
سوريا الجديدة:وقف انحراف خطر
ما الجديد؟ تواجه الحكومة السورية المؤقتة مرحلة انتقالية صعبة في بلد دمَّره القمع، والحرب الأهلية والعقوبات. لقد أطلقت عملية سياسية تهدف إلى تمثيل رؤى شرائح واسعة من السكان كجزء من عملية إعادة بناء جذرية للدولة.
ما أهمية ذلك؟ تعيش سوريا في وقت مستقطع؛ فالحكومة المؤقتة لا تملك المال، وقوات الأمن منتشرة على مساحات أوسع من قدرتها على السيطرة، والفقر يتعمق والتمرد يتفاعل في المناطق الهامشية. القوى الخارجية تتدخل، والعقوبات الغربية تحرم القادة مما يحتاجونه لإعادة الإعمار، بينما يعملون على منع التقسيم أو العودة إلى الحرب الأهلية.
ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي على الحكومة المؤقتة أن تسعى إلى فرض الأمن، وإجراء إصلاحات اقتصادية، وإصلاح الحوكمة في الوقت نفسه، مع إدراك الترابط الوثيق بين هذه الإجراءات واعتماد بعضها على بعض. إن تحقيق الأمن للمجتمعات الهشة – ولا سيما مجتمعات العلويين، الذين شكلوا القاعدة السياسية للنظام السابق – أمر جوهري لوقف تصاعد العنف. ينبغي على الجهات المانحة تخفيف حدة العقوبات وتقديم أشكال أخرى من الدعم لمنح العملية الانتقالية فرصة النجاح.
I. لمحة عامة
النظام السوري الجديد في سباق مع الزمن. حلَّ الابتهاج بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد على يد هيئة تحرير الشام وغيرها من مجموعات المتمردين الإسلامية السنية. لكن تسود في البلاد الآن حالة متنامية من انعدام اليقين بشأن الرؤية السياسية للرئيس أحمد الشرع والاعتقاد السائد بنزعته لاحتكار السلطة. لقد سعى إلى تهدئة الأعصاب المتوترة بمحاولة فرض الأمن، وإطلاق عملية انتقالية تهدف ظاهرياً إلى تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً. لكنه يواجه تحديات مهولة تتمثل في الدمار الذي خلفته الحرب، ونقص حاد في توفر المال لدفع رواتب الموظفين الحكوميين، ووزارات منهكة، ومؤسسات أمنية غير موحَّدة، وانقسامات طائفية تتفاعل تحت السطح، ومظالم تراكمت على مدى سنوات من الحرب الأهلية، وعقوبات غربية تمنع وصول مساعدات خارجية كبيرة، وتدخُّل إسرائيلي مدمر. مع هذا الانحراف الخطر في مسار سوريا، ينبغي على الجهات الفاعلة الخارجية أن تمنح القيادة الجديدة الدعم الذي تحتاجه للشروع في إعادة بناء البلاد، لأن البديل يمكن أن يكون انهيار الدولة، الذي ستترتب عليه كلفة هائلة بالنسبة للسوريين وللاستقرار الإقليمي.
إن إسقاطهم لنظام مكروه دون قدر كبير من إراقة الدماء خلال الهجوم الأخير، أكسب قادة سوريا الجدد درجة كبيرة من الامتنان في أوساط كثير من السوريين وفي العديد من العواصم الأجنبية، وأكسبهم أيضاً افتراض حسن النية ووقتاً ثميناً لوضع البلاد على مسار جديد. رغم أن كثيراً من السوريين ينظرون إليهم بتشكك، بالنظر إلى أصولهم الجهادية وطموحاتهم غير المعروفة، فإن معظمهم شجعتهم تصريحات الشرع العلنية، التي تتسم بالابتعاد عن الخليط الذي كان يستعمله الأسد من التهديدات والشعارات المبتذلة – وهي العلامات المميزة لحكم قمعي دموي. شعر السوريون بالارتياح من عدم انتشار العنف على نطاق واسع لبعض الوقت بعد سقوط الأسد. لكن، في مطلع آذار/مارس، أظهرت صدامات دموية في اللاذقية، وطرطوس وحماة – جاءت مصحوبة في بعض الأماكن بمجازر بحق المدنيين – أن هناك الكثير مما يبرر الخوف من تجدد العنف، الذي يمكن أن يتخذ بُعداً طائفياً واضحاً، وأن يولِّد الفوضى، وموجات جديدة من النزوح، بل حتى انقسام سوريا إلى كانتونات تحت نفوذ قوى أجنبية.
لا بد للشرع، من جهته، أن يسير بحذر على الخط الفاصل بين الأيديولوجيين الإسلاميين، وبعضهم ينظر شزراً إلى خطابه البراغماتي وتفاعلاته الدبلوماسية مع العالم الأوسع. بالنسبة لإعادة الإعمار، يجب أن تحصل سوريا على المال الذي قد لا تقدمه الجهات المانحة أو تجعله مشروطاً بالحوكمة الرشيدة ودرجة من المشاركة السياسية التعددية. في هذه الأثناء، يجب على الشرع أن يوازن بين التصرف بسرعة لتلبية الاحتياجات الملحَّة للسكان – الغذاء، والكهرباء والأساسيات الأخرى – والتحرك بإيقاع أكثر تأنياً لتطوير عملية سياسية مع أوسع مشاركة ممكنة. كما يجب أن يحافظ على الأمن، وأن يضمن في الوقت نفسه مساءلة أولئك الذين يهاجمون المدنيين، سواء كان المهاجمون من المتمردين أو من المتحالفين مع الدولة. اتضح خطر ارتكاب الميليشيات العاملة تحت لواء قوات الأمن التابعة للدولة فظاعات في سياق محاربتها لعناصر النظام السابق على نحو صارخ في مطلع آذار/مارس. يجب على الشرع أن يتعامل أيضاً مع تدخل اللاعبين الخارجيين، ولا سيما توغل الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا.
يمكن للتعثر على أي من هذه الجبهات أن يُدخل القيادة الجديدة في حلقة مفرغة من محاربة متمردين جدد رداً على انعدام الأمن، وظهور ثغرات في الخدمات الأساسية، والإقصاء السياسي وتصاعد الانتهاكات بحق المدنيين، يتبعها تراجع أي احتمال للدعم الخارجي الكبير لإعادة إعمار البلاد. وقد يؤدي المزيد من إفقار السكان إلى ظهور مظالم جديدة تكون عوامل مسببة لتمرد جديد، يمكن أن يُحدث بدوره ثغرات يدخل منها لاعبون خارجيون ساعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب الحكومة المؤقتة. في ذلك السيناريو، سيكون من الصعب تخيُّل استمرار وجود دولة سورية مستقرة، أو أي دولة سورية على الإطلاق. ويمكن أن تكون النتيجة تقسيماً طويل الأمد وعودة إلى الحرب الأهلية.
تأمل دمشق بالحصول على رفع جزئي للعقوبات من العواصم الغربية، وأيضاً الحصول على دعم مالي منها ومن دول الخليج العربية؛ إذ تمثل هذه المصادر الرئيسية للمساعدة الفورية والمصدر الأكثر قوة للاستثمار في المستقبل. لكن الحكومات الغربية المتشككة في هيئة تحرير الشام قد تضع شروطاً على تخفيف حدة العقوبات غير مرتبطة بغايتها الأصلية. إذا فرضت الجهات المانحة شروطاً لا يستطيع القادة الجدد تلبيتها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى دفع سوريا إلى حالة أعمق من البؤس الاقتصادي بدلاً من تخفيف حدته.
من المؤكد أن الطريق إلى المستقبل سيكون وعراً، لكن من المؤكد أنه سيكون أفضل إذا أظهر قادة البلاد أكبر درجة ممكنة من الشفافية في الحوكمة وإتاحة المجال لإحداث تحسينات في كل شيء، من تعزيز المشاركة الأوسع، إلى ضبط سلوك العناصر غير المنضبطة في قوات الأمن الجديدة. إضافة إلى الاجتماعات التي عقدت أصلاً مع جهات مانحة رئيسية، ينبغي أن يفعلوا كل ما في وسعهم لمنح الحكومات الغربية والخليجية ما يبرر دعمها، خشية أن يفشلوا بسرعة بسبب عدم توفر الموارد. وينبغي على الجهات المانحة أن توضح الشروط المطلوبة لدعمها، الذي ينبغي أن يشمل إعادة بناء البنية التحتية الأساسية، إضافة إلى استثناءات أخرى من العقوبات، إن لم يكن رفعها كلياً. كما ينبغي على الجهات المانحة أن تستعمل القنوات الدبلوماسية لمنع الجهات الفاعلة الخارجية من استغلال هشاشة سوريا لأغراضها الخاصة. إذا امتنع المانحون عن تقديم المساعدات، أو إذا أخَّروها دون مبرر، فإن هذا المشروع النادر لكن الواعد لإعادة بناء الدولة في الشرق الأوسط المضطرب يمكن أن يسقط ويتحول إلى فشل آخر، مع تكاليف هائلة بالنسبة للأمن البشري والإقليمي.
دمشق/بروكسل، 28 آذار/مارس 2025
مجموعة الأزمات الدولبة