عندما غنى "عبد الحليم حافظ" للقضية الفلسطينية كانت القضية لم تزل في عقدها الأول، حسه الفني لم يتجاهل الأزمة فأصر في معظم أغنياته الوطنية على أن يبكي فلسطين، ومرت الأيام والسنون وتبدلت الأصوات وهاهي أغنيات العندليب تساوي في تأثيرها وصدقها كل الأغنيات التي غناها من بعده، وكأنه كان يعلم أن الغناء سيأتي يوم عليه ويبتعد عن هموم الأوطان.
كانت أولى أعنياته التى ذكر فيها اسم فلسطين عام 1955، تحت عنوان "ثورتنا المصرية" تأليف مأمون الشناوي وتلحين رؤوف ذهني، وفي هذه الأغنية غنى وقال:
ضد الصهيونية .. بالمرصاد واقفين
وحاترجع عربية .. حبيبتنا فلسطين
وحاتفضل للدنيا .. نور يخدي البشرية
وفي 9 يناير عام 1960، أثناء وحدة مصر وسوريا وبمناسبة وضع حجر الأساس للسد العالي، غنى عبد الحليم حافظ مع صباح وهدى سلطان ونجاة وشادية نشيد "الوطن الأكبر" حيث يقول فيه عبد الحليم:
وطني يا ساكن قلبي وفكرى .. عهدي وأصون
العهد بعمري .. أنا اللي هارفع بإيدي رايتك
على القدس كله وعلى جزايرك
ونلاحظ أن هناك بعض الكلمات المختلفة عن النشيد الذي نسمعه الآن، وهذا هو النشيد الأول ثم تبعه النشيد الأخير الذى يذاع باستمرار الآن والذي اشتركت فيه فايدة كامل ووردة الجزائرية، ولم تشترك فيه "هدى سلطان" وفي هذا النشيد أيضا غنى العندليب لفلسطين وقال:
وطني يا زاحف لانتصاراتك
ياللي حياة المجد حياتك
في فلسطين وجنوبنا الثائر ح نكمل
لك حرياتك
وفي 23 يوليو 1960 وفي نادي القوات المسلحة بالزمالك واحتفالا بالعيد الثامن للثورة غنى عبد الحليم "ذكريات" كلمات أحمد شفيق كامل وألحان محمد عبد الوهاب، وفي هذه الأغنية حكى بصوته ذكريات ما حدث على أرض فلسطين عام 1948، وقال:
إزاي ازاي في اللد وفي الرملة كانت العملة مأساة كاملة
أستشهد أخويا في أراضيها بين رزابيها
وحبيبته خطيبته ما أنساش لوعتها وكلامها لصورته
إزاي يا حبيبي إزاي غشوك إزاي بسلاحك بإيدك قتلوك
أسلحة فسدانة وخسرانة غشنا حكامنا ودسوها
ليه تاجروا فيها وقتلونا بيها ليه ليه ليه
ويستمر بركان غناء "عبد الحليم" في مواكبة بركان الدماء، ففي عام 1961، يغني مع محمد عبد الوهاب ونجاة وفايزة أحمد وشادية وفايدة كامل نشيد "صوت الجماهير" كلمات حسين السيد والحان محمد عبد الوهاب. ويغني العندليب:
باسم اتحادنا قوم يا كفاحنا قول للصهينة المعتدين
راية العروبة عرفت نجومها من عام ثمانية وأربعين
حطمنا الأصنام .. ومحينا الخدام
ما بقاش فينا عميل بيردد صوت أسياده على المزامير
خط النار موصول .. والجماهير بتقول
دقت ساعة العمل الثوري في فلسطين باسم الجماهير
وفي 22 فبراير 1961 وبمناسبة مرور 3 سنوات على وحدة مصر وسوريا وفي حفل أضواء المدينة في دمشق يعني "حليم" مع عبد الغني السيد ونجاة وصباح ومحمد قنديل وفايدة كامل وفايزة أحمد والمطرب السوري رفيق شكري نشيد " الثأر " كلمات أحمد شفيق كامل وألحان علي إسماعيل ، وفي هذا النشيد يزلزل صوت العندليب أرجاء نادي الضباط في دمشق وهو يقول
يا أخي العربي ياللي أغتصبوا منك أرضك في فلسطين
يللي العالم نام عن حقك وإحنا وحقك مش نايمين .. عايز تارك
يا أخي العربي ياللي الدم في تل أبيب بينادي عايز تارك
وفي العيد العاشر للثورة يطلب "حليم" من الرئيس "جمال عبد الناصر" عودة القدس لأراضينا في أغنية "مطالب الشعب" ويرتفع صوته بالمطالب ويقول:
باسم اللاجئ باسم حقوقه في فلسطين
باسم دمانا بالشهداء الفدائيين
عايزين .. عيزين يا أمل ملايين ، العودة العودة لأراضينا
قدها وقدود يا بطل موعود يا حبيب الشعب يا ناصر
وعندما ألمت بنا هريمة 1967، وفي قاعة ألبرت هول بمدينة لندن غنى "المسيح" كلمات الشاعر عبد الرحمان الأبنودي وألحان بليغ حمدي، على لسان أحد أبناء القدس وفي القاعة احتشد 8 الآف شخص يمثلون الأمة العربية من المحيط الى الخليج يستمعون إلى "حليم" وهو يقول:
يا قدس ابنك زي المسيح غريب غريب
تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب
خانوه نفس اليهود
ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود على أرضها
حتى في أغنياته الخاصة لبعض الملوك لم تغب قضية القدس يوما عن ذهن العندليب ففي أغنيته "الماء والخضرة والوجه الحسن" غنى قائلا: أرض السلام صبحت آلام والقدس صابحة ف الضلام
تحلم بأجراس الكنايس.. بالأذان بالله أكبر الله أكبر بالسلام
نحلم بأبطال العرب شابكة الأيادي.. ومعاها نصرة الله على كل الأعادي
وفي اغنية "أه يا ليلة محلاكي" يقول:
يا رب أشوفك يالحسن واقف ما بين المنصورين
بنقيد معاهم سمعة رجوع أرضنا فلسطين
وتغني المغربية زي الليلة دية للنصرة القوية.