
أفعى لبنانية متحجرّة عمرها 92 مليون سنة
السبت 12 نيسان كتب جوناثان أموس المحرر العلمي في الموقع الالكتروني لهيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي نيوز” عن اكتشاف حيّة متحجرّة قرب قرية النمورة في قضاء كسروان تعود الى 92 مليون سنة. وهنا ترجمة المقال:
تبين ان حيواناً أحفورياً عثر عليه في حجر من الكلس اللبناني هو اكتشاف قيم جداً بعدما ثبت انه أفعى مع قائمتين.
في الواقع، لا يملك العلماء سوى حفنة من العينات التي تظهر التطور النشوئي من العظاءة القديمة الى الأفعى من دون أطراف كما نعرفها اليوم.
وقد استخدم الباحثون في “يوروبيان لايت سورس” في غرينوبل بفرنسا، الاشعة السينية المكثفة ليثبتوا أن مخلوقاً متحجرّاً على صخرة وله قائمة واحدة ظاهرة، يملك قائمة أخرى مدفونة تحت سطح الصخرة.
وقالت الكسندرا هوساي من “المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي” في باريس: “كنا واثقين من أنه كانت للأفعى قائمتان ولكن كان من الرائع ان نرى القائمة الثانية، ونأمل في أن نجد خصائص أخرى لم نستطع رؤيتها في القائمة الأولى”.
ويعود المخلوق الذي يبلغ طوله 85 سنتيمتراً ويعرف بـEupodophis descouensi الى أواخر العصر الطباشيري الى قبل نحو 92 مليون سنة.
وقد وضعت مواصفاته في البداية عام 2000 بعد اكتشافه قرب قرية النمورة (قضاء كسروان). وتتوزع بقاياه على السطحين الداخليين لكتلة رقيقة من الحجر الكلسي انفصلت بعضها عن بعض. وقد فقد جزء من العمود الفقري، واثناء عملية التحجر، انفصل الذيل واصبح قرب الرأس.
غير ان عظام القائمة الواضحة للعيان – القصبة الصغرى والظنبوب وعظم الفخذ – هي التي تلفت الانتباه. طول القائمة الخلفية هو سنتيمتران فقط، وعلى الأرجح ان الأفعى لم تكن تستعملها. وتشير الأدلة الحالية الى ان الأفاعي بدأت الظهور قبل أقل من 150 مليون سنة. وتتنافس نظريتان في هذا الاطار. تتحدث الاولى عن ان مصدر الأفاعي هو البر حيث راحت العظاءات تحفر اوجاراً لتعيش فيها، وفي اطار تأقلمها مع الحياة تحت الارض، تقلصت قوائمها قبل ان تفقدها كلياً – اولاً فقدت القائمتين الاماميتين ومن ثم القائمتين الخلفيتين.
اما النظرية الثانية فتعتبر ان مصدر الافاعي هو المياه، وتحديداً الزواحف البحرية.
ولذلك فان العدد القليل من الافاعي الأحفورية ذات القائمتين التي تم اكتشافها، مهم جداً لأنه ربما يحمل الدلائل التي تحسم هذا الجدل.
واوضحت هوساي: “يمكن ان يكون كل تفصيل مهماً جداً في تحديد الروابط الاساسية، ولذلك يجب ان نعرف كل التفاصيل جيداً”.
واضافت: “اردت درس البنية الداخلية للعظام المختلفة، ومن أجل القيام بذلك نستعمل عادة وسائل تؤدي الى إتلاف العظام، ولكن بما انها العينة الوحيدة المتوافرة (من E. Descouensi)، فمن المستحيل القيام بذلك. وقد وجدنا في تقنيات التجسيد الثلاثي البُعد الحل الوحيد لهذه المشكلة. وكنا في حاجة الى دقة عالية، والآلة الوحيدة القادرة على تأمينها لنا هي منشأة الاشعاع السنكروتروني”.
وهذه الآلة التي تعتمد الاشعاع السنكروتروني، موجودة في المجمع الاوروبي العملاق عند طرف جبال الألب وهي تطلق ضوءاً مكثّفاً عالي الطاقة يستطيع اختراق اي مادة تقريباً يكشف بنيتها الداخلية.
وفي هذه الدراسة، ثبتت الأفعى المتحجرة في طاولة مائلة وجرى تحريكها دائرياً أمام شعاع سيني برّاق صادر عن منشأة الاشعاع السنكروتروني. تولّد عملية تُعرف بالتصوير الصفيحي المحوسب، مئات الصور الثنائية البعد التي يمكن حبكها معاً بواسطة حساب لوغارتمي، للحصول على صورة مفصلة ثلاثية البعد. ويكشف المنتج المنتهي الذي يمكن عرضه ليتحرك بصورة دائرية على شاشة الكومبيوتر، تفاصيل يتم قياسها بالميكرو اي اجزاء من المليون من المتر.
ويظهر التدقيق في عينة E. Descouensi ان القائمة الثانية المخبّأة داخل الحجر الكلسي ملوية عند الركبة. ويقول العالم الإحاثي المقيم في منشأة الاشعاع السنكروتروني الاوروبية بول تافورو: “يمكننا حتى رؤية عظام الكاحل. وفي معظم الحالات، لا نعثر على الأصابع، ولكن ربما كان السبب انها لا تتحجر او انها لم تكن موجودة قط نظراً الى انها قائمة لاوظيفية”.
في عصرنا الحالي، قد يبدو من الغريب الحديث عن افعى مع قائمتين. ولكن انظروا الى بعض الافاعي الحديثة الأكثر بدائية مثل البواء والأصلة، فستجدون أدلة تثبت انها تتحدر من افاع ذات قوائم – “مناخس” صغيرة جداً عند اطرافها تستعمل الآن خلال الاتصال الجنسي.