
خياراتك الغذائية تبطيء شيخوخة الدماغ
قد يكون شخصان في نفس العمر لكنهما يمتلكان دماغين مختلفين تمامًا. قد يكون أحدهما حادّ التركيز، بينما يكون الآخر كثير النسيان ومشوش الذهن.
الأمر لا يتعلق فقط بالحظ أو الوراثة. فقد اتضح أن النظام الغذائي قد يكون عاملًا مؤثرًا في سرعة شيخوخة الدماغ. والآن، يمتلك الباحثون أدلة دامغة تدعم ذلك.
أظهرت دراسة جديدة أن ما تأكله لا يؤثر فقط على محيط خصرك أو قلبك، بل قد يُشكل مستقبل دماغك بهدوء. شيخوخة الدماغ والخيارات الغذائية يفترض معظم الناس أن الدماغ يشيخ بنفس وتيرة شيخوخة باقي الجسم. لكن هذا ليس صحيحًا.
“فجوة عمر الدماغ” هي الفرق بين عمرك الحقيقي وعمر دماغك في صورة الرنين المغناطيسي. إذا بدا دماغك أكبر من عمرك، فهذه علامة تحذير. وقد ارتبطت هذه الفجوة بمشاكل في الذاكرة، وتدهور معرفي، وأمراض مثل الزهايمر. يمكن لحالات مثل ارتفاع سكر الدم، والالتهابات المزمنة، وارتفاع ضغط الدم أن تُسرّع عملية شيخوخة الدماغ.
لكن هذه الدراسة سعت لمعرفة ما إذا كان التغيير طويل الأمد في النظام الغذائي يُمكن أن يُبطئ هذه العملية – أو حتى يعكسها. ربط النظام الغذائي بصحة الدماغ تابعت تجربة “دايركت بلس” ما يقرب من 300 بالغ لمدة 18 شهرًا.
قُسّم المشاركون إلى ثلاث مجموعات غذائية. خضع كل شخص لفحوصات دماغية مُفصّلة في بداية التجربة ونهايتها. كما فحص الباحثون حوالي 90 بروتينًا مختلفًا في الدم لمعرفة كيفية ارتباطها بشيخوخة الدماغ.
لم تكن هذه دراسة سريعة، بل إنها واحدة من أطول وأكثر تجارب تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي والنظام الغذائي شمولًا على الإطلاق. لم تبدأ الأنماط بالظهور إلا بعد أن حلل الباحثون عمر الدماغ قبل وبعد النظام الغذائي – وقارنوه بتغيرات بروتينات الدم.
تحول كبير في بروتينات الدم
وجد فريق البحث، الذي ضم علماء من جامعة هارفارد، وجامعة لايبزيغ، أمرًا مُلفتًا للنظر. الأشخاص الذين كانت أدمغتهم تشيخ أسرع من المتوقع، ظهرت عليهم تغيرات محددة للغاية في بروتينات الدم.
وقد برز اثنان من هذه البروتينات، وهما جاليكتين-9 وديكورين. انخفضت مستويات كلا البروتينين لدى المشاركين الذين اتبعوا نسخة خاصة من النظام الغذائي المتوسطي، والمعروف باسم النظام الغذائي الأخضر MED. يحتوي هذا النظام على المزيد من البوليفينول (مركبات نباتية طبيعية) من أطعمة مثل الشاي الأخضر والجوز ونبات مائي يُسمى مانكاي.
هناك ما يدعو للاعتقاد بأن هذه البروتينات ليست مجرد بروتينات ثانوية، بل قد تكون لها علاقة مباشرة بعملية شيخوخة الدماغ. تغيير بيولوجيا الدماغ جاليكتين-9 هو جزء من عائلة بروتينات موجودة في خلايا المناعة الدماغية. عندما يرتبط ببروتين آخر يُسمى تيم-3، يمكن أن يُثير نوع الالتهاب الشائع في مرض الزهايمر وغيره من الأمراض العصبية التنكسية.
وقد لوحظت مستويات عالية من جاليكتين-9 لدى الأشخاص الذين يعانون من علامات مبكرة لتدهور الذاكرة. ديكورين هو بروتين هيكلي يعيش خارج الخلايا. يظهر بكميات أكبر في السائل الشوكي في المراحل المبكرة من مرض الزهايمر. مع أن الجسم يحتاج إلى ديكورين، إلا أن فرطه قد يشير إلى خلل في بنية الدماغ أو وظيفته. إن استجابة هذين البروتينين لنظام “غرين-ميد” الغذائي تُشير إلى أمر بالغ الأهمية: تغيير نظامك الغذائي قد يُغير بيولوجيا دماغك.
تغيير بيولوجيا الدماغ
يُعتبر بروتين الجالاكتين-9 جزءًا من عائلة بروتينات موجودة في خلايا المناعة الدماغية. عند ارتباطه ببروتين آخر يُسمى تيم-3، يُمكن أن يُثير نوعًا من الالتهاب الشائع في مرض الزهايمر وغيره من الأمراض العصبية التنكسية. وقد لوحظت مستويات عالية من الجالاكتين-9 لدى الأشخاص الذين يُعانون من علامات مبكرة لتدهور الذاكرة.
الديكورين بروتين هيكلي يعيش خارج الخلايا. يظهر بكميات أكبر في السائل الشوكي في المراحل المبكرة من مرض الزهايمر. وبينما يحتاج الجسم إلى الديكورين، فإن فرطه قد يُشير إلى وجود خلل في بنية الدماغ أو وظيفته. إن استجابة هذين البروتينين لنظام Green-MED الغذائي تُشير إلى أمر بالغ الأهمية: تغيير نظامك الغذائي قد يُغير بيولوجيا دماغك.
تتبع صحة الدماغ
أشارت دافنا باتشر، طالبة دكتوراه والمؤلفة الرئيسية للدراسة، إلى أن هذا النوع من الأبحاث يُمهّد الطريق نحو أداة مُستقبلية مُحتملة. في هذه الدراسة، نخطو خطوة صغيرة نحو إمكانية جديدة – فحص دم بسيط، متاح، وبتكلفة معقولة، يُمكنه في المستقبل أن يُقدم مؤشرًا على حالة الدماغ من خلال تحليل طبقات الأوميكس في الدم، كما قال باتشر.
غالبًا ما يحدث تشخيص شيخوخة الدماغ متأخرًا جدًا – بعد أن تبدأ الأعراض في الظهور. يُمكن لفحص الدم أن يلتقط الإشارات المبكرة، ويتيح وقتًا أطول للعمل.
قد يكون النظام الغذائي أكثر أهمية مما كنا نعتقد
أشارت الدكتورة عنات ياسكولكا-مائير، المؤلفة الرئيسية المشاركة في البحث، إلى أن دراسة البروتينات المنتشرة في الدم تُتيح لنا مراقبة كيفية تأثر عمليات شيخوخة الدماغ بتغييرات نمط الحياة والنظام الغذائي، في بيئة واقعية. وقالت الدكتورة ياسولكا-مائير: “يمنحنا هذا النهج نافذة ديناميكية على صحة الدماغ، مما يُساعد في الكشف عن التغيرات البيولوجية قبل ظهور الأعراض بوقت طويل”. وأضافت: “من خلال رسم خرائط لهذه البصمات البروتينية، نكتسب رؤى جديدة فعّالة حول كيفية مساهمة التدخلات، مثل النظام الغذائي، في الحفاظ على الوظيفة الإدراكية مع تقدمنا في السن”.
استراتيجيات غذائية لإبطاء شيخوخة الدماغ
أكدت البروفيسورة إيريس شاي أن هذا البحث يمثل تقدمًا في مجال علم التغذية – وهو دمج علم التغذية مع تقنيات علم التغذية مثل تحليل البروتينات. ووفقًا للبروفيسورة شاي، تفتح الدراسة آفاقًا جديدة لتطوير استراتيجيات غذائية مُستهدفة لإبطاء تطور الأمراض العصبية. لم يعد الأمر يقتصر على الفيتامينات أو السعرات الحرارية فحسب، بل يبحث العلماء الآن في كيفية تفاعل جزيئات مُحددة في الطعام مع آلاف المؤشرات البيولوجية. وهنا يكمن مستقبل صحة الدماغ.
نُشرت الدراسة كاملةً في مجلة Clinical Nutrition.