
على سوريا تجنب ما عاشه العراق بعد 2003
حثت جامعة جورج تاون الأمريكية، القادة الجدد لسوريا على “الاستفادة من دروس العراق”، نظرا لوقوفها عند مفترق طرق كحال العراق قبل 20 عاما، لذا عليها تجنب الإقصاء الطائفي والانتقام والسير بتطبيق نظام حكم اتحادي شامل يقر بالتنوع العرقي والطائفي.
واوضح التقرير الصادر عن مركز الدراسات الأمنية التابع للجامعة،، أنه مع خروج سوريا من ظلال حكم بشار الاسد، اصبحت المرحلة الانتقالية التي تمر بها منذ ديسمبر/كانون الاول 2024 دقيقة، خصوصا بالنسبة للاقليات، حيث انفجرت التوترات الطائفية وتحولت الى عنف ضد المدنيين العلويين، وهو ما اثار مخاوف من عقاب جماعي يذكرنا بعراق ما بعد العام 2003، بالاضافة الى ان الكورد السوريين يدفعون نحو تحقيق حكم ذاتي اتحادي، وانما قائم على ترتيبات غير رسمية يشبه وضع اقليم كوردستان في العراق، الا انه لا تتوفر ضمانات قانونية لهذه الخطوة.
ودعا التقرير الامريكي القادة الجدد لسوريا الى “الاستفادة من دروس العراق” لتجنب الانهيار الطائفي والسياسات الاقصائية، وذلك من خلال “المصالحة مع مجتمعات النظام السابق بدلا من نبذها، واضفاء الطابع الرسمي على حقوق الاقليات ضمن اطار دستوري شامل”، حيث أن تجارب السنة والكورد في العراق بعد سقوط صدام حسين تمثل رسائل تحذيرية واضحة لمسار المستقبل السوري، سواء في اقصاء السنة الذي فاقم التمرد العراقي، بينما كانت الفيدرالية الكوردية بمثابة نموذج للحكم الذاتي والاستقرار بعد الصراع.
وأوضح التقرير، أن مرحلة ما بعد سقوط الأسد تلطخت بالعنف الطائفي الفظيع ضد الاقلية العلوية في سوريا، حيث وقعت “مجازر الساحل” في مارس/اذار 2025 بهجمات انتقامية مسلحة ضد مناطق تقطنها اغلبية علوية مثل اللاذقية وطرطوس، حيث يشير مراقبو حقوق الانسان الى مقتل اكثر من الف شخص، حوالي 800 منهم من المدنيين.
وهناك مخاطر سياسية هائلة بحسب ما اشار التقرير، من هذه الاعمال الانتقامية، لأن مثل هذا العقاب الجماعي بحق العلويين، قد يزرع بذور تمرد طويل، على غرار ما جرى في العراق بعد العام 2003، حيث واجهت الاقلية السنية عملية اقصاء كبيرة في ظل سياسة “اجتثاث البعث” التي طبقتها الولايات المتحدة، والتي الى جانب “انتهاكات الميليشيات الشيعية”، خلقت شعورا كبيرا بالظلم، واصبح السنة المهمشون ارضا خصبة لتجنيد الجماعات المتمردة – من تنظيم القاعدة الى الفصائل التي يقودها البعثيون والتي تحولت في النهاية الى داعش، فغرق العراق في سنوات من الحرب الاهلية الطائفية، كما أورد التقرير.
ولفت إلى أن، هناك ضرورة أن تتجنب سوريا تكرار دورة الاقصاء الطائفي التي شهدها العراق، والتي قادت الى التمرد، أشار إلى أن الرئيس السوري المؤقت احمد الشرع يدرك على ما يبدو لهذه الضرورة، مضيفا أنه يجب ان يكون هناك “مخرج” للعلويين الذين كانت لهم صلات بالنظام ولم يرتكبوا اي جرائم، مذكرا بان التفكيك الكامل للجيش العراقي والجهاز الاداري اللذين يهيمن عليهما السنة العراقيون، تسبب في حرمان الاف المسلحين من اي مكان في النظام الجديد، وهي خطوة كانت بمثابة كارثة.
وقال التقرير، إن تجربة العراق اظهرت انه بدون توفير مثل هذا المخرج، فان ذلك يخلق مجالا لحركات التمرد وحمل السلاح، ولهذا فإن تأمين سبيل لاعادة دمج المسؤولين من ذوي الرتب الصغرى في عهد الاسد، يحرم المتشددين من قاعدة دعم ويساعد في توحيد البلد، وفي هذا الإطار فإن العراق يقدم درسا واضحا حيث أن الحكم الشامل يمثل ضرورة امنية، كما انه يجب على سوريا محاسبة الافراد على جرائم الحرب، مع رفضها القاطع لاي خطاب يلقي باللوم على طائفة باكملها، اذ ان هذا “التوازن الدقيق المتمثل بالعدالة بلا انتقام، هو الطريق الوحيد لتجنب مصير العراق”.
الكورد والفيدرالية: وعود ومخاطر
وأشار تقرير جورج تاون، إلى أن الكورد تخلوا مؤقتا عن الاستقلال مقابل الاندماج، سعيا منهم لتامين حقوقهم في سوريا اتحادية جديدة، وذلك بعد اتفاق اذار/مارس الماضي بينهم وبين الحكومة السورية المؤقتة.
وأضاف أن الولايات المتحدة، التي دعمت قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش، في هذا الاتحاد وسيلة للحؤول دون وقوع صراع سوري داخلي وتسهيل الانسحاب النهائي للقوات الامريكية، مشيرا إلى أنه في حال نجاح الاتفاق فانه سيساهم في استقرار شمال شرق سوريا ومعالجة التوترات، بينما انه في حال فشل، فان ذلك قد يهدد باعادة اشعال الصراع بين القوات الكوردية والحكومة المركزية او الميليشيات المدعومة من تركيا.
ولهذا، أعتبر التقرير أن الكورد يرون في الفيدرالية وسيلة لانجاز تطلعاتهم وتوفير شبكة امان ضرورية في ظل مشهد سياسي متقلب، مشيرا إلى أن تجربة العراق ما بعد العام 2005، تقدم ايضا أملا وتحذيرا في الوقت نفسه، حيث انه بعد سقوط صدام حسين، أنشأ الكورد اقليم كوردستان، بالتعاون مع الامريكيين وعراقيين اخرين والعمل لضمان اعتراف دستور العام 2005 بكوردستان كاقليم رسمي، كما أسست حكومة اقليم كوردستان، التي كان لها برلمانها الخاص ورئيسها وقوات البيشمركة وحصة قانونية من عائدات النفط، من خلال ترتيبات اتحادية.
وقال التقرير، إن هذا الاطار ازدهر بين عامي 2005 و2013، مما جعل الاقليم الكوردي ملاذا أمنا في ظل العنف الطائفي في الجنوب، بينما تعزز النفوذ السياسي الكوردي في بغداد، مضيفا أن مثل هذا النجاح يشير الى ان لامركزية مشابهة في سوريا قد تمكن الكورد من الانخراط في اعادة الاعمار بدلا من السعي الى الاستقلال، مشيرا الى ان ما جرى يبرز الفيدرالية كمفهوم جديد ادخله العراق الى العالم العربي.
وبحسب التقرير فان التجربة العراقية، تظهر مخاطر تآكل الثقة وعدم وضوح الاتفاقيات، حيث وقعت نزاعات بين بغداد واربيل، حول تقاسم عائدات النفط والاراضي المتنازع عليها مثل كركوك، بينما دفع استفتاء الاستقلال العام 2017 القوات الاتحادية الى انتزاع امتيازات لحكومة الاقليم، مما ادى الى تخفيضات في الميزانية والغاء عقود نفط كوردية.
ولهذا حث التقرير السوريين والكورد، على قوننة التفاهمات، مشيرا الى أن هناك عدة خطوات لجعل الحكم الذاتي الكوردي عامل استقرار، اولها صياغة دتسور جديد يحدد حقوق الكورد وسلطتهم الاقليمية لانه بلا وجود هذا الاطار القانوني، قد يتأثر الوضع باي جهة في دمشق، مؤكدا على انه من الضروري مأسسة دور الكورد قبل ان يفقدوا نفوذهم.
والخطوة الثانية، كما قال التقرير، انه يجب مراعاة الديناميكيات الاقليمية، وخصوصا دور تركيا المعقد التي لها علاقة براغماتية مع حكومة الاقليم، حيث انه يمكن لنهج مشابه في سوريا ان يحد من المخاوف إذا اعطى الكورد السوريون الأولوية للوحدة على الاستقلال.
أما الخطوة الثالثة، فقد قال التقرير انه يتحتم على الكورد الاستفادة من الدعم الدولي، على غرار ما فعله الكورد في العراق بمشاركة الولايات المتحدة والامم المتحدة في صياغة الدستور، مذكرا بان المسؤولون الغربيين يعبرون عن قلقهم ازاء معاملة النظام الجديد الذي يقوده الاسلاميون في دمشق، للاقليات، واصبحت حقوق الكورد جانبا اساسيا من ذلك، داعيا الى استمرار الضغط الدبلوماسي لضمان ان يصبح هذا الاتفاق له معنى.
خلاصات
وقال تقرير جورج تاون، إن اضطرابات ما بعد الأسد، من مجازر اللاذقية الى الاتفاق الكوردي، تمثل المخاطر والامل في هذه اللحظة، محذرا من ان السياسة الاقصائية قد تقوض السلام الهش في سوريا مثلما جرى في العراق عندما ادى انتصار جماعة، الى تمرد جماعة اخرى، مضيفا، أن الامل هو ان تتمكن سوريا من تجنب هذا المصير عبر تطبيق الدروس التي تعلمها العراق بصعوبة فيما يتعلق بالمصالحة والفيدرالية.
وبعدما تساءل التقرير عما يجب ان تتعلمه سوريا من العراق، قال إن الانتقام من مؤيدي النظام الساقط، لا يمكن ان يصبح اساسا لنظام جديد، مضيفا أن قادة العراق أدركوا بشكل متأخر ان معاملة جميع السنة كاعداء تؤجج التمرد، ولهذا يجب على قادة سوريا الجدد ادانة العنف الاخير ضد العلويين باعتباره عملا اجراميا، لا تشجيعه، ويتحتم عليهم ايضا طمأنة الأقليات بان العقاب الجماعي مرفوض من خلال دمجهم في السلطة، والحفاظ على وسائل عيشهم، وضمان اتباع العدالة.
ومن اجل تجنب “ظهور شبح التمرد”، قال التقرير ان هناك حاجة الى اضفاء طابع رسمي على ترتيبات تضمن لكل طائفة حصتها في الدولة، بما في ذلك مساعي الكورد للانخراط في اللامركزية في السلطة، حيث ان تجربة العراق الاتحادية، برغم عيوبها، ساهمت في الحفاظ على الوحدة وتعزيز التعددية السياسية، ولهذا يتحتم على القيادة السورية الانخراط في الحوار الوطني وصياغة الدستور بانفتاح حقيقي على التعددية، مع مراعاة نظام فيدرالي اكثر مرونة او حكم ذاتي محلي قوي، اذ ان دستورا يوفر الحماية لحقوق الاقليات والحكم الذاتي، من شانه ان يعزز السلام.
وختم التقرير بالقول ‘ن “سوريا تقف حاليا عند مفترق طرق مثلما جرى للعراق قبل 20 عاما”، وتساءل عما اذا كان بامكانها الخروج كأمة مستقرة وموحدة، ام ستعيد احياء التمرد والتشرذم التي عاشها العراق، مضيفا ان المآسي العراقية في مرحلة ما بعد صدام، تقدم عبرة امام السوريين، الا انها ترشدنا ايضا الى ما لا ينبغي فعله، ويتحتم على قادة سوريا الجدد ان يظهروا الحكمة اللازمة للاستفادة من هذه الدروس بما في ذلك حماية الاقليات، وتقاسم السلطة، ووضع اطار دستوري له اعتباره لدى كل طرف.
وخلص الى القول، إن بامكان قادة سوريا الجدد ان “ينقذوا سوريا من تكرار كوابيس العراق، بل ويحققوا الامل في ان تكون سوريا خالية من الديكتاتورية وكموطن لكل ابنائها”. واضاف ان “العالم يراقب، والتاريخ مستعد للحكم على ما اذا كانت دمشق ستقبل المصالحة ام ستسمح لاشباح ماضي العراق ان تطارد مستقبل سوريا”.
(ترجمة: وكالةشفق نيوز)