بقلم ثاليف ديين
تواجه الأمم المتحدة مشكلة أخري عاصية في مساعيها لتوفير مياه الشرب للجميع، ألا وهي إستخدام الماء كسلاح حرب في النزاعات العسكرية. وتأتي أحدث الأدلة علي ذلك في منطقة الشرق الأوسط إلى حد كبير، بما في ذلك العراق، ومصر، وإسرائيل التي أوقفت إمدادات المياه إلى الأراضي المحتلة.
وأعرب الأمين العام بان كي مون الاسبوع الماضي عن قلقه إزاء التقارير التي تفيد بأن إمدادات المياه في المدينة السورية المحاصرة، حلب، قد قطعت عمدا من قبل الجماعات المسلحة ولمدة ثمانية أيام، مما حرم 2.5 مليون شخصا على الأقل من الحصول على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي.
وحذر المسؤول الأممي من أن "منع حصول الناس على المياه الصالحة للشرب هو إنكار لحقوق الإنسان الأساسية"، وأن "الاستهداف المتعمد للمدنيين وحرمانهم من الإمدادات الأساسية، يعتبر خرقا واضحا للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان".
فعلي مدي أكثر من ثلاثة أعوام منذ إندلاع الحرب الأهلية السورية، يجري استخدام المياه كسلاح من قبل جميع أطراف النزاع، بما في ذلك حكومة الرئيس بشار الأسد والجماعات المتمردة المتعددة التي تقاتل من أجل الاطاحة به من السلطة.
وصرحت مود بارلو -التي تمثل مجلس الكنديين، ومرصد الغذاء والماء- أن المياه تستخدم على نحو متزايد ومتعمد كسلاح لحرب في النزاعات الحديثة والجارية.
وذكرت في حديثها مع وكالة إنتر بريس سيرفس أنه خلال الحرب بين إيران والعراق في الثمانينات، تم تجفيف الأهوار، ثم قام الرئيس العراقي صدام حسين بتجفيفها أكثرا فأكثر علي مدي التسعينات للإنتقام من الشيعة وعرب الأهوار الذين وفروا لهم الحماية.
وعن الوضع في مصر، قالت بارلو -التي سبق وأن عملت كمستشار لرئيس الجمعية العامة في قضايا المياه في الفترة 2008/2009- أن خصخصة المياه وتحويلها إلى الأثرياء كانت عاملا رئيسيا في ثورة "الربيع العربي". فكان الآلاف من المواطنين لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب ومن ثم فقد كانت "احتجاجات العطش" واحدة من المحفزات الجزئية للانتفاضة الكبيرة.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، جعلت أكثر من أربعة عقود من الاحتلال الإسرائيلي من المستحيل تطوير أو صيانة البنية التحتية للمياه في قطاع غزة، مما تسبب في تلوث مياه الشرب والعديد من الوفيات، وفقا للخبيرة.
لكن هذه المشكلة الخطيرة لا تقتصر علي دول الشرق الأوسط دون غيرها.
فقد أفادت بارلو أن بوتسوانا تستخدم المياه أيضا كسلاح ضد الـ "كالاهاري" في محاولة لإجبارهم على الخروج من الصحراء، حيث تم اكتشاف الماس. وفي عام 2002، حطمت الحكومة بئر المياه الرئيسي الوحيد الذي كان هؤلاء الأهالي يعتمدون عليه.
ومن جانبهما، شدد كل من أناند غروفر و كاتارينا دي البوكيرك -خبيرا الأمم المتحدة في مجال المياه والصرف الصحي- أن التدخل في إمدادات المياه حتى في سياق الصراع المستمر، هو أمر غير مقبول تماما.
وأفادا أن مدينة حلب السورية قد عانت من إنقطاع في إمدادات المياه منذ بداية شهر مايو عام 2014، بل ومن إنقطاع شامل يوم 10 مايو، مما حرم العديد من الأهالي -ربما مليون شخصا- من المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي.
هذا وأفادت الخبيرة مود بارلي أن المياه تستخدم أيضا كسلاح "حروب طبقية". فقد عجز عدة آلاف من سكان مدينة ديترويت بولاية ميشيغان الأمريكية، عن دفع فواتير المياه فقطعت إمدادات المياه عنهم.
وفي الآونة الأخيرة، يحدث نفس الشيء في أسبانيا واليونان وبلغاريا نتيجة لبرنامج التقشف في أوروبا.
وفي غضون ذلك، تم توفير المرافق الصحية المحسنة لما يقرب من ملياري شخص في أنحاء العالم منذ عام 1990، وتمكنت 2.3 مليار نسمة من الحصول على مياه الشرب من مصادر محسنة، وفقا لتقرير جديد للامم المتحدة صدر الاسبوع الماضي.
فوفقا لهذا التقرير المشترك لصندوق الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الصحة العالمية، نجح حوالي 1.6 مليار من الأهالي في توصيل أنابيب المياه في منازلهم أو منشآتهم.
كما أفاد التقرير، المعنون "تحديث مرحلي بشأن مياه الشرب والصرف الصحي: 2014"، بأن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في المدن، وأن المناطق الحضرية لا تزال أفضل حظا في مجال توفير المياه والصرف الصحي، منها في المناطق الريفية.
"لكن الفجوة آخذة في التناقص"، حسب التقرير الأممي.
ففي عام 1990 كان أكثر من 76 في المئة من الأهالي الذين يعيشون في المناطق الحضرية يحظون بمرافق صحية محسنة، مقابل 28 في المائة فقط في المناطق الريفية.
وبحلول عام 2012، كان 80 في المائة من سكان الحضر و 47 في المائة من أهالي المناطق الريفية يعتمدون علي مرافق صحية أفضل.
ومع ذلك، فقد حذر التقرير أنه على الرغم من هذا التقدم، إلا أنه لا يزال هناك تفاوت جغرافي واجتماعي وثقافي واقتصادية حاد في مجال تحسين إمدادات مياه الشرب ومرافق الصرف الصحي في جميع أنحاء العالم
(ips).
إضافة تعليق جديد