زيتون

تُعدّ رواية زيتون للكاتب ديف إيجرز شهادةً سرديةً فريدة تستند إلى وقائع حقيقية، وتتناول تجربة عبد الرحمن زيتون، المواطن الأمريكي من أصل سوري، خلال كارثة إعصار كاترينا التي اجتاحت مدينة نيو أورلينز عام 2005. تعتمد الرواية أسلوب التحقيق الأدبي، حيث يدمج الكاتب بين التقنيات الروائية التقليدية والمنهج التوثيقي القائم على المقابلات والوثائق، مقدِّمًا بذلك نصًّا يتجاوز حدود الأدب إلى فضاء التأريخ الاجتماعي والسياسي.

تشكل شخصية عبد الرحمن زيتون محور العمل، إذ يختار البقاء في المدينة بعد أن غادرتها زوجته كاثي وأطفالهما قبيل وصول الإعصار. ومن خلال عدسة هذه الشخصية، يرصد القارئ كيف تحوّلت الكارثة الطبيعية إلى مأساة إنسانية مركّبة، لا بسبب تداعيات الفيضان فحسب، بل أيضًا بسبب الفشل المؤسسي للدولة والانهيار الأخلاقي لبعض أجهزة السلطة، التي استغلّت حالة الطوارئ لممارسة الاعتقال العشوائي والتجريم القائم على الهوية الدينية والعرقية.

يتميّز زيتون، في خضم هذا الخراب، بموقف أخلاقي نبيل؛ إذ يقود زورقًا صغيرًا في الشوارع المغمورة بالمياه لإنقاذ العالقين، وتوزيع الغذاء، والعناية بالحيوانات التي تُركت لمصيرها. إلا أن هذا العمل البطولي لا يُكافَأ بالاعتراف أو الامتنان، بل يُقابَل باعتقال تعسفي من قِبل قوات الأمن، التي تحتجزه لأكثر من ثلاثة أسابيع دون توجيه تهمة واضحة، وتحرمه من التواصل مع أسرته، في انتهاك صارخ للحقوق المدنية الأساسية.

تكشف الرواية عن المظاهر العميقة للتمييز الذي يعانيه المسلمون في أمريكا، ولا سيما في سياق ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فالتعامل مع زيتون لم يكن معزولًا عن خلفيته الدينية، بل تأثّر بها بشكل مباشر، وهو ما يعبّر عنه النص بإشارات متعددة إلى الإسلاموفوبيا وتوظيف الخطاب الأمني في قمع الأبرياء وشيطنتهم.

من الناحية السردية، يتّسم نص إيغرز بالبساطة المتأنية والواقعية الصادقة، من دون أن يتخلّى عن العمق الرمزي والدلالي. فالكاتب لا يسعى إلى نقل الأحداث فحسب، بل إلى مساءلة النظام الأخلاقي والسياسي الذي سمح بحدوث تلك الانتهاكات. كما يُبرز العلاقة المعقّدة بين المواطن والدولة، وبين الفرد ومفهوم العدالة، ضمن إطار أزمة تكشف عن هشاشة القيم الديمقراطية في لحظات الاختبار الحقيقية.

إن زيتون ليست مجرد رواية عن مأساة إعصار، بل هي نصٌّ نقديٌّ رصين يتناول البنية العرقية والدينية للهوية الأمريكية، ويفضح ما يمكن أن يحدث حين تُختزل حقوق الإنسان في تصنيفات أمنية مسبقة. وبذلك، يغدو العمل دعوة إلى اليقظة، والتأمل في حدود السلطة، وفي مصير الإنسان البسيط حين تتحوّل الدولة إلى آلة لا ترى في مواطنيها سوى تهديدات محتملة.