سوريا ..تحت اللثام؟
أصبح السؤال:من يحكم ؟ ساذجا في بلد عجز خلال نصف عام تقريبا عن انتاج أي شكل تمثيلي حقيقي ومؤسسة واحدة تهتم بشؤون الناس و تدار بآلية مضبوطة وعلنية .
تسعى الحكومة لاسترضاء الخارج بكل الطرق الممكنة وتقديم التنازلات والعقود والصفقات له ,وفي الداخل إهمال متزايد لحاجات الناس ومطالبهم ومظالمهم وتعطل حياتهم اليومية.
تقدم الحكومة نفسها للخارج بطريقة أنيقة مدروسة بعناية ولا مجال للخطأ فيها ,في حين تترك الأخطاء والتجاوزات تتراكم في الداخل ولا تبدي أي اكتراث ولا تتخذ أي إجراء فعلي لحلها وطمأنة الناس .
يبحث الناس عن أي شيء يفائلهم بمستقبل أفضل ,ولكنهم عبثا لا يجدون ,في حين يتدهور مستوى معيشتهم باستمرار وتضطرب حياتهم اليومية وبات الهاجس الأمني يلاحقهم ويصعد ليحتل الأولوية.
دعكم من الإعلام والتلفزيون والإذاعة والصحف وضعف وانقطاع الانترنت والاتصالات والمحاكم وسجلات النفوس والمخافر وصولا للحدود وجوازات السفر والهوية ثم آليات قبض الرواتب ووضع العمال والموظفين والنقابات والضمان الصحي .
من الضرائب والرسوم واستخراج الرخص من البناء لحفر الآبار و لمزاولة أي نشاط ,هندسي أو تجاري أو طبي أو ترفيهي .
من الرقابة وأليات ملاحقة المخالفات وضبط سلوك المخولين بالشؤون العامة.
من العملية التعليمية واضطراب المدارس والجامعات .
من تعطل النشاط الرياضي والثقافي والفني ,وتطول القائمة لتشمل جميع مناحي الحياة.
هل كل هذا يحتاج (للوقت) واتاحة الفرصة كي ينجز شيء منه ؟
ومع ذلك ,هذه الأشياء البديهية واللازمة لتسيير أمور الناس وحاجاتهم اليومية كل ذلك أصبح ترفا ,ووعودا لا تلبث أن تتبخر في حمأة التوترات المستحضرة والمتولدة في كل يوم ,فتسجيل صوتي يحرك جحافل وشريط فيديو يستبيح مدنا بأكملها بناسها ورزقها وحتى حيواناتها!
الوضع على الأرض مرعب ,أشخاص لا يعرف إلى أي جهة ينتمون ,يتحكمون بالحياة اليومية للناس.
في وضخ النهار تأتي دراجة يستقلها أشخاص ملثمون ومسلحون يدخلون محلا تجاريا ويسلبون المال منه ويأخذون الموبايلات ثم يمنون صاحب المتجر بأنهم …لم يقتلوه.
أشخاص يكمنون في سيارة جيب مفيمة ,على مدخل أحد الكراجات أو على مفارق الطرق العامة يعترضون أي سيارة تحلو لهم ويسوقون صاحبها بعيدا ,ويكون من (المكتوب له العمر)من ينجوا بحياته بعد سلب السيارة وكل ما وجد معه.
صورتان من مئات الصور والممارسات التي تتكرر يوميا ,لدرجة أن كل كيانات ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية قد اختزلت في شخص مسلح واحد يقيم سلطته الخاصة ويمارس مفهومه الخاص ,وتأتي الوعود سنلاحق ونحاسب ونمنع …وسوى ذلك من الوعود التي عرف الناس أنها فارغة وتترك الأمور للزمن كي يطويها النسيان .
سوريا …خارج كل القيود والضبط والمحاسبة ,تنزلق إلى بلد يصعب العيش فيه بطريقة آمنة وطبيعية .
وهي مقبلة على تداعيات خطيرة يدركها أي عاقل من تلك المقدمات ,التي تهمل الداخل لهذا الحد وتلهث وراء الخارج لهذا الحد.