تنفيذ “2799”بين الجدية وكسب الوقت
تشهد الساحة السورية في الأسابيع الأخيرة تطورات متسارعة، بعد أن دخلت البلاد في مسار سياسي جديد يرتبط بتنفيذ متطلبات القرار الدولي 2799الذي تبنّاه مجلس الأمن تحت الفصل السابع، والذي يُعيد رسم قواعد العلاقة بين دمشق والمجتمع الدولي. وبين الضغوط القانونية، والاستحقاقات الأمنية، ومطالب المساءلة، تجد الحكومة السورية نفسها أمام سباقٍ مع الزمن لتثبيت موقعها وإثبات جديتها في الامتثال للمعايير الدولية.
رفع اسم الشرع وأنس خطاب: مؤشر على تغيّر في النظرة الدولية
أحد أبرز انعكاسات تلك المرحلة كان رفع اسم الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من لائحة العقوبات والإرهاب الدولية. هذه الخطوة لم تكن مجرد قرار تقني، بل جاءت نتيجة تقييم سياسي يرى أن الحكومة الجديدة أبدت استعدادًا لتنفيذ سلسلة من الالتزامات الأساسية، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، واحترام قواعد حقوق الإنسان.
رفع الأسماء من لوائح دولية شديدة الحساسية يعني أن الدول الفاعلة في مجلس الأمن باتت تنظر إلى الحكومة السورية الجديدة بوصفها طرفًا قابلًا للتعاون، مع إبقاء صيغة ضغط مستمرة لضمان تنفيذ التعهدات.
ماذا يعني وضع القرار تحت الفصل السابع بالنسبة لسوريا؟
إن إدراج القرار الأممي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ليس تفصيلًا تقنيًا، بل يحمل دلالات ثقيلة سياسياً وقانونياً:
- الفصل السابع يعني الإلزام: فالتنفيذ لم يعد خيارًا سياسيًا، بل التزامًا دوليًا، ويمكن لمجلس الأمن اتخاذ إجراءات تلقائية في حال عدم الامتثال.
- استخدام القوة وارد: الفصل السابع يسمح، نظريًا، بالانتقال من العقوبات إلى الإجراءات العسكرية إذا رأى المجلس أن السلم الدولي مهدّد.
- مراقبة دولية مشددة: كل خطوة من الحكومة السورية باتت تخضع لقراءة دولية دقيقة، مع تقديم تقارير دورية عن الالتزام.
الربط بالقرار 2254
إدراج القرار تحت الفصل السابع يُعيد إحياء القرار 2254 الخاص بالحل السياسي، ويضعه في سياق أكثر إلزامًا:
- القرار 2254 كان إطارًا سياسيًا غير إلزامي إلى حد كبير، يعتمد على التوافق والمفاوضات.
- القرار الجديد تحت الفصل السابع يشكّل رافعة ضغط تجعل تنفيذ بعض بنود 2254—مثل الإصلاح الدستوري، والانتخابات، وتهيئة البيئة الآمنة—أقرب إلى الالتزام القانوني وليس مجرد إطار تفاوضي.
- عمليًا، يمكن القول إن المجتمع الدولي يستخدم القرار الجديد لفتح الباب مجددًا أمام تطبيق 2254، ولكن هذه المرة مع أدوات أكثر فاعلية وتأثيرًا.
بمعنى آخر: الفصل السابع هو ما كان ينقص القرار 2254 ليصبح نافذًا، وما يحدث اليوم هو محاولة لإعادة هندسة المسار السياسي بسقف دولي أعلى.
التزامات ثقيلة… وحساسة
الاتفاق الأممي وضع على عاتق الحكومة مجموعة من المتطلبات السياسية والأمنية والإنسانية، أبرزها مكافحة الإرهاب، تسهيل وصول المساعدات، وقف الانتهاكات، والمساءلة القضائية عن الجرائم.
بعض الخطوات العملية — محاسبة الجرائم والتطبيق على الأرض
لجعل هذه الالتزامات أكثر من كلمات على الورق، قامت الحكومة ببعض الخطوات الملموسة، خاصة في ملفي جرائم الساحل وأحداث السويداء:
هذه الخطوة تُظهر محاولة حكومية لإظهار الجدية في المساءلة، وهي عنصر مهم لكسب ثقة مجلس الأمن والدول الأخرى التي رعت القرار.
مجازر الساحل – محاكمة المتورطين
اللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة وثّقت في تقريرها أن العنف في الساحل السوري (مارس 2025) كان “منهجيًا” وقد يصل إلى جرائم حرب.
وفق ما نقلت بعض المصادر، بدأت جلسات علنية لمحاكمة بعض المتهمين بارتكاب انتهاكات من تلك الأحداث.
هذا النوع من المحاكمات يُعد دليلًا عمليًا على التزام الحكومة بمحاربة الإفلات من العقاب، خصوصًا في ظل انتقادات دولية بخصوص العنف الذي شهده الساحل.
لجنة التحقيق في مجازر السويداء
شكّلت الحكومة لجنة وطنية للتحقيق في أحداث السويداء (يوليو 2025).
أعلن رئيس اللجنة، حاتم النعسان، أن اللجنة زارت مواقع الاعتداءات، أجرت مقابلات مع ناجين وشهود، وتحفظت على الأدلة.
حسب اللجنة، تمَّ توقيف عناصر من وزارتي الداخلية والدفاع بعد ثبوت تورطهم، وأحيلوا إلى القضاء المختص.
كما وعدت اللجنة “بعدم الإفلات من العقاب” وتحديد المسؤولية الفردية، وإصدار توصيات قانونية لضمان عدم تكرار الانتهاكات.
الشرعية الدولية… ونقطة التحوّل الممكنة
تسعى الحكومة السورية لأن يكون تنفيذ القرار خطوة نحو إعادة تطبيع العلاقات الدولية وفتح أبواب الاستقرار الاقتصادي. لكن الطريق يتطلب استمرارية في المساءلة، وإثبات قدرة المؤسسات على العمل وفق المعايير الدولية، وتقديم نتائج ملموسة في ملفات الساحل والجنوب.
هل تكسب الحكومة السورية الوقت أم أنها تنوي تنفيذ متطلبات القرار فعلاً؟
يبقى السؤال الأبرز الذي يشغل المتابعين: هل تتحرك الحكومة السورية بدافع الالتزام الحقيقي بتطبيق القرار الدولي، أم أن ما يجري ليس أكثر من محاولة لكسب الوقت وتخفيف الضغوط؟
هذا السؤال مشروع، خاصة في ضوء تجارب سابقة اتسمت بالتباطؤ أو الالتفاف على بعض الالتزامات. فهناك قراءتان متناقضتان تتصارعان اليوم في التحليل السياسي:
الرأي الأول: الحكومة تكسب الوقت
يرى هذا الاتجاه أن دمشق تعتمد تكتيك “تخفيف الضغط” عبر إطلاق خطوات أولية لا ترقى إلى مستوى التغيير الجذري المطلوب، بهدف:
- تهدئة المجتمع الدولي مؤقتًا.
- منع تفعيل إجراءات أقسى تحت الفصل السابع.
- إعادة ترتيب الداخل قبل الانخراط في التزامات ثقيلة.
- استخدام المساءلة المحدودة كأداة سياسية لا كتوجه مؤسسي دائم.
وفق هذا الرأي، فإن الوتيرة البطيئة لبعض الخطوات تؤكد أن التحرك ما زال في الإطار التكتيكي وليس الاستراتيجي.
الرأي الثاني: الحكومة تنوي تنفيذ القرار لأسباب بنيوية
في المقابل، يرى آخرون أن الحكومة الجديدة مضطرة—سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا—لتنفيذ متطلبات القرار، لأن:
- وضع البلاد تحت الفصل السابع يجعل أي تباطؤ مكلفًا للغاية.
- رفع اسم الشرع وأنس خطاب مشروط باستمرار خطوات الإصلاح والمساءلة.
- الحكومة تسعى فعلًا لاستعادة شرعية دولية.
- إعادة الإعمار والتمويل الدولي غير ممكنين دون امتثال فعلي.
- الضغط الداخلي في الساحل والجنوب والاقتصاد بات يفرض إصلاحات حقيقية.
وفق هذا التصور، فإن التزام الحكومة ليس خيارًا سياسيًا بل ضرورة وجودية لضمان بقاء الدولة وتجنب عزلة أشد.
الخلاصة
ما بين الرأيين، تبقى الحقيقة مرهونة بما ستقدمه الحكومة خلال الأشهر القادمة:
إما خطوات عملية متواصلة تؤكد النية الحقيقية، أو تكرار لسيناريو “شراء الوقت” الذي لم يعد المجتمع الدولي مستعدًا لمنحه طويلاً.
سوريا أمام مفترق طرق
المرحلة الحالية تُعد من أكثر المراحل حساسية في تاريخ البلاد. فالحكومة الجديدة أمام فرصة لاستعادة جزء من ثقة المجتمع الدولي، لكن النجاح مرهون بقدرتها على تنفيذ التزاماتها تحت الفصل السابع، وإعادة إحياء القرار 2254 ضمن توافقات سياسية جديدة. التنفيذ الحقيقي على الأرض—لا الشعارات—هو ما سيحدد مستقبل سوريا في المرحلة المقبلة.
المراجع
- الأمم المتحدة – مجلس الأمن
- نصوص قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا، بما فيها القرار 2254 والقرار2799 الأخير الصادر تحت الفصل السابع.
- تقارير رسمية للأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في سوريا
- مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA).
- تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا.
- وكالات أنباء دولية
- وكالة الصحافة الفرنسية (AFP).
- رويترز (Reuters).
- أسوشييتد برس (AP).
- منصات إعلام عربية ودولية ذات متابعة للشأن السوري
- الجزيرة نت.
- العربية نت.
- BBC عربي.
- France24 عربي.
- تقارير منظمات حقوقية دولية
- هيومن رايتس ووتش (HRW).
- العفو الدولية (Amnesty International).
- بيانات حكومية سورية منشورة عبر المنصات الرسمية
- رئاسة مجلس الوزراء.
- وزارة العدل ووزارة الداخلية.
(خاص للموقع)