسطاً من النوم وقلت له مازحاً: «بقي رب العالمين لم نستنفره بعد»!, فقال ضاحكاً: لأنّه معنا، طيّب الله يعطيك العافية (اجرى القائد الاسد معي في تلك الليلة اكثر من مئة اتصال هاتفي ولو انني استخدمت آلة التسجيل لحصلت على وثيقة نادرة تبرهن مدى قوة واتساع ذاكرة الرئيس الاسد ولكن يبدو ان هذا الموضوع اصبح يتمتع باجماع عربي ودولي).

كان اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي قد استأذنا في الساعة الرابعة صباحاً للنوم في مكاتبهما و بقيت وحدي في المكتب أتلقى اتصالات السيد الرئيس, وفي احدى المكالمات قلت للرئيس: صحيح أنّنا غيّرنا قائد كتيبة الحراسة لكنّنا لا نعرف الألغام التي وضعها رفعت في الكتيبة كما أنّ حراسة القيادة القطرية (1) القريبة من مبنى القيادة العامة هي من سرايا الدفاع ولذلك فان أمننا القريب لا يوحي بالاطمئنان فهل تسمح لي بأن أنقل فوجاً من الوحدات الخاصة ليكون احتياطاً قريباً في يدي,, فقال لي: هل تستطيع ذلك دون أن تخبر اللواء علي حيدر (وكان الرئيس الأسد يعلم بأنّ هناك تنسيقاً كاملاً بين شقيقه رفعت وعلي حيدر) فأجبته أنّني قادر على ذلك ولمّا سألني أي فوج مغاوير سوف تُحضر من لبنان؟,, أجبته: الفوج «35» الذي يقوده العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان, فأجاب: أشك في أنّك سوف تنجح في هذه المهمة!,, فقلت له أنا على يقين من النجاح طالما أنّني مغطّى بأوامرك,, فقال: استخدم صلاحيّاتي المطلقة في هذا المجال وتمنّى لي التوفيق.
الوحدات الخاصة تبدّل ولاءها

في الساعة التاسعة صباحاً كان في مكتبي العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان وأعطيتهما فكرة عن الموقف وقلت لهما لابدّ من قلب معادلة الأمن القريب وهذا لا يكون بعناصر الشرطة العسكرية وانّما برجال من المغاوير المتمرّسين على القتال ولذلك »أطلب اليكما باسم الرئيس حافظ الأسد أن تأمرا الجنود والضباط كافة الذين بأمرتكم أن يتوجهوا فوراً من مكان تمركزهم الى معرض دمشق الدولي وهو المكان الذي حدّدته كنقطة ازدلاف للجميع، وذلك لقربه من القيادة العامة ولأنّ أجنحته المتعددة والواسعة تسمح بمبيت الرجال دون أنْ نلفت انتباه أحد, وعندما سألني العقيد محسن: كيف نتصرّف اذا حاولت مفارز سرايا الدفاع من الألوية المحيطة بدمشق منعنا؟,, وكان جوابي: انّ الحركة يجب أن تكون افرادية على السيارات العابرة وبوساطة عربات المبيت شريطة ألا تشكّل العربات أي رتل اطلاقاً وعندما تواجهون عناصر سرايا الدفاع عليكم بضربهم بأخمص البندقية واذا استمرّوا في الممانعة فما عليكم الاّ أن تقلبوا لهم ظهر المجن ووجّهوا نحوهم فوهة البندقية التي تنبع منها السلطة السياسية في الحالات الثورية كما قال الرفيق «ماوتسي تونغ»، عند ذلك سوف تجدونهم يفرّون من المجابهة لأنّ ارادة القتال لديكم أقوى بكثير وأنتم حُماة السلطة وهم الخارجون على القانون.

وأخيراً سألني العميد صبحي الطيب والعقيد محسن سليمان: طيّب ماذا سنقول للّواء علي حيدر اذا سألنا عن سبب ارسال قواتنا الى دمشق من دون علمه؟,, فقلت لهم: الجواب في منتهى البساطة لقد سأل عنك العماد طلاس فلم يجدك ونظراً لخطورة الحالة فقد استدعانا الى مكتبه و طلب الينا تنفيذ توجيهات الرئيس الأسد وهكذا صار,,, وصافحتهما متمنيّاً لهما التوفيق, وتوجّه قائد الفوج ورئيس أركانه الى منطقة عنجر وقاما بتنفيذ المهمة على أكمل وجه.

في الساعة التاسعة والنصف صباحاً حضر الى مكتبي العماد حكمت الشهابي والعماد علي أصلان حيث وضعتهما في صورة الموقف وقلت لهما انّ سبب عدم استدعائهما كان أولاً من أجل تنفيذ عملية الاستنفار بشكل سرّي بحيث لا تعرف به شعبة العمليات الا لاحقاً حتى لا يعرف العميد رفعت الأسد بالموضوع، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم يكلّفني ذلك سوى بضعة اتصالات هاتفية مع قادة الفرق وقادة التشكيلات وأنتما معتبران حكماً مع الرئيس حافظ الأسد قولاً واحداً, وكان جوابهما: انّ هذا الموضوع لا يحتاج أبداً الى نقاش فنحن مع القائد حافظ الأسد على السرّاء والضرّاء.

في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر حاولت أنْ أخلد الى النوم بعد عمل أربع عشرة ساعة متواصلة ولكن مدير مكتبي بعث اليّ بقصاصة يُعلمني بها بأن اللواء علي حيدر يرغب في مقابلتي، قلت له: دعه يدخل، واستقبلته كالعادة لكنّني لاحظت علائم الاضطراب على وجهه فبادرني قائلاً: سيدي ماذا صنعت أنا لكم وللرئيس حتى تعاملوني كالزوج المخدوع أي آخر من يعلم؟,,, وكان الرئيس الأسد قد رسم لي خطّة لمعالجة هذا الموقف الطارئ, قلت له بوضوح: اذا كنت حقّاً معنا فما عليك الاّ أن تطلب من مكتبي العميد رفعت الأسد وتقول له بصراحة موقفك وعند ذلك فقط سوف أتّصل أمامك بالرئيس وسوف أرسلك لمقابلته فوراً لجلاء أي موقف غامض في قناعة السيد الرئيس، فقال لي: اطلب لي العميد رفعت حالاً، وطلبت العميد رفعت على الهاتف المباشر وكان على الخط في أقل من ثوانٍ وقلت له: أخي أبو دريد اللواء علي حيدر يريد أن يكلمك فسألني: هل هو عندك!، فأجبته طبعاً، فقال لي: صار لي من الصبح وأنا أفتش عنه دونما جدوى (في الوقت الذي كان رجال الوحدات الخاصة يتوجهون الى دمشق من كل فج عميق كان اللواء علي حيدر يتناول الغداء في منزل علي حمية في حور تعلا بالبقاع، وعندما علم بالموضوع قال لعامل المقسم: اريد صبحي الطيب حيا,,, او ميتا,,, وعندما اخذ الهاتف العميد صبحي الطيب قال للواء علي حيدر: لقد استدعاني العماد طلاس الى مكتبه مع العقيد محسن سليمان وطلب الينا نقل الفوج /35/ الى المعرض لمواجهة عناصر رفعت الاسد وان هذه الاوامر عكس توجيهات الرئيس الاسد شخصيا فماذا تريدنا ان نفعل؟,,, فقال له: نفذ اوامر نائب القائد العام) وناولته سمّاعة الهاتف فقال له اللواء علي حيدر: «أبو دريد ما بتعرف أنه في هذا البلد لا يوجد سوى قائد واحد هو الرئيس حافظ الأسد,,, كيف يقوم عناصر من سرايا الدفاع بهذه الأعمال المشينة التي تسيء الى انضباط القـوات المسلحة وكان جواب العميد رفعت: أنت الآن تريد أن تعطيني درساً في الوطنية يلعن أبوك ابن كلب», وأغلق السماعة في وجهه فقال لي اللواء علي حيدر «عجبك»، لقد شتمني وأغلق الهاتف بوجهي، قلت له: الآن حقّ الحق,, واتّصلت بالسيد الرئيس وأعلمته بالحادثة فقال لي: أرسله فوراً الى القصر الجمهوري، وتوجّه من مكتبي الى القصر وتمّ التأكيد على ولاء الوحدات الخاصة للرئيس الأسد، وطبّق اللواء علي حيدر حكمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب «الرجوع الى الحق خير من التّمادي في الباطل», وفي الساعة السابعة مساءً أخذت الاعلام بأن ألفي ضابط وصف ضابط وجندي من الوحدات الخاصة أصبحوا متمركزين في معرض دمشق الدولي، وبذلك أصبح الأمن القريب لمبنى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة جيداً وانقلبت المعادلة لصالحنا كنسبة وتناسب في القوى والوسائط.

ولم أكتف بذلك فطلبت الى العميد عدنان الأسد أن يرسل سّريتي م/د واحدة «مالوتكا» حقائب والثانية من طراز «فاغوت» وتم تمركزهما على سطح مبنى القيادة العامة، وبذلك غدت القيادة العامة قلعة محصّنة لا تُنتهك.

يتبع