
حين تخلّى سعد اللة ونوس عن عضوية اتحاد الكتاب
حين فصل (اتحاد الكتاب العرب)الشاعر أدونيس من عضويته في عام 1995 ,بسبب مشاركته في مؤتمر أدبي في غرناطة شارك فيه أدباء من إسرائيل ,تقدم حنا مينة بطلب تجميد عضويته ,وتقدم سعد الله ونوس بطلب إلغاء عضويته وتتالت مواقف الكتاب الرافضة:اميل حبيبي وجمال الغيطاني ونبيل سلمان وسليم بركات وعبدالقادر الشاوي، رياض عصمت، ادوار الخراط وعباس بيضون.
وبعد قرار فصل الكاتب والسيناريست المميز حسن م .يوسف من عضوية هذا الإتحاد (الذي أصبحت عضويته تهمة على ما يبدو) ,لا نجد ردا أفضل مما كتبه الراحل سعد اللة ونوس بعد فصل أدونيس :
أتخلى عن عضويتي من دون أسف !
إني أتخلى، ومن دون أسف كبير، عن عضويتي في “اتحاد الكتاب العرب” احتجاجاً على طرد الشاعر أدونيس من هذا الاتحاد. فحسب علمي، وبحدود ما تسمح لي حالتي الصحية من المتابعة، لا أعرف ان أدونيس يدعو الى التطبيع. لو وجّهت إليّ شخصيّاً الدعوة الى “لقاء غرناطة لرفضت المشاركة، وهذا مرتبط بتقويمي الشخصي لكل عملية المفاوضات .
لكنّني قرأت الكلمة التي ألقاها الشاعر المعروف في ذاك اللقاء، ولم أجد فيها ما يدعو الى التطبيع، كما لم أجد فيها ما يشي بأي مهادنة مع الفكر الصهيوني. اذا لم تخني ذاكرتي كانت الكلمة تنطوي على شيء من التحدي للآخر الاسرائيلي، كي يعبر فوق عداواته المرضية ويتعرف على العمق الحضاري والانساني عند الآخر العربي، وليلمس – في السياق نفسه – الحق المهدور ويفهم البعد التاريخي للمأساة التي سببها وجوده.
هل يحق لنا، نحن المثقفين، ان نتصرف حيال بعضنا بعضاً كما تتصرف الجماعات الارهابية فنكفّر ونُعدم ونلغي؟! انه ليحز بالنفس ان يدفعنا انهيار الأوضاع وضيق الأفق الى التصرف كهذه الجماعات، على الصعيد الذي يفترض انه بديل الارهاب وبديل اللاعقلانية وبديل الطغيان، وأعني الصعيد الثقافي، والحوار قاعدته المقدّسة. ألا يذكرنا هذا أيضاً بتخلينا المتسرع والأهوج منذ بضع سنوات عن أهم روائي عربي، وأعني نجيب محفوظ؟
لا نزال نتصرف في الثقافة كتصرف جهاز أمني يقسم الناس بين خونة ووطنيين، من دون الاهتمام بخصوصية الثقافة ومن دون الشعور بالتناقض مع خطاباتنا التي نملأ بها المجلات والصحف حول الديموقراطية وضرورة التعددية.
كان المرء يتمنى لو ان هذه الاتحادات لم تتستر على السياسيين ولم تمالئهم. فالتجمّعات والمؤسسات الثقافية، بمداراتها للسياسيين وتحاشيها مناقشتهم، انما تزيف اللحظة التاريخية وتجعل من الثقافة المشكلة الرئيسية التي نتبادل حولها الخصومات والمشاحنات والنزاعات، فيما يوقع السياسي في أوسلو ترتيباً للسياسة والاقتصاد والثقافة ومجمل المستقبل.
ترى هل فاتت الفرصة حقاً؟ ان المثقف ينبغي ان يحاول دائماً على رغم كل الضغوط والاحباطات القيام بدوره الريادي والنزيه في تاريخه ومجتمعه. لكن لكي يتم ذلك ينبغي ان نتعلم حقاً كيف نحترم اختلافاتنا، وكيف نكون ديموقراطيين مع انفسنا ومع الآخرين. وينبغي ان يكون لدينا من الحرية ما يجعلنا نواجه مشكلاتنا المصيرية بما تستحق من العمق والشجاعة والسخاء الأخلاقي… لا بالصبيانيات، وتصفية الحسابات، واراقة الجهد في المشكلات الزائفة التي تخفي المشكلات الحقيقية .