د. فاضل عواد من الوجع إلى الشهرة إلى الاعتزال بسبب السياسةولد الدكتور فاضل عواد أحمد الجنابي في بغداد - مدينة الحرية عام 1942وهو مطرب عراقي مشهور يمتلك صوتاً دافئاً شجياً، حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي من الجامعة المستنصرية، أجاد نظم الشعر الفصيح إلى جانب الشعر الشعبي، يتقن الضرب على الإيقاعات والعزف على العود، ويجيد الغناء باللون البغدادي والريفي، إضافة إلى تلحينه الكثير من الأغاني.أما أغنية (لا خبر) العنوان التمهيدي للمقال، فهي بالأساس قصيدة للشاعر العراقي الراحل طارق ياسين، كتبها عام 1964 وضمّتها مجموعته الشعريَّة (خطوات على الماء - 1970) (١) التي شارك بها أيضاً الشاعران عزيز السماوي وعلي الشباني، ولم تتم إجازتها كأغنية - كما يقال - لاعتراضات كثيرة على غرابة مفرداتها، لولا جهود الشاعر حسب الشيخ جعفر، الذي كان يعمل في الإذاعة بالقسم الثقافي.وسرّ نجاح وشيوع هذه الأغنية يكمن في قوّة النص الشعري واللحن الجديد والأداء المتمكن، ما يعني تكامل عناصر الأغنية فيها. لحّنها المطرب الراحل حسين السعدي، وكان متردداً في أدائها بصوته لأسباب تتعلق به، فما كان منه إلا أن عرضها على المطرب فاضل عواد، الذي تلقفها باهتمامٍ كبير، فكانت سبباً في شهرته وبدايةً لتأسيس انطلاقته الغنائيَّة. ومنها:" لا خبر، لا چفيّه، لا حامض حلو، لا شربتگَالوا صوانيكم اشموع انترستوالتمت الحلوات من كل ديره حلوه التمتواترف اصابع ليلة الحنّه ابعذابي اتحنّتوانجوم بصواني خُضر للصبح عدكم سهرت، للصبح عدكم سهرتواگصايب الحلوات عدكم سهرت، ضحكات حلوات إوهلاهل عنبر واخصور تهتز للضوه إو تتكسر، والناس كلهه التمت فد نوب مامش طيب لهنا وصلت. لا خبر، لا چفيه، لا حامض حلو، لا شربت ".وهذا الجزء الأول من القصيدة الأصل قبل أنْ يتحوّل الى أغنية، وتُلاحَظ التغييرات التي عملها الملحن - للمتابع والمهتم - استجابةً للتطويعات اللحنية، وتوزيع الموسيقا، وهكذا أصبحت أغنية (لا خبر) شعراً ولحناً وأداءً، لوحة لتكامل الأغنية التي تمثل الذائقة العالية في الغناء العربي.تخرج فاضل عواد في الثانوية بدرجات عالية، وتقدم عام 1965 للدراسة في معهد إعداد المعلمين (٢) على الرغم من درجاته العالية، وعندما لاحظ مدير المعهد آنذاك خليل أحمد جلو معدله العالي الذي يؤهله لدخول أية كلية يشاء في جامعة بغداد، كاد أن يرفض قبوله في المعهد لولا تبرير فاضل عواد له سبب مجيئه إلى المعهد بقوله: "أنا من عائلة فقيرة محتاجة. وفي هذا المعهد يوجد قسم داخلي مجاني، سيوفر على أهلي مصاريف أكلي وشربي وسكني، وأستطيع إرسال الخمسة دنانير راتبي الشهري الذي ستمنحونه لي خلال دراستي لهم"، وأثناء دراسته كان كثير الغياب بسبب انشغاله بالإذاعة والتلفزيون وحين واجهه المعاون بمدير المعهد طالباً فصله لتجاوز غياباته الحد المقرر، رفض المدير جلو فصله بعد أن اطلع على الدرجات العالية التي كان فاضل عواد يحوز عليها. وبعد ذلك، تم استثناؤه من الالتزام بحضور الدروس ما دامت درجات امتحاناته عالية.يعتبر د. فاضل عواد من أهم مطربي الأغنية السبعينية بسبب تميز صوته بشجن آسر وعذوبة لا تخطئها الأذن الموسيقية أبداً.. وقد لعبت المصادفة والحظ دوراً في شهرته نهاية الستينيات من خلال أغنية (لا خبر) المشار إليها أعلاه، والتي لحنها الفنان الراحل (حسين السعدي) بنفسه لكن الإذاعة رفضتها فأراد توريط فاضل بها - كما يقال - لأنه لا يعلم بمسألة رفضها لذا حين تقدم بها رفضت أيضاً..! لكن الملحن الراحل ياسين الراوي الذي كان يقدم ويعد برنامجاً للهواة أخذ بيد فاضل عواد وأغنيته (لا خبر) فقدمها وحصل على موافقة لبثها باعتبار أن برنامجه للهواة وليس للمحترفين وحين بُثّت الأغنية انطلقت في سماء الشهرة والمجد وجعلت فاضل عواد من أشهر مطربي العراق وطارت شهرتها وغناها الناس في الأعراس والمناسبات وقدمتها إحدى الاذاعات أكثر من عشرين مرة متتالية.. وحصدت شهرة لم تشهدها أغنية عراقية مع مطرب آخر.وقدم د. فاضل عواد بعدها باقة من أجمل الأغاني العراقية مثل: يا نجوم صيرن كلايد ويا شموع واتنه اتنه وحاسبينك وهلو واحنا نهل وغيرها..الجدير بالذكر أن فاضل عواد بدأ الغناء هاوياً في حدائق السكك ببغداد مع زميله الفنان سعدون جابر وكان قد تقدم إلى برنامج ركن الهواة عام 1967 لينضم إلى الكورس الغنائي لفرقة الإنشاد العراقية وحقق حلم حياته بالوقوف خلف المطرب العراقي الكبير "محمد القبانجي"، وسجل فيما بعد مجموعة من الأغاني الخاصة به ومن أوائلها (لا خبر لا جفية لا حامض حلو لا شربت) التي حققت - كما ذكرنا - نجاحاً باهراً عراقياً وعربياً وباتت تُردَّد في أغلب البيوت العراقية وفي الأعراس والمناسبات.قدم فاضل عواد كثيراً من أعماله الغنائية باللغة الفصحى، وكانت لديه مواويل بالفصحى، وسجل للإذاعة عملاً غنائياً لإحدى قصائد "ابن زيدون". كذلك ألف وأنشد القصائد الصوفية في التكية القادرية الكسنزانية (٣)، وبقي منشداً هناك من سنة 1978 - 1987 وانقطع فترة ثم عاد إلى الإنشاد مرة أخرى سنة 1995.وقد شهدت الساحة الغنائية بداية التسعينيات تغيراً كبيراً تجلّى في موجة جديدة من الغناء الحديث أدت إلى ظهور أسماء جديدة على الساحة الغنائية وأفول نجم فاضل عواد وزملائه ياس خضر وحميد منصور وحسين نعمة وسعدون جابر الذين احتلوا ساحة الغناء العراقي خلال فترة السبعينيات ومعظم فترة الثمانينيات.وبسبب تدهور حالة الدكتور فاضل عواد المادية وعدم الاهتمام به من قبل المسؤولين في ذلك الوقت هجر الغناء واتجه للعمل في مجال التدريس في ليبيا بين 1995 - 2005 ومع أنه ترك الغناء هناك إلا أنه ظل ينظم الشعر وينشر قصائده في جريدة "الدرونيل" في مدينة بني وليد الليبية ويشارك في المهرجانات الشعرية.عاد فاضل عواد إلى وطنه عام 2005 وفي حمى التغييرات والتحولات السياسية في العراق أعلن ترشحه للانتخابات البرلمانية التي جرت العام 2018 تحت عنوان “من أجل الدفاع عن حقوق الفنانين الذين لم يجدوا من يدافع عنهم في البرلمان”.وكردّ فعل على "تعرضه للخذلان" من قبل جمهوره، وعدم حصوله إلا على 105 أصوات عند ترشحه للانتخابات البرلمانية، أعلن اعتزاله الفن والغناء وفجّر بذلك جدلاً عراقياً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. حين كتب:“أعلن اعتزالي الفن والغناء وعدم الظهور بأي لقاء تلفزيوني أو المشاركة بالحفلات الداخلية والخارجية أبداً، وأدعو جميع الفنانين الذين رشحوا للانتخابات وعدم انتخابهم مثلي إلى الاعتزال حفاظاً على قلوبهم”.وفي الختام يدرّس د. فاضل عواد - أطال الله في عمره - حالياً التصوف والبلاغة القرآنية والأدب العربي الإسلامي في كلية الشيخ محمد الجامعة (كلية السلام الجامعة حاليا) في بغداد بوظيفة معاون عميد الجامعة.... ـــــــــــــــــــــــــــــــهامش (١): خطوات على الماء، ديوان مشترك للشعراء: علي الشباني، عزيز السماوي، طارق ياسين. صدر الديوان سنة 1970 عن مطبعة الجامعة - بغداد، ويحتوي على12 قصيدة وكتب مقدمته يوسف الصائغ.هامش (٢): للعلم: خريج معهد إعداد المعلمين في بغداد يصبح معلم ابتدائية، لا أكثر.هامش (٣): نسبة إلى محمد بن عبد الكريم الكسنزاني الحسيني، وهو صوفي عراقي وشيخ الطريقة الكسنزانية واسمها الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ويقع المقر الرئيسي لهذه الطريقة في محافظة السليمانية في العراق.أما اسم الكسنزان الذي يُطلق على عائلة الشيخ فهو لقب أُطلق على جدهم عبد الكريم الأول. وكسنزان كلمة كردية تعني «لا يعلم عنه أحد»، وسبب إطلاق هذا اللقب عليه هو انقطاعه لمدة أربع سنوات عن الناس مختلياً في أحد جبال قرداغ، وهي منطقة تقع في ضواحي مدينة السليمانية يعني اسمها «الجبل الأسود»، وحينما كان يُسأل أحد الناس عن الشيخ يقول «كسنزان» أي لا أحد يعرف. وبعد عودته من الجبل جرى هذا اللقب على ألسنة الناس. (ويكبيديا الموسوعة الحرة).للاستفاضة، انظر: (ويكبيديا الموسوعة الحرة). وانظر: (جريدة الصباح، عدد: الثلاثاء 07 أيار 2019). وانظر أيضاً: (العرب أونلاين: /07/23 2019).
إضافة تعليق جديد