Skip to content
الجمعة 2025-11-07
Edit Content
جبلة جبلة
  • most recent news
  • trending news
  • most read
  • All Video
  • Image gallery
  • more
من نحن

موقع جبله

2025-03-13
  • Accessibility
  • Help
  • Contact
  • About qoxag
جبلة جبلة
مراسي
أخلاق ابن المحافظ !
دورة محو أمية
فانك
يا سوريا
جبلة جبلة
  • الرئيسية
  • أدب وحياة
    • أدب
    • إضاءات
    • حياة
  • سياسة
    • تقارير
    • رأي
  • فوتولوجي
  • مراسي
  • عن الموقع
  • اتصل بنا

عن البرابرة الذين هم…نحن

 عن البرابرة الذين هم…نحن
رأي

عن البرابرة الذين هم…نحن

- jablah 2025-10-29

أمام بناء “هيئة الأركان، يوم 12/12/2024 (ما أُطلق عليه يومها “جمعة النصر”) التقطنا، صديقتي وأنا، عدّة صورٍ أمام سيارة “بيك آب” رباعية الدفع لإحدى الفصائل المقاتلة، مكتوب على زجاجها الأمامي بخط كبير “بني أميّة”.

كانت نشوة الفرح تأخذُ منّا كلّ مَأخَذ، فقد انتهى كابوس نظام الأسد، وطُردت الميليشيات الإيرانية وقوّات حزب الله من دمشق ومن عموم سوريا. حتى أنني نشرتُ يومها، على صفحة الفيسبوك، إحدى هذه الصور مرفقةً بجملة: “والهوى أمويُّ… ولا عَزَاء لأيتام الملالي وأقليّات الأسد المذعورة”.

ومن بين عشرات الأصدقاء الذين تفاعلوا مع هذه الصورة، وحدها ديمة (صديقة من اللاذقية) وضعت لي “قلباً محطّماً”. فوجئتُ بردّها حينذاك، ودعوتها لترك صفوف “الأقليّات المذعورة” التي تنتظرُ “تطمينات” لا داعي لها. لكنّي، وبعد أقل من ثلاثة أشهر، مع انفلات حملة القتل الطائفيّ في مدن وقرى الساحل مطلع شهر آذار 2025 (1)، بكيتُ، صدمةً وخجلاً من دموع ديمة حين كتَبتْ: “نحنا ما منعوّي”. إشارة إلى الفيديوهات الكثيرة التي شاهدنا فيها مقاتلي فصائل الجيش السوري الجديد يجبرون رجالاً علويين عزّل من السلاح على “العواء” و”الزحف” مع نعتهم بالخنازير والكلاب!

كان العديد من هؤلاء المقاتلين، في نفيرهم إلى الساحل، يركبون سيّارات بيك آب رباعية الدفع، مكتوبٌ عليها “بني أميّة”.

في واقع الأمر، كنتُ، كآخرين كُثُر، أتوقّعُ وأتخوّف من حملةِ انتقامٍ فظيعةٍ كهذه، نتيجةً للذاكرة المسمومة التي يحملها سوريون كثر تجاه العلويين الذين حُمّلوا عبئاً سياسياً وأخلاقياً كأبناء بيئةٍ مؤيّدة لنظام الإجرام الأسديّ، لكنّني، لم أكن أتوقّع، ولا في أسوأ الكوابيس، أن يُعاد السيناريو بعد بضعة أشهر، بحذافيره تقريباً، في مدينة السويداء!

“بروفا” المجزرة في أشرفية صحنايا والصَّوَرة الكبرى


مع استمرار العلاقة المتوتّرة بين رئيس الهيئة الروحية للدروز في السويداء، حكمت الهجري، وسلطة أحمد الشرع الانتقالية، وتكرار رفض الأوّل دخول قوات الجيش والأمن الداخلي للسويداء (2) يتصاعدُ، فجأةً، الخطاب الطائفي ضدّ الدروز إثر انتشار تسجيلٍ صوتي مُفبرك نُسِبَ إلى أحد مشايخهم، يتضمّن إهانة للنبي محمد. سريعاً تتعالى الأصوات المُحرِّضة وتنطلق مظاهرات شعبية في عدّة محافظات سورية (منها حمص وحماه ودمشق) تهتف ضدّ الشيخ الهجري وضدّ الدروز بالعموم، ولتتمّ محاصرة مدينة جرمانا (في الغوطة الشرقية لدمشق)، واقتحام بلدة أشرفية صحنايا (في الغوطة الغربية) واستباحة وحرق بلدة الصَّوَرة الكبرى (في الريف الشمالي لمحافظة السويداء).

طوال أيام ثلاثة، مطلع شهر أيار الماضي 2025، عشنا في جرمانا رعب الحصار وانتظار اقتحام قوّات الأمن والفصائل. لمّا تكن مشاهد الرعب التي شاهدناها في الساحل قد غابت عن ذاكرتنا بعد، بالإضافة إلى ما كان يصلنا مباشرة عمّا يحصل في بلدتيّ الأشرفية والصَّوَرة من حوادث قتل ٍوسرقة واختطاف وإذلال و”قص شوارب” وإجبار على “العواء” و”النواء” وشتم وتحقير للدروز “الخونة” و”الكفّار” و”الخنازير”.

خلقَ كل ذلك صدّمةَ رعب جماعيّ في جرمانا، دفعت مئات الرجال والشباب إلى حمل السلاح الفرديّ الخفيف والانتشار في جميع حارات ومداخل المدينة. عشنا تلك الأيام الطويلة بانتظار حرب وشيكة، لم أنَمْ خلالها سوى دقائق قليلة، حيث كان هاجسي الوحيد حماية أمّي وأبي وأخواتي وأبنائهنّ الصغار. لم أصِلْ مرةً، طوال سنوات الثورة التي عشتها في جرمانا تحت ضغط مُلاحقات أمنية وظروف معيشيّة رديئة، إلى تلك المرحلة من الفزع والخوف واليأس والقَرَف.

كنتُ أشتمُ جميع من يحملون السلاح، وأحقدُ عليهم لأنهم أوصلونا إلى هذه المرحلة البائسة. فقد كانت ابتسامة شَغَف وضحكة تاج (أبناء أختي) وحياتهما وأمنهما أغلى لديّ من المقاتلين المتنَافخين رجولةً وبطولةً، وأهمّ وأبقى من سطوة الدولة العتيدة وهيبتها، ومن الأدعياء الملتحقين بأمجاد بني أميّة، وأشرف وأطهر وأكثر استحقاقاً بالتبجيل والتقديس والاحترام من الشيوخ جميعهم، بلحاهم وشواربهم المُطلقة منها أو المحفوفة. (3)

انتهى كابوس الحصار باتفاقٍ وتهدئة مُفاجئة، لعبت فيه دولة الكيان الصهيوني دوراً ما، حيث قَصَفت طائراتها منطقةً مجاورةً للقصر الجمهوري في دمشق (يوم 2/5/2025) وخرج وزير دفاعها يسرائيل كاتس ليتشدّق بالتزام إسرائيل بحماية الدروز في سوريا! وكانت هذه أولى قطراتٍ قذرةٍ من “غيث” التدخّل الصهيوني الذي سينهمر لاحقاً باتفاقٍ أو اختلاف مع السلطة الانتقالية السورية التي لم تخفِ مفاوضاتها مع هذا العدو (فقط أخفت، وما تزال، تفاصيل هذه المفاوضات والتنازلات التي قدّمتها).

من باكو في أذربيجان إلى بيت ممدوح عزّام في السويداء

بينما كنّا نترقّب تسرّب تفاصيل جولة المفاوضات العلنيّة الأولى التي يشترك فيها أحمد الشرع رئيس السلطة الانتقالية السورية مع المسؤولين الإسرائيليين في باكو الأذربيجانية (4) يوم 12/7/2025، صحونا يوم الإثنين 14/7/2025 على أخبار اقتحام قوّات وزارتي الدفاع والداخلية بلدات الريف الغربي لمحافظة السويداء بحججٍ مختلفة، منها: “فض الاشتباك بين الدروز والبدو” و”بسط سلطة الدولة وهيبتها” أو كما صرّح الناطق الحكومي نور الدين البابا: “حسمٌ لصالح الدولة السورية ضمن الرؤية التي وضعتها رئاسة الجمهورية”.

كتبَ، صباح ذلك اليوم، الروائيُّ السوري ممدوح عزام منشوراً يقول فيه: “قريتي تعارة وبيتي تحت الاحتلال. لا اسم آخر لمهاجمين يحرقون القرى والبيوت في السويداء غير هذا الاسم”. وبسبب قطع الإنترنت عن السويداء (5) ووجوده خارج البلاد، يتأخّر عزّام بضعة أيام لينشر صورا لبيته المحروق معلّقاً هذه المرّة بالجملة المريرة التالية: “ليسوا برابرة بل سوريين هؤلاء الذين أحرقوا بيتي”.

عن البرابرة الذين هم نحن

جاء النفي الذي تضمّنته كلمات عزّام بمقام التأكيد على استحقاق الصفة، برابرة.. لكنهم سوريون.

رغم ما تنطوي عليه كلمة برابرة من ازدراءٍ وتنميط لبشر بدائيين أو غير متحضّرين، إلا أنّ حرق بيت ومكتبة مثقّفٍ سوري كبير، لطالما انحاز إلى قضايا شعبه وهمومه طيلة سنوات الثورة، وأصرّ على البقاء والعيش في وطنه، لا يمكن وصف من قاموا بهذا الفعل، وهم قوّات حكومية، بغير ذلك: أفعال برابرة. كان الإغريق قد أطلقوا مصطلح “برابرة” على الأقوام الذين يتحدثون بلغةٍ غير اليونانية، لغة غير مفهومة، بَدَت لهم وكأنهم يكرّرون مقاطع صوتية: “بار… بار”.


لعلّنا اليوم، نحن السوريين/ات، وقد فُقِدت بيننا وسائل الحوار والتواصل والتفاهم والالتقاء على مبادئ وقيم وطنية وإنسانية مشتركة، بل نَكَص الكثيرون منّا إلى انتماءاتٍ قَبَليّة وعشائريّة وطائفيّة ضيّقة، أقرب ما نكون إلى برابرة القرن الواحد والعشرين. إذ لا يفهم أحدنا لغةَ الآخر (6)، وتحتقر وتكره وتزدري مجموعاتٌ كبيرةٌ منّا مجموعاتٍ كبيرةٍ أخرى. ولعلّ نظرةً سريعةً إلى المساحات السورية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكمّ الشتائم والتخوين والتكفير والسخرية والشماتة حتى من جثث الضحايا والمتعرّضين لانتهاكات همجيّة، ما يؤكّد بربريّتنا الفاقعة (7).

في روايته الشهيرة “في انتظار البرابرة” يفكّك الروائي الجنوب إفريقي جون ماكسويل كويتزي أسلوب الحكومات الاستبدادية لإدامة سلطتها وتبرير قبضتها الأمنية عبر خلقها لعدوٍّ ما، كان هذا العدو في الرواية هم “البرابرة”.

بقراءةٍ أولى لواقعنا الحالي، فإنّ السلطة الحالية نجحت في تصوير الدروز كبرابرةٍ أعداء للدولة السورية ما بعد الأسد. ونجحت، بفضل تضليل أبواقها الإعلامية، في إلهاء السوريين عن قضاياهم الكثيرة الأكثر إلحاحاً (8) وإقناعهم أن الأولوية الآن لفرض هيبة الدولة وبسط سيطرتها على محافظة السويداء وكسر شوكة الدروز المتمرّدين الأعداء… البرابرة.

بقراءةٍ ثانية لـنتائج التكتيك العسكري للسلطة في معالجتها ملفَّ السويداء (9) وتشجيعها ومباركتها اندفاع عشرات آلاف المسلّحين إلى السويداء ضمن ما سُمّي بـ “فزعة العشائر”، تأكيدٌ آخر على أنّ هؤلاء أيضاً سوريون من “البرابرة”، الذين لا تحكمهم سلطةٌ ولا يخضعون لقانون، بل تحرّكهم عصبيّة قَبليّة، وينفرون إلى الحرب، في غزوة كأيام العصور القديمة! (10).

الحصار، كلاكيت مرّة ثانية

ككابوس سيزيفيّ لا ينتهي، نعودُ إلى الخوف والترقّب والانحباس في بيوتنا في جرمانا، ونحنُ نشاهد أرتال العشائر المسلّحة تعبر من جوارنا (طريق المطار عند المدخل الجنوبي للمدينة، أو المتحلّق الجنوبي عند مدخلها الشمالي) مُطلقين عياراتهم النارية باتجاه بيوتنا، مُترافق بخطاب كراهيةٍ وعداءٍ لجميع الدروز الخونة الخنازير الكفّار الانفصاليين (مرّة ثانية).

خطابٌ ينطلق من منابر المساجد وساحات المدن ومباني السكن الجامعي (11)، ويطالعنا في منصّات التواصل الاجتماعي ومجموعات مقاتلي وإعلاميي “ردع العدوان” في تلغرام، يهدّد باستباحة السويداء وهدمها حجراً على حجر، وقتل رجالها وسبي نساءها (12)، متوعّداً بإحالة الأقلية الدرزية إلى “فئة النوادر”، مع مطالبةٍ بمقاطعة تجارية لجميع الدروز، وتهجيرهم من مدينتَي جرمانا وصحنايا وبقية مناطق دمشق.

بين انشغالنا بمتابعة أخبار ومَشاهد العنف المُذهلة الحاصلة في جنوبنا السوري، ومحاولات الاطمئنان على أصدقائنا وأقربائنا هناك، وتعزية العشرات منهم بفقد أهاليهم وأخوتهم وأقاربهم، أو مواساتهم لخسارتهم بيوتهم وممتلكاتهم التي نُهبت وأحرقت (13)، وبين تفكيرنا اليائس (مرّة ثانية) في كيفية حماية أهلنا وأطفالنا وبيوتنا في جرمانا، وبين رفضنا وعجزنا عن استيعاب سيناريوهات الانفصال وتقسيم البلاد، بلادنا، تصلنا دعواتٌ نبيلة (مرّة ثانية أيضاً) من أصدقاء سوريين (بعضهم هذه المرّة من قرى ومدن الساحل السوري) للنزوح إلى بيوتهم! يا لهذا الكابوس السوريّ القاتم المديد. يا لِعارنا وعار هذه البلاد بحكّامها ومسؤوليها ورجال دينها وإعلامييها.

للأسبوع الثالث على التوالي منذ بدء معارك وحصار السويداء، أكتشفُ أنّ حالتي كحال العديد من أصدقائي المقرّبين، نُعرِض عن الخروج من جرمانا بسبب تكرار حوادث الخطف والإهانة والإذلال وتفتيش الهواتف التي تترصّد الدروز من قبل عناصر الأمن والفصائل المسلّحة. نأكلُ لماماً، ننام ساعات قليلة، نلازم شاشا هواتفنا، ندخل في حالات اكتئابٍ وقلق توتّري، ننفجر بنوبات غضبٍ أحياناً، مفتعلين مشاكل لأسباب تافهةٍ تنتهي غالباً بنوباتِ بكاء وحزن وصمتٍ طويل، لنعودَ مضطرّين إلى محاولة اجتراح فِعلٍ ما يدعم صمود المحاصَرين في السويداء، ويخفّف من معاناة النازحين والمُصابين والجرحى المتوزّعين على بعض المشافي والبيوت، وتقديم مساعداتٍ مُتواضعة لطلاب الجامعات الذين تقطّعت بهم السبل عندما غادروا سكنهم الجامعي وعجزوا عن العودة إلى بيوت أهاليهم.

وقد توقّفنا جميعاً، أصدقائي وأنا، عن القيام بنشاطاتٍ ومشاريع ثقافيّة وفنيّة كنا ننظّمها أو نشارك بها في مدينتنا الصغيرة (14).

عن النبوءة التي تحقّق ذاتها

منذ شهرين تقريباً، دعاني شابان يدرسان السينما، لعرضٍ خاص لفيلهما الوثائقي “رايح ع الجنوب”. يصوّر في جزئه الأوّل يوميّاتهما بعيد سقوط نظام الأسد، مع أهاليهم وأصدقائهم الكثر، بين السويداء ودمشق وجرمانا. بينما يصوّر في جزئه الثاني وقائع حصار مدينتي جرمانا وصحنايا، واجتياح وإحراق البدو والأمن العام لبلدة الصَّوَرة الكبرى. كان التعليق الصوتي في الفيلم ذا نبرة حادة، عدائية وعنصريّة تجاه البدو وتجاه السلطة الحالية، بل يذهب للتنبّؤ بحتميّة مواجهةٍ عنيفة قادمة معهم. الأمر الذي لاحظتُه عليهم ورفضتُه، محاولاً تخفيف حماستهم وانفعالهم وعدوانيّتهم سيما وأنّها لاقت تجاوباً وتأييداً من جزءٍ كبير من الحضور، فتياتٍ وشُبّانا.


كان حجّتي في ذلك أمران اثنان، أوّلهما يستند إلى قدرة الشام، بإرثها الحضاري المدينيّ العريق (15)، على التأثير والتغيير في حكّامها وغزاتها، والتقليل من غلوّهم وتشدّدهم، وأعترف أنّه، بنسبة ٍكبيرة، كان تفكيراً رغبويّاً لديّ. أمّا ثانيهما، فهو محاجَجةٌ منطقيةٌ تستند إلى ظاهرةٍ نفسية واجتماعية، تُدعى “النبوءة التي تحقّق ذاتها Self-fulfilling prophecy” تُفيد بأنّ توقّعاً خاطئاً في البداية قد يصبح صحيحاً بسبب ردود الفعل التي تحفّزه. لطالما ردّد الأب باولو دالوليو ما يشبه هذه الفكرة، بأنّ اتهام المسلمين بالتطرّف، سيجعلهم متطرّفين في آخر الأمر.

أفكّر اليوم بما يمكنني قوله لأولئك الشباب؟ وأنا أعلمُ أن قريتهم (الثعلة) قد حُرقت ودمّرت بشكلٍ كامل وتمّ تهجير جميع سكّانها، كما أعرف أنّ إحدى الفتيات التي ظهرت في الفيلم قد قُتلت شقيقتها الصغرى، كما قُتِل عشراتٌ آخرون من أقربائهم وأصدقائهم؟

كيف يمكنني مواجهتهم، وقد كنتُ، منذ شهرٍ، قد دعوتُ بعضَهم للذهاب معنا إلى دير مار موسى الحبشي في النبك للمشاركة في القدّاس في ذكرى اختطاف الأب باولو (29/7/2013)، الأمر الذي لم نستطع القيام به بسبب أجواء التحريض والتهديد والحصار والخطر الذي نعيشه.

إنّ ما قلتُه لهم آنذاك، والحال مع ما نعيشه اليوم، لم يعد وجيهاً ولا مُقنعاً بأيّ شكلٍ من الأشكال. فواقعنا البائس قد أثبتَ صحّة نبوءتهم الانتحاريّة لا نبوءتي الحالمة، للأسف.

والآن؟

ما زالت السويداء مُحاصرة، وما زلنا ننتظر ما ستُفضي إليه مفاوضات السلطة الحالية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي برعايةٍ أميركية. أحد السيناريوهات المُفزعة التي يتمّ طرحها ومناقشتها علناً، صفقة تغييرٍ ديمغرافي، يتم فيها تهجير دروز جرمانا وصحنايا مقابل سُنّة السويداء وبعض مناطق درعا.

صفقةٌ مماثلة كانت قد تمّت سنة 2017، وعُرفت باسم “اتفاقية البلدات الأربعة”، تمّ فيها تهجير أهالي كفريا والفوعة مقابل أهالي مضايا والزبداني، وكان أحد المسؤولين عن إتمام الصفقة من هيئة تحرير الشام آنذاك هو ابو عائشة من نعرفه اليوم بالشيباني كوزيرٍ للخارجية.

إذن، في انتظار ما تقرّره سلطاتٌ لا تكترثُ لأمر مواطنيها قدر اكتراثها بدوام سلطتها، وبانتظار نتائج مفاوضاتهم على حياتنا ودمائنا وبيوتنا ومستقبلنا، نجلس ونترقّب، لا بانتظار برابرة آخرين كما في رواية كويتزي الخيالية، ففي واقع بلادنا التعيسة نحنُ هم الأعداء… نحن هم البرابرة.

(1): تباهى عدة أشخاص مؤيّدين للسلطة الحالية، منهم رياض نعسان آغا (الوزير والمستشار السابق لحافظ الأسد) والدكتور أيمن هاروش (أستاذ أصول الفقه)، بمشاركة 4 مليون مقاتلاً في الهجوم على مناطق الساحل السوري. وقد نتج عن هذا الهجوم مجازر مروّعة راح ضحيّتها أكثر من 1500 شخص! لتكون أولى حلقات مسلسل “الحرب الأهلية السورية” التي يُراد لنا أن نعيشها كأمرٍ عادي ويومي، لا نقبله فقط بل ونفتخر به!
(2): جرت المحاولة الأولى، صباح ليلة رأس السنة 1/1/2025 مع قرار مفاجئ بإرسال رتل ٍكبير من قوات الأمن العام إلى محافظة السويداء. لتتكرّر محاولاتٌ أخرى لفرض “هيبة الدولة” بطرق مختلفة، منها التنسيق مع فصائل صغيرة، لكنها لم تنجح.
(3): وصلتني، خلال أيّام الحصار، عدّة دعواتٍ نبيلة من أصدقاء سوريين، للانتقال إلى بيوتهم الآمنة في دمشق. رفضتها شاكراً وممتنّاً. كنتُ قد اتخذتُ قراراً؛ ألا أغادر بيتي وألاّ أترك “الزريعة” ولا “كاجو وماكس” كلبايَ الهَرِمان اللذان عاشا معي طيلة سنوات الثورة السورية، قائلاً لأصدقائي: “من بعد هالعمر والتعتير إترك بيتي؟ كبيرة المزحة هاي!”.
(4): كان من اللافت أنّ أحمد الدالاتي، المسؤول عن ملفّ المفاوضات السورية الإسرائيلية، والذي تكرّرت لقاءاته المباشرة مع مسؤولين إسرائيليين، هو مسؤول الحملة العسكرية على السويداء.
(5): خلال العملية العسكرية، قُطعت خدمات الإنترنت والاتصالات عن محافظة السويداء، وأكد ذلك تقرير منظمة SMEX لتعزيز الحقوق الرقمية.
(6): أظهر مقطع فيديو أحد مقاتلي وزارة الدفاع وهو يصوّر لافتةً كبيرة على مدخل السويداء تعود للعام 2008 مكتوب عليها: “السويداء بلا أُمْيّة”، أي بلا جهل بالقراءة والكتابة، فيقرؤها “بلا أمَيّة” نسبة إلى بني أمَيّة، ليعلّق بصوته قائلاً: “كاتبين السويداء بلا أمَيَّة. ونحنا منقلهن السويداء رح تصير بدون شوارب بإذن الله”.
(7): يسمّم الروح ويبعث على اليأس مراقبةُ تفاعل آلاف السوريين بـ “أضحكني” على صور المجازر والانتهاكات التي تحدث في الجنوب السوري، جنباً إلى جنب مع مئات التعليقات الشامتة والمتوعّدة والطافحة بخطاب الكراهية والداعية للعنف والقتل.
(8) كقضايا إعادة الإعمار وتأمين عودة النازحين من دول الجوار، والتصدّي لاستحقاق العدالة الانتقالية، وقضايا آلاف المغيّبين قسراً، والعمل على قضيّة المقابر الجماعية التي تنتشر بالمئات على امتداد التراب السوري، وقضية بناء مؤسسات الدولة، واستعادة المليارات المنهوبة من الأسد وشركائه، وبناء جيشٍ وطني وقوى أمنيةٍ محترفة لا يكون عمادها فصائل جهادية متطرّفة احترفت الانتهاكات ممارسةً واعتياداً.
(9): إثر عدوان الطيران الإسرائيلي (يوم الأربعاء 16/7/2025) وتدميره لمبنى هيئة الأركان، وقصف قصر الرئاسة مرّة أخرى، وتنفيذ ضرباتٍ عديدة لمواقع عسكرية في درعا والسويداء. سحَبَت السلطة السورية قوّات وزارة الدفاع من الجنوب السوري.
(10): شكَر الرئيس الانتقالي أحمد الشرع فزعة العشائر في خطابه الذي أعلن فيه انسحاب قوات الجيش والأمن من السويداء، كما باركها الدكتور أنس عيروط عضو لجنة السلم الأهلي وعضو مجلس الإفتاء الأعلى بقوله على موقع “أكس”: “أكرم بها فزعةً ونصرة! كم أفرحتم قلوب السوريين، وكم أثلجتم صدور الأمة ورفعتم رأسها (..) علّمتم الناس معنى الرجولة والغيرة والبطولة والفداء، ولقنتم بوحدة صفكم وتعاضدكم وسرعة تلبيتكم النداء الأعداء درساً لن ينسوه أبداً.. فالآن نغزوهم ولا يغزوننا”. عيروط حذف التغريدة لاحقاً.
(11): بسبب اعتداءاتٍ متواترة في الكليّات والمعاهد ومباني السكن الجامعي، غادرت الغالبية العظمى من الطلاب والطالبات الدروز مدن السكن الجامعي في المحافظات السورية (دمشق، حمص، حلب واللاذقية)، واضطرّ الكثير منهم لعدم استكمال امتحاناتهم، في ظلّ صمتٍ مطبقٍ لوزير التعليم وبقية مسؤولي الدولة.
(12): وصلت حدّ أن يكتب معمر الشرع، وهو دكتورٌ في الشريعة والقانون-فقه وأصوله- منشوراً على الفيسبوك يوم 18/7/2025، يقول فيه: “هذه فتوى، بعد خمسمئة سنة من التوقف عن العمل بها. يجوز سبي نسائهم”.
(13): لم يصدر حتى اليوم إحصاءٌ دقيق لعدد الضحايا في السويداء، لكن التقدير الأولي قد يصل إلى 2000 شخص، بينهم الكثير من الأطفال والنساء والعجائز، العشرات منهم قضوا بإعداماتٍ ميدانية. كما تمّ توثيق نهب و”تعفيش” ومن ثم تدمير وحرق 36 بلدة وقرية في السويداء.
(14): توقفتُ عن تنظيم عروض نادي سينما جرمانا، التي استمرّت بشكل أسبوعيّ منذ صيف 2019، عرضنا خلالها قرابة 300 فيلم، منها 23 فيلماً عن الثورة السورية ضمن تظاهرة “سينما الحرية” ما بعد سقوط نظام الأسد، كنا قد بدأناها يوم 28/12/2024.
(15): ليس فقط الإرث الحضاري الأموي لدمشق الشام، وهو إرثٌ مدينيٌّ أكثر منه دينيٌّ إسلاميّ، بل كذلك إرثها الحديث، مع الآباء المؤسّسين للدولة السورية: كالدكتور عبد الرحمن الشهبندر وشكري القوتّلي، خالد العظم، فخري البارودي، وفارس الخوري وأمثالهم.

بقلم:ناصر منذر (سوريا حكاية ما انحكت)

...

المقال السابق
المقال التالي

تابعنا:

© حقوق النشر محفوظة 2025. موقع جبلة