نبوءة الهواء
في السجلِّ القديم،
ذلك الذي لا يعرف أحدٌ أين وُجد،
كُتِب أن البلاد حين تبتلع ظالمًا
لا تُعيده ترابًا،
بل تُحوّله إلى رائحةٍ
تتجوّل بين الناس
وتتقمّص من تشاء.
وفي سنةٍ من سنوات الغبار،
اختفت الرائحة يومًا واحدًا،
فقالوا: لقد طَهُر الهواء.
في ذلك الزمن،
كان يمرّ بين البيوت كائنٌ بلا اسم،
يقتات على آثار الأقدام،
ويعلّق على الجدران خيوطًا
لا يمكن رؤيتها إلا بالعين التي لم تُخلَق بعد.
كلما ارتفعت راية،
ارتفع معها خيطٌ من تلك الخيوط،
حتى تساوت الرايات
وتشابكت الخيوطُ فوقها
كشبكةٍ تصطاد الهواء نفسه.
يقال إن الذين أسقطوا الحملَ القديم
لم يكونوا يعرفون أن الحملَ
لم يمت،
بل انقسم.
صار ظلّين،
ثم أربعة،
ثم ما لا يُعدّ،
وما لا يُرى.
في الموضع الذي قيل إنه تحرّر،
وُجد حجرٌ دافئ،
كأن أحدًا كان يجلس عليه منذ لحظة.
وعندما حاولوا حمله،
انكسر الحجر نصفين،
ومن بينهما خرج صوتٌ
لم يقل شيئًا،
ولكن ,هناك من سمعه.
ومنذ ذلك اليوم،
لم يعد أحد يعرف
هل الضوء الذي يزور النوافذ
هو ضوءٌ حقًا،
أم مجرّد قشرةٍ تغطي شيئًا آخر،
شيئًا ينتظر أن نغمض أعيننا
ليعود إلى شكله الأول.
قالت العجائز:
لا تُصدّقوا السقوط إذا لم يُدفَن،
ولا تُصدّقوا الخلاص إذا جاء على يدٍ
لها ظلٌّ أطول من جسدها.
تتحدّث الرواياتُ الأخيرة
عن عابرٍ رأى البلاد من بعيد،
فرآها بلا ليلٍ ولا نهار،
بل طبقتين من الرماد:
طبقةٌ تسقط،
وأخرى تُبنى فوقها
دون أن يختار أحدٌ
مَن يسقط
ومَن يُبنى عليه.
(خاص للموقع)