بين الأمل والفخ: زيارة الشرع إلى واشنطن
في خضمّ التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، تعود سوريا إلى الواجهة الدولية عبر حديثٍ عن زيارة رفيعة المستوى إلى واشنطن و لقاء مع الرئيس الأميركي.
لكنّ الانقسام حول مغزى هذه الزيارة واضح:
هل هي فرصةٌ تاريخية لإعادة إدماج سوريا في النظام الدولي واستعادة الشرعية السياسية والاقتصادية؟
أم أنها فخٌّ سياسي يُراد منه تثبيت واقعٍ هشّ داخليًا واستثماره في توازنات إقليمية جديدة؟
أولاً: رؤية المتفائلين – «العودة إلى الخريطة»
يرى التيار المتفائل أنّ الزيارة تمثّل إعلانًا عن نهاية مرحلة العزلة وعودة سوريا إلى المسرح الدولي كفاعلٍ لا كمفعولٍ به.
من هذا المنظور، ما يجري اليوم هو تحوّل جيوسياسي (Geopolitical Shift) يعكس اعترافًا ضمنيًا من القوى الكبرى بأنّ النظام السوري استطاع البقاء، وأنّ الاستقرار الإقليمي لم يعد ممكنًا من دونه.
في هذا الاتجاه، يرى المتفائلون أن اللقاء مع واشنطن أو رفع العقوبات هو بداية لـ مرحلة إعادة الإدماج الدولي (International Reinsertion)، وأن ذلك قد يفتح الباب أمام إعادة الإعمار، الاستثمار، وإعادة التموضع الاقتصادي.
دعم تحليلي لهذه الرؤية:
- معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أشار في دراسة بعنوان «بناء سوريا ما بعد الأسد» إلى أن أي انفتاح أميركي أو غربي على دمشق يمكن أن يكون فرصة لبناء مؤسسات جديدة تعكس إرادة السوريين، إذا ترافق مع إصلاحات داخلية تدريجية.
- مقال “الجزيرة” حول «ما الذي تريده أميركا من سوريا الجديدة؟» رأى أن واشنطن تميل إلى واقعيةٍ سياسية هدفها الاستقرار وضبط الحدود ومحاربة الإرهاب، ما يعني أن عودة سوريا للواجهة قد تكون جزءًا من حلٍّ أوسع للمنطقة.
- سمير العيطة أشار في إحدى مقالاته إلى أن رفع العقوبات وعودة سوريا إلى الساحة «يعكسان تغييرًا في أولويات واشنطن والخليج»، معتبرًا أن هذا التبدّل فرصة لـ«سلام واقعي» إن استُثمر داخليًا بذكاء.
بعبارة أخرى، يعتقد المتفائلون أن دمشق أمام لحظة حقيقية: إما أن تدخل التاريخ من بوابة “التحوّل الوظيفي للدول” (Functional Role Transformation)، أو أن تضيع الفرصة في تفاصيل بيروقراطية وأمنية.
ثانياً: رؤية المشكّكين – «القوة بلا إنجاز داخلي»
في المقابل، يرى المشكّكون أن ما يجري ليس تحوّلاً استراتيجياً بل إعادة تكيّف مؤقتة، وأنّ سوريا ما تزال في أضعف حالاتها منذ عقود:
- سيادة منقوصة بفعل الوجود الروسي والإسرائيلي والأمريكي والتركي,وآلاف المقاتلين الأجانب.
- اقتصاد يزداد سوءا مع التضخم اليومي.
- غياب أي إصلاح سياسي أو إداري حقيقي,وأي مشاركة في السلطة.
- تزايد الفجوة بين السلطة والمجتمع.
- غياب العدالة والشفافية .
وفق هذه الرؤية:
- واشنطن لا تسعى لإعادة تأهيل النظام، بل لاستخدامه كأداة وظيفية ضمن ترتيبات أمنية جديدة تشمل إسرائيل والخليج.
- أي لقاء أو زيارة سيكون استثماراً في الضعف لا في القوة، ووسيلة لإضفاء شرعية شكلية على سلطة لم تثبت جدارتها داخليًا.
- “رفع العقوبات” أو “التقارب الدبلوماسي” قد يخدم مصالح الغرب — أمن الحدود، الحد من النفوذ الإيراني، السيطرة على ملف الكبتاغون — أكثر مما يخدم السوريين.
تحليلات داعمة لهذه الرؤية:
- مقال في الجزيرة: «ماذا تريد أميركا من سوريا الجديدة؟»
- يحلل مصالح الولايات المتحدة، ويدلّ على أن واشنطن تُركّز حالياً على الأمن، ضبط الحدود، وتقليص دور الحلفاء المحليين مثل قوات سوريا الديمقراطية. الجزيرة نت
- معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى — «بناء سوريا ما بعد الأسد: كيفية التأكّد من أن العملية تعكس إرادة الشعب»
- يناقش التحليل كيف أن إعادة بناء سوريا تتطلّب ليس فقط دعمًا خارجيًا، بل أيضاً مؤسسات قوية تمثّل السوريين فعلياً.
- سمير العيطة حذّر في مداخلة متلفزة من أن «الأميركيين والإسرائيليين قد يورّطون دمشق في صفقات سياسية وأمنية لا تخدمها على المدى الطويل».
- نضال معلوف كتب في منشورٍ: «زيارة الشرع إلى أميركا مستحيل تصبح واقعاً… ما الثمن؟» — في إشارة إلى أن أي انفتاح حقيقي سيأتي بثمن سياسي مرتفع، وربما تنازلات غير معلنة.
- كمال اللبواني ذهب أبعد، فاعتبر أن ما يجري ليس إصلاحاً بل «تبديل فرق» بين أميركيين وبريطانيين، وأن الزيارة «قد تكون مقدّمة لتسليم السلطة وفق خارطة طريق معدّة مسبقًا».
مقارنة مركّزة بين الرؤيتين
| المحور | المتفائلون | المشكّكون |
|---|---|---|
| طبيعة الزيارة | خطوة رمزية تؤسس لعودة سوريا إلى النظام الدولي. | مسرحية سياسية لتبييض صورة النظام دون تغيير حقيقي. |
| دور واشنطن | شريك محتمل لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار والاستقرار. | لاعب براغماتي يسعى لاستخدام سوريا ضمن توازنات جديدة. |
| الوضع الداخلي السوري | سيُعاد إصلاحه تدريجياً بدعم خارجي بعد الاستقرار. | لن يتحسّن دون إصلاح ذاتي، وأي دعم خارجي سيكون هشًّا. |
| الخطر الرئيسي | إضاعة الفرصة إذا لم تُواكب الزيارة بإصلاح حقيقي. | الوقوع في فخّ “التطبيع بلا مقابل”، وتثبيت واقع الانقسام. |
واقعية الأمل وواقعية الخوف
بين الواقعية السياسية التي تتحدث عنها النظريات، وواقعية الشارع السوري المنهك، تقع زيارة واشنطن في منطقة رمادية:
- هي من جهة فرصة لإعادة التوازن إذا ما ارتبطت بخطوات ملموسة في الداخل: إعادة هيكلة المؤسسات، إصلاح الإدارة، فتح المجال العام.
- لكنها من جهة أخرى قد تكون فخًّا دولياً يعيد إنتاج الأزمة تحت عناوين جديدة.
يبقى الرهان الحقيقي على القدرة الداخلية لسوريا في تحويل أي اعتراف خارجي إلى مشروع وطني حقيقي، لا إلى لحظة دعائية عابرة.
فالزيارات تنتهي، أما الدول فتعيش أو تموت بقدر ما تُصلح ذاتها.
(خاص للموقع)